إيران ذات الأوجه
د . محمد العبدة
إنّ أكثر ما يؤلم المتابع لما يجري هذه الأيام في المنطقة العربية وما حولها هو هذه السذاجة والسطحية في تناول الأمور وتقويمها والحديث عنها .
وهي أمور خطيرة تستحق الرصد والاستناد إلى المعلومات الوفيرة والمتابعة الدقيقة اليومية لخفايا التصريحات واللقاءات ، كما تستحق الرصد التاريخي لخلفيات هذه الأحداث .
ومن أبرز الأمثلة ذلك الحديث المتكرر عن المشروع الصهيوني الأمريكي والمشروع الإيراني الصفوي ، وكأنهما مشروعان متضادان لا يلتقيان ، هذا الحديث الذي تعيده وتكرره وسائل الإعلام و المتحذلقين من الكتاب والصحفيين ، ويردده البعض دون تفكير وإنما متابعة وتقليدًا لما يسعون .
وكأن هذا الحديث من البدهيات التي لا تحتاج إلى مناقشة أو بحث والحقيقة التي نعلمها وتتكشف يومًا بعد يوم هي أن المشروعين المذكورين متنافسين لا متضادين ، يختلفان في بعض الأمور ويتفقان في أمور ، والإختلاف هو اختلاف محاصصة واقتسام الغنيمة ، والغنيمة هنا هي المنطقة العربية السنية .
إذا كان المشروع الأمريكي يريد تفتيت المنطقة ( أكثر مما هي مقسمة ) على أسس عرقية ودينية وطائفية ، فإن إيران وحلفاؤها ينفذون هذا المخطط كما هو الواقع في العراق وسوريا وكما هو في لبنان واليمن حيث تسيطر المليشيات وتمزق وحدة الأوطان وتؤجج للصراعات والحروب .
وإذا كان المشروع الأمريكي يريد حماية إسرائيل ، فإن العلاقات بين إيران وإسرائيل هي علامات قديمة والمصالح والمنافع متبادلة ، ولكنها غير مكشوفة ، لأن إيران لا تريد أن تخسر العالم العالم العربي لتستطيع نشر التشيع ، فهي تهاجم أمريكا وإسرائيل عن إرضاء للشارع الإسلامي وتقيم علاقات مما يملي عليها مصالحها .
وإذا رجعت قليلًا إلى الوراء ، إلى التاريخ القريب فسوف تظهر الأدلة مع ذلك ( ففي بداية عام 1980م زار إسرائيل أحمد الكاشاني نجل أبي القاسم الكاشاني من أجل البحث في صفقات الأسلحة والتعاون العسكري لضرب المفاعل النووي العراقي ، وانتهت رحلته بموافقة ( بيغن ) على شحن عجلات لطائرات الفانتوم بالإضافة إلى أسلحة للجيش الإيراني ، وقد فعل ( بيغن ) ذلك معارضًا للخطر الأمريكي على إيران ، وحصلت مشادة بين ( بيغن ) والرئيس كارتر انتهت بفرض خطر على شحن قطع عسكرية لإسرائيل .
وقد أدى دفاع ( بيغن ) عن إيران إلى سماح الخميني بنقل الآلاف من يهود إيران بالحافلات سرًا إلى باكستان،
( 1 )
ومنها إلى إسرائيل وعندما سئل الخميني عن مدى شرعية التعامل مع إسرائيل كان
( 2 )
جوابه : طالما لم يكن التعامل مباشرًا فإنني لا أبالي .
وأثناء الحرب العراقية الإيرانية ، وبعد دخول العراق إلى الأراضي الإيرانية " قطع موشى ديان وزير خارجية إسرائيل زيارة خاصة إلى النمسا وعقد مؤتمرًا صحفيًا
( 3 )
حث فيه أمريكا على نسيان الماضي ومساعدة إيران .. " .
وقد وفرت إيران لإسرائيل الصور الفوتوغرافية والخرائط المفصلة بشأن الهجوم على المفاعل النووي في العراق ، وقد تم الإجتماع بين موفد إسرائيل وممثل الخميني في فرنسا قبل شهرين من ضرب المفاعل " وسمح الإيرانيون للطائرات
( 4 )
الإسرائيلية بحق الهبوط في مطار تبريز في حال الضرورة " .
وحسب كلام ( محسن ميردامادي ) أحد أعضاء البرلمان الإيراني ، فإن فريق (نتنياهو) كان يريد إصلاح العلاقات مع طهران ، وكرر على هذا الإنعطاف دفع الإيرانيون حزب الله لبنان إلى الموافقة على وقت إطلاق النار في شهر 4 / 1996م وفي عام 2000 كان ( باراك ) على حل النزاع الفلسطيني ، لأنه يعرف أن إيران تعرقل الاتفاق لأنه لا يعطيها دورًا ، فقد قرر في 17 / 4 / 2000 أن ينسحب من لبنان ، ويسلب من إيران وسوريا ورقة مهمة حتى لا تتعطل الصفقة مع الفلسطينيين
( 5 )
ولكن إيران وسوريا وجدوا في الإنسحاب نصرًا ودليلًا على نجاح المقاومة " .
وإذا كان المشروع الأمريكي يريد نفط المنطقة ، فإن أمريكا تهيمن على نفط العراق وإيران تنهب نفط العراق عن طريق العصابات في الجنوب حيث يُباع النفط لإيران بأسعار زهيدة . وأما المشروع النووي الإيراني فإن أمريكا وإن كانت ـ ربما ـ أن تتحول إيران إلى دولة نووية ، ولكن الواقع الذي يجري أمامنا أن إيران تماطل وتستفيد من الوقت ، وأوروبا تفضل الحل الدبلوماسي ، وروسيا والصين لهما
مصالح مع إيران ، وحتى لو أن إيران أوقفت برنامجها النووي ، فإن الثمن الذي تريده مقابل ذلك سيكون باهظًا وعلى حساب المنطقة العربية .
وإذا عدنا إلى الواقع اليوم فإن إيران أخذت ( قبضت ) ثمن عدم تدخلها في حرب غزة وحتى لو سلطت مليشياتها على بعض المناوشات وإطلاق بعض الصواريخ على العدو الصهيوني إلا أن كل هذا محسوب لتكون لها اليد القوية في التفاوض مع الغرب حول أمن المنطقة واستقرارها .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ المؤلف ترتيا بارس : تحالف الغدر ، التعامل السري بين إسرائيل وإيران وأمريكا ص 95 ط 2007 .
2ـ المصدر السابق / 95 .
3ـ المصدر السابق / 95 .
4ـ المصدر السابق / 105 .
5ـ المصدر السابق / 219 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق