الجمعة، 26 يوليو 2024

‏السّلام عليكَ يا صاحبي

‏السّلام عليكَ يا صاحبي
أدهم شرقاوي

‏كنتُ البارحة أقرأ في سير أعلام النُّبلاء،
‏ وما زالتْ كلماتُ عبد الله بن المبارك عن الإمام مالك ترِنُّ في أُذني حتى اليوم،
‏ قال:
‏"ما رأيتُ رجلاً ارتفعَ كمالك بن أنس،
‏ ليس له كثير صيامٍ ولا صلاة، وإنما كانتْ له سريرة!"
‏يا صاحبي،
‏ عندما كتبَ مالكٌ الموطأ قالوا له:
‏ما حاجة الناس إليه وكتب الحديث كثيرة؟
‏فقال: ما كان للهِ يبقى!
‏وكان مالكٌ كلّه لله، وبقيَ الموطأ!
‏يا صاحبي،
‏ ليس شيءٌ أحبّ إلى الله من خبيئة صالحة،
‏ يجعلها العبدُ بينه وبين ربّه!
‏لا تطّلعُ عليها الأعين لتمدحها،
‏ ولا تسمعها الأذن لتثني عليها،
‏تفعلها وليس في نيتك إلا الله،
‏واثقاً أنه لا يضيعُ شيء عنده!
‏صدقةٌ دائمة لا ترصدها الكاميرات،
‏ وركعات في الليل وأهل بيتكَ يحسبونكَ نائماً،
‏ ديونٌ تُسددها عن الغارمين في الدكاكين دون أن تعرفهم ويعرفوك،
‏كفالة يتيم لن يعرفَ من كفله إلا يوم القيامة!
‏يا صاحبي،
‏ تأمّل قول مالكٍ: "ما كان للهِ يبقى!"
‏منشورٌ تكتبه حباً للهِ، ودفاعاً عن دينه،
‏يُسخِّرُ الله لكَ آلاف الناس ليحملوه عنكَ، ويبلغوه،
‏يلفُّ الكرة الأرضية، وأنتَ جالس في بيتك!
‏كتابٌ تؤلفه وليس في خاطركَ إلا الله،
‏ وأن يجعله سبحانه سبباً لعودة تائب،
‏ومواساةً لمحزون، وتربيتة على كتف مكسور، وهدايةً لحيران!
‏تموتُ أنتَ ويبقيه الله لكَ!
‏شجرةً تزرعها للهِ يبقيها الله لكَ واقفة كالجبل،
‏ويطرحُ لكَ فيها البركة،
‏ويسوقُ إليها الناس سوقاً ليعطيكَ الأجر،
‏ وما كانت يوماً إلا نبتةً صغيرة، ولكن لأنها لله بقيت!
‏بئر تحفره لله،
‏ قد يكون جزاؤه شربة من يد النبي ﷺ،
‏ لا أحد أوفى من الله!
‏دار تحفيظٍ تُنفقُ عليها،
‏أنت الذي لم تُسعفكَ ذاكرتكَ لتحفظ،
‏ يُسخّر الله لكَ من يحفظ فيه،
‏ وتكتبُ الملائكة في صحيفتك أجرهم جميعاً!
‏ما كان لله يبقى،
‏من كان يظنُّ أن يُباع رياض الصالحين في مكتبات باريس ولندن،
‏ولكن الله اطلع على قلب الإمام النووي فارتضاه، فأحيا له كتابه!
‏وليس من فراغٍ أن تتعلق القلوب بمدارج السالكين،
‏ فمن قبل تعلق قلب ابن القيم بالله!
‏ولا غرابة أن يموت ابن الجوزي ويبقى كتابه صيد الخاطر،
‏فمن كان للهِ كان اللهُ له!
‏كان الإمام أحمد يدعو: اللهم أمتني ولا يعرفني أحد من خلقكَ!
‏وحين اطلع الله على قلبه،
‏ورآه لا يريدُ الشهرة، أماته ولا يجهله أحد من الناس،
‏يا صاحبي، تذكًر دومًا : ما كان لله يبقى!
‏والسّلام لقلبكَ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق