الأنظمة الملكية العربية بين النموذجين الأفغاني والإسباني
ياسر أبو هلالة
بعد عقد من الربيع العربي، لا تزال الدول العربية، باستثناء تونس، بعيدة عن التحول الديمقراطي، ولم تعد للديمقراطية الجاذبية السابقة، لا بالنسبة للشعوب ولا للأنظمة، ولكنها باتت تشكل مخرجا لمواجهة الأزمات الاقتصادية الخانقة، ومواجهة الضغوط الخارجية.
وظلت الأنظمة الملكية، لما تتمتع به من استقرار نسبي، أقدر من الأنظمة الجمهورية التي ترواح بين الاستبداد المطلق، كالحالة المصرية، أو التفكك والفوضى، كما آل إليه الوضع في سورية وليبيا وغيرهما.
تتفاوت الأنظمة العربية الملكية في ابتعادها عن التحول الديمقراطي، بين نظام ملكي شمولي مطلق، لا تجرى فيه أي انتخابات، ويرفضها مبدئيا، وملكيات دستورية لكنها لا تطبق الدساتير كما يجب، مثل المغرب والأردن والكويت. وهذه الدول الثلاث يمكنها أن تشكل نموذجا لغيرها من الملكيات والجمهوريات في التحوّل الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة.
تراجعت كثيرا الدولة الريعية وسياسة استرضاء الناس، وما من بديل غير إشراك الناس في المسؤولية، ليتحملوا أعباء القرارات الصعبة. والشكل الديمقراطي لا يقنع الناس، ولا يلبي طموحهم. وبإمكان الملكيات الدستورية أن تطبق الدساتير بنزاهة، من خلال انتخابات حقيقية، لا شكلية تحدد نتائجها مسبقا.
ذلك كله لا يعني عدم التحوّط من المخاطر الداخلية والخارجية التي قد تودي بالتحول، كما حصل في تجربة أفغانستان، فقد نجح الملك ظاهرشاه في إنجاز عقد من التحوّل الديمقراطي من 1963 إلى 1973، أجهضه تهوّر القوى اليسارية المحلية بقيادة ابن عمه الأمير داود خان، الذي انقلب عليه، بموازاة التدخل الخارجي السوفييتي، في أوج الحرب الباردة، فالتعامل ببراءة مع المخاطر أسقط الدولة، ولم يوقف مسار التحوّل فقط، على خلاف مسار التحوّل الديمقراطي في إسبانيا، الذي تمكّن فيه الملك من كبح جماح المتطرّفين من الملكيين في الجيش، عندما أفشل انقلابهم، مطلع الثمانينيات. وفوق ذلك، لعبت الحرب الباردة في صالحه، وكانت أوروبا الغربية وأميركا حريصتين على مغادرة إسبانيا حقبة العسكر والجنرال فرانكو، ودخولها في النادي الديمقراطي، وقدمتا في سبيل ذلك كل أشكال الدعم، المالي والسياسي.
تستطيع الملكيات العربية الاعتبار من النموذجين، في فشلهما ونجاحهما. يحتاج التحول الديمقراطي إلى ديمقراطيين. وبناء القوى الديمقراطية مهمة شاقة، وليست قرارا سهلا، يبدأ بالتعليم والإعلام، ولا يتوقف عند الانتخابات. ومواجهة القوى المتطرّفة تبدأ بتحييد الجيش وإبعاده عن السياسة، حتى لا يتحوّل أداة بيدها.
هذه الأيام فرصة ذهبية للملكيات حتى تجدّد نفسها، وتلتزم بالدستور وتنسجم مع العصر، وأن تتحوّل، بهدوء وتدرج، أفضل من أن ترتبك في ظل موجة ثانية متوقعة من الربيع العربي، قد تتسرب منها مياه التطرّف والفوضى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق