أحدث الأفلام السياسية بُث قبل أيام من وسط مدينة عدن؛ حيث تعالت أصوات تدعو إلى الانفصال والعودة إلى ما قبل الوحدة اليمنية عام 1996م.
أما في ليبيا فإن التقسيم السياسي ثابت بوجود برلمانيين وحكومتين شرقاً وغرباً وظلت الجغرافيا متحركة!
في العراق كل الظروف السياسية والميدانية متهيئة في أول فرصة لتقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات أو إلى كيانين فقط!
أما في سوريا فالتقسيم تحول إلى تقطيع دولي باستخدام أحدث ما في الترسانة من أسلحة دمار وتدمير وأسلحة أخرى تحبس الأنفاس عن الحناجر الصغيرة!
كأنني تذكرت أكبر تقسيم شهدته المنطقة العربية في أعقاب الحرب العالمية الأولى؛ حيث استخدم المستعمرون الثوار العرب أنفسهم لتقسيم بلادهم، خاصة في منطقة الهلال الخصيب، اليوم يستخدم الطامعون كل الوسائل لتقسيم البلاد العربية في الهلال الخصيب وفي غيره، ولن يتوانوا عن استخدام العرب والأكراد والأقليات الأخرى للوصول إلى مبتغاهم، والطريقة هذه المرة عنيفة جداً ودفع المدنيون أثماناً ضخمة في بيوتهم أو للانتقال من منطقة إلى أخرى في حين تعمل السكين على الخريطة بلا رحمة!
ما هي تفاصيل الفيلم السينمائي في عدن؟
توافدت حشود صغيرة إلى ساحات معدة مسبقاً وبتخطيط متقن، الحشود الصغيرة تحولت إعلامياً إلى مليونية، وبدأ الصراخ يتعالى وتٌطلق الشعارات والمناشدات وطالب المتظاهرون بـ «تفويض» شخصيات محددة لقيادة المشروع المريب، وكما هي العادة، ظهرت الشخصيات الانفصالية تدعي حصولها على «تفويض وأمر» من الجماهير ومن شعبنا الكبير إلى آخر الأسطوانة المشروخة، لكن الغريب أنه تم التراجع عن كثير من أفكار البيان الأول تحت ضغوط دولية وإقليمية ما يدل على أن المٌخطط استعجل التنفيذ مع بقاء فكرة التقسيم تهدد وحدة اليمن وتهدد الحكومية الشرعية التي تجاهد لمنع سقوط اليمن في براثن التقسيم الحوثي!
في ليبيا تحقق التقسيم السياسي في أعقاب الربيع الليبي بظهور برلمان طبرق وبرلمان طرابلس وحكومة طبرق وحكومة طرابلس مع تفاوت في المساحات والمناطق التي يسيطر عليها كل طرف حسب ظروف القوة والإمداد الخارجي!
على سبيل المثال، يتلقى جيش خليفة حفتر دعماً عسكرياً من القوى ذاتها التي تقود الثورة المضادة وينعم كذلك بدعم معنوي كبير من بعض الفئات الدينية التي يوظفها الانقلابيون عادة لتحقيق مصالحهم في طول العالم العربي وعرضه.. هذا الدعم مكن حفتر من مد سيطرته العسكرية على مناطق مهمة مثل الهلال النفطي وعاصمة الثورة الليبية بنغازي فأصبح التقسيم الجغرافي في ليبيا واقعاً سياسياً، خاصة مع ظهور بعص النعرات الانفصالية في الجنوب الليبي!
قصة العراق مع التقسيم طويلة ومريرة؛ مُنح الأكراد خاصة بعد سقوط بغداد عام 2003 استقلالاً سياسياً وحكماً ذاتياً مرتباً في ظروف وأجواء أمنية ممتازة (في شمال العراق)، لكن كل ذلك لم يكن كافياً لاستمرار الهدوء، خاصة بعد ظهور تنظيم الدولة، أما شيعة العراق فقد منحتهم الدبابة الأميركية قوة سياسية مؤثرة استمرت لسنين طويلة، لكن أحلام التوسع والسيطرة المدعومة بأنفاس الثورة الخمينية عاودت الظهور ونجحت في تجنيد القوات العسكرية النظامية والحشد الشعبي في سبيل تحويل القوة السياسية إلى قوة على الأرض وحفظ النصيب الشيعي في حال تبلور خطط تقسيم العراق!
في المأساة السورية الممتدة اختلطت خطط التقسيم بالدم السوري النقي، ما يراه المراقبون في الشمال السوري يؤكد تبلور أحلام التقسيم لصالح كيان كردي يولد على صفيح ساخن وما يسمعه المراقبون في الأستانة وغيرها يؤكد ظهور شبح التقسيم حتى مع مصطلح «المناطق الآمنة»!
بعد ضعف نظام الأسد في الشمال حشد الأكراد قواتهم وتحصلوا على دعم دولي معتبر للمضي في جعل الكيان الكردي ظاهراً على الأرض وإن كان باسم لطيف مثل «قوات سوريا الديمقراطية» وبوجود قوات عربيه هامشية تنفذ المخطط وهي صامتة! التقسيم بالقوة هذا هو عنوان المعركة في الشمال السوري أما في بقية أراضي سوريا الجريحة فيبدو أنه التقسيم بالمكر.
في اجتماعات الآستانة وعلى الأرض السورية تخطط روسيا، تفصل وتضم وتحمي وتدمر وتهدم وتبني بمزاج سياسي غامض جداً، لكن يبدو أن ولادة «سوريا المفيدة» ستكون قيصرية ودموية!
ظاهرتان مؤلمتان في مأساة التقسيم في سوريا هما التهجير القسري والتدمير الجنوني لكل مقدرات السوريين، أحدث أخبار التهجير القسري جاءت من حيي القابون وبرزة في دمشق، أما أخبار التدمير الجنوني فهي مستمرة على مدار الساعة رغم ما يقال عن اتفاق «خفض التصعيد»!
بقلم: د. صنهات بن بدر العتيبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق