أركان الرجولةإن للرجولة أركانا تتميز بها، فإن اجتمعت جميعها في رجل فذلك الفضل الذي يتنافس عليه الرجال. نلخصها فيما يلي مستخلصة من القرآن والسنة والتاريخ.
- الصدق:
قال الله تعالى (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)
صفتهم الأولى الصدق، صدقوا وأوفوا بعهد الله ورسوله ومستمرين عليه ومن ذلك كانت من أهم صفات الرجولة الوفاء بالوعود والعهود فهم يرونها دينا عظيما ولا يمكن أن يمضوا بإهمالها وتهميشها. ذلك أن الصدق هو قوة المبدأ وقوة الحق، وهو أهم ما يزين الرجل. ووعد الحر دين عليه ولذلك نشاهد في التاريخ كيف تقام الحروب وتقف على كلمة يفي بها الرجل وعلى وعد أقسم لينجزنه، لقد كان لكلمة الرجال قيمة عظيمة وثقلا كبير في ميزان الرجال.
جاء في التاج في أخلاق الملوك:”لا يوجد في الإنسان فضيلة أكبر ولا أعظم قدرًا ولا أنبَلُ فعلاً من الوفاء، وليس الوفاءُ شكر اللسان فقط”، والوفاء مصطلح واسع يدخل فيه الوفاء لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والوفاء للمؤمنين ولصاحب المعروف والوفاء بالوعود والوفاء لأهل الوفاء والوفاء للمروءة والتقوى.
قال الله تعالى (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصلاةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ والأبصار)
إن الرجولة الحقيقية هي رجولة الالتزام بدين الله وبفروضه التزاما حازما لا يقبل المساومة، فهم في صلاتهم وذكرهم وفروض الدين سباقون بلا التفات للخلف ولا لما يشغلهم عن عظيم الفرائض كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك تدخل جميع فرائض الدين، فإن كانوا في العبادات والتقوى فهم الفرسان وإن كانوا في العلم والدعوة فهم الفرسان وإن كانوا في ساحات الجهاد والمبارزة فهم الفرسان، وإن كانوا في ميادين البذل والمسابقة فهم الفرسان. وتلك من أهم خصال الرجولة التي يقوم عليه البيت وتقوم عليها الأمة.
قال الله جل جلاله (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ)
إنهم في مجاهدة ومسابقة بعلو همة لمرتبة المتطهرين الذين يتطهرون من الحدث ومن الذنب، فهذه صفة من يريد أن يزدان بالرجولة، تواب أواب، يسعى لمعالي الرتب، ولما فيه تطهير النفس وعلو مرتبتها في الجنة، لا يرضى بمرتبة أقل من مرتبة “يحبهم الله ويحبونه”. ومرتبة “والذين آمنوا أشد حبا لله”.
“إن الهمة العالية هي سلم الرقي إلى الكمال الممكن في كل أبواب البر، لا سيما العلم والجهاد اللذان هما سبب ارتفاع الدرجات، فمن تحلى بها لَان له كل صعب، واستطاع أن يعيد هذه الأمة إلى الحياة مهما ضمرت فيها معاني الإيمان، إذ إن “همم الرجال تزيل الجبال”.[1]
4– الشجاعة في الحق
قال الله تعالى (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) وقال تعالى (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) وقال تعالى (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)
فمن صفات الرجولة الحقة، اتباع الحق ونصرته والدعوة إليه، شجاعة الرجل في مواطن الحق صفة بارزة في سير رجالات التاريخ الأفذاذ، ويكفيك من ذلك الوصف القرآني (ولا يخافون لومة لائم) وهذه سبيل دعاة التوحيد والمدافعين عن التوحيد والناشرين لمعاني التوحيد يحبون هداية الناس والخير لهم، لا يتماهون مع باطل يمس بالتوحيد ولا يقبلون بغير حفظ ميراث النبوة، مقاصدهم عالية وغاياتهم جليلة فاستحقوا أن يتصفوا بالرجولة .
ومن أبرز علامات الرجولة الثبات على المبدأ الحق والمجاهدة عليه إلى آخر رمق.
وصفة تحمل المسؤولية من أهم أركان الرجولة، وهي دلالة كفاءة ونضوج في الرجل، ولذلك أوكلت إلى الرجل القوامة والولاية والإمامة والمهام الشاقة والخطيرة وكلّف بصيانة الدين والنفس والعرض والأرض، وإقامة خلافة الله في الأرض. فالرجل الذي لا يقدر على تحمل مسؤولياته لديه خلل في مفهوم الرجولة، وحين نتحدث عن تحمل المسؤولية فيدخل فيها تحمل المهام والواجبات وتحمل الأخطاء أيضا، فالهروب من فريضة أو واجب ليس إلا طعنا في الرجولة وكذلك التنصل من مسؤولية الأخطاء والهروب من تحمل تبعاتها وتخفيف آثارها مشكلة في مفهوم الرجولة، ولذلك وجب تربية الطفل منذ الصغر على الفهم الصحيح بتحمل مسؤولياته والاستعانة بالله في القيام بها وبمواجهة أخطائه وتصحيحها لا الهروب منها والتنصل من تبعاتها، وتحميل غيره آثارها المدمرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: “أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً” رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
تأبى المروءة أن تفارق أهلها إن المروءة في الرجال خصال
وهذا الركن يتطلب سفرا طويلا من السرد والتفصيل ويكفينا منه أن المروءة ومكارم الأخلاق تصنع من الرجل مشهدا عظيما من الرجولة، فهو يعفو عند المقدرة ويغفر عند الزلة ويجبر الضعف والكسر ويبذل الندى وكف الأذى وإعانة الضعيف ونصرة المظلوم وردع الظالم، يعرف بسلامة الصدر، والصبر، والشجاعة، والعفة، وغض البصر عن الحرام، يبتعد عن مواطن الفتن والنساء، بل ينأى بنفسه عن كل ما يخدش مروءته ورجولته، ولا تجده في موقف مروءة وأخلاق إلا وكانت قدوته النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، ولو عددنا مواقف المروءة ومكارم الأخلاق التي سجلها التاريخ في السيرة النبوية وسير الصحابة والسلف الصالح رضي الله عنهم لبكينا بكاء حارا على ضياع معاني الرجولة في زماننا.
مهما برزت ملامح وصفات الرجولة في الرجل فإنه لا يستكبر ولا يهدم بنيانه بالغرور والعجب بالنفس ولا يرى نفسه إلا مقصرة فهو يرجو رحمة الله لذلك لا تجده يتحرج من الاعتراف بذنبه وتقصيره وإعلان توبته لله فهو يعلم أن سبيل الخلاص هو التواضع لله والحق، ولو كان ثقيلا على النفس. وتلك صفة المتقين الأخيار. ولذلك كنا نرى الخليفة الراشد يطلب من رعيته أن يدلوه على أخطائه وتقصيره، ونرى السلف الصالح يسابقون للعمل الصالح ولا يجدون حرجا في الاعتذار عند الخطأ. ولم أر شرفا كشرف الاستدراك في تحقيق مقامات الكمال.
إن من أبرز امتحانات الرجولة هي قيادة الأسرة والمرأة، فقيادة المرأة تظهر مكامن الرجل القيادي، وتبرز حقيقة رجولته، ولذلك لا يمكن للرجل الفاقد لصفة القوامة أن يقود أسرته ولا بيته ولا زوجته ولا يمكنه أن يعدد ولا أن يقوم بتكاليف تربية أبناء وبنات صالحين وصالحات لأنه سهل الانقياد والتأثر بأهواء النساء ويمكن أن تقوده امرأة للمهالك والظلم بكل يسر لضعفه. والقوامة مفهوم واسع من قدرات إقامة الزوجة والأسرة على الاستقامة وهي تتطلب بذلا وعناية بالتقوى، والاستعانة بالله تعالى فالمرأة خلقت من ضلع أعوج والرجل مطالب بالصبر عليها وبحفظ مصالح دينها ودنياها ولذلك كانت السلطة في يده ليصلح بها حال بيته. قال المنفلوطي في النظرات:”ولا يستطيع الرجل أن يكون رجلًا تام الرجولة حتى يجد إلى جانبه زوجة تبعث في نفسه روح الشهامة والهمة، وتغرس في قلبه كبرياء المسؤولية وعظمتها، وحسب المرء أن يعلم أنه سيدٌ، وأنَّ له رعية كبيرة أو صغيرةً تضع ثقتها فيه، وتستظل بظل حمايته ورعايته، وتعتمد في شئون حياتها عليه، حتى يشعر بحاجته إلى استكمال جميع صفات السيد ومزاياه في نفسه ..”.
لذلك يمتحن الرجل في الزواج، وقدرته على قيادة بيته وزوجه وأبنائه.
وفي زماننا أبشع ما يمكن أن تشاهد: امرأة مسترجلة ورجل متأنث.
ولا يكتمل المجتمع إلا بعودة كل من الرجل والمرأة إلى مكانهما الفطري الصحيح.
فلتكن هذه القاعدة في ذهن كل مربي ومربية، وكل أب وأم وكل زوج وزوجة.
وما الرجولة إلا احتواء وما الأنوثة إلا اكتمال.
عيب كبير أن يفتقد الرجل الغيرة، فهذه صفة تُعرف بها جدية الرجل، وتقاس بها رجولته، فالرجل الذي لا يغار على محارمه وعلى محارم الدين بلا شك لديه مشكلة في فهم معاني الرجولة، وللأسف هذا الفقدان للغيرة لم يأت بلا سبب ودافع، فقد سبقته عقود من الحقن لكل ما يقتل الغيرة ويعود الرجال على الاستهانة وقبول الواقع المرير بانسياب لم يكن ليقبله رجال مضوا في سبيل الله. لذلك أصبح الرجل يخرج مع زوجة متبرجة في كامل زينتها للشارع ويبتسم لمن يثني على أناقتها، وقد كان السلف الصالح لا يرى أثر زوجه إلا وهو يحرسها ويغار عليها. وهنا نتحدث عن الغيرة المحمودة، غيرة الرجولة التي تحفظ المرأة درة مصونة، وتثبت محبة الرجل لها وجديته معها، وقد اشتهر الصحابة رضي الله عنهم بغيرتهم على زوجاتهم ونساء المسلمين، فالغيرة تحفظ المرأة في بيتها وتحفظ بنات المسلمين، لأن الرجل الذي يحمل غيرة لا يرضى لبنات المسلمين ما لا يرضاه لبناته وزوجه.
نجدها في قصص الأنبياء والصحابة والصالحين في كل زمان، قصص تأسرك بعظيم مكانة الأمانة، لا يضيع الرجل أمانة وضعت بين يديه، أيا كانت هذه الأمانة يحفظها ويؤديها كاملة، حتى وإن لم يُستحفظ عليها، لقد كانت صفة موسى عليه السلام القوة والأمانة، ولذلك قالت ابنة شعيب عليه السلام “إن خير من استأجرت القوي الأمين”، وكيف تكون الرجولة بلا أمانة وما أجملها بالقوة وإن كنت لا أدرج القوة في أركان الرجولة مع أنهاُ زينة في الرجل، لأن الرجل قد يكون أمينا ولا يكون قويا! وما أحوج أمتنا لأصحاب الأمانة والقوة.
وفي الحديث:”أنَّ الأمَانَةَ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ في جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، وَنَزَلَ القُرْآنُ فَقَرَؤُوا القُرْآنَ، وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ”. صحيح البخاري.
- العدل
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: “إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده”، صحيح مسلم.
والحق يقترن بالعدل، ولا ينصر الحق إلا بالعدل، ومن تمام الرجولة، العدل والإنصاف وقليل فاعله لأنه يتطلب الكثير من المجاهدة والتقوى. ولا يتحراه إلا مكتمل الرجولة. ولذلك لا تزال دعوات الحق تحفظ بالعدل .. ولا يزال العدل سيمة الرجال الأفذاذ.
هذه باختصار أبرز أركان الرجولة وكل تفصيل عن الرجولة يندرج تحتها، أو يتصل بها اتصالا مباشرا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق