الخميس، 29 أبريل 2021

دروس في الصبر تقدمها صحابيات حول الرسول

 دروس في الصبر تقدمها صحابيات حول الرسول 



د. علي الصلابي

كانت غزوة أحد أول معركة في الإسلام تشارك فيها نساء المسلمين، وقد ظهرت بطولات النساء، وصدق إيمانهن في هذه المعركة، فقد خرجن لكي يسقين العطشى ويداوين الجرحى، ومنهنّ مَن قامت بردّ ضربات المشركين الموجّهة للرسول -صلى الله عليه وسلم-، وممَّن شاركن في غزوة أحد: أمُّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، وأمّ عمارة، وحَمْنَة بنت جحش الأسدية، وأمّ سليط، وأمّ سليم، ونسوة من الأنصار. [مسلم (1809 و1810 و1811)].

قال ثعلبة بن أبي مالك رضي الله عنه إنَّ عمر بن الخطاب قسَم مُرُوطا بين نساء من نساء أهل المدينة، فبقي منها مِرط جيّد، فقال له بعض مَن عنده يا أمير المؤمنين! أعطِ هذا بنت رسول الله التي عندك -يريدون أمّ كلثوم بنت علي- فقال -عمر رضي الله عنه- أمّ سَليط أحقُّ به. وأمُّ سليط من نساء الأنصار مِمّن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر فإنها كانت تُزْفِر لنا القِرَب يوم أحد. [البخاري (2881، 4071)].

وقد سطّرت النساء في هذه الغزوة أروع صور التفاني في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ظهرت بعض المواقف العظيمة في صبرهن على ما أصابهن في سبيل الله تعالى، وثّقتها لنا كتب السيرة النبوية، ونذكر منها 4:

 

صفية بنت عبد المطَّلب رضي الله عنها:

لـمَّا استُشهد أخوها حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه في أحد، وجاءت لتنظر إليه -وقد مثَّل به المشركون فجدعوا أنفه وبقروا بطنه وقطعوا أذنيه ومذاكيره، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لابنها الزّبير بن العوّام "القِها، فأرجعْها؛ لا ترى ما بأخيها"، فقال لها يا أُمَّه! إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرك أن ترجعي، قالت: ولم؟ وقد بلغني أنَّه قد مُثّل بأخي، وذلك في الله، فما أرضانا بما كان من ذلك! لأحتسبنّ، ولأصبرنّ إن شاء الله.

فلـمَّا جاء الزّبير بن العوّام -رضي الله عنه- إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك، قال "خَلِّ سبيلها" فأتته، فنظرت إليه، فصلّت عليه، واسترجعت، واستغفرت له. [سبق تخريجه].

 

حَمْنَةُ بنت جحش رضي الله عنها:

لـمَّا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من دفن أصحابه رضي الله عنهم، ركب فرسه، وخرج المسلمون حوله راجعين إلى المدينة، فلقيته حمنة بنت جحش، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حمنة! احتسبي! قالت مَنْ يا رسول الله؟! قال أخاك عبد الله بن جحش، فاسترجعت، واستغفرت له، ثمّ قال لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم احتسبي! فقالت مَن يا رسول الله؟! قال: خالك حمزة بن عبد المطَّلب، قالت إنا لله وإنا إليه راجعون، غفر الله له، هنيئا له الشهادة. ثمَّ قال لها احتسبي! قالت مَن يا رسول الله؟ قال زوجك مصعب بـن عُمير، قالت: واحزنـاه!

وصاحت، وولولت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنَّ زوج المرأة منها لبمكان"؛ لما رأى من تَثبّتها عند أخيها، وخالها، وصياحها على زوجها. [ابن ماجه (1590)، والطبري في تاريخه (2/532)، والبيهقي في الدلائل (3/301)، وابن هشام (3/104)]. ثمّ قال لها ولم قلت هذا؟ قالت: يا رسول الله! ذكرت يُتم بنيه، فراعني، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولولدها أن يحسن الله تعالى عليهم من الخَلَف، فتزوَّجت طلحة بن عبيد الله، فولدت منه محمّدا، وعمران، وكان محمّد بن طلحة أوصل النَّاس لولدها.

 

المرأة الدِّينارية رضي الله عنها:

قال سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه مرَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بامرأة من بني دينار، وقد أُصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأحد، فلمّا نُعوا لها قالت فما فعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا خيرا يا أمّ فلان! هو بحمد الله كما تحبّين، قالت أَرُونيه حتّى أنظر إليه، فأُشير لها إليه، حتَّى إذا رأته؛ قالت: كلّ مصيبة بعدك جلل. [الواقدي في المغازي (1/292)، والطبري في تاريخه (2/533)، والبيهقي في الدلائل (2/302)، وابن هشام (3/105)].  تريد أن كل مصيبة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صغيرة. وهكذا يفعل الإيمان في نفوس المسلمين.

 

أمُّ سعد بن مُعاذ، وهي كبشةُ بنت عبيد الخزرجيَّة رضي الله عنها:

خرجت أمّ سعد بن معاذ تعدو نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم واقف على فرسه، وسعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه، فقال سعد يا رسول الله! أمّي! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرحبا بها، فدنت حتّى تأمّلت رسول الله، فقالت أما إذ رأيتك سالما؛ فقد أشوت المصيبة، فعزّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرو بن معاذ ابنها، ثمّ قال يا أمّ سعد! أبشري، وبشّري أهليهم أنّ قتلاهم قد ترافقوا في الجنَّة جميعا -وهم اثنا عشر رجلا- وقد شُفّعوا في أهليهم. قالت رضينا يا رسول الله! ومن يبكي عليهم بعد هذا؟! ثمَّ قالت ادعُ يا رسول الله! لمن خُلّفوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللّهُمَّ أذهب حُـزن قلوبهم، واجْبُـر مصيبتهم، وأحسن الخَلَف على من خُلّفوا». [مغازي الواقدي (1/315 – 316)].

 


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق