الثلاثاء، 23 يوليو 2024

قراءة في كتاب حلف المصالح المشتركة التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران وأمريكا

 قراءة في كتاب حلف المصالح المشتركة

التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران وأمريكا




الكتاب: ‫حلف المصالح المشتركة (التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران
المؤلف: ترينا بارزي
نبذة: في عصر الخطاب الساخن وتبادل الاتهامات اللاذعة بين قادة إيران وإسرائيل، يلوح في الأفق خطر التصعيد النووي، لكن جذور العدوان يبن البلدين تحير صناع السياسة في واشنطن، علماً بأنه لم تظهر أية مسارات واعدة تشير إلى إمكانية التوصل إلى السلام بينهما. 
يتابع هذا الكتاب التحول في العلاقات بين إسرائيل، وإيران، والولايات المتحدة في العام 1948 ولغاية يومنا الحاضر، بحيث يغطي لأول مرة تفاصيل التحالفات السرية، والمناورات السياسية الدنيئة التي زعزعت الاستقرار في المنطقة وعرقلت مبادرات السياسة الخارجية الأميركية فيها. ترينا بارزي، خبير في السياسة الخارجية الأميركية ورجل يتمتع بخبرة تربو على عقد من الزمن. إنه المؤلف الوحيد الذي تمكن من الوصول إلى كبار صناع السياسة الأميركيين، والإيرانيي، والإسرائيليين. 
يحلل بارزي في كتابه هذا العلاقات الثلاثية المعقدة التي تربط بين هذه الدول الثلاث، ويجادل بأن أمل أميركا في إرساء الاستقرار بالعراق والتوصل إلى سلام لا جدوى منه بدون فهم المنافسة الإسرائيلية الإيرانية على الوجه الصحيح. 
ويقول شلومو بن عامي وزير الخارجية الإسرائيلية السابق عن هذا الكتاب: "شرح رائع لواحد من أكثر الصراعات استعصاء التي نشهدها اليوم. 
في تحليل رصين ومبتكر، يكشف الدكتور بارزي عن الطبيعة الحقيقية للتوترات التي يشهدها المثلث الإيراني الإسرائيلي الأميركي بوصفها تلاعباً من قبل كافة الأطراف -وبخاصة الإسرائيليين والإيرانيين- على الاختلافات الإيديولوجية بغرض إخفاء ما يحتمل أن يكون نزاعاً استراتيجياً قابلاً للحل. هذه دراسة عن التلاعب بالإيديولوجية والدين في الصراع على الهيمنة على الشرق الأوسط". ويجدر الإشارة أن هذا الكتاب هو ترجمة الأصل الإنكليزي " Treacherous Alliance/ التحالف الغادر"

ملخص كتاب: حلف المصالح المشتركة: التعاملات السرية بين اسرائيل وايران والولايات المتحدة

وتبقى السياسة بشكل عام مثل جبل الجليد لا يظهر منه على السطح سوى قمته في حين يظل الهول الأكبر منه قابع في الأسفل مهددا بالغرق من جراء الاصطدام به ولعل ما يجري على ساحة الأحداث في الشرق الأوسط سيما ما هو متعلق بالمواجهات الأمريكية الإسرائيلية من جهة وإيران من جهة ثانية يؤكد على صدق نظرية السياسة البراجماتية الضاربة في الجذور الأمريكية وتابعتها إسرائيل في الشرق الأوسط.

في هذا السياق يأتي هذا الكتاب كأول كتاب يفك الغاز العلاقات المعقدة والغامضة غالبا بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة.

* من هو تريتا بارزي صاحب هذا الكتاب الإشكالي؟

يعد المؤلف الوحيد الذي تمكن من الوصول إلى كبار صناع السياسة الأمريكيين والإسرائيليين كما انه خبير في السياسة الخارجية الأمريكية ولعل أهم ما يشير إليه المؤلف هو العلاقات الثلاثية المعقدة التي تربط بين هذه الدول الثلاث ويجادل بان أمل أمريكا في إرساء الاستقرار بالعراق والتوصل إلى سلام لا جدوى منه بدون فهم المنافسة الإسرائيلية الإيرانية على الوجه الصحي.

يقع الكتاب في نحو أربعمائة صفحة من القطع الكبير ويقسم إلى ثلاثة أقسام موزعة في عشرين فصل يتناول الأول منها حقبة الحرب الباردة والثاني الحقبة أحادية القطب فيما الثالث فشانه الحديث والتطلع عن المستقبل.

* من طهران إلى تل أبيب.. علاقات قديمة :

تحت عنوان " تحالف أملته الضرورة يتحدث بارزي عن العلاقات السرية الإسرائيلية الإيرانية ذلك انه منذ ولادة دولة إسرائيل واجهت إيران مأزقا ميز تعاملاتها مع الدولة اليهودية منذ ذلك الحين فقد أدرك الشاه أن إقامة دولة ليست عربية موالية للغرب في الشرق الأوسط يمكن أن يعزز امن إيران عبر لفت انتباه الدول العربية وتخصيص مواردها وهي الدولة التقليدية المنافسة لإيران في المنطقة لكن لو أراد الشاه الاعتراف رسميا بإسرائيل أو دعم إنشائها علنا فسيصب جزء من جام غضب العرب على إيران ولذلك توجب على إيران سلوك مسارين العداء المكشوف والتحالف المكشوف وعلى مدى العقود الثلاثة التي تلت ذلك تعامل الشاه مع هذا العمل الموازن بمهارة فائقة.

كان إحساس الشاه هو أن الإيرانيين شبه محاصرين بالعرب والعرب يتبنون دائما سياسات معادية لإيران ولهذا ففي أواخر الخمسينات تبلور اتفاق تفاهمي إسرائيلي إيراني عززه توطيد العلاقات المصرية السوفيتية وبروز عبد الناصر كزعيم للجماهير العربية بعد حرب السويس في العام 1956. ومن جهته لعب بن جوريون على أوتار المخاوف من انتشار الشيوعية ولذلك طلب من الرئيس ايزنهاور دعم حلف إيراني تركي إثيوبي للوقوف بقوة في وجه التوسع السوفيتي عبر الوكيل المصري عبد الناصر وقد تجاوز التوافق بين إيران وإسرائيل حدود التهديدات المشتركة التي يشعران بها فالنمو الاقتصادي المذهل لإسرائيل ورفض العرب بيع نفطهم لإسرائيل جعلا تل أبيب في أمس الحاجة إلى سلعة تملك إيران الكثير منها وهكذا جرى النفط الإيراني في الأنابيب الإسرائيلية.

ومن الأسباب التي عززت تلك العلاقة وجود جالية يهودية كبيرة في إيران تتلهف إسرائيل لانتقالها للدولة العبرية كما كانت طهران على استعداد لتوفير ممر امن لليهود العراقيين للوصول إلى إسرائيل أيضا وبدورها طمعت إيران في نفوذ إسرائيل في واشنطن وكانت في أمس الحاجة إلى التكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة من اجل نموها الاقتصادي.

وقد شكلت الزيارة التي قام بها بن جوريون لإيران في العام 1961 سابقة في البروتوكول السري فقد أبقيت الزيارة سرا، واتبعت الرحلات المتتالية التي قام بها رؤساء الوزراء الإسرائيليون لإيران البروتوكول نفسه. وباختصار القول فقد نجحت إيران طوال ثلاثة عقود في الحفاظ بتحالف جيوسياسي مع دولة تمنحها اعترافا رسميا وعلى السماح بتواجد إسرائيلي كبير في طهران بدون الاعتراف ببعثتهم كسفارة.

والشاهد أن الشاه قد تعلم بالطريقة الصعبة كيف أن المعرفة العلنية بتعاملاته مع إسرائيل تضر بالمصلحة الاستراتيجية وعليه فقد بقيت القنوات السرية فعالة ووصلت إلى حد التجسس على مصر والعراق وبقية الدول العربية وغير خاف على احد كيف أمدت إيران إسرائيل بالنفط في حرب أكتوبر من عام 1973 عندما امتنع العالم العربي كله عن ذلك.

* إسرائيل والتعاون مع آيات الله :

في أعقاب عودة آية الله روح الله الخوميني إلى إيران وسقوط دولة الشاه بدا على السطح خسارة استراتيجية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل غير أن القنوات السرية كانت لا تزال تعمل ويبدو أنها مستمرة والعهدة على الراوي " تريتا بارزي " ففي فصل يحمل عنوان " تحولات أيديولوجية، واستمراريات جيوسياسية " يوضح كيف أن وحدة الهدف الفارسية الإسرائيلية تتجاوز الخصومات إذا كان الهدف تحطيم قوة العرب.

ففي مستهل العام 1980 أي بعد شهور على اندلاع أزمة الرهائن قام احمد كاشاني النجل الأصغر لأية الله العظمى أبو القاسم كاشاني بزيارة إسرائيل لمناقشة مبيعات الأسلحة والتعاون العسكري ضد البرنامج النووي العراقي في اوزيراك.

وقد أثمرت رحلته عن موافقة بيجن على شحن إطارات لطائرات الفانتوم المقاتلة إضافة إلى شحن أسلحة إلى الجيش الإيراني وقد جاء قرار بيجن متناقضا تماما مع مصلحة الولايات المتحدة وسياسة واشنطن الصريحة القائمة على فرض العزلة على إيران لتامين تحرير الرهائن الأمريكيين.

وعلى الجانب الأخر كان الخميني يسمح لعدد كبير من اليهود الإيرانيين بمغادرة إيران وقد عبر الآلاف منهم نحو باكستان باستخدام الحافلات ومن هناك جرى نقلهم بواسطة الطائرات إلى استراليا حيث سمح لهم بالهجرة إلى الولايات المتحدة أو إلى إسرائيل. واستنادا إلى محمد رضا أمين زاده وهو مسئول إيراني فر من البلاد في العام 1985 أجرى عقيد في الجيش الإسرائيلي اسمه يوري المفاوضات على الصفقة والذي زار إيران في مستهل العام 1980.

كشف استعداد إيران للتعامل مع إسرائيل كيف أن المآزق التي كانت تعاني منها طهران حدت من قدرتها على متابعة أهدافها الأيديولوجية. خلال هذه المرحلة المبكرة اظهر الثوريون ميلا إلى وضع الأيديولوجية جانبا لتقديم أمنهم ومصالحهم الخاصة، في لحظة معينة قام احد المقربين من آية الله الخميني بأخباره بان هناك شحنة كبيرة من الأسلحة تفكر إيران في شرائها ومصدرها إسرائيل،سعى هذا الشخص إلى الحصول على موافقة أية الله الخميني على المضي قدما في صفقة الشراء وسال آية الله الخميني أن كان من الضروري مناقشة مصدر الأسلحة والاستعلام عنه عند القيام بعملية الشراء فأجاب ذلك الشخص بالنفي فرد عليه آية الله الخميني بهدوء " إذا نحن لا نبالي ".

* طهران وازدواجية الخطاب :

بدا واضحا بشكل متزايد فيما بعد أن خطاب إيران المعادي لإسرائيل لا يتطابق مع سياستها الفعلية ففي الوقت الذي كانت إيران تتعامل فيه سرا مع الحكومة الإسرائيلية كانت تدين علنا الدولة اليهودية وتشكك في حقها في الوجود على سبيل المثال دعا وزير الخارجية الإيراني في 14 أغسطس آب 1980 إلى وقف مبيعات النفط إلى الدول التي تدعم إسرائيل وبعد صخب كبير لم يتم تنفيذ ذلك التهديد وقد بدا واضحا انه بعد أن تولى الثوريون السلطة تصرفوا بناء على مبادئ مختلفة.
أحدى الركائز الأساسية للسياسة الخارجية للحكومة الثورية كانت " المعارضة الخطابية لإسرائيل والتعاون العملي مع الدولة اليهودية ".

ومن الواضح أن الترتيبات لم تكن مثالية بالنسبة إلى إسرائيل لكن منطق المبدأ المحيطي أرغم إسرائيل على التودد إلى الإيرانيين فتصاعد شعبية الرئيس المصري أنور السادات في الولايات المتحدة وعلاقات بيجن الخاصة المجمدة مع كارتر عقدا الخيارات الاستراتيجية الإسرائيلية فإذا كان التقارب الأمريكي العربي بعد كامب ديفيد سيتعزز أكثر فان حاجة إسرائيل إلى ثقل موازن إقليمي للعرب ـ إيران ـ سيزداد تبعا لذلك ومن هنا كان من الضروري إبقاء الأبواب مفتوحة للفوز بإيران مجددا.

ويعلق غاري سيك الذي خدم في مجلس الأمن القومي الأمريكي في ذلك الوقت على ذلك بالقول " من منظور إسرائيلي كانت تلك خطة استراتيجية بعيدة المدى كانت تلك السياسة المحيطية كانوا يحاولون تكرار التجربة الإثيوبية مع إيران لكن في 22 سبتمبر 1980 تحققت تكهنات الشاه بان صدام حسين سيهاجم إيران عندما يعطي الفرصة بعد خمس سنين فقط من التوقيع على اتفاقية الجزائر وبدلا من أن تجد إسرائيل نفسها أكثر اعتمادا على إيران كانت طهران هي التي وجدت نفسها فجأة في حاجة ماسة إلى قدرة إسرائيل على الحصول على الأسلحة الأمريكية.

* تعاون عسكري في مواجهة بغداد :

بعد مرور ثلاثة أيام على دخول القوات العراقية الأراضي الإيرانية قطع موشي دايان زيارة خاصة كان يقوم بها إلى فيينا لعقد مؤتمر صحفي لحث الولايات المتحدة ـ في غمرة أزمة الرهائن ـ على نسيان الماضي ومساعدة إيران على مواصلة دفاعها عن نفسها.

بعد ذلك بيومين قال نائب وزير الدفاع الإسرائيلي موردخاي زيبوري لصحيفة معاريف الإسرائيلية بان إسرائيل ستقدم مساعدات عسكرية لإيران في حال غيرت موقفها ألعدائي من الدولة اليهودية وهذا ما جرى بالفعل... وكانت النتيجة أن تم عقد لقاء جمع بين مسؤولين إيرانيين وإسرائيليين لإبرام صفقة أسلحة وهناك ناقش العقيد الإسرائيلي بن يوسف ونظيره الإيراني العقيد زارابي مدير المجمع الصناعي العسكري بإيران اقتراحات كثيرة منها اتفاق يسمح لتقنيين إسرائيليين بتدريب الجيش الإيراني على تعديل العتاد الحربي أمريكي الصنع بحيث يلائم قطع غيار إسرائيلية الصنع وفي واشنطن حث السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة افراييم ايفرون وزير الخارجية الأمريكي ادموند موسكي على تليين موقف إدارة كارتر من مبيعات الأسلحة إلى طهران مع نقل هواجس تل أبيب من مضامين الانتصار العراقي.

وعلى العكس من رغبات واشنطن تراجع بيجن عن الوعد الذي قطعه لكارتر واستأنف مبيعات الأسلحة وقطع الغيار لإيران وإثناء اللقاء الأخير بين كارتر وبيجن الذي انعقد في 13 -11-1980 أعاد بيجن التأكيد على مصلحة إسرائيل في استئناف العلاقات مع إيران.

ويجمل البروفيسور " ديفيد مناشري " من جامعة تل أبيب والخبير الأول في الشؤون الإيرانية بإسرائيل مشهد الميل الإسرائيلي لإيران بالقول " طوال فترة الثمانينات لم يقل احد في إسرائيل شيئا عن وجود خطر إيراني لم يتفوه احد حتى بهذه الكلمة " كان الهدف الإسرائيلي حتمية هزيمة جيش صدام حسين وبالاحرى الخلاص من جيش عربي يزيد حجمه بمقدار أربعة أضعاف عن حجم الجيش الإسرائيلي.

* إيران تعرض وواشنطن ترفض :

في 9 ابريل نيسان 2003 سقط نظام صدام وشعرت إيران بان الأيادي الأمريكية تمتد إليها لهذا بادر الإيرانيون بإعداد اقتراح شامل بين حدود صفقة ضخمة محتملة بين البلدين تعالج كافة نقاط النزاع بينهما حملها إلى واشنطن " تيم غالديمان " السفير السويسري القائم بالأعمال الأمريكية أذهل الاقتراح الأمريكيين سيما وانه حصل على موافقة المرشد الأعلى للثورة خامنئي،
يقول " فينت ليفريت " المدير الرفيع لشؤون الشرق الأوسط لدى مجلس الأمن القومي اعترف الإيرانيون بان أسلحة الدمار الشامل ودعم الإرهاب قضايا قابلة للتفاوض كما عرضوا وقف دعمهم لحماس والجهاد ودعم عملية نزع سلاح حزب الله وتحويله إلى حزب سياسي وفي الموضوع النووي عرض الاقتراح فتح البرنامج النووي الإيراني بالكامل أمام عمليات تفتيش دولية غير مقيدة من اجل إزالة آية مخاوف من برامج التسلح الإيرانية إضافة إلى استعداد إيران لتوقيع البروتوكول الخاص بمعاهدة عدم الانتشار كما عرضت إيران التعاون الكامل في مواجهة المنظمات الإرهابية فيما البند الأكثر إثارة هو قبولها بإعلان بيروت الصادر عن القمة العربية أي خطة السلام التي أعلنها ولي العهد السعودي عام 2002 في بيروت.

وفي المقابل كان للإيرانيين مطالب تكتيكية مثل تسلم أعضاء من المنظمة الإرهابية ـ بحسب المؤلف ـ الإيرانية العاملة في العراق منظمة مجاهدي خلق في مقابل تسليم ناشطين من القاعدة تحتجزهم إيران أما المطالب الاستراتيجية فقد أراد الإيرانيون التوصل إلى تفاهم على المدى الطويل مع الولايات المتحدة عبر وقف كافة التصرفات المعادية التي تقوم بها أمريكا مثل خطاب محور الشر والتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية وإنهاء كافة العقوبات الأمريكية واحترام المصالح القومية الإيرانية بالعراق ودعم مطالب الإيرانيين بالحصول على تعويضات عن الحرب واحترام حق إيران بالحصول غير المقيد على التكنولوجيا النووية والبيولوجية والكيميائية وأخيرا الاعتراف بالمصالح الأمنية الإيرانية المشروعة في المنطق كما أوضحت الوثيقة الإجراءات الخاصة بالتفاوض المتدرج إلى حين التوصل إلى اتفاقية تكون مقبولة لدى الطرفين.

والتساؤل كيف جاء الرد الأمريكي؟ واقع الحال انه لم يقتصر على رفض العرض الإيراني فقط بل وجهت واشنطن لوما وتقريعا بالغا للسفير السويسري باعتباره تجاوز حدود التفويض الدبلوماسي.

والشاهد أن الكتاب ملئ بالمناورات والأسرار والعلاقات الخفية بين مثلث واشنطن ـ طهران ـ تل أبيب سيما وان كل منهم تسعى للسيطرة على المنطقة الشرق أوسطية ما يستدعي تساؤل ماذا عن المستقبل؟

* بين طموحات إيران وأهداف إسرائيل :

الإجابة بحسب " تريتا بارزي " أن التصادم بين طموحات إيران الإقليمية وإصرار إسرائيل على الهيمنة الاستراتيجية سيبقى سببا لزعزعة الاستقرار والأضرار بصالح واشنطن في المنطقة ما لم تعترف أمريكا بأنه لا يمكن إرساء الاستقرار ولا الديمقراطية بدون إنهاء لعبة الموازنة والسعي بصدق إلى بناء شرق أوسط يكامل بين التطلعات المشروعة للدول كافة بما في ذلك إيران لكن إدارة بوش لا تزال مصرة لغاية الآن على مقاومة مثل هذا التحول.

غير انه في مرحلة ما على الطريق سيعتري أمريكا ضعف شديد بسبب إخفاقها في العراق لدرجة أن المنافسة الإسرائيلية الإيرانية ستطغي على المخاوف التي تساور واشنطن من أن إيران ستنجح في تحدي هيمنتها ففي خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه بوش في 10 يناير 2007 اتهم إيران بزعزعة استقرار العراق ودعم الميلشيات الشيعة وبدافع من رغبة جامحة للمحافظة على هيمنة أمريكا على المنطقة أشار بوش إلى انه ستتم مواجهة إيران وفرض مزيد من العزلة عليها من قبل الولايات المتحدة عبر تشكيل تحالف مناؤى لإيران يتألف من الدول العربية وإسرائيل بمعنى أن سياسة توازن القوى ستبقى الدليل الذي يوجه أمريكا.

ولعل أفضل من عبر عن محتوى هذا الكتاب كان مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق زيجينو بريجنسكي والذي قال " إن الكتاب دراسة ثاقبة ومثيرة وفي الوقت المناسب تماما تفك الغاز كيفية تلاعب كل من إيران وإسرائيل بسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بالرغم من أن العلاقات بين الطرفين تراوحت بين التواطؤ السري والتصادم العلني ".

أما شلومو بن عامي وزير الخارجية الإسرائيلية السابق فيقول عن الكتاب انه شرح رائع لواحد من أكثر الصراعات التي نشهدها اليوم استعصاء في تحليل رصين ومبتكر يكشف عن التلاعب الذي تقوم به كافة الأطراف وبخاصة الإسرائيليين والإيرانيين على الاختلافات الأيديولوجية بغرض إخفاء ما يحتمل أن يكون نزاعا استراتيجيا قابلا للحل ويضيف إن هذه دراسة عن التلاعب بالإيديولوجية والدين في الصراع على الهيمنة على الشرق الأوسط.

وقد شكلت الزيارة التي قام بها بن جوريون لإيران في العام 1961 سابقة في البروتوكول السري فقد أبقيت الزيارة سرا، واتبعت الرحلات المتتالية التي قام بها رؤساء الوزراء الإسرائيليون لإيران البروتوكول نفسه.

وباختصار القول فقد نجحت إيران طوال ثلاثة عقود في الحفاظ بتحالف جيوسياسي مع دولة تمنحها اعترافا رسميا وعلى السماح بتواجد إسرائيلي كبير في طهران بدون الاعتراف ببعثتهم كسفارة.

والشاهد أن الشاه قد تعلم بالطريقة الصعبة كيف أن المعرفة العلنية بتعاملاته مع إسرائيل تضر بالمصلحة الاستراتيجية وعليه فقد بقيت القنوات السرية فعالة ووصلت إلى حد التجسس على مصر والعراق وبقية الدول العربية وغير خاف على احد كيف أمدت إيران إسرائيل بالنفط في حرب أكتوبر من عام 1973 عندما امتنع العالم العربي كله عن ذلك.

منقول عن موقع الرابطة العراقية​


قراءة إياد الجعفري

إن قصَر أحدنا قراءاته للأخبار، في إحدى الأيام، على تلك المُتعلقة بالصراع الإيراني – الإسرائيلي المُحتدم، دبلوماسياً واستخبارياً، وسيبرانياً، وفي بعض الأحيان، عسكرياً وإن بصورة غير مباشرة، سيخرج على الأغلب بإيحاء أولي مفاده أن الحرب بين الطرفين باتت قاب قوسين أو أدنى. لكن تاريخ العقود الثلاثة الأخيرة، وبصورة خاصة منذ عام 2005، وحتى اليوم، تغلب عليه، في معظم تلك السنوات، ذات السمات التي ميّزت العلاقة الغريبة بين الطرفين، والتي تثير الجدل دوماً لدى كثير من المراقبين، وسط تشكيك بجدية كل من إيران وإسرائيل في التورط بصدام مباشر بينهما.

يكفي مثلاً أن نراجع الأخبار المتعلقة بهذا الشأن يومي الجمعة والسبت 26 و27 من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، لنجد عناوين من قبيل، "إسرائيل تصعد رسائل التهديد بالخيار العسكري ضد إيران.. قيادي يهدد بالدمار... والجيش يوسع (بنك أهدافه)"، "الحرب السيبرانية بين إسرائيل وإيران تقترب (خطوة) من المواجهة العسكرية"، و"إسرائيل تهدد بهجوم على مواقع إيران النووية"، و"تحذير استخباري إسرائيلي: إيران قريبة من السلاح النووي".. إلى آخره من العناوين التي توحي بأن الصراع شبه الساخن بين تل أبيب وطهران، يكاد يتحول إلى حرب مباشرة، في أية لحظة.

كلما صعّد الطرفان من لهجتهما تجاه الآخر، كان ذلك مرتبطاً باستحقاق تفاوضي، كما هو حاصلٌ اليوم، إذ من المرتقب استئناف مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران

لكن تاريخاً يمتد لأكثر من 30 عاماً، سادت فيه تلك الأجواء على صعيد الخطاب المتبادل بين إيران وإسرائيل، دون أن يتحول المشهد إلى حرب مباشرة، يجعل المراقبين يتريثون في اعتبار الوضع الراهن مؤشراً لحرب مرتقبة، بل ربما على العكس، فكلما صعّد الطرفان من لهجتهما تجاه الآخر، كان ذلك مرتبطاً باستحقاق تفاوضي، كما هو حاصلٌ اليوم، إذ من المرتقب استئناف مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، يوم الاثنين 29 من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.

هذه الازدواجية الغريبة، المستديمة على ما يبدو، لعلاقة تقوم على التهديد المتبادل، لكنها لا ترقى إلى مرحلة المواجهة المباشرة على مدار أكثر من ثلاثة عقود، تستحق بحق توصيفها بأنها لغز غامض، كما وصّفها الأكاديمي الأميركي من أصل إيراني، تريتا بارزي، الخبير في السياسة الخارجية الأميركية، وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة جون هوبكنز.

بارزي هذا، كان له مجهود استثنائي في محاولة سبر أغوار هذه العلاقة (الإيرانية – الإسرائيلية)، في محاولة لتقديم قراءة من خارج صندوق المتعارف عليه من القراءات السائدة في أوساط المحللين والمراقبين، الذين يفسرونها بوصفها نتيجة صرفة للخصومة الأيدلوجية (الدينية) عميقة الجذور بين الجانبين.

ففي كتابه الذي يعود إلى عام 2006، وعنوَنه باسم "التحالف الغادر أو الخائن"، أو حسب الترجمة العربية "حلف المصالح المشتركة – التعاملات السرّية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة"، يعتقد بارزي أن العداوة المستحكمة بين إيران وإسرائيل، اليوم، هي أكثر ارتباطاً بالتغيرات في موازين القوى بالشرق الأوسط، وبالمنافسة الاستراتيجية بين الطرفين، منها، بالبعد الأيدلوجي – الديني الذي اعتمدته "الدولة الإيرانية" بعد الثورة الإسلامية عام 1979.

ورغم أن الكتاب صدر قبل عقدٍ ونصف من اليوم، إلا أن خلاصاته المثيرة للاهتمام، مفيدة جداً لفهم الكثير من التناقضات غير المفهومة في منطقتنا، من قبيل مثلاً، تلك الشراكة الغرائبية بين طهران وتل أبيب في الرغبة ببقاء نظام الأسد مستمراً في السلطة بدمشق، رغم أنه يسهم بإتاحة المجال لإيران في دعم ذراعها اللبناني -حزب الله، الذي يشكّل واحداً من أبرز التهديدات للأمن القومي الإسرائيلي، وفق الخطاب المُصدّر للرأي العام، في تل أبيب.

وقد يكون أبرز ما يميّز الجهد الذي بذله بارزي في مؤلفه، هو استناده للحديث المباشر مع مسؤولين إيرانيين وإسرائيليين وأميركيين، كانوا خلال عقود، مشاركين في صنع السياسة الخارجية لبلادهم، أو على مقربة كبيرة منها. وكان من أبرز من تحدث إليهم بارزي، محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني السابق، ومهندس الاتفاق النووي مع القوى الكبرى عام 2015. والذي كان عام 2006 سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة بنيويورك.

وينوه بارزي في كتابه، إلى أن المقابلات التي أجراها مع المسؤولين الإيرانيين على وجه الخصوص كشفت بواطن الأمور التي نادراً ما كانت تُناقش علناً في إيران.

كما تحدث بارزي إلى وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، شلومو بن عامي، والرئيس السابق للموساد، إفرايم هالفي، ومدير المخابرات العسكرية السابق، عموس جلعاد.

وكان من أبرز من تحدث إليهم، أميركياً، مستشار الأمن القومي السابق، زبينغو بريجينسكي، ووزير الخارجية السابق، كولن باول، وكذلك أحد أبرز رجالات الخارجية الأميركية، دينيس روس.

ويستعرض بارزي، في مؤلفه طبيعة العلاقة الغريبة بين إسرائيل وإيران، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، منذ عام 1948، وحتى عام 2006، تاريخ إنجاز الكتاب.

ويخلص بارزي إلى خلاصة مفادها أن طهران وتل أبيب بحاجة لتصوير صراعهما الاستراتيجي الجوهري بأنه صراع أيدلوجي (ديني). فالهاجس الرئيس لدى صناع القرار بطهران، على صعيد السياسة الخارجية الإيرانية، كان وما يزال، منذ نهاية ستينيات القرن الماضي (عهد الشاه)، وحتى اليوم (مروراً بعهد الخميني وخامنئي – الثورة الإسلامية)، هو الهيمنة على المنطقة، وأن تكون إيران ذات أهمية استراتيجية لدى واشنطن، بصورة تجعل طهران لاعباً إقليمياً رئيسياً في الشرق الأوسط. ومنذ عهد الشاه، كانت طهران تدرك أن غايتها تلك لا يمكن أن تتحقق دون مراعاة البعد الأيدلوجي. لذلك لم يعترف الشاه رسمياً بإسرائيل، رغم الضغوط الأميركية – الإسرائيلية عليه طوال أكثر من عقدين من العلاقات شبه الرسمية، ومن زيارات رؤوساء وزراء إسرائيل إلى طهران، ديفيد بن غوريون، وغولدا مائير. فالشاه الأخير لإيران، محمد رضاه بهلوي، لم يكن يريد أن يخسر الشارع. ذاك الشارع ذاته، الذي استخدمته الثورة الإسلامية الخمينية لاحقاً، للتعبئة والتجييش في خدمة مشروعها للهيمنة في المنطقة.

ويشير بارزي، إلى أن علاقة متينة، سرّية، ربطت شاه إيران الأخير، بإسرائيل، كانت تستند إلى معادلة "عدو عدوي صديقي". فالعداوة المشتركة للعرب، والخطر السوفييتي (في زمن الحرب الباردة)، كان القاسم المشترك بينهما. ويقول إنه لمن دواعي السخرية أنه عندما دعا القادة الإيرانيون إلى تدمير إسرائيل في ثمانينيات القرن الماضي (بعد الثورة الإسلامية)، كانت إسرائيل واللوبي المؤيد لها في واشنطن يحاولان التأثير في صانع القرار الأميركي كي لا يلتفت للخطاب الإيراني، حيث استمرت المصلحة الاستراتيجية المشتركة، التي جمعت الطرفين، وجعلتهما يواصلان تعاونهما السرّي، وغير المباشر، في بعض الأحيان.

ويوضح بارزي أن تلك العلاقة (الإيرانية – الإسرائيلية) تعرضت لزلزال جيوستراتيجي، عام 1991، حينما انهار الاتحاد السوفييتي، ودُمّر الجيش العراقي في حرب الخليج الثانية. حينها، تبادل الطرفان الشكوك، وبات كل طرف يرى في الآخر ندّاً استراتيجياً في المنطقة، بعد زوال "العدو المشترك". وتغيّر موقف الساسة الإسرائيليين الذين أخذوا يضغطون على نظرائهم الأميركيين كي لا يتواصلوا مع إيران مطلقاً، بذرائع من قبيل عدمية خطاب نظام الملالي الإيراني، الأمر الذي أثار استغراب رجال السياسة الأميركيين، الذين تعجبوا من تبدل الموقف الإسرائيلي.

ما من مرة كانت فيها الأهداف الأيدلوجية والاستراتيجية لإيران على المحك، إلا وسيطرت المقتضيات الاستراتيجية لدى طهران

يزخر كتاب بارزي بالمواقف والأحداث المثيرة للاهتمام، والصادمة، حينما نقرأها من زاوية التكثيف التاريخي الذي استخدمه المؤلف، بحيث وضع تلك الأحداث في مواجهة بعضها، ليُرينا حجم التناقضات بين الخطاب الرسمي للإيرانيين والإسرائيليين، وبين السياسة الفعلية التي تُمارس وراء الكواليس. لذا يصعب الإحاطة بتلك التفاصيل المهمة، في مقال واحد. لكن قد تكون أبرز خلاصة تهمنا، كمراقبين في المنطقة، تلك التي قال فيها بارزي، إنه ما من مرة كانت فيها الأهداف الأيدلوجية والاستراتيجية لإيران على المحك، إلا وسيطرت المقتضيات الاستراتيجية لدى طهران. فالأيدلوجية، مجرد أداة للتعبئة وتجييش الرأي العام في خدمة المشروع الإيراني للهيمنة في المنطقة.

خلاصات كتاب بارزي ما تزال صالحة، في معظمها، للإسقاط في يومنا هذا. بل وقد تكون أصبحت أكثر وضوحاً بعدما باتت الشراكة الإيرانية – الإسرائيلية، في إبقاء نظام الأسد على قيد الحياة، مثالاً صارخاً على التناقض بين الخطاب والفعل بين الطرفين. ولا يعني ذلك بطبيعة الحال، أن الإيرانيين والإسرائيليين، يدّعون الخصومة فقط، بغاية إقناع الرأي العام العربي بذلك، كما يقول بعض كتّاب الرأي في منطقتنا، لكنه يعني، دون أدنى شك، أن الصراع بين هاتين القوتين في منطقتنا، هو صراع على الهيمنة، وليس صراعاً على الوجود، كما يحاولان تصويره.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق