من يصنع الطائفية؟
سعدية مفرح
من بين غرف كثيرة حضرتها وشاركت فيها عبر تطبيق كلوب هاوس في الشهر الماضي، أستحضر الآن غرفةً مميزة فتحها البرلماني الكويتي السابق والمحامي، فيصل اليحيى، بعنوان "من يصنع الطائفية في الكويت؟". وعلى الرغم من أن العنوان كان يخص الحالة الكويتية، إلا أن الحديث كله انفتح على كل طائفيةٍ في عالمنا الإسلامي، ما دامت الطائفية تتكئ على التنوع المذهبي داخل الإطار الإسلامي تحديدا، وهذا التنوّع موجود بأشكال وصور مختلفة، وهي أشكال وصور ثابتة، على الرغم من تغير الظروف والمعطيات الزمنية التي تتماسّ معها هنا أو هناك.
وربما لهذا السبب، كان الحديث عن الحالة الكويتية في مسألة صناعة الطائفية يمكن أن ينطبق، قليلا أو كثيرا، على الحالة العامة، فلا ضير من توسيع الدائرة قليلا، أو كثيرا، لنتحدّث عن صناعة الطائفية بالمجمل، حتى نرى، بالمقارنة والتمايز، أسباب صناعة الطائفية في الكويت، وقبلها نرى إن كانت صناعة بالفعل أم حالة طبيعية.. أم أنها خليط بين الحالين؛ أقصد حالة طبيعية في البداية، ثم تكرّست بفعل فاعل؟
ومن كان حاضرا تلك الغرفة، وسمع الأحاديث التي جرت تحت سقفها في "كلوب هاوس"، في إطار سؤالها العام وأسئلتها الفرعية، والإجابات التي اجتهد كثيرون في إنتاجها، ردّا على تلك الأسئلة، بشكل مباشر أو غير مباشر، اكتشف بالتأكد أن السؤال، على بساطته البادية، شديد العمق في ما يتعلق بتركيب العقل المسلم، إن صحّ التعبير عنه بهذا المصطلح، وعلاقته بالدين عموما، وبالدين الإسلامي خصوصا.
أرى أن مفهوم الطائفية ليس نتيجة حتمية لوجود الطوائف في أي بلد. أي أن الطوائف لا تصنع الطائفية، بل العكس هو الصحيح. أي أن الطائفية، بوصفها حالة استقطابية، هي التي تصنع الطوائف، مفهوما اجتماعيا وسياسيا، بعيدا عن مفهوم هذه الطوائف الديني أو المذهبي. وبالتأكيد، هذه الصناعة مثل أي صناعة في العالم، حتى تقوم ثم حتى تنجح وتستمر وتنتج، تحتاج إلى مواد أولية أو مواد خام، وتحتاج أيضا إلى مصنع قادر على التعامل مع هذه المواد الخام بواسطة أيد عاملة مدرّبة (أو غير مدرّبة!)، وهذا يعني أنها أيضا تحتاج إلى أيد عاملة. وقبل كل شيء، يحتاج هذا المصنع إلى بيئة حاضنة، وسوق قادر على تصريف ما ينتجه، ومسوقين، والأهم زبائن يستهلكون، يشترون تلك المنتجات، أو يستهلكونها بأيّ من الصور المتاحة.
والسؤال المركّب؛ من الذي يوفر ذلك كله لمصنع الطائفية؟ ولماذا؟ المستفيد من وجود هذا المصنع ومنتجاته هو الذي يوفّرها طبعا... هل تبدو السلطة، تحديدا غير القابلة للتداول، هي المستفيد الوحيد، أو على الأقل الأول أو الأكبر من تلك الصناعة ومنتجاتها؟ ربما... لماذا؟ لأن وجود مثل هذه الصناعات يوهم السلطة بأنها قادرةٌ على التعامل مع الشعب، وفقا لهذه التقسيمات بشكل أسهل وأسرع، وأرخص. بالإضافة الى أنها تعتقد أنها قادرةٌ على غلق المصنع في اللحظة اللي تشعر فيها بأنه لم يعد يخدمها، وتبدأ بإنشاء مصنع جديد مثلا. ولكن الواقع يقول إن هذا النوع من المصانع غالبا ما يكبر بسرعة، وبشكلٍ مخيف، حيث ينتج عنها تلوث هائل، يساهم بإفساد البيئة المحيطة به كلها. ويبدو دائما أن السلطة لا تنتبه لهذا التلوث، ولا تعمل له حسابا. وعليه؛ ربما نتيجة شرارة ما هنا أو هناك، أو غلطة في التصنيع ينفجر المصنع بمن فيه وما، وساعتها سيكون الضرر عامّا وشاملا.
وما ينطبق على صناعة الطائفية ينطبق على صناعاتٍ أخرى كثيرة، شبيهة بها، فالنتيجة دائما واحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق