بين غزّة وأصحاب الأخدود!
بين غزّة وأصحاب الأخدود!
أدهم شرقاوي
أعلم أن قلبكَ يعتصر ألما وأنت ترى غزة تُباد، وأهلك فيها يُقتلون بسلاح عدونا، وبصمت وتخاذل قومنا! وأنت في حزنك هذا مأجور، فالمشاعر في ديننا عبادة!
ولكن قف هنيهة، وافهم سنة التدافع جيّدًا.. إن ما تحسبه مذبحة ما هو إلا مخاض أمة يا فتى!
في موازين الأرض يقاس النصر والهزيمة بعدد الضحايا، أما في موازين السماء، فالنصر لا يقاس إلا بالثبات على المبدأ!
إنك لو قست قصة أصحاب الأخدود بمقاييس الأرض، لقلت: هُزم القوم شر هزيمة، فقد أُحرقوا جميعا، وما بقي منهم مُخبر ليخبرنا بخبر موتهم! ولولا أن الله سبحانه حدثنا عنهم ما درينا عنهم شيئا!
والآن أخبرني بربك، لو شهدت تلك الوقيعة ففي أي الفريقين كنت تتمنى أن تكون؟ مع الذين أُحرقوا عن آخرهم، أم مع القتلة الذين نجوا؟!
وإن اليوم كذاك، والقضية واحدة، إيمان وكفر ليس في أحدهما لبس ولا ريبة! غير أن أولئك الشهداء لم يسعفهم الوقت بين لحظة إيمانهم ولحظة قتلهم ليُعدّوا ويقفوا في وجه قاتلهم الظالم، أما غزة فكان لها قسامها، هذه الكتائب المعجزة التي مرغت بتراب غزة كرامة الجيش الذي أخبرونا أنه لا يهزم!
فأي القتلتين ألذ برأيك؟!
وإن أعرت أذنك للمرجفين أصحاب الحكمة الباردة، فهؤلاء لو كانوا يوم الأخدود لوقفوا في صف الملك، ولاموا المؤمنين على ثباتهم وأخبروهم أن السياسة مطلوبة، والمداهنة فطنة، ولكن سبحان من أنطق الغلام فقال لأمه: اثبتي فإنك على الحق!
ثم من قال لك إن غزة تقتل بجرأة مقاومتها؟! يا فتى: إن غزة تقتل بجبننا وقعودنا عن نصرتهم!
أليس من العار أن نحيط قاتلهم من جميع الجهات بكل هذه الجيوش الجرارة، ونجلس فنتفرج عليهم كأنه فيلم من أفلام هوليود؟!
وليتنا اكتفينا بالفرجة، إن بعضنا يلوم المظلوم إذا دافع عن نفسه، ويلوم الذبيح إذا انتفض فأصاب بدمه ثوب ذابحه! وما هي إلا نفوس جبلت على المهانة، فأزعجها أن ترى كريما يذكّرها بمدى وضاعتها!
يا فتى: إن العاهرة لا يزعجها شيء في الدنيا كما يزعجها أن ترى عفيفة، لأنها تذكرها بمدى رخصها، لهذا ودت الزانية لو كل النساء زنيْن!
كل هؤلاء الذين يلومون المقاومة، فإنهم يلومونها لأنها تذكرهم بوضاعتهم! وإن الذين ما انفكوا يخبرونك أن الطريق ليس من ها هنا، صعب عليهم أن يتقبلوا أنه فعلا من ها هنا!
تخيل هذا الملتحف بجبنه، ليس له من هم في دنياه إلا ريّ ظمأ بطن وفرج، كيف ستكون نظرته لنفسه وهو يرى مجاهدي كتائب القسام يقفون على مسافة أمتار من دبابة الميركافا، ويغرسون قذيفة الياسين في بطنها؟!
بالله عليك، كيف شعور القاعد وهو يرى شابين في مقتبل العمر يركضان نحو دبابة ويضعان عليها عبوتي شواظ؟!
بالله عليك، كيف شعور من لا عهد له بالحرب والبطولة إلا أفلام الآكشن على نتفليكس، وهو يرى كمين الزنة؟!
بالله عليك، كيف شعور عبد الدنيا وهو يرى الشهيد الساجد؟!
بالله عليك، كيف هو شعور من آخر عهده بالجهاد قصص قرأتها في المدرسة، وهو يرى عربة النمر تشتعل بمن فيها؟!
إن الأمر استبان، والحقيقة تجلت، وضباب المواقف انقشع، فسبحان من أعز قوما بالجهاد، وأذل آخرين بالقعود والفلسفة الفارغة! وسبحان من يصطفي لدينه في كل عصر خيار أهله!. ألا إن الطريق من ها هنا فلتهنؤوا بالسلامة المغموسة بالذل!
والسلام على غزة الناس وغزة المقاومة، السلام على القسام جند الله في أرضه، وصفوة هذا الزمان من أهله، السلام على العصائب الخضر البارحة واليوم وغدا وحتى قيام الساعة، فإنهم على هذا حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، فمن مشى فإنما يمشي لنفسه، ومن قعد فإنما يقعد لنفسه، ولكن الطريق من ها هنا، ولن نترك الساح ولن نلقي السلاح حتى يحكم الله بيننا وبين عدونا وهو خير الحاكمين!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق