الثلاثاء، 23 يوليو 2024

“إلى المنزعجين من التقارب التركي السوري”

 “إلى المنزعجين من التقارب التركي السوري”

د . عزالدين الكومي 

أعلنت تركيا صراحة وبدون مواربة أنها تسعى لتطبيع العلاقات مع النظام السوري .
هذه التصريحات أزعجت الكثيرين من المهتمين بالشأن التركي والسوري على حد سواء،لكن يبدوأن”هاكان فيدان” يسعى لهندسة اتفاق يليق بتركيا.
وها هي روسيا التي طالما عطلت العملية العسكرية التركية ضد المنظمات الإرهابية الكردية في “منبج” و”تل رفعت” بعد انسحاب القوات الأمريكية منها فى أكتوبر2019.. 
ها هي اليوم تسعى لعقد اجتماع ثنائي بين “أردوغان” و”الأسد” في تركيا أو دمشق وربما بغداد .
ولا شك أن ملف التقارب التركي السوري مرتبط بعدة ملفات شائكة ومعقدة،مثل ملف إعادة اللاجئين،وملف العلاقة مع الإدارة الذاتية،وملف الفصائل المحلية المسلحة في الشمال، وملف المقاتلين الأجانب.

وكان الرئيس “بوتين” وعلي هامش قمة منظمة “شنغهاي” للتعاون ..قد تحدث عن تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق في تركيا.
بدوره صرح أردوغان عند عودته من برلين بأنه سيوجه دعوة إلى الرئيس”الأسد”وقد تكون في أي لحظة.
وطلبت أنقرة من “طهران” و”واشنطن” دعم عملية التقارب لأن كلا الطرفين يمكن أن يضع عصاه في عجلة التقارب كما لم يُخْفِ أردوغان تخوفه من التنظيمات الإرهابية وأنها ستبذل قصارى جهدها لإفشال هذا المسار،لكنه أكد أنه مستعد لمواجهة ذلك.
وعملية التقارب هذه ليست سهلة لأن إيران التي رهنت مستقبلها في سوريا ببقاء الأسد في السلطة،وأنفقت في سبيل ذلك أموالاً طائلة قلقة من تداعيات التقارب لأنه لايمرعبر قنواتها،ويمرعبر القنوات الروسية هذا من جهة،ومن جهة أخرى تخشي إيران أن تؤدي إعادة الإعمار بقيادة تركية وعودة المهجَّرين إلى تقليل نفوذها الاقتصادي والسياسي، وهي تسعي أن يكون لها نصيب الأسد في عملية إعادة الإعمار ، وتخشي من إفشال مشروعها الديمغرافى فى سوريا.
وفي تسريب للقاءٍ تم بين نائب المجلس الأعلي للأمن القومي الإيراني ونائب وزير الخارجية السوري”أيمن سوسيان”العام الماضي..أبدي المسؤول الإيراني توجسه من ملف التقارب التركي بعيداًعن إيران.
وأمريكا أيضاً غيرراضية عن تقارب تركي سوري .

فقد انتقد السيناتور الجمهوري”جو ويلسون”رئيس اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط في لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس توجه تركيا نحو تطبيع علاقاتها مع النظام السوري قائلاً في تغريدة له:”إن التطبيع مع الأسد تطبيع مع الموت نفسه”،وهدد بتحرك مجلس الشيوخ لإقرار قانون مكافحة التطبيع مع نظام الأسد!!.
وينص مشروع القانون على أن الولايات المتحدة تحظرأي إجراء رسمي للاعتراف بنظام الأسد أوتطبيع العلاقات معه.
كما يطالب المشروعُ الإدارةَ الأميركية بمعارضة اعتراف أي حكومة أخرى أوتطبيع العلاقات مع النظام السوري من خلال التطبيق الكامل للعقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر .
بدورها أبدت الإدارة الذاتية الكردية عدم ارتياحها للتقارب التركي السوري واعتبرته مؤامرة ضد الشعب السوري ، وأعربت عن مخاوفها إزاء خطوات “التقارب التركي السوري”،معتبرة أن مسارالتقارب بين الطرفين دخل مرحلة خطيرة،وقالت:إنها تأمل في عدم حدوث اتفاق بين تركيا والنظام،فهي تخشي من عملية عسكرية شمال شرقي سوريا.
وسارعت” قسد”فى مطلع الشهرالجاري بإغلاق كافة المعابر التي تربط مناطق سيطرتها بمناطق سيطرة النظام في خطوة وصفت بأنّها ردّ على التقارب بين أنقرة ودمشق .
كما تباينت مواقف المعارضة التركية حيال عملية التقارب هذه.
فقد قال”أحمد داود أوغلو”:”إنه في حال الاتفاق مع النظام السوري من دون إيجاد حل شامل في سوريا .. فإن ذلك سيتسبب في توجه مئات الآلاف من إدلب إلى تركيا”.
ثم تساءل:”ما هو المرجع لهذا الحوار؟،هل هي العلاقات العائلية أم معاييرالقانون الدولي؟”
وشدد على ضرورة التمسك بالقرار2254 الصادر بتاريخ ديسمبر 2015من مجلس الأمن الدولي الداعي إلي تشكيل حكومة انتقالية تجمع بين النظام والمعارضة،ودمج المعارضة في النظام،وعودة اللاجئين طوعاً إلى بلادهم.
أما زعيم حزب الشعب الجمهوري”أوزغورأوزل” فقد قال: “إنه يمكن أن يكون وسيطاً بين أردوغان والأسد،وأنه يجب أولاً إقناع الأسد بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع تركيا ، وأضاف:أستطيع إقناع الأسد بالجلوس إلى الطاولة،المهم أن يكون لأردوغان نية في ذلك،لأن هذه القضية هي المشكلة الأكثر إلحاحاً في تركيا،وقضية اللاجئين هي أولويتنا،ويجب الجلوس والتحدث والتوصل إلى اتفاق مع الأسد لضمان السلام في سوريا،ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يسهم مالياً،ونحن جميعاً يجب أن نتحمل المسؤولية حتى يعود اللاجئون إلى سوريا”.
أما زعيم حزب الجيد”مصافَت درويش أوغلو”فقد قال معلقاً على دعوة أردوغان بشارالأسد إلى تركيا:”نرى أن هذه الدعوة خطوة مناسبة للغاية لمصالح تركيا الوطنية،ولكنها جاءت متأخرة جداً،
لأن حكومة العدالة والتنمية أضرت بسمعة تركيا في السياسة الخارجية وحولت حقوقها السيادية إلى سلعة تجارية ومادة للمساومة،
وأنه بعد مرور 13 عاماً على اندلاع الحرب في سوريا .. سيجتمع أخيراً أردوغان مع بشار الأسد”.
وقد يتساءل البعض عن جدوى هذا التقارب؟ فنقول:
بداية يمكننا القول بأن معركة “طوفان الأقصي”ألقت حجراً في المياه الراكدة لأن الخوف من توسع النزاع في المنطقة جعل البلدين الجارين يشعران بالخطرفسعى كل منهما لإقامة تحالفات جديدة لمواجهة الآثارالتي قد تترتب على قيام حرب إقليمية بالمنطقة.
كما أن حالة التوتر السائدة بين روسيا والنيتووالتي قد تؤدى لنشوب حرب نووية تكتيكية دفعت روسيا إلى الحفاظ على الحياد التركي بالإسراع في التقارب التركي السوري وجر تركيا جهتها بعيداً عن النيتو،لأن روسيا تريد سوريا مستقرة لكن تركيا لن تمنح روسيا ما تريده دون أن تحصل على مقابل لذلك!
ولعل ما صرَّح به وزير الدفاع التركي”يشارغولر”مؤخراً في مقابلة أجرتها معه مجلة “بوليتيكو”من أن بلاده عازمة على إنشاء ممر أمني بعمق30-40كيلومترًا على طول الحدود مع العراق وسوريا وتطهير المنطقة من الإرهابيين، وأن تركيا ستواصل عملياتها حتى تحييد آخرإرهابي-في إشارة إلى حزب”العمال الكردستاني”وأذرعه في سوريا.
قديكون هذا هو المقايل الذى ستحصل عليه تركيا من بوتين!
فالدافع الرئيسي لأنقرة للتقارب مع النظام السوري هو محاولة توسيع المناطق الخالية من تنظيم “قسد” على الحدود السورية التركية ، وروسيا هي من تمتلك منح الجانب التركي هذه الورقة .
كذلك فقد تصاعدت حالة العداء والعنصرية تجاه اللاجئين السوريين في تركيا،والتقارب المنشود قد يمهد لعقد اتفاق لعودة حوالي 5 مليون لاجئ إلى سوريا.
زد على ذلك فإن النظام السوري حريص على إنهاء حالة العزلة السياسية المفروضة عليه،وقد يلقي له أردوغان بطوق النجاة!
لكن لا يزال الأسد الذي أصبح مجرد دمية بيد بوتين ولايمتلك من أمره شيئا يلتزم الصمت،لأنه من الواضح أن التقارب هو روسي تركي بالأساس وماعلى بشارإلا التوقيع على ماتم الاتفاق عليه مع الكفيل الروسي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق