السبت، 13 أغسطس 2022

الإسلام في شرق آسيا: اليابان

الإسلام في شرق آسيا: اليابان

د. ليلى حمدان - 9 أغسطس، 2022
تمتد منطقة شرق آسيا على طول بحر الصين الشرقي، وتضم 8 دول رئيسية، هي: الصين وتايوان واليابان ومنغوليا وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ وماكاو. يسكنها أكثر من 1.641 مليار نسمة، أي ما يمثل 22% من عدد سكان العالم و38% من إجمالي سكان قارة آسيا.[1]

سبق أن تناولنا تاريخ وحاضر الإسلام في الصين -والتي تشترك مع تايوان في تاريخها-، ونسلط الضوء اليوم على حال الإسلام في اليابان.

بطاقة تعريفية باليابان
تقع اليابان في شرق آسيا، وتضم العديد من الجزر، التي يصل عددها إلى 3900 جزيرة. منها أربع رئيسية هي “هونشو” و”شيكوكو” و”كيشو” و”هوكايدو”. وتبلغ مساحة البلاد 4 بالمئة من مساحة الولايات المتحدة مع نحو 80 بالمئة من أراضيها عبارة عن جبال بركانية خضراء، يزيد ارتفاعها عن ألف متر. ويعيش على هذه الأرض حوالي 126 مليون نسمة، أي بنسبة 1.62% من إجمالي سكان العالم، وذلك حسب أحدث إحصائية رسمية للبلد. يتحدثون اللغة اليابانية وهي اللغة العامة والوحيدة لسكان هذه البلاد. وتعد هذه ميزة خاصة باليابانيين بالمقارنة مع بقية الأمم الآسيوية الأخرى.

أشهر المدن اليابانية
أهم مدن اليابان، “طوكيو”، وهي عاصمة البلاد منذ عام 1285هـ (1868م)، ثم مدينة “أوساكا”، ثاني أكبر مدن اليابان، وهي تسمى مدينة “الماء”، لكثرة القنوات المائية الموزعة في أرجائها، وهي شهيرة بصناعة النسيج القطني. وبها أهم مرفأ بحري في اليابان.

ثم مدينة “ناجويا”، وهي أكبر مركز صناعي في البلاد. ومدينة “كيوتو” وهي العاصمة السابقة لليابان وتعتبر العاصمة التاريخية اليوم.

ومدينة “كوبي” وفيها مسجد كوبي وهو أقدم مسجد في اليابان بناه التجار المسلمون الهنود عام 1354هـ (1935م). وهي تشتهر بصناعة البواخر والسفن التجارية العملاقة. دون أن ننسى مدينتي “هيروشيما” و”نجازاكي”، اللتين أُعيد بناؤهما بعد تدميرهما بالقنبلة الذرية الأمريكية التي ألقيت عليهما في السادس والتاسع من أغسطس من عام 1945م (1364هـ) على التوالي.

المجتمع الياباني
يتميز البيت الياباني ببناء خشبي أو ببنايات مقاومة للزلازل بسبب كثرة انتشارها في اليابان. ويحافظ اليابانيون على عاداتهم وتقاليدهم المتوارثة ويحرصون على إظهارها، على الرغم من حدوث تغيرات كبيرة في طراز الحياة اليابانية بعد تكثيف الاتصالات مع الغرب. وقد تأثرت المجتمعات اليابانية كثيرًا بالحرب العالمية الثانية، حيث تغير مفهوم الاستقرار الأسري وانخفض عدد المواليد بشكل كبير عما كانت عليه الأجيال الأولى من اليابانيين. بل وتغيرت طريقة التفكير اليابانية من عقلية الرجل الساموراي القوي إلى الرجل التقني المسالم.

نظام الحكم في اليابان







هيروشيما بعد سقوط القنبلة النووية الأمريكية.

يحكم اليابان نظام إمبراطوري دستوري، والإمبراطور يعتبر رمز الدولة ويقوم بالمهام بعد إقرار مجلس الوزراء، وليس له أية سلطة في الحكم؛ بينما البرلمان هو أعلى هيئة تشريعية ويتم انتخابه من قبل الشعب في 47 محافظة تتوزع عليها في البلاد.

وتتواجد القوات الأمريكية في اليابان بحجة الدفاع عنها بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا من عجائب الزمان فمن دمر هيروشيما ونجازاكي كيف يمكن الوثوق به!

الأديان في اليابان

تعتزل الحكومة اليابانية جميع الأديان ولا تقدم أي مساعدات لها، كما أنها لا تدرس الأديان في المدارس والجامعات، ويسمح قانون البلاد للسكان بحرية ممارسة جميع الأديان.

وعن حال الدين في اليابان، قال الياباني المسلم أبو بكر موريموتو، في كتابه “الإسلام في اليابان: الماضي والحاضر والمستقبل”: “إن الأجنبي الذي يزور اليابان يجد في مدنها وقراها كثيرًا من مراقد الشنتو المقدسة، ومعابد البوذيين، وكنائس النصارى، وقاعات الطقوس لمختلف الأديان، كما يوجد ملايين من معتنقي هذه الأديان يقومون بزيارة هذه الأماكن في صبيحة اليوم الأول من العام الجديد ليؤدوا الطقوس التي يؤمنون بها”.[2]

الديانة الشنتوية في اليابان

تعتبر الديانة الشنتوية الأيديولوجية التي اشتهر بها العرق الياباني وسادت في بلاد اليابان عبر العصور التاريخية، وليس لهذه الديانة مؤسس أو كتاب مقدس مكتوب، وتعتبر مراقد عظماء اليابان رمزًا لها، ولم تكن تضم أي أثر للأوثان، إلى حين تأثرت بالكونفوشية والبوذية، مع ظهور تأثير الثقافة الصينية في اليابان؛ فدخلت ثقافة الأصنام والتماثيل، وبقيت المعلومات عن الشنتوية تعرضها كتب الأساطير التاريخية. وهي تضم عدة فرق ومذاهب مختلفة عن بعضها البعض.

وبعض تعاليم الشنتوية مقتبسة من الفلسفة الكونفوشية الصينية التي تأثرت بها اليابان في القرن الخامس الميلادي؛ حيث يقدس أتباعها قوى الطبيعية إلى طريقة تصل إلى مقام العبادة، ويؤمنون بعدد من الآلهة،  يختلف توزيعها من منطقة لأخرى، ففي مناطق زراعة الأزر، يشتهر “إله الأرز”، بينما تشتهر في كل مكان آلهة الشمس “أماتيراسو”، التي تنتسب إليها الأسرة الإمبراطورية.

وأشار عمر ميتا[3]، المسلم الياباني الذي ترجم معاني القرآن الكريم لليابانية، أنه وجدت في معبد “إيسي” الشنتوي[4] وثائق وتعاليم أشبه بالإسلام. وحين زار الدكتور العراقي صالح مهدي السامرائي، صاحب كتاب “الإسلام في اليابان”[5]، معبد “إيسي” لاحظ أن الزائرين له يتوضؤون بما يقرب من وضوء المسلمين، وفي المعبد يركعون ويسجدون باتجاه الغرب أي القبلة.

ديانات أخرى في اليابان

كما تضم اليابان الديانة البوذية والنصرانية، حيث وصلت الأخيرة عن طريق حركة التنصير التي قادها القسيس “فرانسوا زفير” في عام 950هـ (1543م)، وهكذا أصبح تأثير الغرب في اليابان يسير في اتجاهين معًا، هما: التأثير الحضاري عن طريق العلوم والتكنولوجيا والموسيقى والأفلام والألعاب والفنون والثقافة الغربية، والتأثير التنصيري المباشر. وهناك أيضا ديانات أخرى في اليابان لكنها في أغلبها تفرعات من الشنتو والبوذية.

الإسلام في اليابان









مع أن نور الإسلام انطلق سريعًا من الجزيرة العربية وامتد إلى الشرق والغرب، ووصل إلى غاية الصين والفلبين، أي لم يكن بعيدًا عن اليابان، إلا أنه تأخر في وصوله إلى هذه البلاد التي عرفته في أواخر القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي). ووفقًا للبروفيسور الفخري “هيروفومي تانادا”، وهو خبير ياباني في الإسلام، كان عدد المسلمين في اليابان خلال سنة 1431هـ (2010م) في حدود 110 آلاف أو 120 ألفا، ولكن هذا الرقم بالكاد تضاعف خلال عقد من الزمان ليصبح 230 ألفا. حوالي 183 ألف مسلم منهم من ليسوا يابانيين في أصولهم، وأغلبهم من أندونيسيا وباكستان وبنغلاديش، في حين أن العرب يمثلون ستة آلاف، و46 ألفا من اليابانيين.[6]

أما المسلمون غير اليابانيين من المقيمين في البلاد فيبلغ عددُهم بحسب آخر الإحصاءات حوالي 300 ألف مسلم.[7] وهذه أرقام تقديرية وعدد المسلمين بالتأكيد في تزايد.

مختصر تاريخ اليابان

يستند اليابانيون إلى مصدرين مهمين للتاريخ الياباني القديم. وهما: “نيهون شوكي” و”كوجوكي”، والأخير تم تأليفه في عام 93هـ (712م)، ويتضمن الأحداث التي جرت ما قبل التاريخ حتى عام 62هـ (682م)، أما كتاب “نيهون شوكي” فينتهي في عام 78هـ (697)م. وكلاهما عبارة عن مجموعة من الأساطير التي يسردها الرواة في شكل بطولات وأمجاد، ما يدفع للشك في صحتها، ومن الصعب تمييزها.

تأسيس الإمبراطورية اليابانية

يعتقد اليابانيون وفق مصادرهم التاريخية “الأسطورية” أن الآلهة خلقت أول ما خلقت الجزر اليابانية، وأن سلالة الإمبراطور الياباني تتصل بآلهة الشمس، وأن الأشراف هم من أبناء الآلهة الأخرى، وأن أول من اعتلى عرش اليابان في عام 660 قبل الميلاد هو الإمبراطور “جينمو تينو”، أول من أسس أول نظام إداري في البلاد. واستمرت الإمبراطورية من ذلك اليوم إلى العصر الحاضر في يد هذه الأسرة. ويدين الجندي الياباني بالولاء التام للإمبراطور ويخوض الحروب لأجله ويموت لأجله.

أثر الحضارة الصينية في اليابان

عرفت الصين اضطرابات داخلية في القرن الخامس الميلادي؛ فهاجر كثير من أصحاب الحرف إلى بعض الدول المجاورة مثل كوريا، ومارسوا فيها مهنهم التي يتقنونها، وانتقل بعض الصينيين الموجودين في كوريا إلى اليابان، وتزايدت أعدادهم، حتى بلغت مئات الألوف، ونشطوا في مختلف نواحي الفنون، وكان له الأثر في تطوير الصناعات الخفيفة في اليابان.

واستقدم اليابانيون في عام 405م، عالم كوري اسمه “واني”، فقام إلى جانب تدريس ولي العهد بتطبيق أصول الإدارة الصينية في اليابان، ولكنه جلب معه أيضا التقاليد الصينية والمعتقدات الدينية والأخلاقية للصينيين، وبدأت بعد ذلك الثقافة الصينية تنتشر في اليابان بأمر الحاكم. ووصل تأثير هذا التقارب إلى توحيد الديانتين الشنتو والبوذية، وكحل وسط -ولأن الشينتو أصولها أسطورية والبوذية عبارة عن تماثيل-؛ فتم التوصل إلى تجسيد آلهة الشينتو جميعها في تماثيل بوذية!

تاريخ اليابان مع الغرب








رسم ياباني يعبر عن العلاقات التجارية مع البرتغال.
أول تواصل عرفه اليابانيون مع الغرب كان بعد وصول سفينة برتغالية في طريقها للصين، تعرضت لعاصفة بحرية ألقت بها على سواحل اليابان بسبب قوة الأمواج وذلك في عام 949هـ (1542م). فتعرف حينها البرتغاليون على حاكم الولاية اليابانية وعرضوا عليه بنادقهم وتعلم منهم اليابانيون صناعة البنادق، واستفاد البرتغاليون من شغف اليابانيين بما بين أيديهم فباعوا لهم كل ما يحملونه على السفينة، وكسبوا مالًا كثيرًا، وفتح ذلك شهيتم لجني المزيد من الأرباح، وتواصلت بعد ذلك  رحلات البرتغاليين إلى الأراضي اليابانية.

إلا أن التواصل بين الغرب وهذا الجزء من العالم لا يقف عند التعاملات التجارية إنما انتقل إلى التنصير؛ حيث وصل أحد المبشرين النصرانيين عام 956هـ (1549م) إلى البلاد، وبدأ بنشر نصرانيته. ولم يلقَ استجابة جيدة في بداية الأمر، حيث بقي نشاطه ضعيفًا ومحدودًا بين اليابانيين، فلجأ إلى ممارسة الضغط على الناس للتنصّر؛ مما أجبر الحاكم العام الياباني “هيدي يوشي”، عام 995هـ (1587م) بطرد كل الرهبان النصارى خلال عشرين يومًا، ولم يبق في البلاد سوى بعض التجار لكن مع الوقت في عام 1052هـ (1642م) صدر قرار بمنع أي أوروبي من دخول أرض اليابان، خشية انتقال صراعاتهم المذهبية التي عرفتها أوروبا في عام 1029هـ (1620م). وأما اليابانيين الذين تنصروا فقد أبادهم الجيش الياباني عن بكرة أبيهم.

سياسة الانغلاق
بدأت قصة هذا الانغلاق عندما اتهم اليابانيون البرتغاليين بإشعال فتيل التمرد النصراني فقرروا سد الباب في وجه كل الأوروبيين في عام 1094هـ (1683م)، [8] ولم يسمحوا إلا لعدد قليل من الهولنديين بممارسة التجارة في جزيرة صغيرة. واستمرت اليابان في حالة الانغلاق هذه لمدة 200 سنة، أي منع دخول الأجانب وخروج اليابانيين من البلاد.

لقد كان اليابانيون جادين جدًا في قرارهم، حيث أبلغوا البرتغاليين بأن كل سفينة برتغالية تصل إلى الموانئ اليابانية ستحرق مع طاقمها، ولكن البرتغاليين لم يأخذوا التحذير على محمل الجد، فأرسلوا وفدًا إلى “ناجازاكي” لإجراء مباحثات في عام 1050هـ (1640م)، فأعدم اليابانيون جميع أفراد الوفد. وفهم الأوروبيون الدرس وعلموا أنهم قد خسروا اليابان، فاتجهوا إلى أندونيسيا والهند الصينية.

وفي هذه الحقبة أيضًا أرسل الإسبان القديس “فرانسوا زفير” إلى اليابان، ليطلق عملية التنصير واستجابت له الكثير من المقاطعات اليابانية، إلا أن السلطة المركزية في إيدو (وهي طوكيو قديمًا) أحست بخطر المنصرين وأدركت أنهم في الواقع، مقدمة للاحتلال، فطردت الأجانب منهم جميعًا وأجبرت اليابانيين النصارى على الارتداد.

ومع أن الانغلاق حرم اليابانيين من الكثير من مزايا التواصل الخارجي إلا أن له حسناته التي استفادوا منها، ففي تلك الحقبة كانت جميع البلدان تعيش حروبًا وصراعات دموية، لكن اليابان بقي ينعم بالاستقرار والسلام، كما لم يمنعهم هذا الانقطاع عن العالم من الالتحاق بركب التطور في وقت قصير من إنهاء الانغلاق.

نهاية حقبة الانغلاق
وأما كيف انتهت مرحلة الانغلاق، فيرجع ذلك لزيارة الأمريكيين لليابان في عام (1853م)؛ حيث وصلت أربع سفن أمريكية حربية كبيرة إلى الساحل الياباني بقيادة الكومودور بيري، وتمكنوا من الضغط على اليابانيين وإقناعهم بمشروع فتح باب للتجارة بينهما، وانتهى الأمر بالاتفاق على أول معاهدة تجارية بينهما والتي قضت بفتح مينائين يابانيين للتجارة الخارجية. ورافق هذا الاتفاق، اتفاقيات مشابهة مع روسيا وإنجلترا وهولندا، وعلى الرغم من ازدياد المقاومة الداخلية في اليابان للانفتاح إلا أن الضغوط الخارجية كانت أقوى، حيث تغيرت قناعة اليابانيين تدريجيًا، من اعتقاد أن الانغلاق يحميهم من شرور الأجانب إلى أن إنشاء علاقات مع هؤلاء الأجانب، والحصول على قدرات وإمكانات من نفس المستوى هو الحل لتقدم اليابان وازدهارها.

فانفتح اقتصاد البلاد على الدول الأخرى، وأرسلت بعثات الطلاب اليابانيين للدراسة في أوروبا وأمريكا. ثم خلال مدة لم تتجاوز 50 عامًا أصبح اليابانيون على مستوى التقدم الأوروبي.

وشكَّل هذا التحول السريع بعمر الدول -من دولة إقطاعية إلى دولة بالمستوى الأوروبي-، مفاجأة تامة لأوروبا؛ التي كانت تعتقد أن اليابان نتيجة تاريخها الطويل من الانغلاق على نفسها سيجعلها مجرد دولة تابعة للأوروبيين.

التوسع الإمبريالي الياباني














شجّع التقدم السريع لليابان في جميع المجالات في إذكاء المطامع العسكرية الكبرى. وتكونتْ لدى اليابانيين رغبة جامحة في التوسع على حساب دول الجوار؛ فبدأت القوات اليابانية العسكرية بالتعاظم والاستقواء، ودخلت حربًا شرسة مع الصين في عام 1276هـ (1859م). وكانت الحرب الصينية اليابانية أكبر حرب آسيوية في القرن الرابع عشر الهجري، (العشرين الميلادي)؛ حيث فقد أو مات خلالها بين 10 و25 مليون مدني صيني وأكثر من 4 ملايين من العسكريين الصينيين واليابانيين، ثم بعد انتصارها على الصين دخلت اليابان في حرب مع روسيا في عام 1322-1323هـ (1904-1905م).

وكشفت هذه الحروب عن جانب العنف والغلظة، في عقيدة المقاتل الساموراي التي كانت تسيطر على الجنود اليابانيين، حيث قاد الجيش الياباني عمليات إبادة شاملة قتل فيها الرجال والنساء والأطفال بالجملة، وتفنن في أساليب القتل بالذبح وقطع الرؤوس، وجمع العشرات من المدنيين ودفنهم أحياء. فقتل الملايين من المدنيين العزل في الحروب اليابانية من خلال المجازر والتجارب على البشر والجوع والسخرة وغيره من أساليب وحشية يندى لها الجبين.[9]

ومما تذكره المصادر التاريخية عن حقبة الحرب الصينية اليابانية الثانية، ما يسمى “سياسة قتل” التي سلطها الجيش الياباني ضد الأقليات مثل مسلمي الهوي في الصين. ومما يروى في ذلك أسر اليابانيين لعشرين رجلًا من المسلمين الهوي ثم أطلقوا سراح رجلين، هما الأصغر سنًا من خلال “الفداء”، ودفنوا ثمانية عشر رجلًا أحياء في قرية “مانجاكون”. وقتل اليابانيون أكثر من 1300 شخص من المسلمين الهوي في غضون ثلاث سنوات من احتلالهم لتلك المنطقة[10]، فضلًا عن تدنيسهم المساجد وتدميرها، بل المقابر لم تسلم من التدمير. وقد امتلأت مساجد “نانجينغ” بالجثث[11]، كما تعرضت مقاطعة “داتشانغ” للمسلمين الهوي، لمذابح على يد الجيش الياباني. وهذا ما دفع العديد من المسلمين للمشاركة في الحرب ضد الجيش الياباني.

وفي الواقع لقد سطر الجيش الياباني المجازر في مختلف دول ومناطق جنوب شرقي آسيا وقتل الكثير من المدنيين والمسلمين. ومن ذلك مذبحة “مانيلا” خلال الحرب العالمية الثانية، في فبراير 1945م (1364هـ)، التي أدت إلى مقتل 100 ألف مدني في الفلبين. وتشير التقديرات إلى أن واحدًا على الأقل من بين كل 20 فلبينيًا مات على أيدي اليابانيين أثناء الاحتلال. وقد قتل الكثير من مسلمي مورو.[12]

وفي عام 1362-1363هـ (1943-1944م) أعدم اليابانيون جميع سلاطين الملايو في كاليمانتان، وقضوا على النخبة الملاوية في أحداث بونتياناك وهي عاصمة مقاطعة غرب كاليمنتان الإندونيسية. وفي ثورة جيسلتون، ذبح اليابانيون الآلاف من المدنيين أثناء الاحتلال الياباني لبورنيو، وقضوا على جميع سكان “سولوك” المسلمين في الجزر الساحلية.

واشتهرت اليابان بالتجارب البشرية والحرب البيولوجية، وخصصت وحدات عسكرية لإجراء تجارب على المدنيين وأسرى الحرب في الصين. أشهرها الوحدة 731 تحت قيادة شيرو إيشي حيث كانت تجري التشريح على الأحياء، وبتر الأعضاء بدون تخدير، واختبار الأسلحة البيولوجية. ولم يتم استخدام التخدير لأنه كان يعتقد أن التخدير سيؤثر سلبًا على نتائج التجارب.[13] وغيره من تجارب فظيعة راح ضحيتها آلاف البشر، لا يحتمل قلب وصف وحشيتها.

ووفقًا لأحد التقديرات، تسببت التجارب التي أجرتها الوحدة 731 وحدها في وفاة 3000 شخص..[14] علاوة على ذلك، وفقًا للندوة الدولية لعام 2002 حول جرائم الحرب البكتريولوجية؛ فإن عدد الأشخاص الذين قتلوا في الحرب الجرثومية للجيش الإمبراطوري الياباني والتجارب البشرية يبلغ حوالي 580.000.[15] أعقب ذلك كله محاكمات دولية واعتذارات رسمية، وتعويضات حتى استقرت العلاقات اليابانية الدولية من جديد.

وهكذا تضافرت الطموحات والقوى العسكرية ونتائجها على الأرض مع القوة الاقتصادية الصاعدة؛ مما سمح لليابانيين بالهيمنة على المنطقة، بل وأكثر من ذلك ذهبت اليابان إلى تحدي الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، لكن الأخيرة استخدمت القنابل النووية وأنهت الحرب، واستسلم اليابانيون للجنرال الأمريكي ماك آرثر.

وللهروب من ذكريات الحروب البشعة شغل اليابانيون كل جهودهم وأوقاتهم في الصناعات المدنية مما يفسر سرعة تقدمهم للوصول لمرتبة منافسة لأوروبا، وطيّهم لملف توسيع النفوذ والهيمنة العسكرية والحروب.

المرحلة الأولى للدعوة الإسلامية في اليابان
شكل عصر الإمبراطور ميجي[16] ومشروعه الإصلاحي الذي أطلقه في عام 1868م، محطة تاريخية مهمة في تاريخ اليابان، حيث عمد الإمبراطور الياباني إلى انتزاع السلطة من حكام المقاطعات وتحويلها من إقطاعية العصور الوسطى إلى عهد الدولة الحديثة. ومن هنا شهدت اليابان أول حضور للإسلام في أرضها.

ولم تشهد اليابان -تاريخيًا- خلال العقود التي سبقت عصر ميجي أيَّ اتصالات بين المسلمين واليابانيين. وهذا لا يمنع من أن تكون قد حدثت بالفعل اتصالات فردية بين يابانيين ومسلمين في ظروف استثنائية ولكن لم يثبت أنْ سُجّل أي وصول للمسلمين إلى اليابان للدعوة للإسلام كما كان يحصل في بقية المناطق في العالم.

يقول البروفيسور الياباني “كونيو كاتاكورا”، الذي عمل سفيرًا لليابان في السعودية ومصر والعراق وعدد من الدول العربية، في كتابه الذي ألفه مع زوجه البروفيسورة “كاتاكورا موتوكو”: أن تاريخ العلاقات بين اليابان والعالم الإسلامي يرجع إلى عهد انتشار الإسلام في آسيا، وازداد هذا الاهتمام في عصر النهضة اليابانية الحديثة. وإن أول كتاب ذكر اسم “تاجيك” (عربي أو إيراني) هو كتاب نيهون شوكي، الذي يروي أن سفيرًا يابانيًا قابل في قصر حاكم أسرة تانغ (609 – 618م) في الصين بعض التاجيك، ولكنه لم يذكر شيئًا عن دينهم[17].

ولا شك أن الاتصال بين المسلمين واليابانيين حدث حين كانت اليابان ترسل سفراءها وعلماءها ووفودها الطلابية والدينية إلى الصين بشكل مستمر؛ خاصةً في عهد المغول حيث شهد صعود المسلمين بشكل كبير مع ازدياد الحاجة إليهم. حيث استقدم المغول الكثير من العرب والفرس والبخاريين كخبراء في مختلف ميادين المعرفة والتطوير، وكان لهم الأثر الكبير في البلاط الإمبراطوري الصيني.

من جانب آخر كانت تربط اليابان علاقات تجارية وثيقة مع بلدان جنوب شرق آسيا في الأعوام الأولى من القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي). وسجل التاريخ حركة تجارية بين المنطقتين، حيث ذهب التجار اليابانيون إلى تلك المناطق، وألّف بعض العلماء اليابانيين كتبًا تضمنت بعض المعلومات القليلة عن المسلمين، حيث ذكروا فيها أسماء بعض المناطق الإسلامية مثل خراسان وتركيا والجزيرة العربية وفاس وغيرها في خريطة العالم المطبوعة في “ناجازاكي”.

اتصال اليابان بالعالم الإسلامي
مع اجتياح المغول للعالم الإسلامي وتساقط دوله واحدة بعد الأخرى، سارع الفاتيكان بإرسال الوفود إلى قيادة المغول، للتفاهم حول التعاون معهم للقضاء على المسلمين وأرسلت الكنيسة الرحالة الشهير “ماركو بولو” إلى الشرق حتى الصين لنفس الغرض.

وبعد سقوط الأندلس حاول الإسبان حصار العالم الإسلامي من أطرافه، وبدأوا بالفلبين ليمنعوا زحف الإسلام من الوصول إلى اليابان. وتم لهم ذلك حيث انشغل المسلمون في الفلبين بصراع وجودي ومقاومة وجهاد لعقود من الزمن شغلهم عن أي نشاط دعوي[18]، وفي هذه الأثناء أرسل الإسبان القديس “فرانسوا زفير”، إلى اليابان لقيادة حركة التنصير في البلاد.

بعد انفتاح اليابان والقضاء على النظام الإقطاعي والإمارات أصبحت اليابان موحدة تحت سلطات الإمبراطور ميجي عام 1285هـ (1868م). واستغلت ذلك حركة التنصير ودخل المنصرون بكثافة، فلجأ الإمبراطور الياباني إلى فكرة تخلق نوعًا من التوازن في البلاد، حيث طلب من السلطان العثماني عبد الحميد إرسال دعاة مسلمين لتعريف الشعب الياباني بالإسلام، وسُجّل أول اتصال رسمي بين الدولة العثمانية واليابان عام 1288هـ (1871م) حيث زار “فوكوتشي جينشيرو” (أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية اليابانية) إسطنبول، وكان حينها ضمن الوفد الياباني إلى أوروبا؛ حيث رصد كثافة البضائع التركية في المعارض الأوروبية الدولية.

وبعد زيارته بسبعة أعوام وصلت سفينة حربية يابانية “سيئيكي”، إلى إسطنبول، ضمن جولتها في أوروبا، فاستقبلهم السلطان العثماني أحسن استقبال، ثم أعقبتها زيارة الأمير “كوماتسو أكيهيتو” إلى إسطنبول، عام 1304هـ (1887م)، لمزيد توطيد للعلاقات بين البلدين، وهو شخصية بارزة في بلاده بصفته ابن فوشيمي، أحد أمراء اليابان السابقين، وكان ممن يحق له تولي العرش الإمبراطوري، فضلًا عن نفوذه القوي لكونه عم الإمبراطور.

حادثة سفينة آل طغرل
من جانبها أرسلت الدولة العثمانية وفدًا لخريجي الأكاديمية البحرية العثمانية مكونًا من 655 شخصًا، بقيادة الأميرال “عثمان باشا” على متن سفينة حملت اسم “آل طغرل”. ولم يحمل الوفد أي صفة رسمية؛ كي لا يثير قلق روسيا وأوروبا من التقارب العثماني الياباني آنذاك، فخرجت السفينة في عام 1306هـ (1889م)، لتصل بعد قرابة السنة قضتها في الطريق، أي في عام 1307هـ (1890م). وبعد استقبال حافل من اليابانيين وإقامة للضيوف استمرت قرابة 3 أشهر، عادت السفينة باتجاه إسطنبول، ولكنها تعرضت لإعصار شديد في اليوم التالي من خروجها فغرقت في المياه الإقليمية اليابانية، تحديدًا في محافظة “واكاياما”، وغرق أغلب ركابها عند اصطدامها بالصخور، ولم ينجُ منهم سوى 69 شخصًا. فسارع الإمبراطور الياباني لتقديم المساعدة. ودفن القتلى في الأراضي اليابانية، وبنى لهم نصبًا تذكاريًا ومتحفًا لا يزال قائمًا، ويتم الاحتفال بذكرى الحادثة كل خمس سنوات بالتناوب، مرة في اليابان ومرة في تركيا، ولم يؤثر في ذلك تبدل الحكومات.

التعاطف الياباني مع الأتراك
















الفرقاطة العثمانية آل طغرل.
تأثر اليابانيون بحادثة غرق السفينة ومقتل أغلب ركابها، فسارعوا لجمع التبرعات للأتراك. وقادت عملية الجمع، جريدة “بيجي شيمبون” الواسعة الانتشار، وحمل هذه التبرعات التي جمعتها الجريدة -إضافة إلى تبرعات أغنياء طوكيو- وفد يتضمن الصحفي المعروف “أوشوتارو نودا”. واتجه الجميع إلى إسطنبول في عام 1308هـ (1891م) لتسليم أموال التبرعات، كما لحق بهم بعد سنتين عام 1310هـ (1893م)، رئيس اللجنة التجارية للشرق الأدنى “تورا جيرو يا مادا”، رجل الأعمال الياباني الذي أصبح رائد العلاقات اليابانية العثمانية.

والتقى نودا أثناء إقامته في إسطنبول، أول مسلم إنجليزي وهو “عبد الله غليام” من مدينة ليفربول، فجرت بينهما محادثات بشأن الإسلام انتهت بإعلان نودا إسلامه، وبدّل اسمه إلى “عبد الحليم نودا” ويمكن اعتباره أول مسلم ياباني عرف اسمه التاريخ.

اليابانيون الأوائل في الإسلام
أول اليابانيين اعتناقًا للإسلام مما تم تسجيله تاريخيًا، “عبد الحليم أوشوتارو نودا”، وهو مراسل جريدة “ييجي شيمبون”، التي تصدر في طوكيو. وكان بين الرابعة والخامسة والعشرين من العمر، حيث بقي بعد تسليمه التبرعات اليابانية للأتراك وإسلامه في إسطنبول لتدريس اللغة اليابانية للضباط العثمانيين، وانتشر خبره واسعًا.

كذلك اشتهر “تورا جيورو يا مادا” (1283 – 1377هـ) (1866- 1957م) بكونه من أوائل اليابانيين إسلامًا، واسمه الأدبي “شنجيتسو” أي الهلال. وصل إلى تركيا في عام 1311هـ (1893م)، يحمل أموالًا وهدايا من اليابان للأتراك بعد حادثة السفينة، وبقي في البلاد 18 عامًا، لعب خلالها دورًا مهمًا في تطور العلاقات اليابانية مع العالم الإسلامي، وتعرف على الإسلام خلالها فأعلن إسلامه.

كذلك اشتهر أحمد أريجا، بكونه من أوائل اليابانيين إسلامًا، وكان مديرًا لشركة كبيرة، خرج في زيارة إلى بومباي في الهند عام 1318هـ (1900م)، وكان نصرانيًا حينها، ثم أسلم أثناء سفره على يد أحد المسلمين. كان أريجا يسكن في بيت كبير في منطقة “ساسازوكا” القريبة حاليًا من المركز الإسلامي في اليابان ومسجد طوكيو، وبذل جهوده في التعريف عن الإسلام لليابانيين بطريقته الخاصة.

وكذلك اشتهر “حسن هاتانو” بإسلامه، وهو ضابط وصحفي أسلم على يد محمد بركة الله[19]، وتعاون معه في إصدار صحيفة “الإسلام” باليابانية والإنجليزية عام 1330هـ (1912م)، وأصدر بعدها مجلة شهرية مصورة باللغة الإنجليزية للأخوة الإسلامية في عام 1336هـ (1918م).

اليابان تستقطب المسلمين
أثار انتصار اليابان على الروس اهتمام سكان آسيا وإفريقيا؛ فتوجه العديد من المسلمين إلى اليابان، باعتبارها موطنًا للقوة، وساعد في هذا التوجه التسهيلات التي قدمها اليابانيون، لاستقطاب القادمين الجدد، فنشط هنالك المسلمون ولمع نجم العديد من الأسماء في جهود نشر الإسلام بين اليابانيين.

ومن أشهر دعاة الإسلام الأوائل في اليابان، القارئ “سرفراز حسين عزمي دهلوي” الذي سافر إلى اليابان في نهاية عام 1323هـ (1905م). وهو من مواليد الهند، وكان والده محمد بركة الله عالمًا مشهورًا، وكان القارئ من بين عدة شخصيات شهيرة في العالم الإسلامي زارت اليابان.

المرحلة الثانية للدعوة الإسلامية في اليابان
الحاج عمر ميتسو تارو ياما أوكا.

تميزت هذه المرحلة ببداية خروج قوافل الحجاج المسلمين من اليابان إلى بيت الله الحرام ما يدل على بركة جهود الدعوة وإقبال المسلمين الجدد على فريضة الحج. ويذكر أن الحاج عمر ميتسو تارو ياما أوكا (1297-1369هـ) (1880-1950م) يعد أول حاج ياباني يتوجه إلى مكة لأداء فريضة الحج في عام 1237هـ (1909م). وهو من مواليد مدينة فوكوياما، في محافظة أوكاياما، أعلن إسلامه في مدينة بومباي بالهند على يد عبد الرشيد إبراهيم[20]؛ الذي كان يعمل داعية لله في اليابان. ومما ذكر في سيرة الحاج عمر أنه انشغل في آخر أيامه بتأليف كتاب بعنوان “اليهود والعرب في فلسطين”.

وسجل التاريخ زيادة التقارب الياباني مع العالم الإسلامي في مستهل هذا القرن، بعد الحرب الروسية اليابانية؛ نظرًا للعدوان الشديد الذي سلطه الروس على المسلمين آنذاك، فوصل العديد من الدعاة إلى اليابان، من أشهرهم عبد الرشيد إبراهيم الذي طُرد من روسيا بسبب نشاطاته التتارية الإسلامية، وكان صديقًا للجنرال الياباني “أكاشي”، فساعده في الدخول إلى اليابان في سنة 1327هـ (1909م)، ونشط عبد الرشيد في الدعوة للإسلام فأسلم على يديه العديد من اليابانيين منهم “كوتارو ياما أوكا”، وحج الاثنان معًا في سنة 1327هـ. وزاد اتصال المسلمين باليابان بعد الحرب العالمية الأولى.

أوائل الجاليات الإسلامية استقرارًا في اليابان
أول الجاليات الإسلامية استقرارًا في اليابان الجالية الهندية المسلمة من التجار، في أواخر القرن الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي). وزاد عددهم أثناء الحرب العالمية الأولى وما بعدها، واجتهدوا في نشر الإسلام في اليابان. وكان من أشهر آثارهم إقامتهم لمسجد كوبي في مدينة كوبي عام 1354هـ (1935م). وصمد هذا المسجد بفضل الله بشكل عجيب رغم قنابل الحرب العالمية الثانية التي حطمت كنيسة مجاورة له، ورغم الزلزال الكبير عام 1416هـ (1995م) الذي هدم الكنيسة المجاورة للمرة الثانية.

الجالية التتارية المسلمة في اليابان
هاجر التتار المسلمون من روسيا والصين وكوريا إلى اليابان بعد الاضطهاد الشيوعي الوحشي الذي كان يطاردهم في عام 1335هـ (1917م). وكان أغلبهم من التركمان والقرقيز والقازان والطاجيك والأوزبك والتتار، فاستقروا في طوكيو وناجويا وكوبي عام 1339هـ (1921م).

وبرز في هذه الجالية “عبد الحي قربان علي” كزعيم ديني للمسلمين التتار، وأصدر مجلة باللغة التتارية، تعرف باسم “جابان مخبري” حيث كانت توزع في داخل اليابان وخارجها، وأنشأ مطبعة بالحروف العربية، طبع فيها الكتب الإسلامية باللغة التتارية التي تكتب بالحروف العربية، وطبع القرآن الكريم الذي كان قد طبع في مدينة قازان قبل الحكم الشيوعي، وقوى علاقاته بالسلطات اليابانية.

ورافق هذا الحضور افتتاح جمعيات ومساجد ومدارس للجالية؛ حيث افتتحت أول مدرسة إسلامية في مدينة طوكيو عام 1346هـ (1927م)، ثم في مدن كوبي وناجويا.

المركز الإسلامي التتاري
اشترت الجمعية التتارية في عام 1348هـ (1929م) أرضًا ثم بنت عليها مبنى بطابقين من التبرعات عام 1350هـ (1931م) ليتم تأسيس “المركز الإسلامي التتاري”، وكان يضم مدرسة ومطبعة إسلامية، وأصبح مركزًا إسلاميًا تُقام فيه صلوات الجمع والأعياد. ومما يذكر أن المسلم الياباني “هاوا كوئيزومي”، قام برحلة إلى الحج مشيًا على الأقدام عبر الصين إلا أنه فُقد في الطريق وانقطعت أخباره، ولم يتردد في المسير لبيت الله الحرام بقدميه وهذا يدل على شدة محبة الياباني المسلم للإسلام.

ونشطت حركة الطباعة ليس في طباعة الكتب الاسلامية فقط بل أيضًا في طباعة مجلة شهرية بعنوان “يني يابان مخبري” وتعني (المراسل الياباني الجديد)، وجريدة “الكريم” وذلك لأول مرة في اليابان.

وبهذه النشاطات وبهذا التلاحم نجح المسلمون التتار في إسماع صوتهم للمسلمين في كافة العالم. وكان يعيش مع المسلمين التتار، مسلمون هنود وصينيون ومصريون ومسلمون من جنوب آسيا، وأقام الكثير منهم في مدينة كوبي. وبعد مسجد كوبي تم افتتاح مسجد طوكيو عام 1357هـ (1938م) فازداد اهتمام الشعب الياباني بالإسلام، بفضل هذين المسجدين.

ولاء اليابانيين المسلمين لإخوانهم


لم يتخل المسلمون في اليابان عن إخوانهم المضطهدين من الأتراك والقازان على يد الشيوعيين؛ فبعد أن لجأ المسلمون الفارون من جحيم الروس إلى سيبيريا، توجهوا إلى الصين وبلغ عددهم أكثر من مائة ألف لاجئ، ومن لم يتمكن من الهروب كان مصيره القتل على يد الشيوعيين.

ويرجع أول اتصال للمسلمين التتار باليابان إلى عهد القيصر، حيث اشترى بعض التجار بضائع يابانية ونقلوها في زمانه إلى سيبيريا، فأصبح لهؤلاء التجار دراية ببلاد اليابان. ولذلك أيام محنة الشيوعية، لجأ أربعة أو خمسة من هؤلاء التجار إلى اليابان دون المرور بالصين، واستقروا بها، وذلك في عام 1338هـ (1920م)، ثم فكروا في إخوانهم المضطهدين المشردين في الأرض بلا مأوى ولا مال ولا عمل، وبدأوا في السعي لاستقدامهم لليابان.

ولكن القانون الياباني آنذاك كان يشترط على طالبي الإقامة من غير الروس والأتراك، دفع تأمين مقداره 1500 ين ياباني، ولم يكن بإمكان اللاجئين في الصين تأمين هذا المبلغ، وهنا تجلت معاني الولاء بين المؤمنين في أبهى صورها، فقد انبرى التجار المسلمون في اليابان لسد حاجة إخوانهم وتفريج كربهم؛ فتكفلوا بتوفير المال ثم إرساله إلى إمام المسلمين في الصين وهو بدوره تكفل بإرساله للمسلمين اللاجئين الفارين من جحيم الشيوعية، فبدأت وفود المهاجرين تتحرك، والوسيط في الصين يزود القادرين منهم على العمل بخمسمائة ين، إضافة إلى تكاليف الطعام والملابس والسفر، كل ذلك من أموال التبرعات التي أرسلها المسلمون التتار في اليابان، ولم يكن هناك أي عقد مكتوب أو تعارف سابق مع المهاجرين سوى أنهم من المسلمين.

فما أن يصل المهاجر المسلم إلى اليابان، يسارع بنفسه إلى سد تكاليف هجرته التي تم تأمينها من إخوانه المسلمين بعد العمل والكسب امتنانًا منه ومروءة، ويحرص في نفس الوقت على توفير بعض المال لإرساله للصين مرة أخرى ليقوم بدوره بمساعدة مهاجر آخر مثله في كرب! وبهذا الشكل الجميل انتظمت عملية الهجرة من غرب آسيا إلى شرقها، بتلاحم وأمانة وصدق، لا يصنعه مثل الإسلام.

وبلغ عدد اللاجئين الذين وصلوا اليابان بهذه الطريفة ألف مهاجر عام 1341هـ (1923م) وأصبح الأمر أكثر سهولة في استجلاب أهاليهم وذويهم، فتضاعف العدد حتى صار في اليابان وكوريا أكثر من 3 آلاف مهاجر من التتار القازان في عام 1351هـ (1932م).

ولم يكن هناك فرق كبير بين الحياة في اليابان وكوريا آنذاك، لأن طرق الكسب والمعيشة كانت متشابهة؛ كون كوريا كانت تحت الحكم الياباني، فاستقر جزء من المسلمين في كوريا أيضًا.

ومن يتأمل قصة الكفاح التي عاشها المسلمون في شرق، وجنوب شرق وغرب آسيا، لحفظ دينهم والتلاحم في المحن، يعجب كيف أن مثل هذا التاريخ العظيم يجهله أغلب أبناء المسلمين. وأكثر ما يذهلك ذلك التنظيم وتلك الأمانة بلا سلطان ولا دولة، كان المسلم في اليابان يكفل المسلم الفار من جحيم الشيوعية في روسيا. كان يكفيهم الإسلام لتجاوز كل المحن والشدائد، كان يكفيهم الإسلام ليساعدوا بعضهم البعض دون سابق معرفة أو قرابة!

وبعد مرحلة الاستقرار بدأ المجتمع الإسلامي في التشكل، لقد كان المهاجرون المسلمون ملتزمين بدينهم؛ فعملوا على إقامة مدرسة في طوكيو لتعليم الأطفال في عام 1346هـ (1927م). وأصبحت الأحياء التي يعيش فيها المسلمون يطلق على كل حي منها “الحي الإسلامي”، مثل الحي الإسلامي في طوكيو ونظيره في سيئول.

ثم تأسست جمعية إسلامية في طوكيو في عام 1354هـ (1935م). وفي الوقت الذي ألغيت فيه الحروف العربية في تركيا مع غلبة العلمانية على البلاد؛ كان المسلمون في اليابان يسعون لشراء حروف مطبعة بحروف عربية من إسطنبول، وتمكنوا بالفعل من نقلها إلى طوكيو، وأصبحت الطابعة مُسخّرة للطباعة باللغة العربية، للكتب المدرسية من رياضيات وتاريخ وجغرافيا إضافة إلى الكتب الإسلامية المختلفة، والتي بلغت كميّتها حد الاكتفاء في اليابان، فأُرسل ما زاد عن الحاجة إلى كافة المسلمين في الجوار مجانًا، كما طبع القرآن الكريم ووزع مجانًا أيضًا. واستفادت اليابان كثيرًا من هؤلاء المهاجرين، فقد جلبوا معهم مهاراتهم وحرفهم وقابلهم اليابانيون بالترحيب والمعونة.

المرحلة الثالثة للدعوة الإسلامية في اليابان
لم يتجاوز المد الياباني خلال الحرب العالمية الثانية حدود بنغلاديش، ولكن أعدادًا كبيرة من المسلمين الذين كانوا يعيشون في المناطق التي وقعت تحت سيطرة اليابان في جنوب شرقي آسيا، أصبحوا على احتكاك مباشر باليابانيين، وشكلت كيفية التعامل معهم أحد أكبر مشاكل السياسة العسكرية اليابانية، فلجأ اليابانيون لمحاولة كسب المسلمين.

وهذا ما شجع الحكومة العسكرية خلال الحرب العالمية، على إنشاء مراكز أبحاث ومنظمات مختصة بدراسة الإسلام والعالم الإسلامي، للتعرف أكثر على المجتمعات المسلمة، وبذلك بدأت حركة اهتمام بالإسلام في اليابان، وبدأت حركة التأليف تزدهر، حيث نشرت هذه المؤسسات الحكومية، الكثير من الكتب والمجلات عن الإسلام في اليابان في فترة ما بين عام 1354 و1362هـ (1935 و1943م). ومن هذه المؤسسات الجمعية الإسلامية واليابانية الكبرى، ومعهد أبحاث العالم الإسلامي، والجمعية الإسلامية اليابانية العظمى، والمؤتمر الإسلامي في طوكيو ومجلة أخبار الإسلام، وغيرها.

ولم تكن هذه المؤسسات تُدار من قبل مسلمين، كما لم يكن هدفها نشر الإسلام وسرعان ما تلاشت مع هزيمة اليابان في الحرب عام 1945م (1364هـ) بنفس السرعة التي تشكلت بها.

تناقضات في السياسة اليابانية تجاه المسلمين في الحرب

في الوقت الذي أولت اليابان اهتمامًا بالمسلمين الصينيين لتقوية علاقاتها مع بقية المسلمين في مناطق العالم، اعتقلت أيضًا اليابان آلاف المسلمين الصينيين، واستخدمت ما يشار إليه بـ«سياسة القتل»، التي ذكرها كتاب «مسلمو الصين وإمبراطورية اليابان»[21] لكيلي هاموند؛ بالإضافة إلى تدمير ما قالت بعض المصادر إنه حوالي 220 مسجدًا. كما أشار الكتاب إلى «سياسة الإهانة»، كتلطيخ المساجد بدهن الخنزير، وإجبار الجزارين المسلمين على ذبح الخنازير لإطعام الجنود اليابانيين، واختيار الفتيات المسلمات لاستغلالهن في تلبية الرغبات الجنسية للجنود اليابانيين.

وتقول المؤلفة في مقدمة الكتاب: “حتى الآن، لم تستكشف الأبحاث الغربية هذا البعد للإمبراطورية اليابانية. لكن، صار واضحًا أن الإمبراطورية اليابانية بذلت جهودًا مركزة ومنسقة لكسب دعم المسلمين في الصين، وذلك بهدف تأسيس علاقات بعيدة المدى مع المسلمين، من دمشق إلى ديترويت”.

وأكد الكتاب على أن المعاملة القاسية من قبل كل من الإمبراطورية اليابانية والصين الشيوعية لم تقدر على كسر إيمان وإرادة المسلمين الصينيين. وأن المسلمين الصينيين، “الذين عاشوا في الصين منذ مئات السنين، نعم تأثروا بالثقافة الصينية، لكنهم ظلوا يحتفظون بممارسات دينية وثقافية متميزة، مع معتقداتهم الدينية الإسلامية القوية”.

ولا شك أن التاريخ يزخر ببطولات المقاومة الإسلامية للغزو الياباني في الصين وجنوب شرقي آسيا، وكنا سلطنا بعض الضوء على ذلك في تاريخ الإسلام في الفلبين.[22] وتاريخه في الصين[23].

مرحلة ما بعد الحرب وتزايد المؤسسات الإسلامية
في عام 1364هـ (1945م)، انتهت الحرب العالمية الثانية التي يسميها اليابانيون بحرب الباسيفيك، بهزيمة اليابان. وعاد ملايين العسكريين والمدنيين إلى بلادهم ومن بينهم مسلمون صاروا زعماء إسلاميين فيما بعد. وبدأت مرحلة ظهور الجمعيات والمؤسسات الدينية بكثافة بعد إقرار الدستور الجديد في اليابان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية على عدم اتباع المؤسسات ودوائر الدولة أي دين من الأديان، وإعطاء الحرية التامة للمواطنين في اعتناق الدين الذي يرغبون به.

الجمعيات الإسلامية المهمة في اليابان
فبرزت عدة جمعيات ومراكز إسلامية في اليابان؛ منها جمعية مسلمي اليابان التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية من بين مؤسسيها، صادق إيما يزومي، والحاج عمر ميتا والحاج عمر ياما أوكا، والحاج مصطفى كومورا، وغيرهم. وكان هدف الجمعية نشر الإسلام بين الشعب الياباني، وتقوية الإيمان لدى المسلمين في اليابان، وتوحيدهم، ونشر روح التعاون والأخوة بينهم، والارتفاع بمستوى معتنقي هذا الدين، ودعم التعليم الإسلامي والأبحاث والمحاضرات الإسلامية، وإرشاد المهتدين حديثًا إلى الإسلام، وإجراء اتصالات بزعماء المسلمين في الدول والمنظمات الإسلامية ووسائل الإعلام، وإصدار نشرة إعلامية، وإنشاء مسجد ومركز إسلامي، والبحث عن إمكانيات التعاون التجاري والاقتصادي والصناعي مع الدول الإسلامية، إضافة إلى القيام بنشاطات أخرى حسب الحاجة، وارتبطت الجمعية بمختلف المنظمات والجمعيات الإسلامية عبر العالم.

جماعة التبليغ في اليابان
وإلى جانب هذه الجمعية، نشطت جماعة التبليغ في اليابان؛ حيث وصل أول وفد للتبليغ في عام 1375هـ (1956م) بعد الحرب العالمية الثانية. وكان لهم الدور الريادي في إحياء الدعوة الإسلامية في اليابان، حيث وصلت جهود التبليغ إلى أماكن نائية عرّفوا سكانها بالإسلام وكلمة التوحيد، وخرج معهم مسلمون يابانيون من أجل الدعوة، وتمكنوا من إدخال الإسلام إلى مدينة توكوشيما، كما قدموا منحًا دراسية لبعض الطلبة اليابانيين في  باكستان.

جمعيات إسلامية أخرى في اليابان

أيضًا نشطت جمعية الطلبة المسلمين في اليابان، وأسسها في عام 1380هـ (1960م)، د. صالح مهدي السامرائي وهو عربي الأصل، وعبد الرحمن صديقي وهو باكستاني، وأحمد سوزوكي وهو ياباني، وزحل ومعه رحمة شاه وهما إندونيسيان، ومظفر أوزي وهو تركي. وكما يظهر من اسمها كان نشاط الجمعية يركز على الطلبة في اليابان.

كما نشط المجلس المشترك بين جمعية الطلبة المسلمين في اليابان وجمعية مسلمي اليابان. وكان من نشاطهم نشر الكتب وجريدة صوت الإسلام، وشراء مقبرة للمسلمين من بين أعمال أخرى. أضف لذلك، المركز الإسلامي الدولي في عام 1386هـ (1966م) والمركز الإسلامي في اليابان في عام 1393هـ (1973م) الذي اهتدى على يده الآلاف من اليابانيين إلى الإسلام.

إضافة إلى عدد آخر من المراكز والجمعيات في اليابان التي عملت في حقل الدعوة الإسلامية في البلاد. وكان لهذه المراكز والجمعيات الدور الكبير في خدمة الجالية المسلمة ونشر الإسلام في اليابان.

المرحلة الرابعة للدعوة الإسلامية في اليابان
اليوم يتواجد المسلمون في كل مكان في اليابان، من هوكايدو شمالًا إلى أقصى جزيرة صغيرة من جزر أوكيناوا في الجنوب. وذلك نتيجة التطور الكبير الذي شهده الوجود الإسلامي في البلاد والذي بدأ منذ أواسط الثمانينات بهجرة أعداد كبيرة من المسلمين إلى اليابان، وهذه الهجرة هي الثانية بعد أول هجرة للمسلمين الهنود، والتتار.

وترجع أصول أغلب المهاجرين الجدد إلى باكستان وبنغلاديش والهند وسريلانكا وايران وإندونيسيا وماليزيا وتركيا والعرب وإفريقيا. وصلت بهم خطواتهم إلى اليابان لطلب الرزق، فتزوجوا يابانيات بعد إسلامهن، وحصلوا على الإقامة الدائمة ثم الجنسية، وولد لهم أبناء على الإسلام، ثم بنى هذا الجيل الجديد من المسلمين اليابانيين المساجد والمصليات، ووفروا محلات بيع المواد الغذائية الحلال، وفتحوا مطاعم حلال وازدهرت مراكز الخدمات للمسلمين وازداد عدد الجمعيات والمراكز الإسلامية، وبنيت عدة مساجد أخرى جديدة.

ورافق هذا الازدهار، عناية الدراسات اليابانية بالحركة الإسلامية في البلاد. وأخرجت الجامعات عدة بحوث ورسائل تسلط الضوء على النشاطات الكبيرة للدعاة في اليابان. واستمرت بعثات الحج، وتطورت الصحافة الإسلامية أيضًا. أما الصحافة اليابانية الموازية التي كان هدفها رصد نشاط المسلمين فقد تلاشت مع هزيمة اليابان، حيث تغيرت الاهتمامات.

ولا شك أن الدعوة للتوحيد في اليابان تحتاج لمزيد دعم وانتشار نظرًا للأرضية الخصبة التي يمكن من خلالها تحقيق نتائج ملموسة في دعوة اليابانيين لدين الله؛ حيث يعاني الشعب الياباني من حالة حرجة، تتمثل في الفراغ الفكري والعقائدي والروحي، التي تفاقمت بعد هزيمته في الحرب العالمية الثانية، لذلك لدى الياباني استعداد لاعتناق أي دين، يلبي حاجاته الروحية والمادية. وهذا ما يفسر ارتفاع نسبة الانتحار بين اليابانيين؛ فوفقًا لبيانات عام 1441هـ (2020م) بلغ عدد حالات الانتحار في اليابان 20919 حالة، بزيادة 750 شخصًا (3.7%) مقارنة بأرقام العام السابق.[24]

الخلافات المذهبية بين المسلمين في اليابان
ومما نستفيد منه من تاريخ الإسلام في اليابان، أن الهجرة لعبت دورًا كبيرًا في وصول الإسلام لهذه الأرض؛ سواء من شبه القارة الهندية، أو من المهاجرين المضطهدين الفارين من الشيوعية، ثم الفوج القادم من دول جنوب شرقي آسيا والعديد من الدول الإسلامية الأخرى. ثم الهجرة الأوسع في الثمانينات، والكثير منهم استقر بعد زواجه من اليابانيات وفي الآونة الأخيرة اشتهر زواج اليابانيين بعد إسلامهم من المسلمات، وأكثرهن من إندونيسيا وماليزيا والفلبين، ومن العربيات والأعجميات أيضًا.

وبالمقابل جلب هذا التنوع في أصول المهاجرين تنوعًا في المذاهب الإسلامية أيضًا.  ولذلك حدث الخلاف بين الإندونيسيين والماليزيين على مذهب الإمام الشافعي وبين التتار على مذهب الأحناف؛ فكتب “عبد الحي قربان علي” الإمام التتاري لإمام الحرمين “المعصومي” عن هذا الخلاف، فأجابه المعصومي برسالة “هدية السلطان إلى بلاد اليابان”، وذلك في الثلاثينات من القرن العشرين. وهذا يدل على اهتمام المسلمين في اليابان بعلماء الإسلام والاحتكام إليهم في القضايا الخلافية.

المسلمون في اليابان وقضية تركستان الشرقية
اهتم المسلمون في اليابان بتركستان الشرقية، واستدعوا زعماء المسلمين والطلبة التركستانيين إلى اليابان، ومنهم أمين إسلامي الذي أصبح إمامًا لمسجد طوكيو من  1357 إلى 1372هـ (1938 إلى 1953م) وهاجر بعدها إلى بلاد الحرمين حيث عمل في الإذاعة ووزارة الحج وبقي أبناؤه في جدة.

وبرز في هذه المرحلة مصطفى كومورا، الذي اشتهر باهتمامه بمسلمي تركستان الشرقية والمسلمين بشكل عام في الصين، وبعد الحرب شكل جمعيتين إسلاميتين معترف بهما رسميًا، وكان أول اليابانيين المسلمين الذي يولي اهتمامًا بالتسجيل الرسمي لمشاريعه، وهو من أصعب المهمات في اليابان، وقد ساهم في إرسال الطلبة إلى باكستان وماليزيا وبلاد الحرمين، كما شارك عمر ميتا في ترجمة معاني القرآن الكريم في مكة المكرمة، وألّف موسوعة ضخمة عن تاريخ الإسلام في اليابان باللغة اليابانية ترجمت للإنجليزية.

المساجد في اليابان
مسجد طوكيو على الطراز العثماني.


أول مسجد بُني في اليابان مسجد أوساكا بمدينة أوساكا، في عام 1323هـ (1905م) على يد التتار المسلمين الأسرى، وذلك أثناء الحرب الروسية اليابانية؛ حيث كان أول ما فعلوه بعد أسرهم من اليابانيين بناء مسجد للصلاة فيه. يقول عبد الرشيد إبراهيم في كتابه “عالم إسلام” إن بين الأسرى كان هناك  قرابة ألفين من التتار، وفي موضع آخر ثلاثة آلاف وأن اليابانيين أبدوا لهؤلاء احترامًا خاصًا.[25]

ويرى بعض الباحثين أن بداية الإسلام في اليابان كانت من هؤلاء الأسرى المسلمين؛ حيث أثر حسن أخلاقهم ومعاملاتهم واستقامتهم في اليابانيين، فأصبحوا يسمحون لهم بالخروج من السجن للأسواق، ثم يعودون في الوقت المحدد، ولأجل صدقهم ووفائهم بالمواعيد أكسب هذا التعامل الطيب اليابانيين محبة للإسلام، وهذا ما يسر لهم بناء المسجد.

ثم مسجد كوبي في عام 1354هـ (1935م) الذي شيّده عدد من التجار المسلمين الهنود، وبحسب وصف الأستاذ نور الحسن برلاس، الأستاذ بكلية اللغات الأجنبية في طوكيو في مجلة معارف دار المصنفين، فإن المسجد تحفة فنية وهو أشبه بمسجد موتي “مسجد اللؤلؤ” الموجود في مدينة “أجرا” بالهند.

ثم مسجد طوكيو الذي بُني في عام 1357هـ (1938م)، على يد مجموعة من اليابانيين الذين أحسّوا بميل نحو الإسلام ورأو ضرورة إنشاء مسجد في طوكيو، وبصفتهم أصدقاء للمسلمين، أصرّوا على بناء المسجد، يدفعهم في ذلك رغبتهم في انتشار الإسلام في اليابان، فقدموا التبرعات التي -إضافة إلى تبرعات المسلمين- غطّت تكلفة البناء التي بلغت 120 ألف ين ياباني قديم. وفي ذلك الزمان كانت تعادل حوالي مليون دولار أمريكي.

ولكن مسجد طوكيو هُدم في عام 1406هـ (1986م) بسبب تدهور وضع البناء مما تسبب في حزن شديد بين المسلمين، وكان من المقرر إعادة بنائه في نفس الموقع، لكن المشروع تعثّر بسبب كثرة العقبات والعراقيل، ثم بعد تضافر الجهود والإصرار على بنائه، تمكن المركز الإسلامي -تحت إشراف الأتراك بمساعدة تبرعات المسلمين من داخل وخارج اليابان-، من إعادة بناء المسجد في وسط عام 1421هـ (2000م)، حيث تم تشييده على الطراز العثماني، فأصبح مقصدًا لجميع اليابانيين للتعرف على الإسلام.

كلمة أخيرة
يتواجد اليوم في اليابان العديد من المؤسسات والمراكز والجمعيات الإسلامية، وبرزت مع الحركة الدعوية العديد من الأسماء من اليابانيين المسلمين ومن المهاجرين إليهم من دعاة وطلبة من عدة مناطق من العالم الإسلامي، وقدم المسلمون في هذا الركن من العالم مثالًا مباركًا لعلو الهمة والتعاون والتطوع والإحسان والدعوة لله. ومع ذلك ومع كمّ الجهود المبذولة لا يزال المسلمون في اليابان مشتتين على مساحة البلاد، ومنهم من لا يزال يخفي إسلامه ومنهم من يحتاج لمزيد دعوة وتوجيه وشدّ أزر.

ما يعني أن جهود العمل على مد الجسور مع المسلمين في هذه المنطقة من شرق آسيا مهم جدًا؛ فكما لم يتخل المسلمون في اليابان عن إخوانهم في الصين وغرب آسيا، يجب ألَّا يتخلى المسلمون في كل زاوية من العالم عن بعضهم البعض ولا يكون ذلك إلا بإحياء عقيدة الولاء والبراء بين المسلمين كافة وإقامة الإسلام حكمًا ومنهج حياة؛ فينصر ضعيفهم ويجبر كسر المظلوم فيهم ويرجع للمسلمين هيبتهم بخلافة جامعة توحدهم. وذلك وعد حق، يستوجب العمل له من كل مسلم في أي أرض يعيش.


المصادر


































































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق