الثلاثاء، 23 يوليو 2024

بيني وبينك.. ماذا رَبحْنا وماذا خَسِرْنا؟!

 بيني وبينك.. ماذا رَبحْنا وماذا خَسِرْنا؟!



د. أيمن العتوم

رَبِحْنا الكرامة والعِزّة، وخسرْنا المَهانة والذِّلّة. 

ربحنا الحقيقة وخسرْنا الدّعاية الكاذبة. 

ربحْنا أنفسنا حيثُ خسرها الآخرون. 

إنّها فِعْلُ مُقاوَمة، ومَنْ يسأل المُقاوِمين عَمّا يفعلون؟!

لقد قاومَ أبطالُ الجزائر فرنسا أكثرَ من مئةٍ وثلاثين عامًا، منذُ عام 1830م حتّى نالوا حُرّيَّتهم الكاملة عام 1962م، وسقطَ خلال هذه المُقاومة عبر هذا الزّمن الطّويل المُمِضّ أكثرُ من مليون شهيدٍ ونصفُ المليون، أُعدِمَ القادة ورُفِعوا على أعواد المشانق صابرين مُحتسِبين، وسُحِلَ الشّعب وسُجِن، وعُذِّبَ وجُوّع، وكانوا يحرقون قُرًى بأكملها، فتأكل النّيران المِئاتِ والآلافَ، وكانوا يربطون أطراف المُقاومِ الأربعة إلى سيّارتَين فتندفعان في اتّجاهَين مُتعاكِسَين فتنخلعُ جوارح الشّهيد، وتتمزّق أعضاؤه، وتتناثرُ دِماؤه، وتصعدُ روحُه الطّاهرة إلى بارِئها، وما لامَهم أحدٌ على مُقاومتهم ولا هَوَّن أو خَوَّن، ولا نَظَّر أو قدّمَ نصائح التّعقّل كما نرى اليوم مع المقاومة في غَزّة، ولا تلا جردةَ حسابٍ في خسائر الأرواح والمُمتلَكات الّتي لا يُمكن تخيّل عددها، ولا في الأثمان الباهِظة لِقاء ذلك التّحرّر!

وقاوم المُجاهِدون في ليبيا المُستعمِر الإيطاليّ تحتَ قيادة عمر المختار أكثرَ من ثلاثين عامًا، وكان المختار يتحصّن في الجبال، ويدفعُ بالاستشهاديّين، وينصب الفِخاخ للدَّبَّابات الإيطاليّة، ويُقاتِلُ بعتادٍ قليل وبإيمانٍ كبير، وحينَ تعهّد له الطّليان بتوفير راتبٍ ضخمٍ يُمكّنه من الحياة الرّغيدة بعيدًا عن حياة الخوف والكُهوف، وقالوا له: إنّهم على استعداد أن يكون هذا الاتفاق سِرّيًّا مع توفير الضّمانات دون ضجيج، مقابل ألَّا يرفعَ السّلاحَ في وجههم، وينصحَ الأهالي بالإقلاع عن فكرة المقاومة، ركلَ عرضَهم وبصَقَ فيه، وعادَ إلى برقة، وظلّ يقاتل وهو في العَقْد الثّامن من عمره، إلى أنْ قبضَ عليه المُحتلّ وقدّمه إلى مُحاكمةٍ صُوريّة قصيرةٍ، وأُعدِمَ بعدها، وارتقى شهيدًا صابِرًا وهو لمْ يشهدْ تحرّر وطنه من قبضة الاحتِلال:

تِسْعُونَ لَوْ رَكِبَتْ مَنَاكبَ شاهقٍ

لَتَرَجَّلَتْ هَضَبَاتُه إعياءَ

واليوم ماذا تبقّى من عمر المختار ومن حركة المُقاومة غيرُ هذه الذّكرى الطّيّبة وهذا الموقف الثّابت على المبدأ الّذي لا يبيع ولا يميل؟! وذهبَ الاحتِلال مدحورًا، لأنّ عمر المختار وأمثاله لم يقبلوا بالعروض السّخيّة ولم يُطأطِئوا رؤوسهم للمحتلّ، ولا قَبِلوا إلاّ برحيله التّامّ.

وانظر إلى المُقاومة اليوم في غَزّة، إنّها امتِدادٌ لهذا التّاريخ النّبيل ناصع البَياض، دَفَعَ لأجل حريّته وحرّية بلادِه دمَه ودمَ شعبه، ومَنْ قال إنّ طريق النّضال مَحفوفٌ بالورود؟، فلماذا تتقوّلون اليوم على مقاومتنا الحُرّة الشّريفة في غَزّة؟! 

إنّها المُقاومة الّتي سترفع علَمَ التّحرير فوقَ ثرى فلسطين كما فعل المقاومون من قبلُ، وتلك سُنّة الله في خلقه، فما لكم كيفَ تحكمون؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق