حفيد رفاعة الطهطاوي.. ثمن المروءة الباهظ
قطب العربي
السفير محمد رفاعة الطهطاوي الذي فقد رفيقة حياته مؤخرًا، والمسجون حاليًا ومنذ العام 2013 في سجن العقرب الشديد الحراسة هو واحد من عشرات آلاف سجناء الرأي، لكن ليس من الحكمة عدّه أو غيره مجرد رقم في عداد المعتقلين، فقد أتيحت للرجل فرصة الخروج من السجن شريطة أن يعلن تنصله من الرئيس الشهيد محمد مرسي، لكنه أبى ذلك، وأصر على البقاء معه في السجن، حتى إذا مات الأول في محبسه خلال إحدى جلسات محاكمته استمر الثاني حبيسًا وهو الذي قرن خروجه من السجن بخروج الرئيس المنتخب.
هذا نوع نادر من الوفاء، وعملة صعبة لا تتوافر كثيرًا في الأسواق، لكنه المعدن الأصيل لابن الأصول، فالسفير محمد هو الحفيد الأكبر لرائد النهضة الثقافية المصرية رفاعة بك الطهطاوي صاحب كتاب تخليص الإبريز في تلخيص باريز (باريس)، والذي كان حصيلة بعثته العلمية إلى فرنسا مطلع القرن العشرين، والسفير محمد هو حفيد عبد الرحمن باشا عزام أول أمين عام لجامعة الدول العربية، وعبد الوهاب باشا عزام سفير مصر في السعودية واليمن وباكستان (جده لأمه مباشرة) فهو ابن الأكرمين، وهو سليل العلم والكرم، وقد ظهرت أصالته في أكثر من موقف.
فقدان الأم والزوجة أثناء الحبس
فقد السفير السجين زوجته السيدة ماجدة عزام وهو في محبسه الظالم، كما فقد قبلها والدته نوار عبد الوهاب عزام، ورزقه الله بأول حفيد وهو في محبسه لم يستطع أن يضمه إلى صدره، فلم تسمح السلطات المصرية له بالخروج مؤقتًا من محبسه لتوديع رفيقة عمره، رغم أن هذا أحد حقوق السجناء وفقًا للوائح السجون، ورغم أن السلطات سمحت لشخصيات سياسية أخرى بذلك، بل سمحت له هو شخصيًا في العام 2015 بحضور جنازة والدته.
كانت زوجته الراحلة وأبناؤه محرومين من زيارته في السجن الشديد الحراسة، وعلى مدار السنوات الخمس الماضية لم يروه مرة واحدة، وحين تمكنت الأسرة من إدخال بعض الأغطية قبل سبع سنوات كان ذلك إنجازًا عظيمًا!!، ليس هناك تفسير لهذه القسوة البالغة مع السفير الطهطاوي سوى الانتقام منه لقبوله العمل مع الرئيس مرسي، ورفضه الخروج من السجن قبله، والغريب أن رأس السلطة الذي يمارس هذا التعسف قبل العمل في حكومة مرسي من قبل، ولم يجد في ذلك غضاضة، بل إنه ساعد مرسي في الإطاحة برئيسيه السابقين المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع، وسامي عنان رئيس الأركان.
تكريم دستوري وتنكيل أمني
من غرائب السياسة المصرية أن الدستور المعمول به حاليًا يمتدح رفاعة بك الطهطاوي في ديباجته، بينما يمارس النظام -الذي أقسم على احترام ذلك الدستور- قمعًا خاصًا على حفيده، الذي يبلغ من العمر 73 عامًا، ومن الغرائب أن سفيرًا لبلاده في أكثر من مكان ومساعدًا سابقًا لوزير الخارجية، وحفيد أول أمين للجامعة العربية، يتعرض لهذا القمع رغم أنه لم يرتكب جرمًا حقيقيًا، بل لفقت له قضايا هزلية مثل التخابر مع حماس التي تتخذ في القاهرة مكتبًا رسميًا، والتي يلتقي قادتها مع قادة النظام بشكل روتيني، وكان آخر اتصالاتهم ولقاءاتهم لوقف العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.
عرفت السفير رفاعة الطهطاوي قبل سنوات من ثورة يناير، وتحديدًا حين كان رئيس البعثة الدبلوماسية المصرية في إيران، خلال فترة تأزم العلاقات المصرية الإيرانية، كان ذلك في العام 2000 حيث استقبلني بمكتبه في السفارة، ثم حرص على دعوتي للغذاء في منزله، كان اختيارًا صحيحًا لتلك المهمة، حيث نجح في إذابة الكثير من الجليد في العلاقات المصرية الإيرانية، وتطوير مستوى التمثيل الدبلوماسي، والعلاقات التجارية رغم أن مبارك كان يبدي عداءً شديدًا لإيران مجاملة لأمريكا
انحياز لثورة يناير
بالإضافة إلى موقفه النبيل مع الرئيس الشهيد محمد مرسي، وقبوله العمل معه في ظل أجواء مضطربة، فقد كان للسفير محمد رفاعة الطهطاوي مواقف نبيلة أخرى إذ أنه انحاز لثورة يناير منذ لحظاتها الأولى، وكان حينها يشغل منصب المتحدث باسم الأزهر، وحتى لا يضع شيخ الأزهر أحمد الطيب -وكان وقتها لا يزال عضوًا قياديًا بالحزب الوطني الحاكم- فقد قدم استقالته من منصبه، ووهب نفسه لميدان التحرير، وقد كانت لنا لقاءات كثيرة معه في الميدان وسط شباب الثورة.
كما كان الطهطاوي عضوًا في الجمعية التأسيسية الأولى للدستور، لكنه عرض التنازل عن موقعه لصالح أحد الأقباط بهدف إحداث وفاق وطني قبل أن يتم حل تلك الجمعية، ولفرط تعلق شباب الثورة به فقد طالبوا بتعيينه أمينًا عامًا للجامعة العربية كبديل لمرشح مبارك في ذلك الوقت الدكتور مصطفى الفقي، لكن المجلس العسكري صاحب السلطة الانتقالية لم يهتم بتلك المطالب.
التخابر مع حماس
قضى السفير رفاعة في السجن حتى الآن تسع سنوات، بما يجاوز سنوات السجن التي قضت بها دائرة قضائية استثنائية فيما عرف بقضية التخابر مع حماس (السجن 7 سنوات)، لكن قرار الانتقام السياسي منه الذي يبدو أنه صادر من أعلى رأس في مصر لا يزال ساريًا، حيث تم تدويره على قضية جديدة من داخل محبسه.. وسياسة التدوير أي نسج اتهامات جديدة لبعض المعتقلين هي إحدى أدوات القمع التي يستخدمها النظام لتأديب خصومه السياسيين، وحرمانهم من حقهم الطبيعي في الحرية حين تنتهي فترات حبسهم الاحتياطي أو فترات محكوميتهم، وقد نفذها النظام مع الكثيرين ولا يزال، وسط تجاهل دولي لهذه الجريمة السياسية.
من حق السفير رفاعة علينا جميعًا أن نرفع صوته، وأن نطالب بالحرية له ولكل أقرانه من سجناء الرأي، بل من حقه على مصر التكريم والتبجيل وليس السجن والتنكيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق