الأمير حمزة ليس داود خان
ياسر أبو هلالة
في مئوية الدولة الأردنية، اتضحت إنجازاتها بقدر ما انكشف مأزقها. البلد الصغير، محدود الموارد كثير النكبات، حقق مكانة في مستوى العيش والصحة والتعليم والبنى التحتية، عجزت عنه دول بترولية تفوقه بالموارد المادية والبشرية. وفوق ذلك، تمتّع الأردنيون بحرية نسبية قياسا على غيرهم من العرب، وتعاقدوا مع قيادتهم على نظام ملكي دستوري يبعدهم عن الفوضى وعن الحكم المطلق.
واتسمت العلاقة بين الحاكم والمحكوم بالتسامح مهما بلغ الخلاف، ولم تعرف البلاد حالة إعدام سياسية واحدة. وظل أكثر بلد يصدر قوانين العفو العام، ولم يستثن منها حتى من حاولوا الانقلاب على الملك، أو من تورّطوا بالإرهاب. وهذا ليس إنجازا لفرد بقدر ما هو تكامل بين القيادة والشعب، وليس من الإنصاف أن يُحسب الإنجاز لأحدهما والإخفاق للآخر.
ما لم يحققه الأردنيون خلال المئوية الأولى هو الالتزام بالدستور. استأثرت الدولة بالسلطة وغيبت الشعب، باستثناء مرات معدودة عامي 1956 و1989، وظل الحكم مقصورا على الملك.
وفي قضية الأمير حمزة، أخيرا، دخلت الدولة في مأزق، نتيجة غياب الثقة في المؤسسات، وغياب دور مجلس النواب الذي يجسّد الركن الأول في الدستور. وعبّر التعاطي مع المأزق من خلال الإعلام ومنصات التواصل عن فوضى بين من يهمّش دور المَلك، وكأن المُلك يقرّر من خلال هاشتاغ على "تويتر"، أو من خلال مقاطع فيديو، وليس مسألة محسومة بشكل وراثي، ومن يتعامل مع البلد وكأنها ملكية مطلقة، يفعل بها المَلك ما شاء بلا دستور يقيّده.
الخروج من المأزق الذي سببته قضية الأمير حمزة لا يكون إلا بالتطبيق الكامل للدستور، فلا أحد يتدخل بقرار الملك في تعيين ولي عهده، ولا أحد يفرض على العائلة المالكة ملكها، فالملك وراثي ونقطة. ويمنع هذا الركن الدستوري أيا من أفراد العائلة، ولو كانت له كاريزما وحضور في العمل السياسي، منازعة الملك على دوره الدستوري، فالحكومة هي محل نزاع وتجاذب، ومن حق أي أردني وأردنية الوصول إلى موقع رئيس الوزراء، من خلال الأكثرية النيابية، وهنا محل النزاع والتغييرمع كل انتخابات. وفي المُلك لا نزاع ولا تغيير.
يجدر استحضار الكارثة الأفغانية للاعتبار، والتي بدأت بمنازعة الملك ظاهر شاه من ابن عمه الأمير داود خان الذي لم يتمكّن من تولي منصب سياسي بعد دستور عام 1964، إذ حظر ذلك على أفراد سلالة بركزاي الحاكمة تولي المناصب. اغتنم داود خان الفرصة إبّان تزايد استياء الشعب من فشل إصلاحات خمس حكومات متعاقبة، منذ تشكيل حكومة برلمانية في 1964، بالإضافة إلى ضعف الاستجابة للمجاعة التي حصلت مطلع السبعينيات، لتنفيذ انقلاب على الملك، بالتعاون مع الشيوعيين، والنتيجة كانت دخول البلاد في كارثة لم تخرج منها إلى اليوم.
قضية الأمير حمزة مأزقٌ تمر به الدولة للمرة الأولى في تاريخها، وهي جاءت في وقتٍ تراكمت فيه عوامل الغضب، ويحاول بعض العنصريين تركيبها على انقسام بين الشرق أردنيين والأردنيين من أصول فلسطينية، وهذا تهديد وجودي للبلد، وليس مناكفة للملك.
الحل واضح، تطبيق الدستور باعتباره تعاقدا بين الدولة والمجتمع، لا ينازَع الملك على الحكم، ولا يُحرم الشعب من حقوقه في التداول على الحكومات ومنازعتها وفق الأكثرية النيابية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق