الجمعة، 19 يوليو 2024

طوفان الأقصى والاستراتيجية الأمريكية

 طوفان الأقصى والاستراتيجية الأمريكية

محمد صالح البدراني


الاستراتيجية الخطأ

بناء الاستراتيجيات على تنبؤات دينية ليس من واجب البشر، فالله يفعل ما يريد ولا يحتاج أحدا ليمهد له الطريق فيضل نفسه ويضر أهله. ومن الواضح أن نقاط الضعف في الاستراتيجية الأمريكية أظهرتها نهضة طوفان الأقصى.

الغرب بنى استراتيجيته على أن الكيان الصهيوني هو القاعدة المستقرة أمام أناس يملكون النفط وهم يشترون صداقة الغرب ويعظمون فيه، ولا يترك الغرب فرصة إلا ويغرس الخنجر في صدورهم وهم صابرون، وهذا أمر يتطلب المراجعة.

أين الخلل؟

هل الخلل في بناء المجتمع وهو يخرج من الاحتلال الغربي بطريقة أو أخرى على شعارات بانت واقعا استحالتها؟ وهل يدرك فعلا الحكام الذين تبنوها هذا أم أنهم يعلمون مسبقا أنها لا يمكن أن تتحقق وإنما استخدمت لتحشيد وتزعم الجمهور بالأمنيات والعقل الجمعي؟ وكان يمكن أن لا يبنى مجتمع متمدن على العداء والأفكار الطوباوية وإنما إقناع الغرب بأن الدول النامية يمكن أن تكون شريكة في النهضة وتعظيم المال والأعمال والاقتصاد ككل، وعندما أُحبطت الشعوب صرخت بصوت عال ليخبرها الغرب بالصرخة قبل أن تحدث فأصبح انطباع واهم عند الحكام بأن الغرب يحميهم من شعوبهم، أم هو انطباع الغرب بأن هؤلاء الناس استخدامهم وليس مشاركتهم هي الأفضل وهم مجبرين على قبولها بدون مزايدات، لهذا تجد مصداقية الحكومات يفضحها الكيان قبل أن تظهر ليزيد الخوف والتباعد النفسي بين الشعب والحاكم وليظهر حرجهم بلا أقنعة ومجاملات؟

إن الشعوب تريد دعم حكامها، ولا بد أن يتخلص الحكام من عقدة الخوف أن العدو في الداخل فهذا الداخل محتج فقط وليس عدوا.

الغرب يهمل الشعوب في المنطقة ولا يعتبرها أكثر من فزّاعة لتبقي الحكام مستندين إلى ركنه، كذلك اعتبر أن القضية الفلسطينية ماتت وأرسل البقرات لذبحها، لكنها انجرفت بطوفان الأقصى فظهر الشعر الأبيض على ظهورها، لذا فلا ينبغي أن يُستبعد طوفان الشعوب ليس لإزالة حكامها وإنما لتقول نريدكم أقوياء لندعمكم، وأن التطبيع ينبغي أن يكون بين الغرب ودول المنطقة التي فيها ومعها المصلحة الحقيقية ولا تمثل إن تصالحت مع أهلها عبئا أو تكلف الغرب، بل ترفد اقتصادا مشتركا وصناعات تكاملية وعلاقات استراتيجية مع شرعية بلا تكلفة، أما ترك كيان بات ثقيلا فسيظهر لاحقا ما ارتكبه بايدن وحكومته من مشاركة في جرائم ضد الإنسانية في غزة شاء أم أبى، والشعب الأمريكي الحر أول الشهود على ذلك عندما رفض التنازل عن حرية التعبير وامتهان حقوقه من أجل الكيان.

تحذير وبيان

هذا تحذير وتنبيه لأمريكا والغرب أنهم يخاطرون عند دعمهم للكيان بمصالحهم وأن وقوفهم في هذه الحرب بشكل مشارك في قتل الفلسطينيين سيسجل عليه، وهم كما حساباتهم في المقاومة خطأ فإن حساباتهم بإهمال رد فعل الشعوب خطأ، وأن دعمهم لكيان طفيلي هو استنزاف لدم ومصالح الغرب في المنطقة وبناء جدار عزل نفسي مع الغرب، وتعظيم معاداة الغرب وتشجيع الكراهية للغرب بين شعوب المنطقة لتقول للغرب، فنحن فقط وبهذا الوضع البائس من يمثلكم حتى ولو كنا محض قراد يلتصق بدرّة وأضرع البقرة التي هي أنتم، ونريد مشاركتكم في منافع دول المنطقة. ولا بد من إبعاد الغرب وكرهه لشعوب المنطقة، وهذا لعمري أمر يحتاج نظرا، وإن بناء علاقات استراتيجية واندماجية مع الحكومات الواعدة في الديمقراطية والنهضة كشريك ناجح هو الأفضل بدل الكلام الفوقي وفرض السياسات التي تدركها تلك الدول بشكل أوضح من منطلقات الكراهية والاستصغار.

مواقف لا بد أن يعيها الغرب

إن الكيان يُدخل الغرب في رحلة تبديد المصالح ونفور الحلفاء من سلوكية سيئة واستكبار مقيت بصبر الحليم والذي يسد المواقف بتصور الغرب، وأن ما يفعله العرب هو إرغام واستسلام وليس خطبا لشراكة بسلام ورغبة في التعاون.

جرب الغرب أن الطاقة من غير السعودية لا تتوازن، وهل سيتوازن المال والأعمال بلا الإمارات؟ وهل ستتوازن السياسة والمفاوضات المستحيلة بلا إبداع سياسي قطري؟ وهذه دول صغيرة بحجمها كبيرة أعمالها، وهي تستحضر الأمل بالسلام والنهضة فما بالكم ببقية البلاد إن استقرت، بينما دعم الغرب للكيان على خرافات ثيوقراطية أو قاعدة ثبت فشلها أمام فصيل بنيف وألف، وشعب محاصر منذ ما يقارب العقدين لا يتنفس ولا يأكل إلا بالإشارة، وهو ما ثبتت هشاشته وتكلفته ومدى تأثيره على الداخل والعلاقات الخارجية.

إن استقرار منطقتنا ينبغي أن يكون هدفا ليس بتغليب كيان طفيلي على المنطقة يسبب القلق، بل بدعم الإصلاحات والشراكة مع دول المنطقة المنتجة للخام والتي يمكن أن تكون حاوية للمشاريع المشتركة والصناعات وبكلفة قليلة لأنها مصدر الطاقة، عندها سنجد بلادا غير البلاد وأفكارا بلا كراهية المغلوب المظلوم، ونجد التحول إلى الصداقة والمشاركة في بناء المدنية، بدل أن تبعدهم ملامح الاستكبار فيتجهون ليكونوا مع قطب آخر، وهذه خسارة للقطبين وللمنطقة في تحطيم أمل السلام والاقتصاد والتوازن العالمي الذي هو دول المنطقة السليمة المعافاة المليئة بالموارد الطبيعية والموارد البشرية والهمة عند السلام وإحياء الأمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق