حرب إسرائيل على أطفال فلسطين
“رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها، رأيت أشلاء أطفال ممزقة”.. هذه كلمات الدكتور مارك بيرلماتر، طبيب يهودي أمريكي، في شهادته حول العدوان الإسرائيلي على غزة.
في مقابلة له على قناة CBS، قدم الدكتور بيرلماتر وصفًا صادمًا لمعاناة أطفال غزة..
الدكتور بيرلماتر، جراح العظام، قام بأكثر من 40 رحلة طبية في 30 عامًا، بما في ذلك الكوارث الطبيعية؛ ومع ذلك وقف عاجزًا أمام المجازر التي عايشها في غزة!
روى أن الأطفال تعرضوا لهجمات مروعة، بما في ذلك إصابات قنص، ووصف الأزمة الطبية والإنسانية بالكارثية.. معظم المستشفيات مدمرة، والأطفال يعانون من صدمات نفسية شديدة دون رعاية كافية.
في هذا المقال، نحاول الغوص بعمق في حرب إسرائيل على الأطفال في فلسطين.
شهادات وتقارير شهود العيان
شهادة الدكتور مارك ليست الأولى أو الوحيدة، بل رددها العديد من الأطباء الآخرين، الذين شاهدوا الإصابات المروعة.
في مقال على موقع Politico، يتحدث الدكتور بيرلماتر والدكتور فروز سيدهوا عن حالة مروعة لطفلة تبلغ من العمر 9 سنوات، تدعى جوري، وصلت مستشفى غزة الأوروبي في حالة صدمة بعد إصابات مروعة من انفجار. رغم خبرتهم الواسعة في طب الكوارث، لم يكن الأطباء مستعدين للتعامل مع حالتها، وحالات كل هذا العدد الهائل من الأطفال المشوهين.
يقول الدكتور: “رائحة كريهة للموت والتحلل، حجم المعاناة كبير، هناك أطفال تم إطلاق النار عليهم مرتين، هناك أطفال لديَّ صور لهم، أُطلق عليهم النار بدقة قناص ماهر يصيب أهدافًا قاتلة في الصدر والرأس معًا، لا يطلقُ النار على طفل صغير مرتين عن طريق الخطأ”. وأضاف إن المستشفى يعمل بنسبة 359% من طاقته الاستيعابية، ويتواجد فيه أكثر من 15,000 نازح، والمرضى موزعون في كل مساحة متاحة.
عالج الأطباء أطفالًا بإصابات خطيرة دون إمدادات كافية، شهاداتهم رسمت صورة قاتمة لـغزة كـ “أخطر مكان في العالم يتواجد فيه طفل”؛ وهو ما يعكس الرغبة الإسرائيلية المعلَنة منذ اليوم الأول للحرب بجعل غزة مكانًا غير صالح للحياة، وإيجاد وسائل ضاغطة تدفع السكان للخروج من القطاع، إكراهاً أو طواعية. وما يحدث مع الأطفال اليوم، وحاجة الآلاف منهم للعلاج التخصصي، يخلق جواً دافعاً للبحث عن الحياة خارج القطاع.
تأثير العدوان الكارثي على الأطفال
تسلّط الشهادات المؤلمة لأطباء آخرين تطوعوا في غزة الضوء على تأثير العدوان الكارثي على الأطفال. تحدّث مسعف أمريكي عن إصابات ناتجة عن انفجارات وحروق، وهي جروح نادرًا ما تُرى في الولايات المتحدة؛ وتحدثت ممرضة صدمات من أوريغون عن الألم الذي شعرت به وهي ترى أطفالًا شاب شعرهم من هول الصدمة، وصفت الإحباط واليأس الذي تسلل إليها في وحدة العناية المركزة التي “لم ينجُ أي من المرضى المصابين فيها”.
هذه الشهادات ليست سوى جزءًا من شهادات كثيرة، تكشف عن الرعب الذي لا يمكن تخيله، الرعب الذي يواجهه أطفال غزة بشكل يومي على مدار أكثر من 10 أشهر.. أشارت الدكتورة تانيا الحاج حسن إلى أن آلاف الأطفال مفقودون حتى اللحظة، إما محاصرون تحت الأنقاض، أو مدفونون في مقابر جماعية، وهذا وجه آخر للمأساة في غزة.
تجتمع هذه الروايات لتسلط الضوء على استهداف الأطفال بشكل متعمد من قبل الجيش الإسرائيلي. الشهادات كلها مفجِعة، وهي مجرد قطرة في بحر المعاناة التي يتحملها أطفال غزة.
التأثير المدمر على أطفال غزة: الإحصاءات والتقارير
الشهادات المؤلمة للأطباء تدعمها إحصاءات قاتمة؛ فوفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية، حتى 22 يوليو 2024، استشهد 16,251 طفلًا، 70% من إجمالي الضحايا هم من النساء والأطفال، ما يدل على الاستهداف المتعمد لهذه الفئات. وهذا ارتفاع كبير مقارنة بالحروب السابقة، ما يُظهر حجم التصعيد وتزايد العداء والوحشية الإسرائيلية تجاه هذه الفئة.
في الوقت نفسه، الآن يعاني جميع أطفال غزة تقريبًا من أمراض، بما في ذلك التهابات الجلد والجرب، والتهاب الكبد الفيروسي، وأمراض وبائية أخرى، بسبب الظروف المعيشية الكارثية. وقد أعربت منظمة الصحة العالمية عن قلقها العميق بشأن تفشي الأوبئة المحتملة، مثل شلل الأطفال، الذي تم اكتشافه في مياه الصرف الصحي.
هذه الإحصاءات تبرز المعاناة الهائلة والأزمة الإنسانية الشديدة التي تواجه أصغر سكان غزة.
التحريض والتصريحات من المسؤولين الإسرائيليين
الواقع المروع لاستهداف الأطفال الفلسطينيين في غزة والضفة لا يأتي من فراغ. في الواقع، إنه معزز بخطاب تحريضي مقيت من القادة الإسرائيليين؛ فقد دعا الحاخام إلياهو مالي في فيديو واسع الانتشار إلى قتل نساء وأطفال غزة، قائلًا إن ذلك يصدق المعتقد الديني اليهودي، فهؤلاء الأطفال إذا لم يُقتلوا، فستنشأ أجيال تقتل الإسرائيليين. في الفيديو، قال بشكل مباشر: “في حربنا المقدسة، لا تدعوا نفسًا تعيش، المنطق واضح جدًا.. إن لم تقتلهم فسيقتلونك”. وقال أيضًا: “الإرهابيون اليوم هم أطفال الحرب السابقة الذين سمحنا لهم بالعيش، والنساء هن اللواتي يلدن الإرهابيين”.. هذا الفكر المتطرف يتجلى في تصريحات المسؤولين الكبار في الدولة الصهيونية أيضًا.
في تصريح سابق، قال وزير الدفاع يوآف غالانت إن الفلسطينيين “حيوانات بشرية”، وأمر بحصار كامل على غزة، قائلًا إنه لن يكون هناك “كهرباء، ولا طعام، ولا وقود”. وكذلك ردد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مصطلحات إبادة جماعية، مستشهدًا بقانون العماليق التوراتي، داعيًا إلى القضاء على غزة. وقال في تصريح مرعب إن الوفيات المدنية في غزة هي “أضرار جانبية”، وأكد على الحاجة إلى تغييرات ثقافية في غزة، مشابهة لتلك التي فرضت على اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. أما وزير التراث، أمشاي إلياهو، فاقترح إسقاط قنبلة نووية على غزة، مؤكدًا أنه لا يوجد “مدنيون غير مشاركين” في غزة.
هذه التصريحات، إلى جانب العديد من التصريحات الأخرى من المسؤولين الإسرائيليين، تكشف عن نية واضحة ومخيفة للقضاء على الشعب الفلسطيني، خاصة الأطفال، في محاولة للقضاء على أي مقاومة مستقبلية.
الهندسة الاجتماعية والتأثير طويل الأمد
تبدو أعمال الاحتلال الإسرائيلي في غزة محاولة متعمدة للهندسة الاجتماعية؛ يتم تحقيق ذلك من خلال القتل الواسع، والإصابات، والإعاقات، والاعتقالات، ونشر الأمراض المزمنة.
يفهم العدو الإسرائيلي أن الأطفال هم الخزان البشري للمقاومة، ويدركون الدعم الراسخ للشعب الفلسطيني لحركة المقاومة؛ ومن خلال استهداف هذه الفئة الديمغرافية الحيوية وتدميرها بشكل منهجي، تهدف إسرائيل إلى القضاء على أي تهديد مستقبلي محتمل.. هذه الاستراتيجية المدمرة لا تسعى فقط إلى كسر الروح المعنوية، بل أيضًا إلى تعطيل الأساس المادي للمجتمع الفلسطيني.
مستقبل أطفال غزة
منذ اليوم الأول، كانت حرب إسرائيل على غزة بوضوح حربًا على الأطفال، وترسم صورة مروعة توضح أن هذا ليس استثناءً ولكنه أحد الأهداف الرئيسية للاحتلال في هذه الحرب؛ والأرقام تروي قصصًا مروعة.. آلاف الأطفال قُتلوا أو جُرحوا، وكثيرون يعانون من أمراض مزمنة في أعقاب القصف المستمر والحصار. ويتم تعزيز هذا الاستهداف المتعمد من خلال الخطاب التحريضي من القادة الإسرائيليين.
هذه الكارثة الإنسانية المروعة هي الأولى من نوعها في العصر الحديث؛ ورغم ذلك ما زال المجتمع الدولي في حالة صمت مريب، يفشل فشلًا ذريعا في وضع حد لها!. ولكن يخبرنا التاريخ أن كل محاولات كسر إرادة الشعب الفلسطيني لم تنجح، وأن الشعب الفلسطيني قادر على ترميم كل الوجع الذي يتعرض له مهما بلغت شدته، وأن الاحتلال بجرائمه إنما يخلق جيلاً أكثر عناداً وإصراراً على تحقيق الأهداف نحو الحرية والتحرير.
أما العالم فمهمته اليوم تتمثل في صد هذا العدوان، ووقف هذا الصمت المقيت.. على كل العالم أن يتوحد من أجل مستقبل هؤلاء الأطفال، وأمنهم وسلامهم وكرامتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق