التخلص من سلطة أوسلو هو أولى خطوات التحرير
أميرة أبو الفتوح
ليس مستغرباً على الكيان الصهيوني، بينما هو يتفاوض مع الجانب المصري الذي يقوم بوساطة بينه وبين حركة الجهاد الإسلامي لنزع فتيل الانفجار في قطاع غزة، على إثر اعتقال القيادي البارز في الحركة الشيخ "بسام السعدي"، أن يشن فجأة غاراته المكثفة على القطاع، فمن شيمته الغدر ونكث العهود.
فلا تُرهق نفسك في البحث عن أسباب عدوانه الغادر؛ هل بسبب اقتراب موعد انتخابات الكنيست والتنافس بين قوي اليمين المتعددة داخل الكيان، ومحاولة رئيس الوزراء "يائير لابيد" تحقيق نصر سريع قبل ذاك الموعد المنتظر لكسب شعبية تؤهله لإعادة انتخابه رئيساً للحكومة، كما كان يفعل "بنيامين نتنياهو"، وخاصة أن "لابيد" يمتاز عن معلمه بخلفيته العسكرية.. أم بسبب إيران الخصم اللدود، والذي فشل هو ونتنياهو في حث الولايات المتحدة على توجيه ضربة عسكرية لها، كما لم يتمكن من تشكيل التحالف العسكري المأمول مع الدول العربية الحليفة ضد إيران، فاقتضى الأمر ضرب مناطق نفوذها في المنطقة العربية (في سوريا ولبنان وفلسطين) كحل بديل لإضعافها، ومن هنا تركزت الضربات على حركة الجهاد الإسلامي وذراعها العسكري "سرايا القدس"، المعروفة بعلاقتها الوثيقة بإيران التي تدعمها مالياً وعسكرياً ولوجستياً، خاصة أن الأمين العام للحركة "زياد نخالة"، قد زارها أثناء العدوان!!
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هذا العدوان الغادر كان متفقاً عليه أثناء زيارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" للكيان الشهر الماضي؟
أيا كانت الأسباب التي دفعت العدو الصهيوني لشن عدوانه على قطاع غزة، فهذه عقيدة الاحتلال، أي مواصلة الجرائم والمذابح في فلسطين المحتلة تحت عناوين مختلفة وخادعة
وأيا كانت الأسباب التي دفعت العدو الصهيوني لشن عدوانه على قطاع غزة، فهذه عقيدة الاحتلال، أي مواصلة الجرائم والمذابح في فلسطين المحتلة تحت عناوين مختلفة وخادعة.
فهذا العدوان الغادر أطلقوا عليه مُسمى "الفجر الصادق"، واستشهد فيه القائدان العسكريان البارزان في سرايا القدس "تيسير الجعبري" و"خالد سعيد منصور"، عضو المجلس العسكري وقائد المنطقة الجنوبية، واثنان آخران من العسكريين في السرايا..
وكعادة الاحتلال الصهيوني فإنه لم يكتف بقتل رجال المقاومة، بل يلجأ إلى أسلوبه الدنيء في قتل المدنيين وتدمير بيوتهم، كي يقلبهم على المقاومة، فقتل وجرح المئات من المدنيين بينهم أطفال صغار ونساء، وهدم الأبنية على رؤوس ساكنيها!!
جاء هذا العدوان الغاشم على قطاع غزة بعد فترة هدوء نسبي، استمرت أكثر من عام، منذ معركة سيف القدس في أيار/ مايو 2021، تلك المعركة التي وحدت الشعب الفلسطيني كله في الداخل والخارج وجعلته على قلب رجل واحد، لتخرج غزة من عزلتها التي فرضها عليها الحصار الظالم مدافعة عن القدس والمسجد الأقصى، حيث استطاعت المقاومة، بحنكة وذكاء، ربط قطاع غزة بمدينة القدس في قواعد الاشتباك، ليتوحد كل الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية والمناطق الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948، في ملحمة أسطورية في نضال الشعب الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني، التحم فيها الشعب الفلسطيني، بكامل طوائفه وانتماءاته الدينية والحزبية حول المقاومة، في مشهد فريد لم تشهده فلسطين من ذي قبل، حتى في انتفاضة عام 1936، مشهد سجله التاريخ في ذاكرة الأمة، وهو أيضا مشهد لن يغيب عن ذاكرة الكيان الصهيوني، والذي سيجعله يعيش في رعب وفزع دائم من تصدع جبهته الداخلية والتي قد تؤدي لانهيار كيانه، بعد أن اشتعلت جذوة الانتفاضة في كل الأراضي الفلسطينية، وامتد لهيبها لفلسطين كلها من النهر إلى البحر، ولم تعد تقتصر على القدس وغزة بل امتدت للضفة ولأراضي 1948 التي اغتصبها الصهاينة..
كعادة الاحتلال الصهيوني لم يكتف بقتل رجال المقاومة، بل يلجأ إلى أسلوبه الدنيء في قتل المدنيين وتدمير بيتوهم، كي يقلبهم على المقاومة
فلأول مرة منذ النكبة، يجتمع النضال الفلسطيني في كل بقعة من الأرض الفلسطينية، وهكذا سقطت المؤامرة الصهيونية لفصل غزة عن محيطها الفلسطيني، واستطاعت المقاومة من موقعها في غزة حماية المسجد الأقصى، وأصبحت مدينة القدس في حماية المقاومة..
وبينما ظل ذلك المشهد الوحدوي وتلك الصورة الملحمية عالقة في أذهان الصهاينة، سقطت للأسف الشديد من أذهان الفلسطينيين، ولم يحسنوا استغلال تلك اللحمة في النسيج الفلسطيني، والتي كانت كفيلة بإنهاء الانقسام الفلسطيني، ويوظفوها في اختيار قيادة وطنية شابة تقود عملية التحرير بدلاً من سلطة أوسلو العميلة..
أما الكيان الصهيوني فقد سعى بعدوانه هذا أن يمحو ذلك المشهد ويمزق تلك الصورة، لينهي النتائج الإيجابية لمعركة "سيف القدس" والمتمثلة بوحدة النضال الفلسطيني وربط غزة بباقي أجزاء الوطن، وأن يعيد لعبة التقسيم الجغرافي الفلسطيني التي أقامها منذ بدء احتلاله، فيعيد عزل الضفة الغربية عن غزة، وعزل هذه المناطق جميعها عن باقي الفلسطينيين في أراضي 48 المحتلة، وإنهاء حالة المقاومة المسلحة في الضفة ومواجهة التضامن الشعبي في باقي أجزاء فلسطين المحتلة، ولهذا حشد عشر كتائب من قوات حرس الحدود في البلدات الفلسطينية في مناطق 1948، لمواجهة حالات التضامن الشعبي والمظاهرات المنددة بالاحتلال كما حدث عام 2021.
كما أراد الكيان الصهيوني ضرب إسفين بين فصائل المقاومة وفصلها عن بعضها البعض، وألا تعود غرفة عمليات واحدة كما كانت في معركة "سيف القدس"، لذلك جاءت محاولته تحييد حركة حماس في هذه المعركة، وهي القوة العسكرية الأكبر المسيطرة على غزة، وطلب منها ضبط الشارع الغزاوي ومواجهة حركة الجهاد، وزعم أنه يستهدف فقط "حركة الجهاد الإسلامي"، وهو ما يعني عزلها عن الشعب الفلسطيني وكذلك فصلها عن باقي فصائل المقاومة!
أراد الكيان الصهيوني ضرب إسفين بين فصائل المقاومة وفصلها عن بعضها البعض، وألا تعود غرفة عمليات واحدة كما كانت في معركة "سيف القدس"، لذلك جاءت محاولته تحييد حركة حماس في هذه المعركة، وهي القوة العسكرية الأكبر المسيطرة على غزة، وطلب منها ضبط الشارع الغزاوي ومواجهة حركة الجهاد
ولكن خيبت "حماس" أمل الصهاينة ورد عليهم المتحدث باسمها بأن "المقاومة بكل أذرعها العسكرية وفصائلها موحدة في هذه المعركة"، وأعلنت الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة أن "العدوان لن يمر"..
وبالفعل لقد ركزت قوات الاحتلال على ضرب أهداف لسرايا القدس؛ نظراً لدورها في تشكيل كتائب جغرافية في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية وتصديها للقوات الصهيونية عند مداهمتها، وقد أصبحت تلك المناطق مثل جنين تضم خلايا ثورية مسلحة تتصدي لقوات الاحتلال ولا تخضع لسيطرة أجهزة عباس الأمنية التابعة لقوات أمن الاحتلال..
وقد ردت سرايا القدس بقصف مستوطنات وتجمعات الاحتلال في جنوب ووسط دولة الاحتلال، ما أسفر عن إصابة العديد من الصهاينة بجراح مختلفة، كما أطلقت صواريخ باتجاه مدينة القدس المحتلة وتل أبيب ومستوطنة اسديروت، وضربت أهدافا أخرى في محيط قطاع غزة بينها مبني في مدينة عسقلان المحتلة، حيث نشرت مواقع عبرية تسجيلا مصورا للمبنى والدخان يتصاعد منه، ما أحدث حالة من الرعب والفزع بين الأهالي الذين هرولوا إلى المخابئ..
لقد غابت سلطة التنسيق الأمني العميلة عن المشهد تماماً، واكتفت بمشاهدة العدوان الصهيوني والضحايا من الفلسطينيين الذين يتساقطون والجنازات التي تملأ الشوارع والبيوت التي تهدم من خلال شاشات التلفزة، وكأنها سعيدة بتلك المشاهد، فالكيان الصهيوني يخلصها من هؤلاء المتمردين الخارجين عن سلطتها.. هذه السلطة أصبحت عبئا على الفلسطينيين، فهي التي تحول وتقف سداً منيعا ضد انتفاضة الشعب الفلسطيني، إنها باتت أخطر من الاحتلال نفسه، فمن خلالها استطاع الاحتلال تقسيم الفلسطينيين وفصل غزة عن الضفة وتمكن من الاستفراد بكل منهما على حدة، ولذلك أصبح فرض عين على الفلسطينيين التخلص من سلطة أوسلو، وهو أولى خطوات التحرر من الاحتلال الصهيوني..
غابت سلطة التنسيق الأمني العميلة عن المشهد تماماً، واكتفت بمشاهدة العدوان الصهيوني والضحايا من الفلسطينيين الذين يتساقطون والجنازات التي تملأ الشوارع والبيوت التي تهدم من خلال شاشات التلفزة
وبعد أن تورط الكيان الصهيوني في معركة بدأها ولم يعرف أن ينهيها، فقد تفاجأ بالكفاءة العالية لسرايا القدس وأوجعته صواريخها التي ملأت سماء المستعمرات، فلجأ كعادته إلى طلب هدنة، فجاء البيان بالهدنة فقط خالياً من وقف العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني!!
هذه الحرب ليست سوى جولة جديدة في واقع مستمر شكله الكيان الصهيوني منذ إعلان تأسيسه عام 48 واغتصابه لأرض فلسطين، ليصبح عدواناً مستمراً على سكان البلد التاريخيين، ودائماً ما تكون غزة هي الضحية التي تدفع الثمن وهي تدافع عن كرامة أمة بأكملها، وتدفع ضريبة ذلك من دم أبنائها.. غزة هي قلعة الكرامة في أمة خنع حكامها وتخاذل أبناؤها!! غزة هي آخر قلاع المقاومة في الأمة اليوم.
وليس هناك أجمل من كلام الشاعر الراحل "محمود درويش" عن غزة لأختم به:
"ليست لغزة خيول ولا طائرات ولا عصى سحرية ولا مكاتب في العواصم، أن غزة تحرر نفسها من صفاتنا ولغتنا ومن غزاتها في وقت واحد وحين نلتقي بها ذات حلم ربما لن تعرفنا، لأن غزة من مواليد النار ونحن من مواليد الانتظار والبكاء على الديار"..
twitter.com/amiraaboelfeto
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق