واقع الأمة
سؤال للشيخ الألباني عن واقع المسلمين, عما يجب على المسلم من العمل حيال الأمة؟
فكان الجواب:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. و أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ } [آل عمران:102]، { يأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } [النساء:1]، { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } [الأحزاب:69-70].
أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعه ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وعلى ذلك نجيب: إن و ضع المسلمين اليوم لا يختلف كثيراً ولا قليلاً عما كان عليه وضع الدعوة الإسلامية في عهدها الأول، وأعني به العهد المكي. أقول لا يختلف وضع الدعوة الإسلامية اليوم، لا في قليل ولا في كثير عمّا كانت عليه الدعوة الإسلامية في عهدها الأول، ألا وهو العهد المكي، وكلنا يعلم أن القائم على الدعوة يومئذ، هو نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أعني بهذه الكلمة أن الدعوة كانت محاربة؛ من القوم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أنفسهم، كما في القرآن الكريم، ثم لما بدأت الدعوة تنتشر، وتتسع دائرتها بين القبائل العربية حتى أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة -طبعاً نحن الآن نأتي برؤوس أقلام لأن التاريخ الإسلامي الأول والسيرة النبوية الأولى معروفة عند كثير من الحاضرين-، لأنني أقصد بهذا الإيجاز والاختصار، الوصول إلى المقصود من الإجابة على ذلك السؤال.
ولذلك فإنني أقول: بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتبعه بعض أصحابه إلى المدينة، وبدأ عليه الصلاة والسلام يضع النواة لإقامة الدولة المسلمة -هناك في المدينة المنورة- بدأت أيضاً عداوةُ جديدة بين هذه الدعوة الجديدة -أيضاً في المدينة-؛ حيث اقتربت الدعوة من عقر دار النصارى وهي سورية يومئذِ؛ -التي كان فيها هرقل ملك الروم-، فصار هناك عداء جديد للدعوة، ليس فقط من العرب في الجزيرة العربية؛ بل ومن النصارى أيضاً في شمال الجزيرة العربية -أي في سورية- ثم أيضاً ظهر عدوُ آخر ألا وهو فارس. فصارت الدعوة الإسلامية محاربة من كل الجهات؛ من المشركين في الجزيرة العربية، ومن النصارى و اليهود في بعض أطرافها، ثم من قبل فارس؛ التي كان العداء بينها و بين النصارى شديداً كما هو معلوم من قولة تبارك و تعالى: { ألم غلبت الروم . في أدنى الأرض . وهم من بعد غلبهم سيغلبون . في بضع سنين } [الروم:1-3].
الشاهد هنا: لا نستغربنَّ وضع الدعوة الإسلامية الآن، من حيث إنها تُحارب من كل جانب. فمن هذه الحيثية كانت الدعوة الإسلامية في منطلقها الأول أيضاً كذاك محاربة من كل الجهات. وحينئذٍ يأتي السؤال والجواب.
ما هو العمل؟
ماذا عمل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه الذين كان عددهم يومئذٍ قليلاََ بالنسبة لعدد المسلمين اليوم -حيث صار عدداً كثيراً، وكثيراً جداً؟
هنا يبدأ الجواب: هل حارب المسلمون العرب المعادين لهم -أي قومهم- في أول الدعوة؟
هل حارب المسلمون النصارى في أول الأمر؟ هل حاربوا فارس في أول الأمر؟
الجواب: لا، لا كل ذلك الجواب لا.
إذاً ماذا فعل المسلمون؟
نحن الآن يجب أن نفعل ما فعل المسلمون الأولون تماماً؛ لأن ما يصيبنا هو الذي أصابهم، وما عالجوا به مصيبتهم هو الذي يجب علينا أن نعالج به مصيبتنا، وأظن أن هذه المقدمة توحي للحاضرين جميعاً بالجواب إشارةً وستتأيد هذه الإشارة بصريح العبارة. فأقول: يبدو من هذا التسلسل التاريخي والمنطقي في آنِ واحدِ أن الله عز وجل إنما نصر المؤمنين الأولين؛ الذين كان عددهم قليلاً جداً بالنسبة للكافرين والمشركين جميعاً من كل مذاهبهم ومللهم، إنما نصرهم الله تبارك وتعالى بإيمانهم.
إذاً ما كان العلاج أو الدواء يومئذٍ لذلك العداء الشديد، الذي كان يحيط بالدعوة، هو نفس الدواء ونفس العلاج الذي ينبغي على المسلمين اليوم أن يتعاطوه لتحقيق ثمرة هذه المعالجة كما تحققت ثمرة تلك المعالجة الأولى. والأمر كما يقال: التاريخ يعيد نفسه؛ بل خير من هذا القول أن نقول إن الله عز وجل في عباده وفي كونه الذي خلقه ونظّمه وأحسن تنظيمه له في ذلك كله، سنن لا تتغير ولا تتبدل { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً }[فاطر:43].
هذه السنن لابد للمسلم أن يلاحظها، وأن يرعاها حق رعايتها، وبخاصةٍ ما كان فيها من السنن الشرعية.
هنالك سنن شرعية وهنالك سنن كونية، وقد يقال اليوم -في العصر الحاضر- سنن طبيعية، هذه السنن الكونية الطبيعية يشترك في معرفتها المسلم والكافر، والصالح والطالح، بمعنى: ما الذي يقوّم حياة الإنسان البدنية؟ الطعام والشراب والهواء النقي ونحو ذلك. فإذا الإنسان لم يأكل.. لم يشرب.. لم يتنفس الهواء النقي، فمعنى ذلك أنه عرَّض نفسه للموت موتاً مادياً. هل يمكن أن يعيش إذا ما خرج عن اتخاذه هذه السنن الكونية ؟
الجواب: لا، { سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } [الفتح:23].
هذا -كما قلت آنفاً- يعرفه معرفة تجريبية كل إنسان؛ لا فرق بين المسلم والكافر والصالح والطالح. لكن الذي يهمنا الآن أن نعرف أن هناك سنناً شرعية يجب أن نعلم أن هناك سنناً شرعية، من اتخذها وصل إلى أهدافها و جنى منها ثمراتها، ومن لم يتخذها فسوف لن يصل إلى الغايات التي وُضعت تلك السنن الشرعية لها؛ تماماً -كما قلنا- بالنسبة للسنن الكونية إذا تبنَّاها الإنسان و طبقها، وصل إلى أهدافها.
كذلك السنن الشرعية إذا أخذها المسلم؛ تحققت الغاية التي وضع الله تلك السنن من أجلها -من أجل تحقيقها- وإلا فلا.
أظن هذا الكلام مفهوم ولكن يحتاج إلى شيئٍ من التوضيح -وهنا بيت القصيد-، وهنا يبدأ الجواب عن ذاك السؤال الهام.
كلنا يقرأ آية من آيات الله عز وجل، بل إن هذه الآية قد يُزيّن بها صدور بعض المجالس أو جدر بعض البيوت، وهي قوله تعالى: { إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [محمد:7]، لافتات توضع وتكتب بخط ذهبي جميل رُقعي أو فارسي... إلى آخره، وتوضع على الجدار... مع الأسف الشديد، هذه الآية أصبحت الجدر مزينة بها، أما قلوب المسلمين فهي خاوية على عروشها، لا نكاد نشعر ما هو الهدف الذي ترمي إليه هذه الآية { إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ }، ولذلك أصبح وضع العالم الإسلامي اليوم في بلبلة وقلقلة لا يكاد يجد لها مخرجاً، مع أن المخرج مذكور في كثير من الآيات، وهذه الآية من تلك الآيات، إذا ما ذكّرنا المسلمين بهذه الآية فأظن أن الأمر لا يحتاج إلى كبير شرح وبيان وإنما هو فقط التذكير والذكرى تنفع المؤمنين.
كلنا يعلم -إن شاء الله- أن قوله تبارك وتعالى { إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ } شرطٌ، جوابه { يَنصُرْكُمْ }..
إن تأكل إن تشرب إن.. إن الجواب تحيا.
إن لم تأكل، إن لم تشرب، ماذا؟ تموت!!
كذلك تماماً المعنى في الآية { إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ } المفهوم -وكما يقول الأصوليون-: مفهوم المخالفة، إن لم تنصروا الله لم ينصركم؛ هذا هو واقع المسلمين اليوم.
توضيح هذه الآية جاءت في السنة في عديد من النصوص الشرعية، وبخاصةٍ منها الأحاديث النبوية. { إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ } معلوم بداهة أن الله لا يعني أن ننصره على عدوه بجيوشنا وأساطيلنا وقواتنا المادية؛ لا!
إن الله عز وجل غالب على أمره، فهو ليس بحاجة إلى أن ينصره أحد نصراً مادياً -هذا أمر معروف بدهياً- لذلك كان معنى { إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ } أي إن تتبعوا أحكام الله، فذلك نصركم لله تبارك وتعالى.
والآن هل المسلمون قد قاموا بهذا الشرط؟ قد قاموا بهذا الواجب أولاً؟
ثم هو شرط لتحقيق نصر الله للمسلمين ثانياً؟
الجواب عند كل واحدٍ منكم، ما قام المسلمون بنصر الله عز وجل.
وأريد أن أذكر هنا كلمةً؛ أيضاً -من باب التذكير وليس من باب التعليم، على الأقل بالنسبة لبعض الحاضرين-. إن عامة المسلمين اليوم قد انصرفوا عن معرفتهم، أو عن تعرفهم على دينهم -عن تعلمهم لأحكام دينهم-، فأكثرهم لا يعلمون الإسلام، وكثيرٌ أو الأكثرون منهم، إذا ما عرفوا من الإسلام شيئاً، عرفوه ليس إسلاماً حقيقياً؛ عرفوه إسلاماً منحرفاً عمّا كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه.
لذلك فنصر الله الموعود به من نصر الله يقوم على معرفة الإسلام أولاً معرفةً صحيحة، كما جاء في القرآن والسنة، ثم على العمل به -ثانياً-، وإلا كانت المعرفة وبالاً على صاحبها، كما قال تعالى: { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [الصف:3].
إذاً نحن بحاجة إلى تعلم الإسلام، وإلى العمل بالإسلام.
فالذي أريد أن أذكّر به -كما قلت آنفاً- هو أن عادة جماهير المسلمين اليوم أن يصبّوا اللوم كل اللوم بسبب ما ران على المسلمين قاطبةً من ذلٍ وهوان على الحكام، أن يصبوا اللوم كل اللوم على حكامهم الذين لا ينتصرون لدينهم، وهم -مع الأسف- كذلك؛ لا ينتصرون لدينهم، لا ينتصرون للمسلمين الُمَذلّين من كبار الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم، هكذا العُرفُ القائم اليوم بين المسلمين، صب اللوم كل اللوم على الحكام، ومع ذلك كأن المحكومين لا يشملهم اللوم الذي يوجهونه إلى الحاكمين! والحقيقة أن هذا اللوم ينصب على جميع الأمة حكّامًا ومحكومين. وليس هذا فقط بل هناك طائفة من أولئك اللائمين للحكام المسلمين بسبب عدم قيامهم بتطبيق أحكام دينهم، وهم محقون في هذا اللوم، ولكن قد خالفوا قوله تعالى { إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ }.
أعني نفس المسلمين اللائمين للحاكمين حينما يخصونهم باللوم قد خالفوا أحكام الإسلام؛ حينما يسلكون سبيل تغيير هذا الوضع المحزن المحيط بالمسلمين بالطريقة التي تخالف طريقة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ حيث إنهم يعلنون تكفير حكام المسلمين -هذا أولاً-! ثم يعلنون وجوب الخروج عليهم -ثانياً-! فتقع هنا فتنة عمياء صماء بكماء بيد المسلمين أنفسهم؛ حيث ينشق المسلمون بعضهم على بعض، فمنهم -هؤلاء الذين أشرت إليهم، الذين يظنون أن تغيير هذا الوضع الذليل المصيب للمسلمين إنما تغييره بالخروج على الحاكمين-، ثم لا يقف الأمر عند هذه المشكلة، وإنما تتسع وتتسع حتى يصبح الخلاف بين هؤلاء المسلمين أنفسهم! ويصبح الحاكم في معزلٍ عن هذا الخلاف.
بدأ الخلاف من غلوّ بعض الإسلاميين في معالجة هذا الواقع الأليم أنه لابد من محاربة الحكام المسلمين لإصلاح الوضع، وإذا بالأمر ينقلب إلى أن هؤلاء المسلمين يتخاصمون مع المسلمين الآخرين الذين يرون أن معالجة الواقع الأليم ليس هو بالخروج على الحاكمين، وإن كان كثيرون منهم يستحقون الخروج عليهم! بسبب أنهم لا يحكمون بما أنزل الله؛ ولكن هل يكون العلاج -كما يزعم هؤلاء الناس- هل يكون إزالة الذي أصاب المسلمين من الكفار أن نبدأ بمحاكمة الحاكمين في بلاد الإسلام من المسلمين؟ -ولو أن بعضهم نعتبرهم مسلمين جغرافيين كما يقال في العصر الحاضر- هنا نحن نقول:
أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتملْ *** ما هكذا يا سعدُ تُورَد ُالإبلْ
مما لا شك فيه أن موقف أعداء الإسلام أصآلةً وهم اليهود والنصارى والملاحدة من خارج بلاد الإسلام؛ هم أشد بلا شك ضرراً من بعض هؤلاء الحكام الذين لا يتجاوبون مع رغبات المسلمين أن يحكموهم بما أنزل الله فماذا يستطيع هؤلاء المسلمون؟ وأعني طرفاً أو جانباً منهم، وهم الذين يعلنون وجوب محاربة الحاكمين من المسلمين، ماذا يستطيع أن يفعل هؤلاء لو كان الخروج على الحكام واجباً قبل البدء بإصلاح نفوسنا نحن؟!
كما هو العلاج الذي بدأ به الرسول عليه السلام، إن هؤلاء لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً إطلاقاً؛ والواقع أكبر دليل على ذلك، مع أن العلاج الذي يتبعونه -وهو أن يبدؤوا بمحاربة الحكام المسلمين!- لا يثمر الثمرة المرجوة، لأن العلة -كما قلت آنفاً- ليست في الحاكمين فقط؛ بل وفي المحكومين أيضاً، فعليهم جميعاً أن يصلحوا أنفسهم. والإصلاح هذا له بحث آخر قد تكلمنا عليه مراراً وتكراراً، وقد نتكلم قريباً إن شاء الله عنه.
المهم الآن، المسلمون كلهم متفقون على أن وضعهم أمر لا يحسدون عليه ولا يغبطون عليه؛ بل هو من الذل والهوان بحيث لا يعرفه الإسلام، فمن أين نبدأ؟
هل يكون البدأ بمحاربة الحاكمين المسلمين؟!
أو يكون البدأ بمحاربة الكفار أجمعين من كل البلاد؟!
من هنا يجب البدأ، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله و سلم إنما بدأ بإصلاح نفوس أفراد المسلمين المدعوّين في أول دعوة الإسلام -كما ذكرنا في أول هذا الكلام-. بدأت الدعوة في مكة ثم انتقلت إلى المدينة ثم بدأت المناوشة بين الكفار والمسلمين، ثم بين المسلمين والروم، ثم بين المسلمين وفارس.. وهكذا. وكما قلنا آنفاً، التاريخ يعيد نفسه.
فالآن، المسلمون عليهم أن ينصروا الله لمعالجة هذا الواقع الأليم، وليس بأن يُعالجوا جانباً لا يثمر الثمرة المرجوة فيها، لو استطاعوا القيام بها!
ما هو هذا الجانب؟ محاربة الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله! هذا أولاً غير مستطاع اليوم، أن يُحارب الحكام؛ وذلك لأن هؤلاء الحكام لو كانوا كفاراً كاليهود والنصارى؛ فهل المسلمون اليوم يستطيعون محاربة اليهود والنصارى؟
الجواب: لا، الأمر تماماً كما كان المسلمون الأولون في العهد المكي، كانوا مستضعفين، أذلاء، محاربين، معذبين، مُقَتَّلِين لماذا؟! لأنهم كانوا ضعفاء لا حول لهم ولا قوة، إلا إيمانهم الذي حلّ في صدورهم، بسبب إتباعهم لدعوة نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ هذا الإتباع مع الصبر على الأذى هو الذي أثمر الثمرة المرجوة التي نحن ننشدها اليوم، فما هو السبيل للوصول إلى هذه الثمرة؟
نفس السبيل الذي سلكه الرسول عليه الصلاة والسلام مع أصحابه الكرام! إذاً اليوم لا يستطيع المسلمون محاربة الكفار على اختلاف ضلالاتهم، فماذا عليهم؟ عليهم أن يُؤمنوا بالله ورسوله حقاً. ولكن المسلمين اليوم كما قال رب العالمين { وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُون }. المسلمون اليوم اسماً وليسوا مسلمين حقاً! أظنكم تشعرون معي بالمقصود من هذا النفي.
ولكني أذكركم بقوله تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } [المؤمنون:1-7]، أي الباغون الظالمون.
فإذا أخذنا هذه الخصال فقط، ولم نتعد هذه الآيات المتضمنة لهذه الخصال إلى آيات أخرى؛ التي فيها ذكر لبعض الصفات والخصال التي لم تُذكر في هذه الآيات، وهي كلها تدور حول العمل بالإسلام. فمن تحققت فيه هذه الصفات المذكورة في هذه الآيات المتلوة آنفاً وفي آيات أخرى؛ أولئك هم الذين قال الله عز وجل في حقهم { أُوْلئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً } [الأنفال:4].
فهل نحن مؤمنون حقاً؟!
الجواب: لا، إذاً يا إخواننا لا تضطربوا!
فنحن المصلين اليوم -هذه الخصلة- { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ } هل نحن خاشعون في صلاتنا؟ أنا لا أتكلم عن فرد، اثنين، خمسة، عشرة، مائة، مائتين، ألف، ألفين.. لا، أتكلم عن المسلمين على الأقل الذين يتساءلون، ما هو الحل لما أصاب المسلمين؟ لا أعني أولئك المسلمين اللاهين الفاسقين الذين لا تهمهم آخرتهم، وإنما تهمهم شهواتهم وبطونهم.. لا، أنا أتكلم عن المسلمين المصلّين.. فهل هؤلاء المصلون قد اتصفوا بهذه الصفات المذكورة في أول سورة المؤمنون؟ الجواب: كجماعة، كأمة: لا.. إذاً
ترجو النجاةَ ولم تسلكْ مسالِكَها *** إن السفينةَ لا تجري على اليبسِ
فلابد من اتخاذ الأسباب؛ التي هي من تمام السنن الشرعية بعد السنن الكونية؛ حتى يرفع ربنا عز وجل هذا الذل الذي ران علينا جميعاً.
أنا ذكرت هذه الأوصاف من صفات المؤمنين المذكورة في أول هذه السورة، لكن هناك في الأحاديث النبوية التي نذكّر بها إخواننا دائماً، ما يُذكّر بحال المسلمين اليوم؛ وأنهم لو تذكروا هذا الحديث، كان من العار عليهم أن يتساءلوا لماذا أصابنا هذا الذل؟! لأنهم قد غفلوا عن مخالفتهم لشريعة الله، من تلك الأحاديث قوله عليه الصلاة و السلام: « إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم » أخرجه أبو داود في سننه رقم 3462 وأحمد في مسنده رقم 5007، 5562 و الطبراني في مسند الشاميين رقم 2417 وغيرهم كلهم من حديث ابن عمر مرفوعاً.
هذا الحديث تكلّمت عليه كثيراً وكثيراً جداً وبمناسبات عديدة. وإنما أنا أقف فقط عند قوله « إذا تبايعتم بالعينة ». العينة: نوع من الأعمال الربوية؛ -ولا أريد أيضاً أن أدخل فيها بالذات-. فهل منكم من يجهل تعامل المسلمين بأنواع من الربا، وهذه البنوك الربوية قائمة على ساق وقدم في كل بلاد الإسلام ومعترف فيها بكل الأنظمة القائمة في بلاد الإسلام.
وأعود لأقول ليس فقط من الحكام؛ بل ومن المحكومين، لأن هؤلاء المحكومين هم الذين يتعاملون مع هذه البنوك، وهم الذين إذا نُوقشوا، وقيل لهم: أنتم تعلمون أن الربا حرام وأن الأمر كما قال عليه السلام: « درهم ربا يأكله الرجل أشد عند الله عز وجل من ستٍ وثلاثين زنية ». [أخرجه أحمد في مسنده رقم 22007، 22008 والدارقطني في سننه 3/16 وغيرهما عن عبد الله بن حنظلة]، لماذا يا أخي تتعامل بالربا ؟! سيقول لك "ماذا بيدنا .. نريد أن نعيش"!!
إذاً العلاقة ليس لها علاقة بالحكّام؛ لها علاقة بالحكام والمحكومين. المحكومون هم في حقيقة أمرهم يليق بهم مثل هؤلاء الحكّام، وكما يُقال "دود الخل منّه وفيه" (مثل عامي اشتُهِر في بعض بلاد الشام).
هؤلاء الحكام ما نزلوا علينا من المريخ!! وإنما نبعوا منّا وفينا.. فإذا أردنا صلاح أوضاعنا، فلا يكون ذلك بأن نعلن الحرب الشعواء على حكّامنا وأن ننسى أنفسنا؛ والمشكلة منّا وفينا! حيث المشكلة القائمة في العالم الإسلامي.
لذلك نحن ننصح المسلمين أن يعودوا إلى دينهم، وأن يطبقوا ما عرفوه من دينهم { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّهِ } [الروم:4-5].
كل المشاكل القائمة اليوم والتي يتحمس بعض الشباب ويقول ما العمل؟! سواءٌ قلنا ما هو بجانبنا من المصيبة التي حلت بالعالم الإسلامي والعالم العربي، وهي احتلال اليهود لفلسطين، أو قلنا محاربة الصليبين للمسلمين بإرتيريا وفي الصومال، في البوسنة والهرسك في.. في... إلى آخر البلاد المعروفة اليوم.
هذه المشاكل كلها لا يمكن أن تعالج بالعاطفة، وإنما تعالج بالعلم والعمل. { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [التوبة:105]. { وَقُلِ اعْمَلُواْ }.. الآن نقف عند هذه النقطة: العمل للإسلام اليوم في الساحة الإسلامية، له صور كثيرة، وكثيرة جداً، وفي جماعات وأحزاب متعددة، والحقيقة أن هذه الأحزاب من مشكلة العالم الإسلامي التي تكّبر المشكلة أكثر مما يراها بعضهم. بعضهم يرى أن المشكلة احتلال اليهود لفلسطين.. إن المشكلة ما ذكرناه آنفاً، محاربة الكفار لكثير من البلاد الإسلامية وأهلها...
لا!!
نحن نقول: المشكلة أكبر وهي تفرق المسلمين، المسلمون أنفسهم متفرقون شيعاً وأحزاباً خلاف قول الله تبارك وتعالى: { وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } [الروم:31-32]. الآن الجماعات الإسلامية مختلفون في طريقة معالجة المشكلة التي يشكو منها كل الجماعات الإسلامية، وهي الذل الذي ران على المسلمين، وكيف السبيل إلى الخلاص منه؟
هناك طرق:
الطريقة الأولى: هي الطريقة المثلى التي لا ثاني لها، وهي التي ندعو إليها دائماً وأبداً. وهي فهم الإسلام فهماً صحيحاً وتطبيقهُ وتربية المسلمين على هذا الإسلام المصفّى، تلك هي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ كما ذكرنا ونذكر أبداً؛ فرسول الله بدأ بأصحابه أن هداهم إلى الإيمان بالله ورسوله -أن علمهم بأحكام الإسلام-، وكانوا يشكون إليه ما يصيبهم من ظلم المشركين وتعذيبهم إياهم، كان يأمرهم بالصبر، يأمرهم بالصبر! وأن هذه سنة الله في خلقه أن يُحارب الحق بالباطل وأن يُحارب المؤمنون بالمشركين وهكذا، فالطريقة الأولى لمعالجة هذا الأمر الواقع هي العلم النافع والعمل الصالح.
هناك حركات ودعوات أخرى، كلها تلتقي على خلاف الطريقة الأولى والمثلى والتي لا ثاني لها، وهي اتركوا الإسلام الآن جانباً! من حيث وجوب فهمه، ومن حيث وجوب العمل به! الأمر الآن أهم من هذا الأمر! وهو أن نجتمع وأن نتوحد على محاربة الكفار!!
سبحان الله، كيف يمكن محاربة الكفار بدون سلاح؟! كل إنسان عنده ذرّة عقل أنه إذا لم يكن لديه سلاح مادي فهو لا يستطيع أن يحارب عدوه المسلّح، ليس بسلاح مادي بل بأسلحةِ مادية!
فإذا أراد أن يحارب عدوه -هذا-المسلح وهو غير مسلح ماذا يقال له؟ حاربه دون أن تتسلح؟! أم تتسلح ثم حاربه؟
لا خلاف في هذه المسألة أن الجواب: تسلّح ثم حارب، هذا من الناحية المادية. لكن من الناحية المعنوية الأمر أهم بكثير من هذا، إذا أردنا أن نحارب الكفار؛ فسوف لا يمكننا أن نحارب الكفار بأن ندع الإسلام جانباً؛ لأن هذا خلاف ما أمر الله عز وجل ورسوله المؤمنين في مثل آيات كثيرة منها قوله تعالى { وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ } [العصر:1-3].. { إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ }.. نحن بلا شك الآن في خسر. لماذا ؟! لأننا لم نأخذ بما ذكر الله عز وجل من الاستثناء حين قال: { إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ }، نحن الآن نقول آمنا بالله ورسوله، ولكن ! حينما ندعو المسلمين المتحزّبين المتجمعين المتكتّلين على خلاف دعوة الحق -الرجوع إلى الكتاب والسنة- يقولون هذا ندعه الآن جانباً! الأمر أهم.. هو محاربة الكفار! فنقول: بسلاح أم بدون سلاح؟!
لابد من سلا حين، السلاح الأول: السلاح المعنوي، وهم يقولون الآن دعوا هذا السلاح المعنوي جانباً! وخذوا بالسلاح المادي! ثمّ، لا سلاح مادي!! لأن هذا غير مستطاع بالنسبة للأوضاع التي نُحكم بها الآن؛ ليس فقط من الكفار المحيطين بنا من كل جانب، بل ومن بعض الحكام الذين يحكموننا! فنحن لا نستطيع اليوم رغم أنوفنا أن نأخذ بالاستعداد بالسلاح المادي -هذا لا نستطيعه-، فنقول: نريد نحارب بالسلاح المادي! وهذا لا سبيل إليه، والسلاح المعنوي الذي هو بأيدينا، { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلأ اللَّهُ } [محمد:19].. العلم ثم العمل في حدود ما نستطيع، هذا نقول بكل بساطة متناهية دعوا هذا جانباً! هذا مستطاع ونؤمر بتركه جانباً! وذلك غير مستطاع.
فنقول: يجب أن نحارب!! وبماذا نحارب؟! خسرنا السلاحين معاً؛ السلاح المعنوي العلمي نقول نؤجله! لأنه ليس هذا وقته وزمانه!! السلاح المادي لا نستطيعه... فبقينا خراباً يباباً ضعفاء في السلاحين المعنوي والمادي. إذا رجعنا إلى العهد الأول الأنور؛ وهو عهد الرسول عليه السلام الأول، هل كان عنده سلاح مادي؟ الجواب: لا.. بماذا إذاً كان مفتاح النصر؟ ألسلاح المادي أم السلاح المعنوي؟ لاشك أنه السلاح المعنوي، وبه بدأت الدعوة في مثل تلك الآية { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلأ اللَّهُ }.. إذاً العلم -قبل كل شيئ-.. إذاً بالإسلام قبل كل شيئ، ثم تطبيق هذا الإسلام في حدود ما نستطيع. نستطيع أن نعرف العقيدة الإسلامية -الصحيحة طبعاً-، نستطيع أن نعرف العبادات الإسلامية، نستطيع أن نعرف الأحكام الإسلامية، نستطيع أن نعرف السلوك الإسلامي، هذه الأشياء كلها مع أنها مستطاعة، فجماهير المسلمين بأحزابهم وتكتلاتهم هم معرضون عنها؛ ثم نرفع أصواتنا عاليةً نريد الجهاد! أين الجهاد؟! مادام السلاح الأول مفقود والسلاح الثاني غير موجود بأيدينا!!
نحن لو وجدنا اليوم جماعة من المسلمين متكتلين حقاً على الإسلام الصحيح وطبّقوه تطبيقاً صحيحاً، لكن لا سلاح مادي عندهم؛ هؤلاء يأتيهم أمره تعالى في الآية المعروفة: { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [الأنفال:60]. لو كان عندنا السلاح الأول المعنوي؛ فنحن مخاطبون بهذا الإعداد المادي. فهل نحارب إذا لم يكن عندنا إعداد مادي؟! الجواب: لا؛ لأننا لم نحقق هذه الآية التي تأمرنا بالإعداد المادي، فما بالنا كيف نستطيع أن نحارب ونحن مفلسون من السلاحين المعنوي والمادي؟!
المادي الآن لا نستطيعه، المعنوي نستطيعه؛ إذاً { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [البقرة:286]، { فَاتَّقُواْ اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [التغابن:16].. فالذي نستطيعه الآن هو العلم النافع والعمل الصالح.
لعلي أطلت في هذا الجواب أكثر من اللازم، لكني أنا ألخّص الآن فأقول:
ليست مشكلة المسلمين في فلسطين فقط -يا إخواننا-، لأنه مع الأسف الشديد من جملة الانحراف التي تصيب المسلمين اليوم؛ أنهم يخالفون علمهم عملاً! حينما نتكلم عن الإسلام وعن الوطن الإسلامي، نقول: كل البلاد الإسلامية هي وطن لكل مسلم؛ ما في فرق بين عربي وعجمي، ما في فرق بين حجازي وأردني ومصري... وإلى آخره، لكن هذه الفروق العملية موجودة، هذه الفروق عملية موجودة! ليس فقط سياسياً؛ هذا غير مستغرب أبداً، لكن موجودة حتى عند الإسلاميين! مثلاً تجد بعض الدعاة الإسلاميين يهتمّون بفلسطين؛ ثم لا يهمهم ما يصيب المسلمين الآخرين في البلاد الأخرى.
مثلاً: حينما كانت الحرب قائمة بين المسلمين الأفغان وبين السوفييت وأذنابهم من الشيوعيين، لماذا؟! لأن هؤلاء مثلاً ليسوا سوريين، مصرين، أو ما شابه ذلك. إذاً المشكلة الآن ليست محصورة في فلسطين فقط؛ بل تعدت إلى بلاد إسلامية كثيرة، فكيف نعالج هذه المشكلة العامة؟ بالقوّتين المعنوية والمادية، بماذا نبدأ؟
نبدأ قبل كل شيء بالأهمّ فالأهم، وبخاصة إذا كان الأهم ميسوراً؛ وهو السلاح المعنوي -فهم الإسلام فهماً صحيحاً وتطبيقه تطبيقاً صحيحاً- ثم السلاح المادي إذا كان ميسوراً. اليوم -مع الأسف الشديد-؛ الذي وقع في أفغانستان... الأسلحة التي حارب المسلمون -الأسلحة المادية- التي حارب المسلمون بها الشيوعيين هل كانت أسلحة إسلامية؟ الجواب: لا، كانت أسلحة غربية..
إذاً نحن الآن من ناحية السلاح المادي مستعبدون. لو أردنا أن نحارب وكنا أقوياء من حيث القوة المعنوية، إذا أردنا أن نحارب بالسلاح المادي فنحن بحاجة إلى أن نستورد هذا السلاح؛ إما بالثمن وإما بالمنحة أو شيء مقابل شيء! كما تعلمون السياسة الغربية اليوم على حدّ المثل العامّي: "حكّلّي لحكّلّك"! يعني أي دولة الآن حتى بالثمن لا تبيعك السلاح إلا مقابل تنازلات. تتنازل أنت أيها الشعب المسلم مقابل السلاح الذي تدفع ثمنه أيضاً، فإذاً يا إخواننا الأمر ليس كما نتصور عبارة عن حماسات وحرارات الشباب وثورات كرغوة الصابون تثور ثم تخور في أرضها لا أثر لها إطلاقاً!
أخيراً أٌقول { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [التوبة:105].
لكن أكرر أن العمل لا ينفع إلا إذا كان مقروناً بالعلم النافع؛ والعلم النافع إنما هو: قال الله، قال رسول الله..
ما العلمُ نصبَكَ للخلاف سفاهةً*** بين الرسولِ وبين قولِ سفيهِ
كلا ولا جحد الصفات ونفيها*** حذرا من التعطيل والتشويهِ
مصيبة العالم الإسلامي مصيبة أخطر -وقد يستنكر بعضكم هذا الذي أقوله!- مصيبة العالم الإسلامي اليوم أخطر من احتلال اليهود لفلسطين! مصيبة العالم الإسلامي اليوم أنهم ضلّوا سواء السبيل؛ أنهم ما عرفوا الإسلام الذي به تتحقق سعادة الدنيا والآخرة معاً. وإذا عاش المسلمون في بعض الظروف أذلاء مضطهدين من الكفار والمشركين وقتّلوا وصلّبوا ثم ماتوا فلا شك أنهم ماتوا سعداء، ولو عاشوا في الدنيا أذلاء مضطهدين. أما من عاش عزيزاً في الدنيا وهو بعيد عن فهم الإسلام كما أراد الله عز وجل ورسوله فهو سيموت شقياً، وإن عاش سعيداً في الظاهر.
إذاً بارك الله فيكم: العلاج هو: "فرّوا إلى الله"! العلاج "فرّوا إلى الله"!
فرّوا إلى الله، تعني أفهموا ما قال الله وقال رسول الله، واعملوا بما قال الله وما قال رسول الله..
وبهذا أنهي هذا الجواب، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
2006-02-15
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق