من سربرنيتسا إلى غزة.. لماذا تفشل الأمم المتحدة في حماية المدنيين؟
شكلت عبارة “United Nothing” دليلاً قاطعاً على الفشل الذريع للأمم المتحدة (UN) في حماية المدنيين خلال الإبادة الجماعية في مذبحة سربرنيتسا عام 1995. تُذكرنا هذه العبارة بما فشل فيه المجتمع الدولي، ولا يزال، حيث تعيد الأحداث الأخيرة في قطاع غزة طرح تساؤلات جوهرية حول دور الأمم المتحدة والنظام الدولي الحالي في حفظ الأمن والسلام الدوليين، وتعزيز حقوق الإنسان، وتقديم المساعدات الإنسانية.
فالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، وفشل النظام الدولي في وضع حد لها رغم وقوعها أمام أنظار العالم، تُحيلنا إلى مآسٍ مماثلة مثل الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، التي راح ضحيتها حوالي 800,000 شخص خلال 100 يوم فقط، بالإضافة إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في جمهورية أفريقيا الوسطى على يد بعض قوات حفظ السلام الأممية.
منذ اندلاع الحرب على غزة، اتضح جلياً عجز الأمم المتحدة ومؤسساتها عن وقف هذه الإبادة أو توفير الحماية اللازمة للمدنيين الذين لجؤوا إلى مراكزها.
وقد أفادت الأونروا بأن 539 فلسطينيًا قد قُتلوا داخل ملاجئها منذ بداية هذه الحرب، وأن نحو 70% من مدارسها في غزة قد استُهدفت.
كما أن انتشار المجاعة والعطش في مختلف مناطق القطاع، وتغيُّب الدور الإغاثي الفعال، يثير تساؤلات عميقة حول كفاءة الأمم المتحدة والتزامها بحماية المدنيين وتعزيز السلام العالمي.
وقد جاء قرار الولايات المتحدة ودول غربية أخرى بوقف المساعدات المالية للأمم المتحدة، ووصم إسرائيل للأونروا بأنها “منظمة إرهابية”، ليكشف الستار عن حقيقة دور الأمم المتحدة، ويبرز مدى التدخل الأمريكي والغربي في قراراتها وعرقلة مساعيها.
هذا الفشل المتكرر للأمم المتحدة في حماية المدنيين ومنع وقوع الإبادة الجماعية يفتح النقاش واسعاً حول ضرورة إعادة النظر في هيكلية المنظمة وتعزيز فعاليتها. وتتجلى هذه الحاجة في مقولة الرئيس التركي: “العالم أكبر من خمسة”، حيث يحظى الأعضاء الدائمون الخمسة في مجلس الأمن بحق النقض (الفيتو)، الذي يعرقل العديد من القرارات الجوهرية.
وخلال الأشهر التسعة الماضية، استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو ثلاث مرات لصالح إسرائيل، حيث اعترضت على قرارين لوقف إطلاق النار، وقرار للاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، ما يعكس بشكل واضح عجز الأمم المتحدة عن اتخاذ إجراءات حاسمة لوقف قتل المدنيين.
ومن هذا المنطلق، يجب أن نتصور نظاماً جديداً يضمن تمثيلاً أوسع وعدالة أكبر في صنع القرار، وذلك من خلال تعزيز تدريب وتجهيز قوات حفظ السلام، وزيادة عددها، وتوسيع صلاحياتها، لضمان حماية المدنيين بفاعلية.
علاوة على ذلك، يجب وضع آليات صارمة لمحاسبة قوات حفظ السلام والموظفين الأمميين المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب. ومن الضروري أيضاً تقليل اعتماد الأمم المتحدة على القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، في تمويلها وقراراتها، لضمان قدرة المنظمة على العمل باستقلالية تامة لتحقيق أهدافها النبيلة.
هذه الدعوة إلى إصلاح الأمم المتحدة ليست بالجديدة، فقد أكد عليها العديد من القادة العالميين في السابق، مثل الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، الذي قال:
كما شدد الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، على أهمية إعادة هيكلة المنظمة بقوله: “العالم بحاجة إلى أمم متحدة قوية وفعالة.. إن الإصلاحات ضرورية لكي تستطيع الأمم المتحدة مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين”.
“بدون إصلاحات جذرية، ستظل الأمم المتحدة غير قادرة على تلبية توقعات الشعوب التي تأسست من أجلها.”
لقد سلطت الإبادة الجماعية في غزة الضوء على التحديات الجسيمة التي تواجه الأمم المتحدة في تحقيق أهدافها الأساسية، وأصبح الإصلاح الشامل للمنظمة- بعيداً عن الهيمنة الغربية- ضرورة ملحة لتعزيز فعاليتها وضمان قيامها بدورها في ترسيخ السلام والأمن العالميين. وقد أشار الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى هذه الحاجة الملحة في عدة مناسبات، فقال:
“إن الأمم المتحدة يجب أن تكون قادرة على التكيف مع الواقع المتغير للعالم الحديث، نحن بحاجة إلى نهج جديد وشامل لإعادة هيكلة النظام الدولي لتحقيق السلام الدائم والتنمية المستدامة.”
يقف العالم اليوم عند مفترق طرق حاسم، وتواجه الأمم المتحدة اختباراً جدياً لقدرتها على إصلاح نفسها وتجديد مبادئها بما يتوافق مع التحديات العالمية الراهنة؛ وإن عجزت الأمم المتحدة عن تحقيق هذا الإصلاح، فقد نشهد ولادة نظام دولي جديد بعيداً عن الهيمنة الغربية، حيث لم تعد شعوب العالم راضية عن الوضع الراهن..
خير مثال على ذلك الحراك العالمي الرافض للسياسات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، والذي امتد إلى أعرق الجامعات الأمريكية. لقد كشفت الأشهر الماضية عزلة أمريكا الحقيقية نتيجة مواقفها المنحازة للاحتلال الإسرائيلي؛ ورغم أن الظروف لم تنضج بعد لبناء نظام دولي أكثر عدالة وإنسانية، فإن الحاجة إلى هذا التغيير أصبحت ملحة ولا مفر منها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق