امرأة أسقطت ديكتاتورا
سيلين محمد سارى
في عمق وديان الجحيم تقبع مدن الظلام، مدن متشابهة سلبت منها كل أشكال الحياة فرض الظلام عليها سطوته فلا تُسمع فيها أصوات البشر ولا تراهم..
فقط همهمات خافتة تدل على وجود حياة تعافر من أجل البقاء بمدن القهر والعزل الإجباري وخلف أسوار الظلام، فقط يوجد ديكتاتور يفرض قانونه حيث الجميع عبيد لديه..
يموتون من أجل أن يحيا؛يموتون جوعا كي ينعم بترف العيش ويسكن القصور، يرفلون في وافر من الجهل والفقر والمرض حتى ينعم هو باستقرار حكمه، ويجلس على عرش من جماجمهم.
يعيش الديكتاتور في برجه العاجي الذي شيده من هياكل شعبه يخطب فيهم عن قيمة الزهد والتضحية؛ وأن الوطنية تحتم عليهم أن يقبلوا بالفقر من أجل أن يحيا الوطن منعما.
تختلف أسماء الجبابرة وجنسياتهم وحتى الحقب التاريخية التي يعيشون فيها، ولكن يظل فكرهم ومنهجهم واحدا، لا يتغير وأيضا نهايتهم واحدة الإعدام بيد الشعوب التي قهروها.
تشاوشيسكو ديكتاتور رومانيا الذي حولها لمعتقل كبير يسوم فيه شعبها الذي استعبده وأنهك قواه كل صنوف العذاب،فحكمها بالحديد والنار، فلم يجرؤ أحد على الاعتراض أو الثورة.
فقد قام البوليس السري "الأمن الوطني" بتجنيد الشعب ضد بعضه، وزرع الشك في نفوس الأصدقاء وأفراد الأسرة الواحدة، فلم يعد بالإمكان أن تثق بأحد، فكانت أي محاولة للثورة مصيرها الفشل والاعتقال والتنكيل لكل من فكر فيها.
حتى فكرة مغادرة البلاد صارت حلمًا بعيد المنال لأغلب المواطنين، فيعاقب كل من يحاول تحقيقه بالسجن والتعذيب.
ضرب تشاوشيسكو حصارا على رومانيا في كل شيء وجمع كافة السلطات بيده؛ فكانت فوضى القرارات الاقتصادية والسياسية التي دمرت كل مناحي الحياة و جعلت الشعب يعاني الأمرين من فقر واعتقال وتعذيب، لمجرد ظهور أي بادرة امتعاض مما وصل له الحال.
فالاعتراض على قرارات الحزب عقوبتها الإعدام؛ ليس هذا فحسب، تحكم تشاوشيسكو بأدق تفاصيل حياة المواطن، حتى إنه في عام 1972 حدد لكل مواطن السعرات الحرارية بطعامه بحجة مكافحة السمنة.
ولكن حقيقة الأمر أنه كان قد أودى بالبلاد إلى حالة مزرية من الفقر وحطم اقتصادها بحجة سداد ديون البلاد، في النفس الوقت الذي كان يبني فيه أضخم وأفخم قصر ليسكنه.
لم يكتف بذلك ففي ظل هذا الفقر وتردي الحالة المعيشية يصدر تشاوشيسكو قانون "الإنجاب القسري"!!
فقد أجبرت نساء رومانيا على الإنجاب بصفة مستمرة بقانون رسمي..
ضرب تشاوشيسكو حصارا على رومانيا في كل شيء وجمع كافة السلطات بيده؛ فكانت فوضى القرارات الاقتصادية والسياسية التي دمرت كل مناحي الحياة والتي جعلت الشعب يعاني الأمرين من فقر واعتقال وتعذيب لمجرد ظهور أي بادرة امتعاض مما وصل له الحال.
"الجنين هو ملك المجتمع بأسره؛أي شخص يمتنع عن إنجاب الأطفال هو يائس يتخلى عن قوانين الاستمرارية الوطنية"، نيكولاي تشاوشيسكو.
فحُظرت جميع وسائل منع الحمل، وسن قوانين تقييد الطلاق، وخفض سن الزواج إلى 15 سنة، لم يسمح بالإجهاض إلا للأم التي لديها بالفعل أربعة أبناء في رعايتها، أو كان لديها صلات بالحزب الشيوعي.
فرضت ضرائب على الأسر التي بلا أطفال! فرضت ضريبة على النساء اللواتي لا ينجبن، تشمل نحو 10% من رواتبهن الشهرية.
قبضة فولاذية حددت حتى أنماط البناء وألوان واجهات المباني، مرورا بأنواع الملابس والأطعمة، وانتهاء بما تنشره الصحف وما يبثه الإعلام من أكاذيب عن الزعيم العظيم ونظامه السياسي وإنجازاته.
وفي ظل كل هذا الجبروت لم يدر ببال تشاوشيسكو ومن حوله أن سقوطهم سيكون على يد امرأة، أو بمعنى أدق بصوت امرأة هي ذاتها لم تدر أنها ستكون يوما أيقونة لثورة بلادها، فهي أبعد ما تكون عن العمل الثوري والسياسي.
مجرد مترجمة كانت تبحث عن وسيلة لزيادة دخلها، وكانت فرصتها مع مهرب من نوع غريب، مهرب لإفلام أمريكية يريد من يترجمها للغة الرومانية بصوته.
إيرينا نستور، لعبت دورا مهما في نقل السينما العالمية للرومانيين بكل ما مثّلته تلك السينما من مفردات الحياة اليومية وتفاصيلها التي يحلمون بها.
قد يبدو هذا بسيطا لكنّ الأمر لم يكن كذلك في رومانيا تشاوشيسكو؛ فلم يكن مسموحا للشعب بمعرفة ما يحدث في العالم الخارجي.
فالأفلام التي تعرض كانت تمر برقابة صارمة، تقص المشاهد التي تظهر فيها أي مظاهر للترف، من التي يحلم بها الشعب الروماني مثل المنازل الواسعة والطعام الشهي وحمامات السباحة تلك المحرمات التي ينعم بها تشاوشيسكو وحاشيته فقط.
معول هدم ذاك النظام الشمولي جاء من داخله فتعاون بعض ضباط تشاوشيسكو الكبار مع مهرب الأفلام الأمريكية ما دام الشعب مفتون بها وتحقق أرباح طائلة.
لقد أوقدت نستور شعلة الثورة بصوتها الذي جعل الشعب يرى من خلاله العالم الخارجي، ويدركون أن هناك حياة حقيقية يحياها الناس بعيدا عن ذاك القبر الذي دفنوا فيه أحياء بلا رحمة.
أوقدت نستور شعلة الثورة بصوتها الذي جعل الشعب يرى من خلاله العالم الخارجي، ويدركون أن هناك حياة حقيقية يحياها الناس بعيدا عن ذاك القبر الذي دفنوا فيه أحياء بلا رحمة.
لم يتخيل نيقولاي تشاوشيسكو وهو يلقي خطابا أمام 100 ألف مواطن، أن هذا الحشد الهائل، الواقف أمامه، قادر على أن ينتفض في لحظة، فتهاوت القبضة البوليسية الحديدية، واندلعت الثورة كالنار، وملأت الجموع الشوارع. تخلت نخبة دعمه عنه، فحاكمه الشعب هو وزوجته وأُعدما رمياً بالرصاص.
فالقبضة مهما كانت حديدية يمكن لكلمة أن تفتتها،وصلف الديكتاتوريين ينتهي دائما تحت أحذية الشعوب.
مخطئ من يظن أن الأمر يمكن أن يستتب لقوة غاشمة؛ وأن تلك القوة مهما بلغت تستطيع وأد ثورة، الثورات لا تقوم بالإعداد والترتيب فيمكن محاصرتها بل هي شرارة ربما لا تمت إلى الثورات بصلة تشتعل في الأرض التي امتلأت بوقود القهر،حيث لا يهدأ اشتعالها إلا بعد القضاء على كل من ساهم في قهر الشعوب.
أوقدت نستور شعلة الثورة بصوتها الذي جعل الشعب يرى من خلاله العالم الخارجي، ويدرك أن هناك حياة حقيقية يحياها الناس بعيدا عن ذاك القبر الذي دفنوا فيه أحياء بلا رحمة.
فلا يغرنكم رؤيتكم للديكتاتوريين في أوج عظمتهم، محاطين بحراب الحرس، وهُري الشرطة، إلا أن قلوبهم تحمل خوفًا لا يعلنونه، هم يخافون الكلمات والأفكار، وهذا ما قاله تشرشل، فالثورة قادمة لا محالة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق