من غزة إلى السودان.. معركة واحدة وعدو واحد
قطب العربي
الحربان المشتغلتان في غزة والسودان على ما بينهما من تباعد مكاني (أولاهما في آسيا والثانية في أفريقيا) إلا أنهما متقاربتان بل متطابقتان من حيث الهدف ومن حيث العدو المشترك، فالهدف في غزة كما في السودان هو تدمير البشر والحجر والشجر، وتأسيس كيان جديد بملامح جديدة يرسمها العدو المشترك في الحالتين وهو الصهيونية العالمية ووكلاؤها في المنطقة.
في غزة التي دخلت الحرب فيها شهرها العاشر لا يزال الهدف الإسرائيلي المعلن هو تدمير المقاومة، وتحرير الأسرى، وفي سبيلها لتدمير المقاومة دمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي 90 في المئة من منازل وبنايات القطاع، وقتلت 38 ألفا مُعظمهم من الأطفال والنّساء، وأصابت أكثر من 90 ألفا آخَرين.
ورغم أن الكيان لم ينجح في تحقيق أي من هدفيه المعلنين حتى الآن، إلا أنه يضع الخطط لإدارة غزة بعد نهاية الحرب بطريقة مختلفة، لا تسمح بأي حضور لحماس أو أي من قوى المقاومة. الصورة المتوقعة ستكون على طريقة إدارة الضفة الغربية التي تحكمها سلطة فلسطينية منزوعة الدسم، مرتهنة بتفاهمات أمنية تنفذ بمقتضاها تعليمات الكيان، فإن عجزت عن تنفيذ بعضها تدخل قوات الاحتلال مباشرة إلى قلب نابلس ورام الله والخليل وأي مخيم أو مدينة أو قرية لتعيث فيها فسادا وتدميرا، تعتقل من تشاء، وتقتل من تشاء، ثم تخرج بعد انتهاء مهمتها.
هكذا يراد لغزة وبشكل أكثر قسوة من الضفة كنوع من الانتقام والثأر من أهلها ومقاومتها، وتتواطأ العواصم الغربية بقيادة واشنطن ومعها العديد من العواصم العربية لتحقيق هذا الهدف. وقد احتضنت البحرين مؤخرا اجتماعا مغلقا لرؤساء أركان خمسة جُيوش عربيّة بحُضورِ الجِنرال هرتسي هاليفي، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، وبرعايةِ الجِنرال ميشيل إيريك كوريلا قائد القيادة العسكريّة الأمريكيّة، وكان الهدف هو التعاون المشترك لمنع انتصار المقاومة، وبحث ترتيبات إدارة قطاع غزة مستقبلا.
العدو المباشر في حرب غزة هو الكيان الصهيوني، لكن حلفه يضم دولا عربية بخلاف الولايات المتحدة الأمريكية وعديد الدول الغربية، في مقابل الحلف الداعم للمقاومة بدرجات مختلفة؛ أعلاها إيران وضمنه روسيا والصين وتركيا بدرجات أقل.
وإذا نظرنا إلى حرب السودان سنجد أن العدو المباشر هو قوات الدعم السريع والتي هي مجرد واجهة لقوى إقليمية تنتمي للحلف الصهيوني ذاته، في حين أن الحلف الداعم للجيش السوداني بدرجات متفاوتة أيضا هو نفسه تقريبا الحلف الداعم للمقاومة الفلسطينية.
في حرب السودان التي اندلعت منتصف نيسان/ أبريل من العام الماضي، لم تكن مليشيات الدعم السريع لتصمد أمام الجيش القومي لولا الدعم الكبير الذي توفره الإمارات وبقية الحلف الصهيوني، هذا الدعم يتنوع بين عسكري وهو الأهم، ويشمل أسلحة حديثة متطورة ونظما ذكية، والدعم السياسي في المحافل الدولية.
ولقد كانت المواجهة بين سفيري السودان والإمارات في الأمم المتحدة مؤخرا كاشفة للدور الإماراتي الفج في تأجيج الحرب الأهلية، وتوفير الدعم الكامل للمليشيات المتمردة. الإمارات هنا هي رأس الحربة للحلف الصهيوني الذي يستهدف تمزيق السودان بعد التمزيق الذي جرى في العام 2011 بنزع جنوبه عن شماله، وتأكيدا لتضافر جهود هذا الحلف نشير هنا إلى الدور البريطاني في التكتم على الدور الإماراتي في تسليح مليشيات الدعم السريع، حسبما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية (24 حزيران/ يونيو 2024)، حيث ذكرت الصحيفة أن مسئولين في وزارة الخارجية البريطانية مارسوا ضغوطا على دبلوماسيين أفارقة لتجنّب انتقاد الإمارات ودورها في دعم مليشيات الدعم السريع. وكان هؤلاء الدبلوماسيون الأفارقة يعقدون محادثات في إثيوبيا للبحث عن تحرك قانوني ضد الإمارات ودورها في القتال، لكن بريطانيا سعت لمنعهم من شجب الإمارات.
مع افتضاح دور الإمارات محليا وإقليميا وحتى دوليا، سارع رئيسها محمد بن زايد بالاتصال برئيس مجلس السيادة السوداني الفريق البرهان بوساطة من رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، في محاولة منه لتهدئة التصعيد السوداني ضد الإمارات. وحسب ما رشح عن الاتصال فإن ابن زايد حاول نفي الاتهامات السودانية له ولحكومته بتوفير الدعم التسليحي واللوجستي وحتى الطبي لمليشيات الدعم السريع، ودعا البرهان للحوار مع غريمه قائد مليشيات الدعم السريع، كما أكد استعداد بلاده للمساهمة بصورة أكبر في جهود الإغاثة، والحقيقة أن هذه الأعمال الإغاثية تكون أحيانا غطاء لأعمال عدائية ومؤامرات جديدة ضد السودان.
الحرب في غزة كما في السودان ذات تأثير بالغ على الأمن القومي المصري بحكم "الجيرة" من الشرق والجنوب، والعدو المشترك في الحربين يستهدف مصر كمرحلة تالية بعد أن يفرغ من حربيه هاتين، فالعدو الصهيوني لن يهدأ له بال ولن يستقر له حال إلا إذا نجح في تمزيق مصر أيضا وفق الخطط القديمة الحديثة، والتي تستهدف اقتطاع سيناء لتكون وطنا بديلا للفلسطينيين، مع تقسيم مصر طائفيا وعرقيا بين عدة دول.
لا يعني ذلك أن تلك الخطط ستجد طريقها للتنفيذ قريبا، فكم تحطمت من قبل على صخرة الوحدة الوطنية المصرية، وعلى صخرة الوعي المصري، والتماسك المجتمعي، ولكنها تظل أحلاما يسعى أصحابها لتحقيقها ويتحينون الفرص لذلك. ومواجهة تلك المخاطر على الأمن القومي المصري تبدأ خارج الحدود، قبل أن تنقل إلى داخلها، وهذا يعني عدم السماح لمليشيا التمرد بالسيطرة على السودان، ولا لجيش الاحتلال بالسيطرة على غزة.. ويا ليت قومي يعلمون.
x.com/kotbelaraby
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق