عن الذين لا يعرفهم عمر!
أدهم شرقاوي
جاء السائب بن الأقرع إلى عمر بن الخطاب يبشره بالنصر في معركة نهاوند؛ فقال له عمر: النعمان أرسلك؟.. وكان النعمان بن مقرن قائد جيش المسلمين في المعركة.
قال له السائب: احتسب النعمان عند الله يا أمير المؤمنين، فقد استشهد! فقال له عمر: ويلك، ومن أيضا؟
فعد السائب أسماء من أعيان الناس وأشرافهم، ثم قال: وآخرون من أفناء الناس لا يعرفهم أمير المؤمنين!. فبكى عمر، وقال: وما ضرهم ألا يعرفهم عمر؟ إن الله يعرفهم!
***
في غزّة الألوف من الذين لا يعرفهم أحد، ولكن يكفيهم أن الله يعرفهم!
مئات الكيلومترات من الأنفاق حفرها الذين لا يعرفهم إلا رب عمر، عشرات ألوف الصواريخ صنعها الذين لا يعرفهم إلا رب عمر، أطنان من قذائف الياسين، اختلطت حشواتها المتفجرة بعرق رجال لا يعرفهم إلا رب عمر، ألوف من عبوات الشواظ صنعت بينما كنت تلهو! صنعها رجال لا يعرفهم إلا رب عمر.. وقناصة الغول، فخر الصناعة القسامية، صنعها رجال لا يعرفهم إلا رب عمر!
أنت لم تشاهد إلا المشهد الأخير من الحكاية، ولكن رب عمر كان شاهدا على كل شيء!. أنت لم تر إلا بسالة الالتحام والمواجهة، ولكن رب عمر كان شاهدا على آلاف ساعات التدريب، أنت لم تر إلا ثبات قوات النخبة، ولكن رب عمر كان شاهدا على سنوات من غرس العقيدة والإعداد الفكري والنفسي!
أنت رأيت صمود الناس، ولكن رب عمر كان شاهدا على عقود من برامج تحويل غزة من مدينة إلى مسجد!. أنت رأيت صفوة الحفاظ، وألوفا يسردون القرآن في جلسة واحدة، ولكن رب عمر كان شاهدا على الجهد والوقت والمال الذي بُذل لترى أنت هذا المشهد!
أنت رأيت الشهيد الساجد، إن لله عبادا شاء أن يُظهرهم، وله عباد شاء أن يخفيهم.. ألوف لم يوثق أحد لحظة استشهادهم، لم يسجل أحد آخر أصواتهم وهم يقولون: اللهم خذ من دمنا حتى ترضى.. ولكن يكفي أن رب عمر رأى وسمع!
شباب كمين الزنة.. أنت لم تر إلا أياديهم، ولكن رب عمر يعرفهم، ومعهم مئات من أبطال الكمائن الأخرى، غادرنا أبطالها خفافا دون أن تسلط عليهم الأضواء، ودون أن يأخذوا نصيبهم من التصفيق، هكذا هي بعض البطولات قدرها أن تبقى خبيئة إلى أن يُظهر رب عمر أصحابها على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، يبعثون بجراحهم، اللون لون الورد، والريح ريح المسك!
***
يحدثنا الإمام الذهبي في كتابه “تاريخ الإسلام” بفخر أنه كان في جيش هارون الرشيد عشرون ألف مجاهد لا يكتبون أسماءهم في ديوان الجند، ولا يأخذون مرتباتهم، كي لا يعلمهم أحد إلا الله!
لله غزة، ولله قسامها، والله إن بعضهم كانوا يحفرون طوال الليل، فإذا أذن الفجر، خرجوا بغبارهم إلى المساجد، ثم عادوا إلى بيوتهم، فناموا ساعتين، ثم استيقظوا وذهبوا إلى جامعاتهم ووظائفهم!
أنت لا تعرفهم، ولكن رب عمر يعرفهم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق