الأربعاء، 24 يوليو 2024

متى نخرج من حالة الوهن؟

 

متى نخرج من حالة الوهن؟


في الحديث الشريف الذي رواه ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي ﷺ أنه قال: “يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها”، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال ﷺ: “بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن”، فقال قائل: يا رسول الله: وما الوهن؟ قال: “حب الدنيا وكراهية الموت” رواه أحمد وأبو داود واللفظ له.

هذا حديث لرسولنا الكريم ﷺ تنبأ فيه بحال أمته من بعده حين تحيد عن منهجه، وحين يتملكها حب الدنيا وكراهية الموت، وهو حديث لا يقتصر على زمن من الأزمنة، بل يرتبط بأسباب تؤدي إلى نتائج، وقد تحقق الحديث من قبل مرات كثيرة حين تنافست الأمة على الدنيا ومفاتنها، وتغاضت عن الجهاد خوفا من الموت، ففتك بها الأعداء ومزقوها، وأسقطوا الخلافة الإسلامية التي كانت رمز وحدة الأمة، ثم تداعوا على أقطارها استعمارا، والتهاما لثرواتها، واستعبادا لشعوبها كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، وكان من نتيجة تداعي الأعداء على أمتنا اقتطاع جزء عزيز منها هو فلسطين منحوه إلى شذاذ الأفاق ليقيموا فيه وطنا لهم، بعد أن ضاقت بهم كل الأوطان التي عاشوا فيها، وعاثوا فيها فسادا.

وهن الحكام والمحكومين

اليوم يصك هذا الحديث أسماعنا، ويأخذ بتلافيف عقولنا، ويضعنا أمام حقيقة الوهن الذي نعيشه جميعا حكاما ومحكومين، وهو الوهن الذي أغرى بنا الأعداء مجددا، فعادوا لفرض هيمنتهم ووصايتهم علينا، لم يسلم من ذلك حكامنا ولا شعوبنا، فالحكام رغم كل ما قدّموه للأعداء من فروض الولاء والطاعة، والرشاوى التي تُقدَّر بمئات المليارات من الدولارات، ورهن ثروات بلادنا لهم، ورهن موانئنا ومطاراتنا لهم أيضا يتحركون منها وإليها كما يشاؤون، إلا أنهم -أي حكامنا- لم ينجوا من تسلط الأعداء عليهم، والإمعان في إذلالهم أمام شعوبهم.

أما الشعوب الإسلامية -ولنكن صرحاء مع أنفسنا- فهي الآن ومصداقا للحديث الشريف”غثاء كغثاء السيل” لم تغن عنها كثرتها أمام عدوها شيئا، نزع الله من قلوب أعدائنا المهابة منا، وألقى في قلوبنا الوهن، بسبب تكالبنا على ملذات الدنيا، والخوف من مواجهة العدو، كلما دعاهم داع إلى الاستعداد لمواجهة الأعداء رد عليه المثبطون وما أكثرهم: هل تريدنا أن نحارب ونخرب أوطاننا؟! ليس باستطاعتنا مواجهة العدو الذي يحوز أحدث الأسلحة والإمكانات الاقتصادية والدعم السياسي الدولي إلخ!!

غزة تكشف الوهن

هذا هو الوهن بعينه، بشحمه ولحمه، الذي أشار إليه الحديث الشريف، وهو يتجسد في أبشع صوره تجاه ما يحدث في حرب إبادة تجري أمام أعيننا لأشقائنا في غزة، دون أن نتحرك بما يكفي لإنقاذهم، سيبادر البعض إلى القول إن حكوماتنا تمنعنا من تقديم العون سواء المالي أو المعنوي، والحقيقة أن الحكومات العربية والإسلامية تتحمل بالتأكيد مسؤوليتها عن ذلك، لكن تحميل الحكومات المسؤولية لا يعني تبرئة الشعوب العربية والإسلامية، ولا القوى السياسية والجماعات الدينية والنقابات المهنية والعمالية، والحركات الشبابية والطلابية من تقصيرها، فقد كانت تنتفض من قبل في مواقف أقل من ذلك كثيرا، حدث هذا دعما للانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، والثانية عام 2000، وفي كل اجتياح تتعرض له غزة منذ 2008، لا يشفع لشعوبنا أنها تعيش تحت قمع أمني، فقد واجهت هذا القمع من قبل، وها نحن نرى الشعب في بنغلاديش يجتاح قوى الأمن التي اصطفت لمواجهته، في تكرار لمشهد يوم 28 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر، وفي تكرار لمشاهد مماثلة في دول أخرى.

الشعوب العربية والإسلامية هم أصحاب القضية، هم العائل والشقيق لأهل غزة، ولكن هذه الشعوب في معظمها (مع استثناءات قليلة) لم تحطم الخوف داخلها بسبب ما تعيش فيه من وهن، بينما الشعوب غير العربية وغير الإسلامية انتفضت في مشاهد مليونية في كل العواصم الكبرى، وواجهت قوى الأمن التي حاولت منع تحركها، كما واجهت كل القيود التي فرضتها عليها حكوماتها لمنعها من التعاطف مع أهل غزة، وقد فتح المتعاطفون الأجانب الباب للجاليات العربية والإسلامية لمشاركتهم في تلك المظاهرات التي حُرموا منها في بلدانهم الأصلية.

علاج الوهن

قد يقول البعض إن غياب أو تغييب القوى المنظمة خاصة الحركات الإسلامية الكبرى التي كانت تنظم وتقود المظاهرات أثّر سلبا في الشارع، وهذا صحيح، لكن لماذا لا تظهر قوى وقيادات جديدة تسد هذه الثغرة وتقوم بواجب الكفاية؟ ماذا ستفعل الأنظمة وقواها الأمنية بحق متظاهرين من أجل فلسطين؟! أقصى ما يمكن حدوثه هو قتل متظاهر أو اثنين، وأغلب الظن أنه سيُعتقل عدد من المتظاهرين سواء بالآحاد أو العشرات أو حتى بالمئات، في حين يستشهد العشرات بل المئات يوميا في غزة.

الوهن حالة نفسية، والبداية الصحيحة للخروج من هذا المرض (الوهن) هو الاعتراف به وليس إنكاره، أو تحميل مسؤوليته للغير، ومن ثَم امتلاك الإرادة للخروج منه، مع تناول جرعات العلاج الإيماني لمواجهته حتى تستعيد الأمة عافيتها، وتتمكن من مواجهة أعدائها، وتحرير جزء عزيز منها وهو فلسطين الحبيبة ﴿إنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنفُسِهِم﴾ (الرعد: 11).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق