الأربعاء، 24 يوليو 2024

رسالة إلى العرب: لا تقتلوا المروءة

 رسالة إلى العرب: لا تقتلوا المروءة

بقلم: محمد الشيخ ولد سيد محمد


جميل أن نعيش عالما تسوده  قيم  المروءة،  بلا أقطاب متصارعة ، وبلا حكومات متشنجة،وبلا حروب وكالة، وبلا قادة مجانين أو مجرمين يتصرفون  طبقا لتقارير وأفلام مزورة.، يحرقون الأخضر واليابس، يقربون شرار الافك  وصناع الحروب العبثية.،يبعدون ساسة قيم  أناة العلم والفكر ، وحكماء  التريث والصدق، و رجال التواضع والتأفف عن الإضرار بالمسلمين.

ومن أجمل ما  يصنع الأمل، أن ننأى بالشعوب المسالمة عن الحروب التدميرية الشاملة، التي تدمر الآن أوطان المسلمين وحضارة العيش المشترك مع جوارهم  لمئات  القرون.

ومن أزهار  الأمل أن نرى العرب، يتوحدون ويتصالحون، يودعون شراء السلاح، يرفضون  أن يقتل بعضهم بعضا،

ويجتمعون  على النأي بأوطانهم  عن خدمة أجندة تبديد خيراتهم، وتصفية عقولهم ، والتدمير المبرمج لمستقبل أجيالهم ..”ويل للعرب من شر قد اقترب”، قالت: أنهلك وفينا الصالحون يا رسول الله؟ قال: نعم إذا كثر الخبث.

وإذا كانت  المروءة هي : مولاة  الأكفاء، ومداهاة  الأعداء  كما يقول  العالم الفقيه  ومؤسس الدولة الأموية الثاني ، و يعرفها ابن منظور بقوله : المروءة: كمال الرّجوليّة.، ويجزم  داوود الطائي بقوله : لا عبادة لمن لا مروءة له.

قال عنها الشاعر منصور الفقيه: فقد

وإذا الفتى جمع المروءة والتُقى **** وحوى مع الأدب الحياء فقد كمُل

أبو تمام ينشد : وهذا

من لـي بإنسانٍ إذا أغضبته *** ورضيتُ كان الحِلم رد جوابه

وتراه يُصغي للـحديث بقلبه *** وبسـمعه ، ولعـله أدرى بـه

 ويبرز شاعر العرب خصال  ذي المروءة منهم فيقول :

وإذا جلست وكان مثـلُكَ قائماً *** فمن المروءةِ أن تقـومَ وإن أبـى

وإذا اتكـأت وكان مثلُكَ جالساً *** فمن المروءةِ أن تُزيـلَ المـُتَّكـا

وإذا ركبتَ وكان مثـلُكَ ماشياً *** فمن المروءةِ أن مشيتَ كما مشى

وقد أفاد أبو فراس الحمداني بقوله:

الحُرُّ يَصْبِرُ مَا أطَاقَ تَصَبُّرًا             في كلِّ آونةٍ وكلِّ زمانِ

ويرى مساعدةَ الكرامِ مروءةً          ما سالمتهُ نوائبُ الحدثانِ  

                   وصدق الحصين بن المنذر الرَّقاشيِّ:

إنَّ المروءَة ليس يدركها امرؤٌ      ورث المكارمَ عن أبٍ فأضاعها

أمرته نفسٌ بالدَّناءةِ والخَنا         ونهته عن سُبلِ العُلا فأطاعها

يبني الكريمُ بها المكارمَ باعها   فإذا أصاب مِن المكارمِ خلَّة      

وهل المروءة كما يقول المنصور إلا حفظ الود مع الأخ العربي

إن زل أو أخطأ:

هبني أسأتُ كما تقولُ       فأين عاطفةُ الأُخوة

أو إن أسأتَ كما أسأتُ      فأين فضلُك والمرُوَّة

وهل يرث التقاطع  وسباب الإخوة إلا الفناء:

مررتُ على المروءةِ وهي تبـكي *** فقلتُ : عَلامَ تنتـحبُ الفتاة ؟
فقالت : كيف لا أبـكي وأهلي *** جمـيعاً دون خَـلق الله مـاتوا

ولا يكون المر ذا مروءة إلا إذا  عدل في الكلام ، وصدق في النطق، ولم يجمع الإسراف  في التشهير بالغير ، والكذب على الناس في  إفساد ذات البين.، حتى  لا يتصف بوصف  من  أوصاف خوارم المروءة.

العدل  إذا تكلم ، قال العلي الكبير:( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ الأنعام: 152.،والصدق إذا تفوه قال الله  عز وجل : ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ النحل: 116، ومهين من جمع صفتي الكذب والإسراف ،قال سبحانه:

﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ غافر: 28

وقد حذر حكيم العرب  وداهيتهم معاوية بن أبي سفيان  رضي الله عنه  فقال : ” آفة المروءة إخوان السوء”، وبين مروان بن الحكم أن المروءة هي :(العفاف، وإصلاح ذات البين)، وأن السؤدد هو:( الحلم، والنوال).

ومما يروي : ((عن عبد الملك بن مروان أنه دخل على معاوية, وعنده عمرو بن العاص, فسلم وجلس, ثم لم يلبث أن نهض, فقال معاوية: ما أكمل مروءة هذا الفتى! فقال عمرو: يا أمير المؤمنين إنه أخذ بأخلاق أربعة, وترك أخلاق ثلاثة, إنه أخذ بأحسن البشر إذا لقي, وبأحسن الحديث إذا حدث, وبأحسن الاستماع إذا حُدث, وبأيسر المؤونة إذا خولف, وترك مزاح من لا يوثق بعقله, ولا دينه, وترك مجالسة لئام الناس, وترك من الكلام كل ما يعتذر منه)) ( انظر تاريخ بغداد(10/388 )

عام 1880م ماتت ملكة تايلاند غرقًا، فقد انقلبَ بها القارب ولم يجرؤ أحد من حراسها على إنقاذها، وقفوا جميعًا يتفرجون عليها وهي تلفظُ أنفاسها لأن القانون كان يقول: لمس الملكة عقوبته الإعدام.

روى ابن قتيبة في رائعته عيون الأخبار المؤلفة من أربعة أجزاء قال: لما اشتغل الخليفة عبد الملك بن مروان بمحاربة عبد الله بن الزبير، اجتمع وجوه الروم وكبراؤهم إلى إمبراطورهم وقالوا له: لقد انشغل العرب بقتال بعضهم بعضًا ، وهذه نهاية مروءاتهم.

وسُئل حكيم  قبيلة تميم : هل هناك أقبح من البخل؟ قال: نعم، الكريم إذا تحدث بإحسانه لمن أحسن إليه! وسئل : هل هناك أشد أذى من قتل الأبرياء ، قال: نعم، قتل المروءة بين  المتقاتلين؟

لا تقتلوا المروءة، إن أغرقتم حكامكم، ولا تقتلوها إن تبارزتم بالسيوف  أو براجمات الصواريخ.

فلا مروءة لمن يقتل بالنميمة والوشاية..

ولا مروءة لمن يقتل أخاه غيلة ويطعنه من ظهره..

ولا مروءة لمن يبيع أخاه بثمن بخس للأجنبي وب(دراهم معدودة..)

(تموت الحرة  ولا تأكل بثديها)…

كيف  ترون حال أمة وئدت.، وبأغبيائها دفنت… (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت؟)

صدق المروءات  أيها العرب، مجتمعين ومتنابذين،  يصنع  الأمل والقوة، وهو تاج عزتكم في غضبة الحق.

تعفف عن الحرام والمن، إنصاف للخصم وإنزال الناس منازلهم، إسعاف بالجاه والبذل، الشرك والإضرار بالناس عدلان ولا يفعلهما مسلم له مروءة.

وللزبير بن عبد المطلب في  عزة المروءة‏:‏

ولا أقـيم بـدار لا أشـد بـهـــا *** صوتي إذا ما اعترتني سورة الغضب

 بقلم: محمد الشيخ ولد سيد محمد/ أستاذ وكاتب صحفي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق