3/ إن اعتبار هدم غزة وإتلاف حاضر ومستقبل أهلها ثمن للمقاومة هو دعوة -عن غير وعي- للكفر بالمقاومة والردة عن طريق الجهاد!
فكيف يستقيم في وعي الراشدين معاني وأفهام مقاصد الدين العظيم، مع طرح غير متوازن بين إيمانهم بمشروعية قتال المحتلين ووجوب رعاية دماء المسلمين؟
إن مشروعية الجهاد مستقاة من مصدري الدين (القرآن والسنة)، ولكن شكل التعامل الجهادي وإدارة ميادينه كما ونوعا وشكلا ومدا وجزرا يبنى على واقع الزمان والمكان من حيث الموازنة بين حجم التضحيات ورجحان تحقق الأهداف، ولنا في إدارة خالد بن الوليد خير قدوة ومثال.
لقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا سيف الله المسلول في غزوة مؤتة وهو عائد منسحبا من المعركة بعد استشهاد ثلاثة من كبار الصحابة المبجلين، وكان في ذلك حفظ للمكون البشري وحفظ لدماء المسلمين -مادة الجهاد والتحرير والتمكين- في معادلة غير متكافئة قد تفتك بجيش المسلمين، وعندما خرج بعض أهل المدينة قائلين عن جيش ابن الوليد الفرارون، رد عليهم النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم قائلا بل الكرارون.
إن معاركنا المشروعة والواجبة علينا في فلسطين ليست معارك ثيران في مواجهة الأشرار، بل حق في مواجهة باطل، ولأنها حق فيجب أن يحكم تصوراتها وإدارتها الحق الذي يوافق هدي الدين وتطمئن إليه النفس ويشير إليه العلماء الربانيون الرساليون دون حزبية مقيتة ولا ارتباطات أثيمة.
إن الطرح العليل الذي تطرحه بعض القيادات ائتلاف الوعي الفلسطيني، وتغبيش القراءة الناقدة للأسباب الحقيقية التي أوصلتنا لنكون شركاء -دون وعي وقصد- في إتلاف غزة وأهلها نصف فلسطين، سيقودنا لإتلاف الضفة الغربية النصف المتبقي من فلسطين!
والسؤال المطروح على القادة المتبقين، إذا كان هدم غزة ثمنا للمقاومة وإدارتها الحكيمة وقراءتها العميقة وتحالفاتها المشروعة، فهل يمكن أن نعيد التجربة العظيمة في الضفة؟ وهل يمكن أن ندفع ثمن المقاومة بهدم مدينة القدس والأقصى كما يتمناه ويحلم به الإسرائيليون؟
الخلاصة:
مضى على تجربة النضال الوطني والجهاد الإسلامي في فلسطين قرابة قرن، لم تشهد فيها قضيتنا الفلسطينية إلا تراجعا ولم يزدد فيها شعبنا إلا بؤسا وفقرا وتشريدا وفقدا.
إن التراجع في القضية الفلسطينية لم يكن بسبب تنكر الشعب الفلسطيني للجهاد والنضال والتضحية، بل إن كل معاركنا الفلسطينية تشهد بحجم الاقدام والاستشهاد والتضحية.
وقد توفر من العنصر البشري وخامته الطيبة بين أيدي قيادات الحركات الفلسطينية الوطنية والإسلامية ما لم يتوفر لكثير من الرسل والأنبياء والمصلحين، ومع ذلك فإن فلسطين لم تجن إلا خسرانا مبينا!
إن المعضلة الحقيقية تكمن في حركات التغيير والتحرير من حيث مناهجها القاصرة، وتصوراتها الخاطئة، ونوعية قياداتها المتنفذة، وإدارتها الخائبة.
وبقدر ما تطلب القيادات من الشعب الفلسطيني التضحيات بقدر ما يعطيها أكثر مما تطلب، لكنها حين تبرر وتقبل حجم المهالك التي تتحقق في شعبنا والقضية -كغزة اليوم- فإنها لا تصبر على الخيارات السياسية الصحيحة ولا تقبل التضحية بحركاتها ونفوذها ولذلك فإنها تأبى وترفض المراجعة، فإن فعلتها فلا بد أن تكون مراجعة عرجاء معوجة ناقصة، تمس كل شيء إلا آلهة التنظيم وصنم القيادة!
استشهد ياسر عرفات -نحسبه شهيدا ولا نزكي على الله أحدا- بعد أن دمر المسار السياسي الفلسطيني وأتلف القضية دون أن يعترف بخطئه ودون أن يراجع، ومضى على طريقه رفاق دربه فأوصلوا المكون الوطني ليكون جاسوسا لصالح الكيان الإسرائيلي! فيما يصر خطابهم على أن خيارهم مبني على قراءة واقعية، رغم أن فلسطين وشعبها والأقصى يشهد أنه من سلوكهم الخياني براء!
وعلى خطى التيار الفلسطيني الوطني سارت قيادات التيار الإسلامي الفلسطيني حذو القذة بالقذة، ورغم أنها طرحت مقولات مغايرة إلا أنها في نتائج السلوك السياسي وصلت إلى نفس مهالك السلوك السياسي المنحرف للتيار الوطني، وبالمحصلة تراجعت القضية الفلسطينية في أكثر من منحى وجانب، وشهد العدو الإسرائيلي تقدما في احتلاله واغتصابه للأرض وطغيانه على الشعب الفلسطيني ومدنه ومخيماته.
ورغم تدمير غزة التي أصبحت غروزني فلسطين، ورغم إتلاف أهلها قبل الشجر والحجر فيها، ورغم خسارة معظم المكون الجهادي القتالي فيها، إلا أن قيادة التيار الإسلامي الفلسطيني لا تريد أن تعترف أو حتى تشير إلى أن حجم التغول الصهيوني وفظاعة التدمير جاءت نتيجة لحلفها القديم وارتباطها الأثيم بملالي إيران!
وفي الوقت الذي تطلب فيه قيادة حماس من شعب فلسطين مزيدا من الصبر والتضحية حتى لو فقدت أبناءها وديارها وأرضها، فإنها غير مستعدة للتضحية بعلاقتها مع إيران التي أكسبتها تموضعا سياسيا في المنطقة، وهي غير مستعدة للمراجعة التي ستوصلها لاتهام خطير وحساب عسير!
لم تتوافق حركتي فتح وحماس إلا في نتائج الحرف والتدمير، بقيت الحركتان وتراجعت فلسطين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق