رسالة عاجلة إلى قادة منظمة التعاون الإسلامي
محمود عبد الهادي
مظاهرة سابقة للمثليين أمام المحكمة الأميركية العليا في واشنطن (الأناضول)
هذا المقال رسالة مفتوحة لقادة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، لعقد قمة طارئة من أجل تسريع تفعيل البند 40 من البيان الختامي لقمة المنظمة الرابعة عشرة المنعقدة في مكة المكرمة عام 2019، والذي دعا -لأول مرة في تاريخ المنظمة- إلى "العمل على التصدي للمحاولات التي تقوم بها بعض الجهات لاستغلال اللقاءات والقنوات الدولية لتمرير سياسات وإستراتيجيات في أجندة الأمم المتحدة، مثل المثلية والميل الجنسي"، وإن المطالبة بعقد قمة طارئة لهذا الموضوع أصبحت أمراً ملحّاً، في ضوء التهديدات الخطيرة التي تسببها ظاهرة المثلية الجنسية الزاحفة على الأمة الإسلامية ومجتمعاتها وأفرادها، وعلى العالم أجمع.
إنّ المكانة التي تحتلها المنظمة في الساحة الدولية، وعدد الدول المنضوية تحتها، وحجم الأمة الإسلامية التي تمثلها، يلقي على المنظمة المسؤولية الكاملة في التصدي لموجة المثلية الجنسية، والدفاع عن الأمة الإسلامية وعقيدتها وقيمها وأخلاقها ومجتمعاتها وأفرادها.
أواخر الشهر الماضي، نشرت منظمة اليونيسيف في موقعها على منصة تويتر تغريدة لحماية الأطفال المثليين والمتحولين جنسياً من مجتمع "+إل جي بي تي كيو" (LGBTQ+)، تقول فيها: "من المرجح أن يتعرض الأشخاص الصغار من مجتمع الميم، أكثر من أقرانهم، للتنمر والإساءة والعزلة. دعونا نعمل معًا لبناء عالم يكون فيه كل طفل آمنًا ومدعومًا، ليعيش بفخر بنفسه الأصيلة". وجاءت هذه التغريدة مصحوبة بالرسم الكاريكاتيري أدناه الصادر عن منظمة الأمم المتحدة لحقوق (LGBTQ+). وهي دعوة مباشرة لكل دول العالم للعمل على حماية أطفال مجتمع (LGBTQ+) الذين يتم تلقينهم في المدارس والإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، مفاهيم غريبة حول شخصيتهم الجنسية وميولهم الغريزية. فهل استشارت اليونيسيف الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي -العضوة في اليونيسيف- حول محتوى هذه التغريدة، وأخذت موافقتها عليها؟
لماذا منظمة التعاون الإسلامي؟
يخاطب هذا المقال مباشرة منظمة التعاون الإسلامي، ممثلة في دولها وقادتها وشعوبها، والتي ينصّ شعارها الرسمي على أنها "الصوت الجامع للعالم الإسلامي"، وقد جاء هذا الخطاب للاعتبارات الرئيسية التالية المستمدة من تعريفات المنظمة وقراراتها:
- كونها الإطار الرسمي العالي المستوى الوحيد للمسلمين في العالم، وهي تضم 57 دولة، عربية وغير عربية، أي أكثر من ربع دول العالم، وهي معنية بشؤون جميع المسلمين الذين يزيد تعدادهم على 1.5 مليار نسمة.
- أن الدول الأعضاء تتقاسم ذات القيم الثقافية والمعتقدات، ويجمع بينها إيمانها بقيم الإسلام الروحية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، علاوة على وحدة العقيدة، وطموحاتها المشتركة، وتحدياتها المتشابهة.
- أن أحد الأدوار الرئيسية للمنظمة هو المحافظة على قيم الأسرة، وحماية الأسرة والطفل، انطلاقا من القيم الإسلامية، وبما لا يتعارض معها.
- أن المنظمة تنصّ على ضرورة التزام الدول الأعضاء بقراراتها، والتصويت لصالحها في المحافل الدولية، وخاصة الأمم المتحدة، وأن عدم التصويت أو إعلان مواقف مخالفة، يتعارض مع الإجماع الذي يفرضه واجب التضامن الإسلامي بين الأعضاء.
- أن المنظمة -وإحساسًا منها بخطورة هذا الأمر- أدرجته لأول مرة في قمتها الرابعة عشرة، قبل 3 سنوات، وطالبت بالتصدي له، والعمل على تحقيق تنمية شاملة تتفق مع القيم الإسلامية والهوية الإسلامية.
- أن المنظمة ترتبط بعلاقات تشاور وتعاون مع الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الحكومية الدولية بهدف حماية المصالح الحيوية للمسلمين، والدفاع عن القيم الحقيقية للإسلام والمسلمين، وتصحيح المفاهيم والتصورات الخاطئة، وتجتمع مع الأمانة العامة للأمم المتحدة، بصورة دورية كل عامين، لبحث ومتابعة مصفوفة الأنشطة والموضوعات ذات الاهتمام المشترك.
- وأخيرًا وليس آخرًا، أن منظمة التعاون الإسلامي ذات إمكانات وخبرات وكفاءات عالية، وإذا لم تتصدّ هي لهذا الأمر، فمن ذا الذي يقدر على التصدي له من المسلمين بصورة رسمية مؤثرة؟!
إنها رسالة عاجلة إلى قادة منظمة التعاون الإسلامي لعقد قمة طارئة، لا لحماية المسجد الأقصى، ولا لمقاومة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، ولا لإيقاف النزاعات المسلحة في بعض الدول الإسلامية، وإنما لإنقاذ المجتمع الإسلامي وأفراده من الهجمة الشرسة لموجة المثلية الجنسية والتحول الجنسي، التي باتت تهدد حاضرهم ومستقبلهم، وتفتن صغيرهم وكبيرهم.
دوافع المطالبة بانعقاد القمة الطارئة
تنطلق المطالبة بعقد القمة الاستثنائية الطارئة لمواجهة تهديدات موجة المثلية الجنسية الزاحفة على العالم الإسلامي، من الدوافع والأسباب الرئيسية التالية:
أولاً/ أن هذه الموجة تنمو بشكل متسارع، وتكاد تطبق على العالم أجمع، وليس العالم الإسلامي فحسب، وتحظى بدعم سياسي واقتصادي غربي على أعلى مستوى، لم يتوفر لأي حركة فكرية أو اجتماعية أو حقوقية من قبل. ونخشى أن نفاجأ قريباً باليوم الذي لا نستطيع فيه مواجهتها.
ثانياً/ أن هيئة الأمم المتحدة تتبنى هذه الموجة بصورة فجة، في جميع منظماتها، وعلى أعلى المستويات، ودون وجه حق، فعلى أي أساس تفعل الأمم المتحدة ذلك، وهي تعرف أن ما تقوم به يتعارض مع عقيدة وقيم وأخلاق 57 دولة عضوة فيها. لا يكاد يمر يوم لا تصدر فيه عن الأمم المتحدة مادة، تروّج أو تدعو أو تنظّر وتؤصّل وتقنّن وتبرّر لهذه الموجة، كمنظمة الأمم المتحدة للحرية والمساواة المتخصصة في حماية مجتمع (LGBTQ+) والترويج له، ومنظمة اليونيسيف واليونسكو وبرنامج الأغذية العالمي، وغيرها من منظمات الأمم المتحدة، وخاصة منظمة الأمم المتحدة للمرأة، بل وصل الأمر إلى مجلس الأمن وحلف الناتو. وقد أصبحت منظمات هيئة الأمم المتحدة تراقب -عن كثب وبانتظام- مدى استجابة دول العالم، ومن بينها الدول الإسلامية، لتحقيق المساواة والعدل والحماية للمثليين والمحولين جنسياً.
ثالثاً/ أن الإدارة الأميركية الحالية تتبنّى هذه الموجة بشكل صارخ لم يسبق له مثيل، وقد أصدرت في أواخر أبريل/نيسان الماضي أول تقرير علني خاص بتعزيز حقوق الأفراد المثليين أو ما يعرف بمجتمع (LGBTQ+) في جميع أنحاء العالم. وبحسب التقرير، فإن إدارة الرئيس بايدن تأمل أن يلهم هذا التقرير التاريخي الحكومات الأخرى في جميع أنحاء العالم لاتخاذ إجراءات مماثلة. وهي تعتبر أن تعزيز وحماية هذه الحقوق من أولويات سياستها الخارجية، وتعمل على بناء تحالفات مع الدول ذات التفكير المماثل، وإشراك المنظمات الدولية في إنهاء العنف والتمييز على أساس الهوية الجنسية والتوجه الجنسي.
وقد عرض التقرير الكثير من التشريعات والإجراءات والسياسيات التي قامت بها الإدارة الأميركية، لتحقيق المساواة للمنتمين إلى (LGBTQ+) في الولايات المتحدة وخارجها، ونذكر بعضا منها مما يهمنا في هذا المقام:
- إعداد إستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة لمنع العنف القائم على النوع الاجتماعي، والاستجابة له على الصعيد العالمي، كأول خطة عمل وطنية أميركية في هذا الصدد.
- تعيين مبعوث خاص بهم في الوزارة، لعقد جلسات استماع وحوارات إستراتيجية مع الوكالات المشتركة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والحكومات الأجنبية والأوساط الأكاديمية.
- دعوة مكتب شؤون المنظمات الدولية "آي أو" (IO) لتنسيق جهود حكومة الولايات المتحدة عبر منظومة الأمم المتحدة، والمكاتب والوكالات الشريكة لضمان توسيع المشاركة في المنظمات الإقليمية والمتخصصة، خارج الأمم المتحدة.
- تجديد الولايات المتحدة مشاركتها في مجموعة الأمم المتحدة الأساسية لـ(LGBTQ+) في نيويورك، وقد أصبحت عضوًا مؤسسًا لمجموعة أصدقاء التوجه الجنسي والهوية الجنسية (SOGI) في جنيف في يونيو/حزيران 2021. وفي العام نفسه استأنفت الولايات المتحدة دورها القيادي في الأمم المتحدة والهيئات المتعددة الأطراف الأخرى، بعد أن انضمت إلى كل بيان مشترك حول قضايا مجتمع (LGBTQ+) في هيئات الأمم المتحدة.
وقد أعدت الخارجية الأميركية في أبريل/نيسان الماضي خطة تهدف إلى تحديد الخطوات والمعايير، وجهود المساءلة، وتحسين الكفاءة والفعالية، في جميع جوانب عمل الشؤون الخارجية، لتضمين الإنصاف والمساواة للأقليات وفي مقدمتهم مجتمع (LGBTQ+) في السياسات الخارجية للولايات المتحدة.
رابعاً/ أن الولايات المتحدة الأميركية، ومن ورائها الأمم المتحدة والدول الغربية، تستهدف العالم أجمع، دون استثناء، ودون اعتبار لدين أو عرف أو أخلاق، وتعمل على فرض هذه الموجة على جميع دول العالم، وقد سنّت لها التشريعات والقوانين اللازمة، وقدمت لها الرعاية والتسهيلات، وألزمت بها المدارس من المرحلة الابتدائية، ومنعت التعرض لها بالنقد أو التجريح، ومن يفعل ذلك يتعرض لعقوبة السجن والغرامة، بل سلبت الوالدين الحق في نصح أبنائهما برفض هذه الثقافة، حتى لو كان ذلك لاعتبارات دينية.
خامساً/ تحت شعارات العدل والمساواة والحرية ومحاربة العنف والتمييز، اتسعت موجة المثلية الجنسية أو (LGBTQ+) بصورة لم يشهد لها العالم مثيلاً، وأصبح لها عشرات الآلاف من المنظمات الطوعية حول العالم التي تتلقى دعماً سنوياً رسمياً ومؤسسياً وشعبياً هائلاً، بلغ عام 2020 في الولايات المتحدة وحدها 200 مليون دولار. وتتنوع المنظمات الداعمة لهذا التوجه محلياً ودولياً، ومنها المنظمة العالمية للمثليين (ILGA) التي تضم أكثر من 1700 منظمة في 160 دولة حول العالم.
سادساً/ لقد بلغت هذه الموجة حداً لا يمكن التأخر عن مواجهته أكثر منذ لك، من حيث التنظيم والتأييد والتشريع والنشر والتعليم والتغطية الإعلامية والمعالجة الدرامية، وقد بلغ عدد الدول التي تجيز زواج المثليين 31 دولة حول العالم، منها 16 دولة في وسط وغرب أوروبا، إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا واليابان وتايوان وجنوب أفريقيا، و8 دول في أميركا اللاتينية والوسطى، أما بقية الدول الأوروبية، فتتراوح نسبة التأييد لزواج المثليين فيها بين 9% في أوكرانيا، و32% في بولندا وهنغاريا. وتزداد نسبة انتشار الظاهرة والتأييد لها في العالم بشكل مخيف، فعلى سبيل المثال، كانت نسبة التأييد لزواج المثليين في الولايات المتحدة الأميركية 27% عام 1996، ووصلت إلى 70% عام 2021، وقد بلغ عدد أصحاب الميول الجنسية غير الطبيعية (LGBTQ+) عام 2020 في الولايات المتحدة 5.6% من إجمالي عدد السكان، أي أكثر من مليوني شخص، بزيادة 100% عما كانت عليه عام 2010.
سابعاً/ أن هذه الموجة تسربت إلى دول العالم الإسلامي بصورة مخيفة، وصلت إلى النخبة الثقافية والإعلامية والفكرية، وأصبحت حديث المجالس ووسائل التواصل الاجتماعي، وطلاب المدارس والجامعات، وأصبحت مصطلحاتها وحقوق أصحابها دارجة على الألسنة، في عملية تطبيع مريعة، زاد من خطورتها إحجام الكثير من القادة والمسؤولين عن اتخاذ مواقف واضحة وحازمة تجاهها، بسبب الضغوط السياسية الهائلة التي تواجهها من الدول الغربية والمنظمات الدولية، وقد باتت تهدد بنية المجتمع المسلم وأجياله الحالية والمستقبلية.
وبالرغم من أن الدول الأعضاء في المنظمة لا تجيز من الناحية القانونية نشاط المثليين أو زواجهم، فإن عدداً من الدول يغض الطرف عن هذه الأنشطة. وفي استطلاع للجمعية العالمية للمثليين (ILGA)، فإن نسبة المؤيدين لزواج المثليين في بعض الدول العربية بلغت 19% في الإمارات، و16% في مصر، و14% في كل من المغرب والأردن، وقد بدأت تظهر بعض المنظمات الطوعية العربية التي تنشط في مجال رعاية المثلين والمحولين جنسياً والدفاع عن حقوقهم، مثل المؤسسة العربية للحريات والمساواة في لبنان.
ثامناً/ أن الدول الغربية مرت بعدة مراحل لتصل إلى ما وصلت إليه في دعم ونشر موجة المثلية الجنسية، على مدى نصف قرن من الزمان، وقد كان قيام منظمة الصحة العالمية في مايو/أيار 1990 بحذف المثلية الجنسية من قائمة المنظمة للاضطرابات النفسية، علامة بارزة في تاريخ تطور هذه الموجة. وللأسف نحن نرى المراحل الأولى لهذه الموجة تتحرك بهدوء في الدول الإسلامية دون مقاومة منهجية قادرة على صدها، فهل ستنتظر المنظمة حتى تكتمل هذه المراحل؟!
إنها رسالة عاجلة إلى قادة منظمة التعاون الإسلامي لعقد قمة طارئة، لا لحماية المسجد الأقصى، ولا لمقاومة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، ولا لإيقاف النزاعات المسلحة في بعض الدول الإسلامية، وإنما لإنقاذ المجتمع الإسلامي وأفراده من الهجمة الشرسة لموجة المثلية الجنسية والتحول الجنسي، التي باتت تهدد حاضرهم ومستقبلهم، وتفتن صغيرهم وكبيرهم، والنظر في كيفية مواجهتها قبل أن تستفحل وتستكمل دورتها.
ليس من حق الأمم المتحدة ولا الولايات المتحدة والدول الغربية، أن تفرض الموجة المثلية على الدول الإسلامية، تحت دعاوى الحرية والمساواة، ولا أن يطالبوها بتعزيزها وتنشئة الأجيال القادمة عليها. إن المكانة التي تحتلها المنظمة في الساحة الدولية، وعدد الدول المنضوية تحتها، واتساع وانتشار الأمة الإسلامية التي تمثلها، يلقي على المنظمة المسؤولية الكاملة في التصدي لهذه الهجمة والدفاع عن أمتها الإسلامية وعقيدتها وقيمها وأخلاقها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق