الاثنين، 29 يوليو 2024

هرولة الديك المذبوح

هرولة الديك المذبوح

د. أيمن العتوم



عجيبة تلك الهرولة إلى التطبيع في زماننا هذا، عجيب لا يُفهم، ولا يمكن أن يسوَّغ، وليس فيه للعقل موضع ولا للمنطق مكان.

يوقّعون الاتفاقيات المشينة مع الصهاينة كل حين، يركضون إلى ميدانهم كل يوم، يعربون عن حبهم لهم وارتمائهم في أحضانهم كل مشهد؟ والسؤال الذابح: لِمَ يفعلون ذلك؟! ماذا ستقدم لهم دولة الكيان الغاصب؟!

هل ستقدم لهم المال والثروات؟ فإن في بلاد العرب من الثروات مجتمعة ما يكفي العالم بأسره، وإن في دولة نفطية واحدة من هذه الثروات ما يغرق إسرائيل بمن فيها بهذا الذهب الأسود؛ وإنهم لن يقدموا لهم فلسا واحدا ما دام بعض قادة حكومات العدو إذا مضى إلى مؤتمر في دولة أخرى، أخذ معه ثيابه الوسخة من أجل أن يغسلها على حساب الدولة المضيفة.. أهؤلاء سيعطونكم من الثروة شيئا أو يتقاسمونها معكم؟! إنهم لن يعطوكم مثقال حبة من خردل، والله يقول: {أم لهم نصيب من الملك فإذًا لا يؤتون النّاس نقيرًا}.

إن أعينهم على ما في بلادنا من الثروات، وإنني لم أرَ أشد حمقا من جار يسرق جاره المعادي له بقرته الحلوب، فيضمها إلى إقطاعه، فإذا حلب منها وباع تلطف بكوب على جاره المسلوب، فما يكون من هذا الجار المسلوب إلا أن يقبّل يد الجار اللص على هذه المنحة الجزيلة!

ماذا ستقدم لنا؟ الأمن؟ إنهم يذبحوننا في كل حين، ليس اليوم كما يحدث في غزة في هذه الحرب الدائرة منذ ما يقرب من عشرة أشهر، بل هم منذ أكثر من ثلاثة أرباع قرن يذبحوننا في كل قطر عربي، ويشربون دماءنا بعد كل مذبحة، فعلوا ذلك في دير ياسين، في كفر قاسم، في قبية، في الطنطورة، في تل الزعتر، وغيرها. وإنني لم أر أشد خيانة لدماء الشهداء من مصالحة القاتل على إهراقها، وهي تصيح بالثأر صباح مساء.

ماذا ستقدم لنا؟ الشبع؟ إن بلادنا العربية هي سلة طعام تشبع جوعى العالم كله، وتتخم من شبع منهم؟ بل إنه من الأسى والوجع بمكان أن نكون نحن الذين نطعم عدونا في هذه الحرب الآثمة هذه الأيام، ونمدهم بشاحنات الخضار والفواكه والحليب إما من بلادنا أو عبرها، ولا نخجل من أنفسنا ونحن نرى أهلنا في غزة يموتون من الجوع، ويهلكون من السغب، وتذوي أرواحهم أمامنا.. 
فأي خذلان هذا؟ وأي بؤس وصلنا إلى قراره؟!

إنه إذًا لا الأمن، ولا الثروة، ولا الاستقرار، ولا الشبع، هو ما يدعو سادتنا إلى التطبيع مع العدو الصهيوني بشكل غير مسبوق من الاستجداء وانتظار الدور في طابور المطأطئين… إذا لم تكن تلك هي الأسباب، فماذا تكون؟!

قالوا: حلاوةُ روحه رقصَت به

فأجبتُهم: ما كلُّ رقْص يُطرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق