الخميس، 8 أبريل 2021

المؤامرة والمغامرة في قضية الأمير حمزة

 المؤامرة والمغامرة في قضية الأمير حمزة



ياسر أبو هلالة

حيرة شديدة عاشها الأردنيون، ومن يتابعون الشأن الأردني، هل ما جرى ثورة إصلاحية تنحاز لهموم الناس يقودها الأمير حمزة؟ أم صراع على النفوذ في الأسرة المالكة؟ أم محاولة انقلابية ومؤامرة خارجية؟ ومع كل بيان رسمي وتسريب إخباري، تزداد الحيرة وتشوّش الرؤية. وفوق ذلك، هل ستسهم هذه القضية في مزيد من تراجع الحريات العامة وتعميق الأزمة الاقتصادية؟ خصوصا في ظل منع النشر في القضية، وحظر تطبيق "كلوب هاوس" وتشديد القبضة الأمنية.

جاءت القضية في ذروة سخط اجتماعي، فالأزمة الاقتصادية طحنت الأردنيين. وترهّل أداء الدولة بلغ مداه، وهو ما عبّرت عنه حادثة وفاة أردنيين اختناقا في مستشفى السلط. والقبضة الأمنية تعزّزت إلى درجةٍ أغلقت الفضاء العام، بطش بنقابة المعلمين، أكبر النقابات التي تحظى بتعاطف شعبي واسع، استقواء على أحزاب المعارضة إلى درجة تنسيب وزير الشؤون السياسية بحل حزب الشراكة والإنقاذ، لسببٍ لا يعقل من تفاهته، وهو عدم تصديق عقد إيجار مبناه. وغابت الثقة في مجلس النواب، بسبب عدم نزاهة القوانين والإجراءات التي "تهندس" خريطة المجلس مسبقا، وتحوّله إلى ذراع لمن هندسوه.

التقط الأمير البالغ 41 عاما هذه الأجواء، وتصدّر المشهد بوصفه معارضا ما يجري. لم يكتف بالمجاهرة في مواقفه في أحاديث عامة وتغريدات، بدأ تحرّكا في معاقل النظام. هذا تجاوزٌ لخطوط حمراء، لم يجرؤ أمير عليه خلال مائة عام من تأسيس الدولة. والدستور الأردني يسمح لكل مواطن بالاعتراض على سياسة الملك فـ"أوامر الملك الشفوية والخطية لا تعفي الوزراء من مسؤولياتهم"، وحكومة الملك يمكن لنواب الأمة طرح الثقة بها، وإسقاطها كلها، أو إسقاط وزراء فيها واستجوابهم. وهذا حصل: سقطت حكومة سمير الرفاعي الجد بالتصويت، واستقال طاهر المصري بعد توقيع عريضةٍ نيابيةٍ تطرح الثقة فيه. ما لم يحصل خلال مئوية الدولة أن يعترض أميرٌ على سياسة الملك.

عندما يعترض أميرٌ من الأسرة المالكة، وولي عهد سابق، فهو لا يطرح نفسه بديلا لوزير أو رئيس وزراء، فالدستور يمنع أفراد العائلة من تولّي المسؤوليات، هو عمليا يطرح نفسه بديلا للملك. يعلم الأردنيون، بدون معلومات استخبارية، أن من يرفع صور الأمير حمزة لا يفعل هذا في مواجهة رئيس الوزراء، بقدر ما هي مرفوعة بوجه الملك. وهذا هو الانقلاب الذي استفزّ الدولة، واستدعى موجة تضامنٍ من أميركا إلى دول مجلس التعاون الخليجي وغيرهما.

عندما يُبلغ رئيس هيئة الأركان الأمير حمزة بوقف التحرّكات المعارضة فهذا ينفي شكل الانقلاب العسكري، ويعبّر عن خشيةٍ من الانقلاب "الجماهيري"، اعتمادا على ظروفٍ خانقةٍ توشك على الانفجار، خصوصا أن لدى الدولة معلومات عن تدخل خارجي داعم لهذا التحرّك. وهذا التدخل، بحسب مطلعين، هو بـ"التمويل". وسواء صح أم كان مجرّد توجس وسوء ظنون، فإن سيناريو الانقلاب الجماهيري واقعي، في ظل وجود البديل الملكي المتحمّس.

زيارة الوفد السعودي السرّية، وما تسرب عنها، ترجّح أن الدولة، بحسب ما صرّح مسؤول استخباراتي غربي (مدير محطة سي آي إيه في عمّان) تكشف أن الأردن قد يكون دفع كلفة مغامرة جديدة لولي العهد السعودي، خصوصا إن باسم عوض الله من أقرب مستشاريه ومُنح الجنسية السعودية، وكان له دور في اتصالاته مع الإسرائيليين، وبناء رؤيته الاقتصادية والتحديثية. وهو أيضا قريبٌ جدا من أبوظبي، وعلى صلة وثيقة بولي عهدها، وأمواله واستثماراته الشخصية في الإمارات.

سواء ثمّة مؤامرة خارجية أم هي مجرّد توجّس، وسواء كان الأمير ضحيةً لتغريرٍ به أم تحرّك بدافع ذاتي، الرد على ذلك كله باستئناف المسار الديموقراطي، وتطبيق الدستور الذي يحلّق بجناحين "نيابي ملكي". لا يمسّ الجناح الملكي، ولا يجوز منازعة الملك وولي عهده من أيٍّ كان على سلطانهما، فهو نظام "وراثي" ونقطة. لا علاقة للمواقف السياسية والفكرية والكاريزما به. عندما كان الملك حسين يعالج في مايو كلينك غضب جدا من تصريحٍ سرّب لصحيفة أميركية، تصف فيه الأمير حسن بأنه الجوهر والملك حسين بأنه المظهر أو القشرة. اعتقد أنصار الحسن وقتها أن ساعتهم دقّت، وإنه جاهزٌ لتولي السلطة بعد خدمة ثلاثة عقود وليا للعهد، وكانوا يرون قدراته الفكرية والثقافية متقدّمة على ما لدى الملك حسين. لم يستغرق الأمر من الملك أكثر من جرّة قلم، ليولّي العهد لابنه عبد الله.

لا مساس بالجناج الملكي للدستور، لكن "النيابي" مهيض الجناح. ولم يطبق الدستور إلا في سنوات معدودة في عامي 1956 و1989. لا حل جذريا للأزمة إلا بتطبيق الدستور على الكافة، وهذا كفيلٌ بإحباط أي مؤامرة أو مغامرة.


أقرأ من المصدر: هنــــا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق