فشل القضية الفلسطينية المعاصر (3)
إن حسابات ياسر عرفات الشخصية والحزبية لحركة فتح، وتمسكه بسلطته ونفوذه وترأسه لمنظمة التحرير الفلسطينية كانت رائده في تحديد الخيارات السياسية لفلسطين القضية، ولم ينطلق الرجل القائد في قراءته وتصوره لاتفاق أوسلو وخطواته العملية نحو الإسرائيليين من ما ينفع القضية ومن قراءة المآلات السيئة التي ستنعكس على شعب فلسطين وعلى واقع الأقصى المبارك وعموم القضية الفلسطينية، كما لم يتوقف أمام تجربة السادات في كامب ديفيد والنتيجة الحتمية لعزل القضية الفلسطينية عن حاضنتها العربية والإسلامية واعفاء النظم العربية الرسمية من واجبهم والتزامهم نحو فلسطين، بحيث أطلقهم من عقال الحياء والالتزام السياسي الذي كان قائما ولو على مضض، وفتح أمامهم ما كانوا ينتظرونه -ويمارسه بعضهم سرا- من الانفتاح الكامل على العدو الإسرائيلي، لاسيما أنه ناقض في خطواته السياسية كل مرتكزات العمل الوطني ومبادئه وقيمه!
كما أن المنعرجات الخطيرة في مآلاتها والمؤذية في وقائعها التي أحدثتها قيادة حركة حماس الثانية والثالثة لم تكن انطلاقا من قراءة واقعية لمصلحة القضية الفلسطينية وشعبها، كما لم تنضبط بمرجعيتها السياسية الشرعية ومبادئها وقيمها الإسلامية -بغض النظر عن النوايا التي لا يطلع عليها يقينا الا الله-.
إن مشاركة حركة حماس بالعملية السياسية في ظل الاحتلال وبرضاه، عبر الدخول في الانتخابات التشريعية ناقض ابتداء المرجعية الإسلامية في بعدها السياسي من حيث الأصول والفروع، ولم تكون خطوة الحركة إلا رؤية تنظيمية تبحث عن مكاسب الحركة والتنظيم دون اعتبار المرجعية الإسلامية ولا مصلحة القضية الفلسطينية، الأمر الذي دفع قيادة الحركة لقبول المشاركة بمعزل عن مدينة القدس كما فرضه الإسرائيليون ابتداء، ورفضته حركة فتح فتعطلت العملية والخطوة السياسية، الأمر الذي دعا أمريكا لإخضاع إسرائيل لقبول مشاركة حماس وترشيحها لشخصيات عن القدس!
كما أن الارتهان الحمساوي الكبير لإيران بسبب حاجتها وطلبها للمال لم يأت نتيجة قراءة واقع ومصالح قضية فلسطين والتحرير المنشود للأقصى، والتي لم تكن في تاريخها بمعزل عن محيطها العربي، بل إن الارتماء التدريجي في الحضن الإيراني جاء نتيجة القرار السياسي الأناني والأحمق بالتفرد في حكم غزة بعد الاحتراب -المقصود اسرائيليا- مع قوات السلطة ممثلة بمحمد دحلان.
إن الأموال الإيرانية التي دفعت لقيادة حركة حماس لم تنعكس على قضية فلسطين والأقصى بل خدمت فصيل وتنظيم فلسطيني ضمن رؤية الإيرانيين للتوسع في المنطقة من خلال النافذة الفلسطينية، ولكسب ثقل جديد في ميزان التفاوض والتخادم الأمريكي الإيراني.
إن حجم التراجع الذي تحقق في القضية الفلسطينية وحجم الأذى والتشرذم السياسي والمجتمعي الذي نتج عن فكرة المشاركة في العملية السياسية في ظل الاحتلال والوصول الحتمي للانقسام بين الأنداد السياسيين لم يخدم قضية الأقصى بل طعنها مرة في الظهر ومرة في الوجه.
خديعة الصواريخ الإيرانية:
من المؤكد أن الحرس الثوري الإيراني قد مد قيادة القسام وسرايا القدس بالصواريخ، ومن المؤكد واليقين أنه منحهم طرازا محدودا من الصواريخ التي لا يمكن لها أن توجع العدو وتغير معادلاته العسكرية، بل لقد خدمت الصواريخ الإيرانية سياقين، الأول السياق الإسرائيلي في تبرير الاعتداء على الفلسطينيين لحد الاجتثاث كما حصل في معارك الطوفان الأمريكي على فلسطين في 27 أكتوبر2023 وما بعدها، والثاني السياق الإيراني في تألقها كراعي للمقاومة يتربع على عرش المقاومة في ظل مقولات ظالمة تتحدث عن محيط عربي وإسلامي متخاذل دون فرز بين الشعوب والأنظمة المتواطئة!
لم تخدم الصواريخ والأموال الإيرانية فلسطين والأقصى، ولا انعكست بالخير على الشعب الفلسطيني، بل كانت مغانمها لحركة وقيادة حماس، وكانت مغارمها على فلسطين والأقصى والشعب الفلسطيني وغزة خير الشاهدين قبل الطوفان وبعده!
إن صوت الصواريخ وبريقها في السماء يختطف عقول المتحمسين والحمقى، لكن العقلاء يدركون أن نتائجه لا تغير في المعادلات السياسية والعسكرية لصالح قضية الأقصى المبارك، وأما شرعية الجهاد فهي ليست محل خلاف، فوجوبه عيني علينا في فلسطين، ولكن منهج العياش ورفاقه، كما انتفاضة الحجارة التي أشركت الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية وحتى الغربية في معادلة التحرير، شكلت جهادا ذو نتائج في صالح القضية الفلسطينية، وذات مخاطر كارثية حقيقية على تماسك الكيان الصهيوني الهش، ولذلك كانت مكافأة الأمريكان سلطة وجزرة لياسر عرفات مقابل دفن الانتفاضة الشعبية وانهاء مستقبلها المقروء في فلسطين وكل محيط فلسطين لاسيما دول الطوق الحساسة!
والخلاصة أن الخلط الخبيث بين شرعية ووجوب الجهاد في فلسطين، وبين ضرورة وتسويغ وتشريع الحلف والعلاقة مع إيران انطلاقا من فاعلية الصواريخ، هو مشروع ضيع فلسطين ومزق نسيجها وأهدر دماءها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق