في ظلال الإسلام: تجديد الفكر الديني الكويت نموذجاً... دستوراً وواقعاً (1-2)
كانت الحرب العالمية الأولى المسمار الأخير في نعش الإمبراطورية العثمانية، ولم تجد من يبكي أو ينتحب عليها، عندما قام كمال أتاتورك بانقلابه عليها وألغى فيها الخلافة سنة 1924، فتخلت عن جوهر الحكم في الإسلام، المتمثلة في مبادئه الأربعة: العدل، والحرية، والمساواة، والشورى.
بين عصرين
لم يكن للسمع والطاعة وجود في صدر الإسلام، سواء في عصر النبوة، أو في عصر الخلافة الراشدة، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول للناس: «ما نَهَيْتُكُمْ عنْه فَاجْتَنِبُوهُ، وَما أَمَرْتُكُمْ به فَافْعَلُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ».
وفي عصر الخلافة، يقف سيدنا أبوبكر رضي الله عنه، بعد توليه الخلافة مخاطبا الناس «... إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني».
ويقف عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بعد توليه الخلافة مخاطبا الناس «....إن رأيتم فيّ اعوجاجا فقوموني» فيرد عليه أحدهم ليقول له «والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بحد سيوفنا، فيرد عمر ويقول: الحمد الله الذي وجد في أمة محمد، من يقوّم عمر بحد السيف».
وإن الخليفة الأموي، عبدالملك بن مروان، وقف بعد توليه الخلافة مخاطبا الناس يقول لهم «إنني في مقامي هذا من قال لي اتق الله، جعلتها في رقبته».
سقوط الإمبراطورية العثمانية
وقد كانت الحرب العالمية الأولى المسمار الأخير في نعش الإمبراطورية العثمانية، ولم تجد من يبكي أو ينتحب عليها، عندما قام كمال أتاتورك بانقلابه عليها وألغى فيها الخلافة سنة 1924، فقد تخلت عن جوهر الحكم في الإسلام، المتمثلة في مبادئه الأربعة: العدل، والحرية، والمساواة، والشورى.
ولم تمض بضع سنوات إلا وكانت الصحوة الإسلامية التي تمثلت في جماعة الإخوان المسلمين، لإعادة الخلافة الإسلامية، ووجدها السلطان فؤاد، الذي أصبح ملكا على مصر بعد صدور دستور 1923، فرصة سانحة ليكون خليفة المسلمين.
فتصدى لهذه القضية، قضية الخلافة الإسلامية فضيلة الشيخ علي عبدالرازق، في كتاب أصدره في هذا الخصوص، «الإسلام وأصول الحكم»، لا يزال تجديدا للفكر الإسلامي والخطاب الديني بعد ما يقرب من مئة عام على صدوره.
السمع والطاعة
وقد أغضب هذا الكتاب الملك فؤاد، كما أغضب علماء الأزهر الشريف، إلا أن الخطأ الذي وقعت فيه جماعة الإخوان المسلمين، هو أن تنظيمها، كان يقوم على «السمع والطاعة»، فلم تفتح لأعضائها باباً للاجتهاد وتجديد الخطاب الديني، لمواجهة التحديات التي واجهتها هذه الجماعة على مدى قرن من الزمان، في خطاب إعلامي، هو عالمي بحسب نشأته، بنزول الوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هدى للعالمين، بغض النظر عن أعراقهم وأجناسهم وألوانهم واختلاف ألسنتهم، وقد خاطبهم القرآن بـ«يا بني آدم» و«يا أيها الناس، » فالإسلام دين عالمي جاء للناس كافة في قوله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» (سبأ، 28).
وقد واجهت جماعة الإخوان المسلمين، عندما انتخب د. محمد مرسي رئيسا لمصر، بعد ثورة 25 يناير، مشكلة السمع والطاعة للمرشد العام، لهذه الجماعة، وقتئذ محمد بديع فرأى الأخير أن يحل د. محمد مرسي من قسمه بالسمع والطاعة، وقد أصبح رئيسا لمصر، وكان الحل من السمع والطاعة يجب أن يكون عاما شاملا لكل أفراد الجماعة، وقد انخرطت في العمل السياسي، وأنشأت حزبا من الأحزاب الذي خاضت به معركة الانتخابات للبرلمان، وقد غلبت على التيار الإسلامي النشوة والزهو بالأغلبية الكبيرة التي حصل عليها في الانتخابات، فراح يدعو الى السمع والطاعة في منتدياته وصحفه وقنواته الفضائية، والى قتل النفس التي حرام الله قتلها إلا بحق لكل من يخرج على طاعة الحاكم، وهي الدعوة التي أطلقها د. محمود شعبان في إحدى الفضائيات.
ويشبه الأستاذ محمد عبدالمقصود د.محمد مرسي بالرسول، صلى الله عليه وسلم، يوم الحشد الذي حشده الفصيل الحاكم في 31/6/2013 في رابعة العدوية بمدينة نصر، فيقول لهم عندما طالب الرسول المسلمين بالبيعة، فسألوه: نبايعك على ماذا؟ فرد عليهم الرسول تبايعونني على السمع والطاعة.
ويخطب المهندس عاصم عبدالماجد عضو مجلس شورى الجماعة في الحشد سالف الذكر الذي حمل شعار «لا للعنف» فيعلن أنه يرى، رأي الحجاج، رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لقاطفها بإذن الله، فلم يكن الحجاج فردا بل كان نظاما استمر قرونا طويلة بعد موت الحجاج، يقتل ويعذب ويشرد وينتهك الحرمات، رافعا راية الإسلام.
وتخسر مصر ثورة 25 يناير التي بهرت العالم أجمع على صخرة (السمع والطاعة) لأولي الأمر، وقد حذر كيسنجر، داهية السياسة الأميركية، وراسم سياستها لعدة عقود من الزمان، حذر نتنياهو من شعب مصر، الذي قام بهذه الثورة.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية عن الكويت نموذجاً لتجديد الفكر الديني، دستوراً وواقعاً.
المصدر: هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق