رمتني بدائها وانسلّت… بايدن إذ يتحدث عن إبادة الأرمن
إحسان الفقيه
مناجزة تركيا بمأساة الأرمن ورقة ضغط، تأتي في سياق محاصرة تركيا وترويضها، بعد أن ازداد نفوذها ودورها الإقليمي والدولي
أعتقد أن هذا الغيض من فيض الجرائم الأمريكية ضد البشرية يسوغ للعالم أن يطالب بمحاسبة الولايات المتحدة عن كل جرائمها والإبادات الجماعية التي ارتكبتها منذ قيامها وحتى اليوم. وهذا الغيض من فيض الجرائم الأمريكية كافٍ في أن يقال للجالس على المكتب البيضاوي في واشنطن: «من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة». جو بايدن كغيره من رؤساء أمريكا، تعهد في حملته الانتخابية بأن يعترف بتنفيذ الدولة العثمانية جرائم إبادة جماعية بحق الأرمن، وهذا يذكرنا بالمثل العربي السائر: «رمتني بدائها وانسلّت» وقد ذكر ابن سلام في كتابه «الأمثال» أن هذا المثل قيل في امرأة خزرجية كانت لها ضرائر، فسبتها إحداهن يوما، فرمتها هذه المرأة الخزرجية بعيب هو فيها، فقالت ضرتها «رمتني بدائها وانسلّت» فذهبت مثلًا. بايدن كغيره من رؤساء أمريكا، أعلن في حملته الانتخابية عن اعتزامه الاعتراف بإبادة الأرمن لكسب تأييد اللوبي الأرمني في بلاده، وها هو يفعلها في الرابع والعشرين من إبريل، وهو اليوم الذي اختاره الأرمن لإحياء هذه الذكرى، أعلنها بايدن زعما باحترام حقوق الإنسان! إن كان على تركيا أن تتحمل أخطاءً وقعت في الحقبة العثمانية، فمن باب أولى أن تتحمل الإدارة الأمريكية كل الجرائم التي ارتكبتها منذ فترة تأسيسها. لكن الفرق بينهما، أن الجرائم التي ارتكبتها أمريكا بحق البشرية مقطوع بصحته لا يعترضها شيء، ولا يشوبها شيء، أما ما حدث للأرمن في عهد الإمبراطورية العثمانية، فإنه يشوش على حقيقته أمور:
الأول: أن تقدير عدد الضحايا بمليون ونصف مليون قتيل هو أمر مبالغ فيه بدرجة كبيرة، سأتجاوز الرواية التركية بأن عدد الضحايا لم يتجاوز 300 ألف، وهو بلا شك عدد كبير جدا، لكنني سأعتمد على الكتاب الأزرق، وهو مجموعة ضخمة من الوثائق في الأرشيف البريطاني، وكان رئيس تحرير هذه الوثائق المؤرخ الشهير أرنولد توينبي أستاذ التاريخ بجامعة لندن، والذي كتب يقول عن أحداث 1915: «يبلغ عدد الشهداء الأرمن 600 ألف على نحو تقريبي». وهذا يدحض الرواية التي يعتمدها الأرمن والولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وغيرهم عن عدد القتلى من الأرمن.
الثاني: أن تركيا وحدها هي من عرضت فتح أرشيفها الذي يحتوي على مليون وثيقة أمام لجنة من خبراء ومؤرخين من الأرمن وتركيا، للوقوف على حقيقة الأمر (مع الإقرار بسقوط عدد كبير من القتلى الأرمن) في الوقت الذي لا يجد فيه الأرمن وثيقة واحدة يلوحون بها لتعيين هذا العدد الضخم من الضحايا، بل إن هناك وثائق في الأرشيف الألماني تثبت أن الأرمن تورطوا في مجازر ضد رعايا الدولة العثمانية في الأناضول، فالأمر من الناحية الوثائقية لصالح الأتراك.
الثالث: تجاهل حقيقة مؤكدة وهي سقوط مئات الآلاف من العثمانيين المسلمين في الصراع الداخلي على يد الأرمن، بما ينفي حقيقة كونها إبادة ممنهجة شنها العثمانيون على الأرمن، بل تمت في إطار تصارعي، وبتجاوزات عديدة من ضباط عثمانيين بدافع انتقامي.
الرابع: تجاهل حقيقة تعاون الأرمن مع الروس ضد العثمانيين، وقيام الوحدات العسكرية الأرمنية بتنفيذ مذابح عديدة في المسلمين من رعايا الدولة العثمانية، ولا يخفى اكتشاف مئات المقابر الجماعية لقتلى على يد الأرمن موثقة في الأرشيف العثماني.
وهذا السرد ليس تهوينا من شأن مأساة الأرمن، فالأعداد الكبيرة لقتلاهم على يد القوات العثمانية لا يمكن إخفاؤها، لكن من الإنصاف أن يوضع الجرم في حدود تقديره وتقييمه الصحيح، أما المبالغات في أعداد الضحايا وتجاهل دور الأرمن العدائي تجاه الدولة العثمانية وتجاهل سقوط هذا العدد الكبير من المسلمين العثمانيين على يد الأرمن، فهو صورة من صور التكالب على تركيا الحديثة. وهذا ما يقوم به جو بايدن وحلفاؤه وأتباعه في مناجزة تركيا بمأساة الأرمن كورقة ضغط، فهو يأتي في سياق المحاولات المستمرة لمحاصرة تركيا وترويضها، بعد أن ازداد نفوذها ودورها الإقليمي والدولي، وأصبحت قوة عسكرية واقتصادية وسياسية لها ثقلها في المجتمع الدولي، بعيدا عن التبعية للشرق أو للغرب، وعلى بايدن أن يراجع تاريخه الملطخ بالدماء أولا قبل أن يرمي غيره بالذي هو داؤه، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
مناجزة تركيا بمأساة الأرمن ورقة ضغط، تأتي في سياق محاصرة تركيا وترويضها، بعد أن ازداد نفوذها ودورها الإقليمي والدولي
أعتقد أن هذا الغيض من فيض الجرائم الأمريكية ضد البشرية يسوغ للعالم أن يطالب بمحاسبة الولايات المتحدة عن كل جرائمها والإبادات الجماعية التي ارتكبتها منذ قيامها وحتى اليوم. وهذا الغيض من فيض الجرائم الأمريكية كافٍ في أن يقال للجالس على المكتب البيضاوي في واشنطن: «من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة». جو بايدن كغيره من رؤساء أمريكا، تعهد في حملته الانتخابية بأن يعترف بتنفيذ الدولة العثمانية جرائم إبادة جماعية بحق الأرمن، وهذا يذكرنا بالمثل العربي السائر: «رمتني بدائها وانسلّت» وقد ذكر ابن سلام في كتابه «الأمثال» أن هذا المثل قيل في امرأة خزرجية كانت لها ضرائر، فسبتها إحداهن يوما، فرمتها هذه المرأة الخزرجية بعيب هو فيها، فقالت ضرتها «رمتني بدائها وانسلّت» فذهبت مثلًا. بايدن كغيره من رؤساء أمريكا، أعلن في حملته الانتخابية عن اعتزامه الاعتراف بإبادة الأرمن لكسب تأييد اللوبي الأرمني في بلاده، وها هو يفعلها في الرابع والعشرين من إبريل، وهو اليوم الذي اختاره الأرمن لإحياء هذه الذكرى، أعلنها بايدن زعما باحترام حقوق الإنسان! إن كان على تركيا أن تتحمل أخطاءً وقعت في الحقبة العثمانية، فمن باب أولى أن تتحمل الإدارة الأمريكية كل الجرائم التي ارتكبتها منذ فترة تأسيسها. لكن الفرق بينهما، أن الجرائم التي ارتكبتها أمريكا بحق البشرية مقطوع بصحته لا يعترضها شيء، ولا يشوبها شيء، أما ما حدث للأرمن في عهد الإمبراطورية العثمانية، فإنه يشوش على حقيقته أمور:
الأول: أن تقدير عدد الضحايا بمليون ونصف مليون قتيل هو أمر مبالغ فيه بدرجة كبيرة، سأتجاوز الرواية التركية بأن عدد الضحايا لم يتجاوز 300 ألف، وهو بلا شك عدد كبير جدا، لكنني سأعتمد على الكتاب الأزرق، وهو مجموعة ضخمة من الوثائق في الأرشيف البريطاني، وكان رئيس تحرير هذه الوثائق المؤرخ الشهير أرنولد توينبي أستاذ التاريخ بجامعة لندن، والذي كتب يقول عن أحداث 1915: «يبلغ عدد الشهداء الأرمن 600 ألف على نحو تقريبي». وهذا يدحض الرواية التي يعتمدها الأرمن والولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وغيرهم عن عدد القتلى من الأرمن.
الثاني: أن تركيا وحدها هي من عرضت فتح أرشيفها الذي يحتوي على مليون وثيقة أمام لجنة من خبراء ومؤرخين من الأرمن وتركيا، للوقوف على حقيقة الأمر (مع الإقرار بسقوط عدد كبير من القتلى الأرمن) في الوقت الذي لا يجد فيه الأرمن وثيقة واحدة يلوحون بها لتعيين هذا العدد الضخم من الضحايا، بل إن هناك وثائق في الأرشيف الألماني تثبت أن الأرمن تورطوا في مجازر ضد رعايا الدولة العثمانية في الأناضول، فالأمر من الناحية الوثائقية لصالح الأتراك.
الثالث: تجاهل حقيقة مؤكدة وهي سقوط مئات الآلاف من العثمانيين المسلمين في الصراع الداخلي على يد الأرمن، بما ينفي حقيقة كونها إبادة ممنهجة شنها العثمانيون على الأرمن، بل تمت في إطار تصارعي، وبتجاوزات عديدة من ضباط عثمانيين بدافع انتقامي.
الرابع: تجاهل حقيقة تعاون الأرمن مع الروس ضد العثمانيين، وقيام الوحدات العسكرية الأرمنية بتنفيذ مذابح عديدة في المسلمين من رعايا الدولة العثمانية، ولا يخفى اكتشاف مئات المقابر الجماعية لقتلى على يد الأرمن موثقة في الأرشيف العثماني.
وهذا السرد ليس تهوينا من شأن مأساة الأرمن، فالأعداد الكبيرة لقتلاهم على يد القوات العثمانية لا يمكن إخفاؤها، لكن من الإنصاف أن يوضع الجرم في حدود تقديره وتقييمه الصحيح، أما المبالغات في أعداد الضحايا وتجاهل دور الأرمن العدائي تجاه الدولة العثمانية وتجاهل سقوط هذا العدد الكبير من المسلمين العثمانيين على يد الأرمن، فهو صورة من صور التكالب على تركيا الحديثة. وهذا ما يقوم به جو بايدن وحلفاؤه وأتباعه في مناجزة تركيا بمأساة الأرمن كورقة ضغط، فهو يأتي في سياق المحاولات المستمرة لمحاصرة تركيا وترويضها، بعد أن ازداد نفوذها ودورها الإقليمي والدولي، وأصبحت قوة عسكرية واقتصادية وسياسية لها ثقلها في المجتمع الدولي، بعيدا عن التبعية للشرق أو للغرب، وعلى بايدن أن يراجع تاريخه الملطخ بالدماء أولا قبل أن يرمي غيره بالذي هو داؤه، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق