الاثنين، 6 مارس 2023

«معاوية بن أبي سفيان» موحّد الأمة

«معاوية بن أبي سفيان» موحّد الأمة

محمد شعبان أيوب

مما يُحسب لـ«معاوية بن أبي سفيان» رضي الله عنه أنه تمكن من جمع الأمة كلها في دولة واحدة،

وأول من عرف التاريخ الإسلامي معه غزوات الصوائف والشواتي في قلب العدو البيزنطي وفي شمال أفريقيا وآسيا فانتشر الإسلامُ من بعد توقف أثناء الفتنة،

 ثم إنه قضى على فتن العراق في زمنه فاستقر قرارها مع عبيد الله بن زياد

وهي أرض قُتل فيها علي والحسين وكثيرين من آل البيت بأيدي أهلها أو بانفضاضهم ومواطئتهم!

وهؤلاء الذين يلعنون معاوية اليوم بحجة تأييدهم لآل البيت هم الذين أسلموا آل البيت إلى الهلاك والقتل،

فقد قُتل علي رضي الله عنه في الكوفة وهو بين أيديهم،

وقُتل الحسين رضي الله عنهما في كربلاء بأيديهم وقد أسلموه وخذلوه،

وهم اليوم الذين يتهمون أهل السُّنة بالنواصب الكفرة،

فكيف يكون أهل السنة نواصب وكفرة وهم الذين نشروا الإسلام، ويحفظونه من التحريف والتبديل.

معاوية من أعدل ملوك الإسلام

أما معاوية فكان واحدا من أعدل ملوك الإسلام كما قال بذلك كثير من علماء السلف وكبارهم،

وإن الناظر في حرب أهلية وقعت بين الصحابة وكان فيها أطراف تؤجج هذا الصراع كما وقع في الجمل وصفّين،

وهو صراع أطرافه عديدة متشابكة، فمنهم المطالبون بدم عثمان كمعاوية وأهل الشام، ومنهم الخوارج المتربصون بالجميع،

وقد قاتلهم علي في ذروة صراعه مع معاوية، ثم علي رضي الله عنه الخليفة الشرعي الذي لم يؤيده جند العراق كما يجب وانفضوا عنه،

بل قتل بينهم، وكذلك حركة سبئية باطنية تكتب الكتب والرسائل المزيفة، وتشعل الفتن بين جميع المتصارعين بالقول والفعل،

وأيضا صحابة بعضهم مع علي وبعضهم ضده ليس عداء لشخصه؛ وإنما لاختباء قتلة عثمان في صفوف جنده،

كما رأينا مع الزبير وطلحة بن عبيد الله وهما من المبشّرين بالجنة رضي الله عنهما.

وفي وقت لم يكن تكن سلطة الدولة فيه قادرة على ضبط الأمن من أواخر عصر عثمان، ولهذا استشهد رضي الله عنه مقتولا،

وتالله إن مقتل عثمان لهي البلوى الأكبر، والمصيبة الأعظم من مقتل الحسين رضي الله عنهما،

فهو سبب كل الشرور والفتن فيما بعد ذلك، وانقسام الأمة بين سنة وشيعة وخوارج حتى يومنا هذا.

مقاصد الإسلام الكبرى تتحقق مع معاوية

ثم بعد خمس سنوات من الحروب والدماء والمواجهات، اتفق الجميع على مبايعة معاوية وكان على رأس المبايعين الحسن بن علي وسمي الاتفاق بـعام الجماعة؛

فهل كان الحسن أو الحسين أو باقي الصحابة وأمهات المؤمنين وفيهم عائشة وحفصة وغيرهن وهم يبايعون معاوية جبناء أو جهلة؟!

هل كانوا يخشون سيفه وهم الذين بايعوا أنفسهم في سبيل الله مع رسول الله؟!

أفكان معاوية يخوّفهم وهم الذين واجهوا كفار العرب وأباطرة الروم وأكاسرة الفرس؟!

والله لا وألف لا، ولكن لأنهم رأوا أن مقاصد الإسلام الكبرى تتحقق مع معاوية بعد استشهاد علي ومقتله على يد ابن ملجم، فكما ذكرنا وحّدَ الجميع، وأعاد الاستقرار والأمن،

وقضى على الفتن إلى حين، وأعاد نشر الإسلام، وجيّش الجيوش في سبيل ذلك فانطلقت في زمنه الجيوش إلى أنقرة وقبرص وتونس وخراسان وباكستان وغيرها.

 وإذا قال قائل إنه كان من الفئة الباغية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمّار «تقتُلك الفئة الباغية»،

فهل يعني بغيه مؤامرة على الإسلام أم كان يرى ما يراه طلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين بضرورة الفتك بقتَلة عثمان وهم تحت راية علي؟!

هذا اجتهاد كان فيه مخطئا، فبينما رأى علي ضرورة استقرار الأمور أولا ثم الثأر من قتلَة عثمان،

رأى طلحة والزبير وعائشة ومعاوية وأهل الشام أن قتلهم لا يجب أن يتأخر دقيقة واحدة، إذن الخلاف سياسي لتعدد آرائه!

وربنا تعالى يقول:

(وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ)،

فلم يصف القرآن البُغاة بالكفر أو بالردة أو التآمر على الإسلام، ثم من الذيّ وضع معاوية في حكم الشام ألم يكن عمر بن الخطاب ثم أبقاه عثمان بن عفان رضي الله عنهما،

فهل كان عمر وعثمان جهلاء بمعاوية وقد رأى كلّ منهما يقظته في حكم هذه المنطقة الأهم

التي كانت تقع على ثغور العدو البيزنطي في جنوب الأناضول والبحر المتوسط وحتى فلسطين؟!

نعم ستتضارب الأقوال في الرجل، ولكن لولا معاوية لاستمرت الحرب الأهلية، ولتوقف انتشار الإسلام،

ولانقضّ البيزنطيون وبقايا الفرس على المسلمين يمزّقون دينهم وعقيدتهم ووجودهم وهم في مهدهم،

«نهج البلاغة» و«بحار الأنوار»

ولدينا روايات في «نهج البلاغة» و«بحار الأنوار» وهي مصادر شيعية تؤكد أن عليّا كان يرى في معاوية مجرد رجل خارج إلى الأخذ بثأر عثمان،

وأنه مسلم لا يكفّره يقول:

(إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم ولم نقاتلهم على التكفير لنا ولكنا رأينا أنا على حق ورأوا أنهم على حق).

(كتاب بحار الأنوار للمجلسي ج32ص324).

يعني كلا الفريقين كان ينطلق من اجتهاد سياسي، وعلى بلا شك كانت وجهة نظره هي الأصح، ولأنه أيضا كان الخليفة الشرعي الذي يجب أن يطاع،

ولكن التنظير مختلف عن الواقع التاريخي الذي تتهاوشه هذه التفاصيل التي ذكرناها.

خناقة معاوية التي لا تزال تشتعل وتنطفئ منذ أزمنة هدفها الأساسي إشعال الصراع بين الأحفاد كما أشعل بين الأجداد،

ما الهدف منه سوى الانشغال بالتاريخ عن الواقع المزري، والفساد السياسي، والاستبداد، والفقر، والبطالة،

وأن يكون السنة والشيعة وقود نار تؤججها أمريكا تارة، والروس أخرى!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق