أدهم شرقاوي
كنتُ البارحة أقرأ في سير أعلام النُّبلاء،
وما زالتْ كلماتُ عبد الله بن المبارك عن الإمام مالك ترِنُّ في أُذني حتى اليوم،
قال:
ليس له كثير صيامٍ ولا صلاة، وإنما كانتْ له سريرة!"
يا صاحبي،
عندما كتبَ مالكٌ الموطأ قالوا له:
ما حاجة الناس إليه وكتب الحديث كثيرة؟
فقال: ما كان للهِ يبقى!
وكان مالكٌ كلّه لله، وبقيَ الموطأ!
يا صاحبي،
ليس شيءٌ أحبّ إلى الله من خبيئة صالحة،
يجعلها العبدُ بينه وبين ربّه!
لا تطّلعُ عليها الأعين لتمدحها،
ولا تسمعها الأذن لتثني عليها،
تفعلها وليس في نيتك إلا الله،
واثقاً أنه لا يضيعُ شيء عنده!
صدقةٌ دائمة لا ترصدها الكاميرات،
وركعات في الليل وأهل بيتكَ يحسبونكَ نائماً،
ديونٌ تُسددها عن الغارمين في الدكاكين دون أن تعرفهم ويعرفوك،
كفالة يتيم لن يعرفَ من كفله إلا يوم القيامة!
يا صاحبي،
تأمّل قول مالكٍ: "ما كان للهِ يبقى!"
منشورٌ تكتبه حباً للهِ، ودفاعاً عن دينه،
يُسخِّرُ الله لكَ آلاف الناس ليحملوه عنكَ، ويبلغوه،
يلفُّ الكرة الأرضية، وأنتَ جالس في بيتك!
كتابٌ تؤلفه وليس في خاطركَ إلا الله،
وأن يجعله سبحانه سبباً لعودة تائب،
ومواساةً لمحزون، وتربيتة على كتف مكسور، وهدايةً لحيران!
تموتُ أنتَ ويبقيه الله لكَ!
شجرةً تزرعها للهِ يبقيها الله لكَ واقفة كالجبل،
ويطرحُ لكَ فيها البركة،
ويسوقُ إليها الناس سوقاً ليعطيكَ الأجر،
وما كانت يوماً إلا نبتةً صغيرة، ولكن لأنها لله بقيت!
بئر تحفره لله،
قد يكون جزاؤه شربة من يد النبي ﷺ،
لا أحد أوفى من الله!
دار تحفيظٍ تُنفقُ عليها،
أنت الذي لم تُسعفكَ ذاكرتكَ لتحفظ،
يُسخّر الله لكَ من يحفظ فيه،
وتكتبُ الملائكة في صحيفتك أجرهم جميعاً!
ما كان لله يبقى،
من كان يظنُّ أن يُباع رياض الصالحين في مكتبات باريس ولندن،
ولكن الله اطلع على قلب الإمام النووي فارتضاه، فأحيا له كتابه!
وليس من فراغٍ أن تتعلق القلوب بمدارج السالكين،
فمن قبل تعلق قلب ابن القيم بالله!
ولا غرابة أن يموت ابن الجوزي ويبقى كتابه صيد الخاطر،
فمن كان للهِ كان اللهُ له!
كان الإمام أحمد يدعو: اللهم أمتني ولا يعرفني أحد من خلقكَ!
وحين اطلع الله على قلبه،
ورآه لا يريدُ الشهرة، أماته ولا يجهله أحد من الناس،
يا صاحبي، تذكًر دومًا : ما كان لله يبقى!
والسّلام لقلبكَ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق