الأحد، 28 يوليو 2024

دولة الإسلام بعد معركة أجنادين

 دولة الإسلام بعد معركة أجنادين

د. تيسير التميمي
قاضي قضاة فلسطين رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي سابقاً أمين سر الهيئة الإسلامية العليا بالقدس


{ربنا اغفرْ لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبتْ أقدامنا وانصرْنا}

 تمكنت دولة الإسلام بعد معركة أجنادين التي وقعت في فلسطين في السنة الثالثة عشرة للهجرة من متابعة مسيرتها الظافرة والخروج من نصر إلى نصر، فبسطت يدها على أجزاء عظيمة من بلاد الشام؛ مما دفع هرقل إمبراطور الروم بعد ذلك إلى الاحتشاد لمعركة فاصلة بعد أن فَقَدَ أجزاء غالية من دولته أمام فتوحات المسلمين، بدأ يجهز لمعركة تُعيد له هيبته ويسترد بها ما اقتُطِع من دولته، فتجاوز تعداد جيشه ربع مليون مقاتل وجعله تحت قيادة أخيه تدارق ومعه قادة آخرون منهم ماهان، وتوجهت هذه الألوف المؤلفة من أنطاكية إلى جنوب الشام.


 أما المسلمون فبعد فتح حمص في السنة الرابعة عشرة للهجرة توزعت قواتهم في أماكن مختلفة، فأبو عبيدة بن الجراح في حمص، وخالد بن الوليد في دمشق، وشرحبيل بن حسنة في الأردن، وعمرو بن العاص في فلسطين رضي الله عنهم جميعاً، فلما وصلت أنباء استعدادات الروم إلى أبي عبيدة جمع القادة يشاورهم ويستطلع رأيهم، وانتهى الحوار بينهم على انسحاب قواتهم من تلك المدن وتجمعها كلها في جيش واحد، وعلى إرسال أبي عبيدة إلى المدينة يطلب المدد من الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فبعث له أبو عبيدة

[أمَّا بَعْدُ فإني أُخْبِرُ أميرَ المؤمنين أكرمه الله تعالى أنَّ الروم نَفَرَتْ إلى المسلمين بَرَّاً وبحراً ولم يُخَلِّفوا وراءهم رجلاً يُطيق حمل السلاح إلا جاشوا ( أي جمعوا) به علينا، وخرجوا معهم بالقِسيسين والأساقِفة ونزلت إليهم الرهبان من الصوامع، واستجاشوا بأهلِ أرمينية وأهل الجزيرة وجاءونا وهم في نحو من أربعِ مائة ألف رجل، وإنه لمَّا بلغني ذلك من أمرهم كرهتُ أنْ أَغُرَّ المسلمين من أنفسِهم وأكْتُمَهم ما بلغني عنهم فكشفتُ لهم عن الخبر وشرحتُ لهم عن الأمر وسألتهم الرأي، فرأى المسلمون أنْ يَتَنَحَّوْا إلى أرضٍ من أراضي الشام ثم نضُمُّ إلينا أطرافَنا وقواصِينا ويكون بذلك المكان جماعتُنا حتى يقدم علينا من قِبل أمير المؤمنين المَدَد لنا، فالعَجَلَ العَجَلَ يا أميرَ المؤمنين بالرجال بعد الرجال وإلاَّ فاحْتسِبْ أنْفَسَ المؤمنين إنْ هم أقاموا، ودينهم منهم إنْ هم تفرَّقوا، فقد جاءهم ما لا قِبَلَ لهم به إلاَّ أنْ يمدَّهم الله بملائكته أو يأتيهم بغياثٍ من قِبَلِه، والسلام عليك]، 

ومعنى فأحتسب أنفس المؤمنين إن هم أقاموا: أي أنه يخشى خُسْران أرواح الجيش إن دخلوا المعركة وهم قلة، ومعنى أحتسب دينهم إن هم تفرقوا: أنه يخشى عليهم خسران دينهم إن تفرقوا وفرُّا من القتال، وهذه إشارة من أبي عبيدة بأن وضع الجيش المسلم حرج للغاية وينتظره إحدى عاقبتَيْن إما الهلاك وإما الفرار، وفي كلتيْهما شر هزيمة.

 فكان جوابُ عمر [أما بعد فقد قَدِمَ علي أخو فجالة (وهو اسم حامل كتاب أبي عبيدة) بكتابِك تخبرني فيه بنفيرِ الروم إلى المسلمين براً وبحراً وبما جاشوا عليكم من أساقفهم وقسيسيهم ورهبانهم، وإن ربنا الْـمَحْمُودُ عندنا والصانعُ لنا والعظيمُ ذو المنِّ والنعمة الدائمة علينا قد رأى مكان هؤلاء الأساقفة والرهبان حيث بعثَ محمداً صلى الله عليه بالحقِّ، وأعزَّه بالنَّصر ونصرَه بالرُّعب على عدوِّه وقال وهو لا يُـخلف الميعاد {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}، ولا تَـهُوْلَنَّك كثرةُ ما جاءكم منهم فإن الله منهم بريءٌ، ومَن بَرِىءَ الله منه كانَ قَمِناً (أي جديراً) أنْ لا ينفعه كثرة وأنْ يكِله الله عزَّ وجلَّ إلى نفسِه ويخذله، ولا تُوحشنَّك قِلَّةُ المسلمين في المشركين فإنَّ الله معك، وليس قليلٌ منْ كانَ اللهُ معه، فأقِمْ بمكانك الذي أنت فيه حتى تلقَى عدوَّك وتناجزَهم (أي وتقاتلهم) وتستظهرَ بالله عليهم وكفى به ظهيراً وولياً ونصيراً، وقد فهمتُ مقالك (أَحْتَسِبُ أنفسَ المسلمين إنْ هم أقاموا، ودينهم إنْ هم تفرَّقوا فقد جاءهم ما لا قِبل لهم به إلَّا أنْ يمدَّهم الله بملائكته أو يأتيهم بغياثٍ من قبله)، وَأَيْمُ الله لولا استثناؤك بهذا لقد كنتَ أسأتَ، ولعمري إنْ أقاموا لهم المسلمون وصبروا فأُصِيبوا لَـما عند الله خير للأبرار، لقد قال الله عزَّ وجلَّ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} فطوبَى للشهداء ولمن عَقَلَ عن الله، فإنَّ مَن معك من المسلمين لأسوةٌ بالمصرَّعين (أي متأسّين ومقتدين بالشهداء) حول رسول الله صلى الله عليه في مواطنه، فما عجز الذين قاتلوا في سبيل الله ولا هابوا الموت في جنب الله، ولا وهَنَ الذين بَقَوْا من بعدِهم ولا استكانوا لمصيبتِهم، ولكنهم تأسَّوا بهم وجاهدوا في سبيلِ الله مَن خالفهم منهم وفارق دينهم، ولقد أثنى الله عز وجل على قومٍ بصبرِهم فقال {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فأمَّا ثوابُ الدنيا فالغنيمةُ والفتحُ، وأمَّا ثوابُ الآخرة فالمغفرةُ والجنة، فاقْرأْ كتابي هذا على الناس ومُرْهُمْ فلْيقاتلوا في سبيلِ الله ولْيصبروا كَيْمَا (أي حتى) يؤتيَهم الله ثوابَ الدنيا وحسنَ ثواب الآخرة، وأما قولك (إنَّه قد جاءهم ما لا قبل لهم به) فإنْ لا يكنْ لكم به قِبل فإن للَّه بهم قِبلاً ولم يزل ربنا عليهم مقتدراً، ولو كنا والله إنما نقاتل الناس بحولِنا وقوتِنا وكثرتِنا لهيهات ما قد أبادونا وأهلكونا، ولكن نتوكل على الله ربنا ونبرأ إليه من الحول والقوة ونسأله النصر والرحمة، وإنكم منصورون إنْ شاء الله على كل حال فأخلصوا لله نياتِكم، وارفعوا إليه رغبتكم، واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون].

 اتَّسمتْ معظم كتب الفاروق عمر إلى قادته العسكريين بالتركيز في جهادهم على أن النصر يرتبط بطاعة الله تعالى وتجنب معصيته وبالتوبة إليه، وباليقين بنصره سبحانه والغلبة على الأعداء بعد حسن الإعداد وإخلاص الدعاء والثبات عند اللقاء، ولا يرتبط دوماً بكثرة العَدَد والتفوّق بالعُدَّة، إذن فلن يأتي أي مدد من المدينة، فقرر أبو عبيدة المضيّ في طريق الجهاد بمن معه من المؤمنين، كان ذلك في السنة الخامسة عشرة من الهجرة.

 دعا أبو عبيدة عامله على الخراج حبيب بن مسلمة وقال له [ارْدُدْ على القوم الذين كنا صالحناهم من أهل البلد ما كنا أخذنا منهم، فإنه لا ينبغي لنا إذا لم نمنعهم أن نأخذ منهم شيئاً، وقل لهم: نحن على ما كنا عليه فيما بيننا وبينكم من الصلح لا نرجع فيه إلا أن ترجعوا عنه، وإنما رددنا عليكم أموالكم أنَّا كرهنا أن نأخذ أموالكم ولا نمنع بلادكم]، فلمَّا أصبحوا أمر أبو عبيدة قواته بالرحيل من حمص إلى دمشق، وردَّ حبيبٌ الجزية إلى أهالي حمص، وبلغهم ما قاله أبو عبيدة فكان جوابهم [ردكم الله إلينا ولعن الله الذين كانوا يملكوننا من الروم، ولكن والله لو كانوا هم ما ردوا علينا بل غصبونا وأخذوا ما قدروا عليه من أموالنا، لَوِلايتكم وعَوْدُكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والغشم]

 توجهت قوات الروم إلى حمص ثم تحركت إلى الجنوب لكنها لم تدخل دمشق حيث يقيم المسلمون، ظنَّ المسلمون أن الروم أرادوا الالْتفاف بهدف حصارهم وقطع طريق العودة عليهم، فاجتمع أبو عبيدة بقادته فاتفقوا على الخروج من دمشق إلى الجابية، وهناك ينضم إليهم جيش عمرو بن العاص من فلسطين، تقدمت مجموعات من جيش الروم إلى نهر الأردن باتجاه المسلمين في الجابية، وخشي المسلمون أن يحاصَروا بقوات الروم فيقطعوا خطوط إمداداتهم، ولهذا قررت الجيوش الإسلامية الانسحاب من الجابية إلى اليرموك، وتولَّى خالد بن الوليد القيادة العامة للجيش بتوجيه حكيم من إبي عبيدة الذي كانت له السلطة العامة على كل جيوش المسلمين بالشام.

 بدأ خالد ينظم قواته وعددها يزيد عن اثنين وثلاثين ألف مقاتل، فقسَّمها إلى ستٍّ وثلاثين كتيبة من المشاة كل كتيبة من قبيلة واحدة أو ممن تعود أصولهم لقبيلة واحدة، وتضم من ستمائة إلى ألف مقاتل، وقسَّم الكتيبة لأجزاء عَشْرِيَّة، فالعريف يقود عشرة مقاتلين، واختار العرفاء من القادة المتصفين بالشجاعة والإقدام، وآمر الأعشار يقود عشرة عرفاء، وقائد الكتيبة يقود عشرة من أمراء الأعشار، وجمع الكتائب بعضها إلى بعض في القلب والميمنة والميسرة، فكان على رأس كتائب القلب أبا عبيدة ومعه المهاجرون والأنصار، وعلى كتائب الميمنة عمرو بن العاص يساعده شرحبيل بن حسنة، وعلى كتائب الميسرة يزيد بن أبي سفيان، وقسَّم الخيالة عشرة كتائب: أربعة تقف خلف القلب واثنتان في الطليعة والأربعة على جانبي الميمنة والميسرة.

 ضم جيش الروم أكثر من مائتي ألف مقاتل في المقدمة منهم العرب بقيادة جَبَلَةَ بنِ الأيْهم ملك الغساسنة، أما الميمنة والميسرة والقلب فتضم الروم، وفي فجر يوم المعركة أصبح المسلمون تغمر قلوبهم الثقة بنصر الله، وسار أبو عبيدة بينهم يحثُّهم على الصبر والثبات قائلاً [يا عباد الله انصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، يا معشر المسلمين اصبروا فإن الصبر مَنْجاةٌ من الكفر ومرضاةٌ للرب، فلا تبرحوا مصافَّكم ولا تخطوا إليهم خطوة ولا تبدءوهم بقتال، وأشرعوا الرماح واستتروا بالدَّرَق والْزَمُوا الصمت إلا من ذكر الله حتى آمركم]، والدرق هو التُّرْس من الجلد.

 زحفت صفوف الروم الجرارة إلى المسلمين، ودخل منهم ثلاثون ألفاً يرفعون صلبانهم، وكل عشرة منهم مقيدون في سلسلة لئلاَّ يفروا، وأقبل معهم الأساقفة والرهبان والبطارقة، وحين رأى خالد إقبالهم أمر جنوده بالثبات في أماكنهم حتى تنكسر وتتصدع صفوف الروم ثم يبدأون بالهجوم المضاد وهي ذات خطة الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر، كان خالد رابط الجأش ثابت القلب لم ترهبه الجموع الكثيرة المتلاحقة، وقد سمع أحد جنوده وقد انخلع قلبه لمَّا رأى الروم يقول: ما أكثر الروم وأقل المسلمين، فقال له [ما أقل الروم وأكثر المسلمين، إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال، أبالروم تخوّفني؟]

 الْتحم الفريقان، وعلى مدى خمسة أيام شد الروم على ميمنة وميسرة المسلمين، أما القلب فثبت رجاله وأبو عبيدة وراء ظهرهم يشد أزرهم، وأبلى المسلمون رجالاً ونساء بلاء حسناً وثبتوا كالجبال الراسيات، وضربوا أروع الأمثلة في الشجاعة وتلبية النداء، وتحملوا الهجوم الكاسح بكل صبر وإقدام، وكانوا إذا اهتز صفٌّ عاد والْتأم ورجع للقتال، في اليوم الثاني قُتِلَ القائد الرومي الكبير دريجان، وفي اليوم السادس جاءت اللحظة التي ينتظرها خالد، فصاح [يا أهل الإسلام، لم يبقَ عند القوم من الجَلَدِ والقتال والقوة إلا ما قد رأيتم فالشِدَّة الشِّدَّة، فوالذي نفسي بيده ليعطينَّكم الله الظفر عليهم الساعة] وزحف خالد بفرسانه الذين كان يدَّخرهم لتلك الساعة الحاسمة فانقضُّوا على الروم الذين أنهكهم التعب واختلَّتْ صفوفهم، وكانت فرسان الروم قد نفذت إلى معسكر المسلمين في الخلف، فلمَّا قام خالد بهجومه المضادّ حالَ بين مشاة الروم وفرسانهم وانقطع الاتصال فيما بينهم، فذهلوا لهذه الهجمة المفاجئة وفرُّوا من الميدان وخرجت خيلهم هائمة في الصحراء، ولمَّا رأى المسلمون خيل الروم تهرب أفسحوا لها الطريق وتركوها تغادر ساحة القتال.

 انْهارَ جنود الروم الفارِّين وتملَّكهم الهلع والفوضى فتزاحموا وهم يتقهقرون أمام المسلمين الذين يتبعونهم، ووجدوا كتيبة ضرار بن الأزور في انتظارهم فحوصروا من الجهتين، وواصلوا الهروب حتى انتهوا إلى مكان مُشْرِفٍ على هاوية في الأسفل فتساقطوا فيها وهم لا يبصرون ما تحت أرجلهم، إذ إن الليل أقبل والضباب ملأ الجو، فكان آخر الجنود لا يعلم ما يلقى أولهم، وبلغ عدد من سقطوا فيها ثمانين ألفاً حسب معظم الروايات، وقتل من الروم في المعركة نحو خمسين ألفاً غير الذين سقطوا في الهاوية، أما شهداء المسلمين فتجاوز عددهم الثلاثة آلاف.

 وفي صباح اليوم التالي لم يجد المسلمون أحداً من الروم، فظنوا أنهم فقد أعدوا لهم كميناً، فبعثوا من يستطلع الأمر فأخبرهم الرعاة بسقوط الروم في الهاوية أثناء تراجعهم وبهروب من بقي منهم، ولحق خالد بفلول الروم إلى دمشق وقام أحدُ جنوده بقتل القائد ماهان الهارب، وكان القائد تدارق من الهاربين فقتل أيضاً، وقتل غيره من قادة الروم أثناء المعركة، وأما القائد الكبير جورج بن تيودور فقد دخل الإسلام في اليوم الثاني من المعركة، نطق بالشهادتين وصلى ركعتين وانطلق مجاهداً إلى جانب خالد حتى نال الشهادة.

 استمرت معركة اليرموك ستة أيام، وكانت من أعظم المعارك وأبعدها أثراً في حركة الفتوحات الإسلامية، فقد لقي جيش الروم وهو أقوى جيوش العالم يومئذ هزيمة قاسية وفَقَدَ أفضل جنوده، وأدرك هرقل حجم الكارثة التي حلت به وبدولته فغادر المنطقة نهائياً وقلبه ينفطر حزناً وهو يقول [السلام عليك يا سوريا سلاماً لا لقاء بعده، ونعم البلد أنتِ للعدو وليس للصديق، ولا يدخلك روميٌّ بعد الآن إلا خائفاً].

 كان يوم اليرموك يوماً من أيام الله الخالدة، ففيه قوَّض المسلمون دولة الروم، وبعد ستة أشهر قوّضوا دولة الفرس في يوم القادسية، وهنا تبدو الظاهرة المدهشة التي حيَّرت المؤرخين: كيف استطاع ذلك الجيل العظيم تدمير قلاع الإمبراطوريتيْن العظيمتيْن في وقت قصير؟ 

إنه الإيمان الذي تهون وتتهاوى أمامه كل قُوَى الباطل مهما عَظًمَتْ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق