الخميس، 30 يوليو 2020

تعقيبا علي السيد ميشيل لاستشنكو

تعقيبا علي السيد ميشيل لاستشنكو
أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


تعقيبا علي السيد ميشيل لاستشنكو
أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية


السيد السفير (الفخري) لجلالة ملك البلجيك،
تحية طيبة وبعد،
ردا علي مقالكم المنشور يوم 24/7/2020، في موقع "La libre.be"، تحت العنوان المأساوي ـ الخبيث: "وماذا لو صلي المسيحيون والمسلمون معا في القديسة صوفيا؟"، أبدأ بتحديد: ان أي شخص قام بدراسة الحضارة الفرنسية وأمضي كل حياته مع وبين نصوص الحضارة الفرنسية ووثائقها، لا يمكنه استكمال قراءة مقالكم إلا ويصاب بإحباط ونفور يصعب وصفهما، خاصة إذا ما وضعنا خطابكم هذا ضمن تلك الضجة العنصرية التي دوّت هذا الأسبوع في أوروبا. 
وهي ضجة احتجاجية انطلقت لأن دولة ذات سيادة، هي تركيا، تجرأت وصوّبت عملية احتيال فُرضت عليها منذ 86 سنة، من أحد العملاء الذي تم وضعه في منصب رئاسة تركيا ليحد من الوجود الاسلامي في أوروبا.

ولعلك لا تجهل أن عبارة "مسالة الشرق" هي المصطلح المستخدم منذ سنة 1774، في المجال السياسي أو بين السياسيين في الغرب، للإشارة الي حياكة عملية تدخل القوي الأوروبية، ومنها فرنسا، والمملكة المتحدة، وروسيا وألمانيا، التي اضطرت للتضامن لنسج مؤامرة عنوانها: اقتلاع الوجود الإسلامي من أوروبا! 
وهي المؤامرة التي لم تتوقف إلا سنة 1918، مع انهزام "الباب العالي"، الذي اختفي من الساحة الجغرافيوسياسية سنة 1923 بتوقيع اتفاقية لوزان واستبدال الجمهورية التركية بالإمبراطورية العثمانية، برئاسة مصطفي كمال أتاتورك. 
وإذ اجتاحه حب الولاء لأسياده، قام بتحويل مسجد آيا صوفيا إلى متحف، على الرغم من ان ثمنه كان قد تم دفعه للبطريرك المسؤول عنه! وهو ما يعني أنه لم يكن من حقه القيام بمثل هذا التغيير. ولكي يتفادى أية تعليقات كاشفة، قام سنة 1935 بتحويله الي متحف وأهداه "إلى الإنسانية"!! واليونسكو، الذي لم يكن قد تم إنشاؤه بعد، بما أنه أُنشيء يوم 16 نوفمبر 1945، بادر على حد قولك بتسجيل هذا الأثر باسم الإنسانية. وهو ما يرمي إلى عدم المساس به! ويا له من موقف مزدوج السخرية أن نري نفس هذه الهيئة تترك عملية انتزاع فلسطين بسكانها وكل آثارها دون أن تفعل شيئا!

- وفي مثل هذه الأوقات المأساوية التي يمر بها العالم حاليا، فإنه من عدم الشعور بالمسؤولية أن تقوم بإشعال الحريق مع ادعاء البراءة! ففي الواقع، إن الحرب ضد الإسلام قد بدأت في القرن الثامن ولم تتوقف حتى اليوم. بدأت حين أدركت الكنيسة ان الإسلام ليس مجرد هرطقة تحمل رقم الواحد بعد المائة من الهرطقات التي واجهت تكوين المسيحية المدرج بالدماء والانشقاقات، وذلك تعرفه يقينا أفضل مني. أما الإسلام فهو دين إلهي قد أنزله المولي لتصويب الطريقان الخطأ اللذان اتخذتهما الرسالتين التوحيديتين السابقتين. وهذه الانحرافات تعرفهما أيضا تماما.

- إذا، ما معني أن تملأ مقالا من عدة صفحات هو بالفعل خارج من أقبية الفاتيكان، وتقوم بالمساواة فيه بين حروب صليبية دارت باسم الرب وفرسانه ليمحوا الإسلام، وردود المسلمين عليها. والمساواة بينهما لا تمس إلا مستوي معلوماتك التاريخية. لأنه، كما رأيت بعاليه، دولة غربية بمفردها لم يكن بوسعها أن تحد من الانتشار المنطقي للإسلام، لذلك بادروا بالتكاتف كبلدان مسيحية، رغم خلافاتهم العقائدية وأن يوحدوا جيوشهم ليقوموا بذلك. واسمح لي هنا أن أضيف بضعة نقاط لأوضح لك علك تدرك حقيقة الموقف:
- ان المجمع الفاتيكاني الثاني (1963 ـ 1965) قد قرر وأنشأ أثناء انعقاده لجنتان تحت رئاسة البابا مباشرة، إحداهما لتنصير الشعوب حتى تبدأ الألفية الثالثة والعالم بأسرة وقد تم تنصيره. واللجنة الثانية من أجل الحوار بين الأديان، لكسب الوقت وانتزاع ما يمكن انتزاعه في كل لقاء الي أن تتم عملية التنصير. وهي قرارات لا نقاش ولا رجعة فيها. لذلك فإن كل بابا يأتي بعد ذلك المجمع هو مجبر، بحكم منصبه، على تنفيذ هذا البرنامج التنصيري بأي ثمن وبأي ويلة.

- إن عملية قيام المجمع بتبرئة اليهود من دم المسيح، في نفس ذلك المجمع الفاتيكاني، بعد أن ظلت الكنيسة تفرض لعنتهم لمدة ألفا عام، وتعرف حضرتك بأي ثمن تم ذلك، فمن الطبيعي أن يتباعد الأتباع بعد ان رأوا كيف تتلاعب الكنيسة بالنصوص جهارة. وفي يومنا هذا هم ليسوا في نفس مستوي جهل الأتباع الأوائل، فراحوا يتسللوا تاركين الكنائس، وتبعهم القساوسة..

- إن الكنائس في أوروبا بعد أن فرغت من روادها وقساوستها، كان يتم بيعها منذ عشرات السنين وتحويلها الي محلات أو قاعات للرقص أو مطاعم أو مكتبات عامة وذلك منذ سنوات. فلما كل هذه الضجة المفتعلة المتضافرة في الغرب من أجل استعادة مسجد آيا صوفيا الي وضعه الطبيعي؟ وهذ الأمر لا معني له سوي الإصرار على المخط القادم:
- إن البابا فرانسيس، الچزويتي حتى النخاع، يمسك بزمام مؤامرة جديدة، تمت صياغتها على نفس نمط خطة "مسألة الشرق"، لكنها بعنوان: "عملية الشرق"، ويتم نسجها في فرنسا وبلدان أخري بقيادة الفاتيكان، لاقتلاع الإسلام تحت الزعم المفتعل: إنقاذ مسيحيو الشرق الأوسط من العذاب والمآسي التي يعانون منها بسبب المسلمين. لذلك أرجو سيادتك مراجعة مجلة فوربس لتري من هم المليارديرات في بلد كمصر، المسلمون أم الأقليات المسيحية؟

- كونك تلوح أنت أو آخرين بقيمة المبالغ الضخمة التي تدرها السياحة في تركيا بفضل آيا صوفيا كمتحف، في العديد من الجرائد هي طُعم رخيص لن يجعل أي مسلم صادق، يتمسك بدينه وشعبه وبلده أن يغيّر رايه من أجل حفنة نقود.

- أما قمة مقالك في اللؤم الچزويتي النزعة فهي عبارة: "أتعشم أن تقوم هيئة الديانة بدعوة الكنائس المسيحية أن تتواجد كل يوم أحد في محراب من بازليكا القديسة صوفيا لإقامة الطقوس الإلهية"!! فهي ليست مجرد عبارة شيطانية، بل أسوأ، على حد تعبير فيكتور هوجو.

- وهناك تعبير آخر كاشف في مقالك: "استخدام لفظ الرب لنشر الموت والخراب". فإن كنت تجهل من هم الذين قاموا بتنفيذ هذه العبارة وتكوين فرقها، فتكرم بمشاهدة الفيديو الذي كانت السيدة كلينتون تشرح فيه لجنود البحرية كيف أمضوا عشرين عاما لتكوين وتدريب فرق داعش وآيزس وغيرها..

- لذلك من الواجب أن أضيف لك عدة نقاط أساسية لمعلوماتك: المسيحيون والمسلمون لا يعبدون نفس الإله على الإطلاق، فالأسماء ومعانيها تختلف جذريا. المسيحيون يعبدون إنسان قامت الكنيسة بتأليهه في مجمع نيقية الأول سنة 325، وقد امتد تكوين ونسج المسيحية عبر عشرات القرون بين انقسامات ومجاز، لا تجهلها يقينا، فهي جزء من التاريخ الديني المسيحي. وكلمة الرب، Dieu في كل اللغات تعني إله ما، فالأسماء العلم لا تترجم. وفي المسيحية كلمة الرب تشير الي يسوع تلقائيا وكأنها وظيفة لا يقوم بها سواه. 
أما المسلمين فيعبدون الله، الإله الحق، الإله الواحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. إنه الإله الخالق لكل شيء. ونص القرآن، على عكس الكتاب المقدس الذي تمت صياغته في المجامع على مر العصور وسط المعارك الدامية، شيء، والقرآن الكريم شيء آخر: فهو منزل وحيا من عند الله لسيدنا محمد، ولم يتبدل فيه حرفا منذ أوحاه الله حتى يومنا هذا.

ومن أهم تعاليم الإسلام ألا يبدأ المسلم بالحرب وإنما عليه أن يرد الاعتداء بقدر الهجوم. وإذا كان الإسلام قد انتشر بتلك السرعة المبهرة فذلك يرجع بخلاف محتواه، الي ان المسيحيين في مطلع القرن السابع كانوا لا يزال جزء منهم على عقيدة أريوس الرافض لتأليه المسيح، والذي تمت إدانته في نفس المجمع الذي تم فيه تأليه يسوع، او يتذكرون تعاليمه. والأريوسيين كشعب الكاثار والبوجوميل وكثير غيرهم قد تمت ابادتهم عن بكرة أبيهم تحت أسلحة ونيران محاكم التفتيش. ومذهب الأريوسية وانتشاره حتى ذلك الوقت هو الذي ساعد على امتداد الإسلام وحضارته الي مصر واسبانيا وغيرها من بلدان العالم.
- فبدلا من إشعال الفتن والحرائق، أليس من الإنسانية أن تحاول وقف المخطط الجديد الذي يعده البابا والذي ستتم أولي خطواته العالمية في شهر أكتوبر القادم؟ وهي خطة تهدف الي دعوة كل القيادات السياسية في العالم والرئاسات الدينية والتعليمية لتوحيد برامج التعليم وفرض يوم الأحد، يوم الرب كما تقولون، كعطلة أسبوعية على الصعيد العالمي، وبذلك يتم إلغاء إجازة يوم الجمعة وصلاة يوم الجمعة المنصوص عليهما إلهياً في نص القرآن.


وشكرا للقراءة،
زينب عبد العزيز
26 يوليو 2020


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق