منذ شهرين تلقيت دعوة من (مجموعة واتس)، واسعة التوجهات من أبناء الكويت، لمحاورة ثقافية قصيرة بمدخل وأسئلة يوجهها أعضاء المجموعة، وهذه سمة مميزة للمسرح الثقافي الكويتي، بحيث تحتشد أطيافه، في خيمة حوار وطني، وربما تراجعت هذه الروح موسماَ أو عادت، لكن بقي إرثها حاضراً في البيئة الوطنية الكويتية، التي تواجه اليوم أخطر تحدياتها، منذ غزو النظام العراقي في الثاني من آب أغسطس 1990, وندعو للشيخ صباح بالشفاء، ولمستقبل الكويت بكل خير لشعبها.
أحد ضيوف المجموعة، ممن كان ينعت بأنه من أبرز مفكري التيار اللبرالي في الخليج لا السعودية فقط، أدلى بمشاركته في ذلك الشهر، والتي ركزت على الهجوم الضمني على الكويت، والسخرية من واقعها الذي آل إليه هامشها الديمقراطي، واعتبار أن المشروع السعودي الجديد، هو الذي يُمثّل واجهة المستقبل الثقافي والمدني الحقيقي، ووجه خلال مداخلته رسائل تخويف بشأن جماعة الإخوان المسلمين، انعكست اليوم، في الموقف السياسي الأخير لمحور أبو ظبي من الكويت.
وردت بعض التعقيبات على الضيف المحتفى به، وتم تأييده بعد ذلك وتُبني تحريضه من مغرد، كان يُنعت بأنه أبرز مثقفي الإمارات اللبراليين، ومؤخراً برز تياران أيدلوجيان، مع فارق التاريخ التأسيسي والوصفي، التيار الجامي والتيار اللبرالي الجديد في الخليج العربي، كمنظومة تأييد حاشدة تدعم التحولات القمعية في الخليج العربي.
وقد رفض الضيف الإقرار بأي أزمة حقوقية تعيشها الرياض، وبالذات معتقلي التيار المدني في السعودية، من أبناء الفكر العروبي، الذي كان يُحسب صاحبنا بأنه مقرب منه.
قبل العودة نقول إن هناك مساحات ضيقة للغاية، بل لا يوجد مساحة قد يعبر عبرها المفكر إن اعتبر مفكراً، أو المثقف، أمام واقع أمني متوحش، وحاشد لقوته في كل زوايا الثقافة، ومفهوم الضرورات تبيح المحظورات، ليس قاعدة إسلامية، وإنما هي حاجة إنسانية، حين يكون التهديد لحياة المرء وسلامته، لو لم يكن له بالفعل أي مندوحة، فيصمت أو ينطق بما ينقذ حياته.
لكن ذلك شيء، والاحتفاء بمنظومة القمع والتبرير لها ثقافياً شيء آخر، فضلاً عن الشراكة، بالتحريض على التيارات أو المعتقلين ضمنياً أو مباشرةً.
كما أن ظروف المثقف ومبادئه، تنعكس أحياناً في مساحة لتقاطعاته الشخصية، مع مشاريع أو مواقف رسمية، ولكن ذلك يقاس مشروعيته، بمساحة دور قلمه الشامل، واستقلاله في مبادئه، وبين توظيفه المطلق، أياً كانت جهة أو دولة التقاطع السياسي، فهناك فرق بين التقاطع وبين التوظيف تحت قرع طبول التشبيح الثقافي، لذات المشاريع والتوجهات القمعية.
فضلاً عن غياب هذا المثقف كلياً، عن أي منصة إصلاح، أو دعوة للإفراج عن المضطهدين الذين يفقدون أعمارهم في السجون، ويخسر أهلهم المعذبون وكيان الوطن الاجتماعي، صرحاً كريماً من خلال هذا المفكر الصدّيق الشهيد أو المعتقل، في حين يُحيّي (المثقف الشبيح) المشروع المركزي للقمع الذي قتل رفاق الأمس.
إن أهم زاوية اليوم، بغض النظر عن كون ممارسه التشبيح يحسب على الفكر اللبرالي أو المدني العام، أو القومي أو الإسلامي أو اليساري، هي في أن بقاء هذه الشخصيات تحسب على حراك الخليج العربي الفكري، هو نوع من الازدراء.
وربما بُرر ذلك بالسقوط الكبير لشخصيات يسارية أو قومية، هتفت لزعماء قوميين أو ملكيين، أو شخصيات دينية فعلت ذلك مع أولئك الزعماء، وهذا ليس حجة مطلقا، فهذا إرث ونموذج أسود، لم يسلم منه أي إقليم عربي، لكن أيضا نحتاج أن نكون حذرين في التفريق بين مواقف موسمية محددة، وقفها ذلك المثقف في مناسبة أو حدث، ومن تحوله لدعم المشروع القمعي والدفاع عنه.
فهذه العاهات تتحول إلى شبيحة تمارس أمراضها النفسية، وهي تبتهج بتحويل القيم المدنية، من منظومة حقوق دستورية كاملة، أول مبناها الدستور العادل المُنَفّذ، وحقوق الفرد وحرية رأيه السياسي، وشراكته في بناء مستقبله الوطني وأجياله، إلى منظومة سلوكية شخصية، هي كل هم ذلك المثقف المدلّس أو حتى الواعظ الديني، الذي كان يروج للقمع باسم الدين، فاليوم ذلك الشبيح المطوع، جاء محله الشبيح اللبرالي، لتكون الثقافة (التقدمية) هي بطاقة التزوير على إنسان الخليج بدلاً من سوط الدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق