الجمعة، 26 يوليو 2024

فِرقة العمال المصرية والإجرام البريطاني

  فِرقة العمال المصرية والإجرام البريطاني

يسري الخطيب
- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات


1- عندما صدرت الترجمة العربية لكتاب: (فِرقة العمال المصرية) للمؤرّخ الأميركي د. كايل آندرسون، الأستاذ بجامعة ولاية نيويورك؛ توهّمتُ أن زلزالا شعبيا وإعلاميا، سيهزُّ مصر كلها، وأن الفضائيات والمواقع الإليكترونية، ستعلن النفير مطالبةً بحقوق هؤلاء المصريين، ومحاكمة بريطانيا.

2- ومنذ صدور الترجمة العربية للكتاب، في أغسطس 2023م، للآن، لم يحدث شيء، بل لم يعرف هؤلاء (العِرر) أن كتابا صدر يعلن عن قضية خطيرة، وفضائح ستظل تلاحق الأجيال..

3- مضايقات وتضييقات مصرية كثيرة حدثت مع المؤرخ الأمريكي العالمي د. كايل آندرسون، صاحب كتاب (فرقة العمال المصرية) عندما بدأ في بحثه عن العمالة المصرية -حسب قوله- ورفضت الحكومة المصرية إعطاء الرجل أي معلومات.

4- المؤرخ الأمريكي كشفَ بالوثائق عن جريمة تجنيد بريطانيا بالقوة، لنصف مليون عامل مصري للعمل كقوة معاونة لجيوشها في مختلف أنحاء العالم في ظروف أقرب للسُخرة، فكانوا يقومون بحفر الخنادق، ومد خطوط السكك الحديدية، وأعمال النظافة، وخدمة جنود وضباط بريطانيا، وكشف الكتاب أيضاً أن معظم أفراد هذه الفرقة لم يعودوا إلى وطنهم، وتم اكتشاف شواهد لقبورهم في مدن أوروبية وعربية مختلفة.

5- قال د. آندرسون خلال برنامج «معكم منى الشاذلي» إنه أمضى 7 سنوات في كتابة الكتاب، منها 3 سنوات في جمع المعلومات والبحث، مشيرا إلى أن الكتاب كان في الأساس رسالة الدكتوراة الخاصة به.

6- قال مترجم الكتاب، الدكتور شكري مجاهد، إن جده كان أحد أفراد «فرقة العمالة المصرية» التي شاركت في الحرب العالمية الأولى، معربا عن دهشته إزاء التعرف على تفاصيل مشاركة جده في الحرب من خلال كاتب أجنبي.

وتابع: «المفارقة أن شخصا أمريكيا هو الذي أطلعني على شيء كنت أعيش فيه، وعائلتي لا تعرف له اسمًا!».

7- اختيار بريطانيا للمصريين للانضمام إلى «فرق العمالة» لم يكن عشوائيا؛ بل كانوا يختارون الشباب الأقوياء بدنيا، دون اكتراث لظروف أسرهم، مضيفا أنهم كانوا يجرون فحوصات طبية لاختيار الأشداء الأصحاء فقط.

وكانوا يجبرون العمال على العمل حفاة الأقدام تحت حرارة الشمس في رمال سيناء وليبيا وفلسطين الحارقة وبرودة طقس مارسيليا واليونان؛ لتوفير نفقات الحرب.

8- يروي كتاب (فرقة العمال المصرية) القصة المنسية لأكثر من نصف مليون فلاح مصري في فرقة العمال المصرية، تم اختطافهم من قراهم ومدنهم في مصر، وإجبارهم على السخرة ليشتغلوا عمالا عسكريين أثناء الحرب العالمية الأولى: يقومون بمهام الشحن والتفريغ على أرصفة فرنسا وإيطاليا، ويحفرون الخنادق في غاليبولي، ويسوقون الجمال المحمّلة بالمؤن والذخائر، في صحاري ليبيا والسودان وسيناء، ويقومون بأدوار الشرطة، لفرض النظام بين سكان بغداد المحتلة، وبلاد الشام، وأفريقيا.

وأنشأت الفرقة المصرية مئات الأميال من خطوط السكك الحديدية وأنابيب المياه الواصلة بين مصر وفلسطين، والتي أصبحت أساس البنية التحتية للإمبراطورية البريطانية في المنطقة.

9- كشفَ المؤرخ الأمريكي الحُر، عن الوجه العنصري القبيح للاستعمار البريطاني الذي يجرّد العمال من إنسانيتهم، ومن حقوقهم، ويعاملهم كالحيوانات، ولا يسجل أسماءهم عندما يموتون، أو يعودون إلى بلدانهم بعاهات مستديمة وقلوب منكسرة.

10- يقول المؤرخ الأمريكي الذي يجيد اللغة العربية: (أردتُ من خلال كتابي أن أفضح العنصرية الغربية، وأن أكشف عن الأسماء الحقيقية للعمال المصريين الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى لتعويضهم عمّا لقوه من أذى ومن إصابات، فضلا عن تعويض الذين ماتوا وقتلوا غيلة وغدرًا أثناء قيامهم بمهامهم في أوروبا وغيرها من البلاد، لمجرد أنهم كانوا يطالبون بحسن المعاملة وتحسين ظروفهم المعيشية، فكان يتم الاعتداء عليهم مباشرة بالرصاص الحي. وأستطيع أن أؤكد أن عدد القتلى والموتى بين العمال خلال الحرب لا يقل عن 20 ألف مصري، قُتِل ومات منهم عدد كبير في الغرب وفلسطين)

11- أعلن المؤرخ الأمريكي والأستاذ الجامعي، صاحب كتاب: (فرقة العمال المصرية) أنه لم يستطع تحديد أسماء هؤلاء العمال، لأن دار الوثائق القومية المصرية التي تضم جميع الوثائق والأسرار، رفضت الإفصاح عن أسمائهم، حتى لا يقوم أقارب هؤلاء العمال بمقاضاة بريطانيا دوليا، وفتح كتابها الأسود.. فربما كانت الحكومة المصرية تنتظر الفرصة المناسبة لتبتز بريطانيا، ولكن لصالحها، وليس للعمال المصريين.

12- يكمل المؤرّخ الأمريكي: (من السهل الحصول على الوثائق والمعلومات عند البريطانيين، أما عند المصريين، فالأمور صعبة جدا ومعقدة، وليس من السهل الاطلاع على وثائقهم القديمة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أعتقد أن العمال المصريين كانوا أميين لا يعرفون القراءة والكتابة، ولذا لا توجد مراسلات وخطابات لهم)

13- المصري الوحيد الذي سبقَ المؤرخ الأمريكي، وكتب عن ذلك، هو المثقف المصري اليساري “عصمت سيف الدولة المحامي”، الذي جمع بعض الحكايات في كتاب (مذكرات قرية مشايخ جبل البداري)

ويروي الكتاب قصة فرقة العمال المصرية في الحرب العالمية الأولى، الذين كان معظمهم من القرى في الصعيد والدلتا، وتم تجنيد كثير منهم بالقوة ليصبحوا عمالاً عسكريين في سيناء وفلسطين وليبيا والسودان والعراق وسورية وفرنسا وإيطاليا، كما تطرقت بعض فصول الكتاب لوقائع مقاومة التجنيد عام 1918م، حيث تصدى الفلاحون المستهدفون للجنود البريطانيين في 25 حادثاً على مدى ثلاثة أشهر، وراح ضحية هذه المقاومة 35 قتيلاً و34 جريحاً، كما اعتقل خلالها 85 عاملاً.

14- أشار المؤرخ د. آندرسون في الكتاب إلى أنه إذا كانت الدولة المصرية قديما وحديثا قد تجاهلت المشاركين في فرقة العمال المصرية، أو تغافلت عنهم، فقد احتفظت الثقافة الشعبية المصرية بذكرياتهم، فنجد أغنية «سالمة يا سلامة» لسيد درويش تسرد تجارب فرقة العمال المصريين على الجماهير، وكذلك روت القصص الشعبية في جميع أنحاء الريف المصري سيرتهم، وكانت أحياناً هي كل ما تبقى من أخبارهم لدى العائلة أو عند أحبائهم، كما تطرقت إليهم روايات مثل «بين القصرين» لنجيب محفوظ، وأفلام مثل «سيد درويش» الذي تضمن مشاهد لرجال يجلدون فرقة العمال، ويشير الكتاب إلى دور الخيانة الذي لعبته بعض الصحف في تلك الفترة، مثل  «الأهرام» التي كانت تطالب المصريين بالعمل في معسكرات الجيش البريطاني، وكان إعلان الأهرام يقول: (يمكن للمتعطلين عن العمل أن يجدوا فرصة سانحة في الانضمام إلى خدمة السلطات العسكرية التي تصرف أجراً جيداً لا يقل عن سبعة قروش في اليوم)، وأيضا صحيفة «المقطم» التي كانت تصف التجنيد في فرقة العمال بأنه «فرصة سانحة»

15- نصف مليون شاب مصري، في فترة الثلاثينيات.. في وقتٍ كان عدد سكان مصر لا يتجاوز 20 مليون..

نسبة كبيرة جدا

شباب تم اختطافهم من قراهم ومدنهم في جميع أنحاء مصر.

نصف مليون مصري، تم اختطافهم من بين أطفالهم وأمهاتهم، ولم يعودوا لديارهم

العدد كبير جدا، ولا يقل عن نسبة جلب العبيد من أفريقيا

ما الفرق؟

كلهم كانوا بالنسبة لبريطانيا مجموعات من العبيد: المصري أو الأفريقي.. تسخّرهم لخدمتها، ومن يعترض، أو يتمرد، يُقتَل بالرصاص في الحال.

16- عاش معظم هؤلاء الشباب بعد الحرب العالمية في البلاد الغريبة التي أخذوهم إليها،، في بلاد العرب، أو العجم.. تزوَّجوا وأنجبوا، وبعض القرى والمناطق في البلاد العربية تحمل أسماء قرى مصرية ينتسب إليها هؤلاء الشباب..

ماتوا جميعا، ولكن الأبناء والأحفاد، لا يعرفون جذورهم المصرية..

ولا يعرف الأحفاد في مصر أين أقاربهم الذين اختطفتهم بريطانيا، وجذرهم المنسي في بلاد العرب أو أوروبا.

عاد بعضهم، ولكن معظمهم استوطن بلاد الغربة، ولم يعد غريبا، فقد استطاع بذراعه ومجهوده أن يصبح مالكا ثريًّا، والمال للغريب وطن.


صور لفِرقة العمال المصرية والإجرام البريطاني







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق