لم توفق حركة فتح رائدة التيار الفلسطيني الوطني بإنقاذ القضية الفلسطينية، ولم توقف أو تحقق تراجعا في تمدد وتوسع المحتل الإسرائيلي في القدس ومعظم مدن الضفة الغربية، بل إنها قد أنهت مسيرة التضحيات الجليلة خلال عدة عقود بمشهد مخز مذل ومهين عنوانه الاستخذاء أمام المشروع الإسرائيلي.
إن أدنى درجة من درجات الانتماء والحس الوطني توجب على السلطة الوطنية الفلسطينية العاجزة في رام الله أن تعلن اعتزال مهامها وحل السلطة التي شكلها المحتل الإسرائيلي والراعي الأمريكي وفق مسطرته وخدمة لرؤيته في خصي التيار الوطني والذي قد خصاه تماما عن الفعل السياسي للدرجة التي جسدتها سلطة رام الله مؤخرا تجاه هولوكست غزة!
كما لم توفق حركة حماس رائدة التيار الإسلامي الفلسطيني بإنقاذ المسار الفلسطيني ووضعه على السكة الصحيحة إلا في مقولاتها الأولى، وبدل أن تحقق الوحدة السياسية بين فلسطين ومحيطها العربي، فقد كانت تصوراتها الخاطئة واجتهاداتها القاصرة سببا في تمزيق سياسي عميق للكيان السياسي الفلسطيني، كما كان خيارها الآثم في العلاقة والحلف مع إيران سببا في خلق فجوة كبيرة بين المسألة الفلسطينية وعموم الدول العربية، وعلى وجه الخصوص الدول التي تحتل عواصمها إيران!
امتناع المراجعة عذر أقبح من ذنب:
رفضت حركة فتح وقياداتها الوطنية إجراء مراجعة حقيقية لتحديد أخطائها منذ اتفاقية أوسلو الآثمة، والمتعلقة برقبة قياداتها التاريخية، بل كلما تقدم الزمان باتت قياداتها أكثر دفاعا عن مسارها المنحرف رغم وضوح آثاره وتحقق آثامه!
وكذلك تبعتها حركة حماس حذو القذة بالقذة ورفضت وامتنعت عن مراجعة مسيرتها، بل كلما تقدم الزمان اشتد دفاع وتبرير قيادات الحركة عن مواقفها السياسية الخاطئة، وازداد ارتماؤها بحضن ملالي إيران حتى أنها باتت تحمي نفسها سياسيا من خلال محور إيران وتبيت ليلا في فك الحوت الذي قارب على ابتلاعها في بطنه!
والغريب أن قيادات التيار الفلسطيني الإسلامي والوطني يكممون أفواه المصلحين ويعرضون عن الناصحين، وتراهم عن الشهداء والتضحيات متحدثين!
إن شهداء فلسطين ودماءهم الزكية وتضحياتهم الجليلة لا تعكس انحرافات التيارات السياسية بل تعكس الامتلاء بالدين كما تعكس حيوية الفلسطينيين.
ومع كل تحد وحرب وموت جديد، تطالب القيادات التنظيمية جموع الشعب والشباب بالصبر وتقديم التضحيات، فيما لا تصبر الحركات هي نفسها على السير في الاتجاه الصحيح فتراها تقدم التنازلات السياسية مقابل الحفاظ على وجود الحركة والتنظيم واستمرار نفوذه وثبات تموضعه!
السؤال الخطير والجواب الخاطئ:
هدمت غزة.. فهل هدمها وفناؤها ثمن للمقاومة القويمة؟
أجاب عن ذا السؤال أحد القادة والرموز الكرام للمقاومة قائلا بأن غزة قد هدمت وأن هذا ثمن المقاومة!!!
أقول إن هذا الجواب غير صحيح بمعنى غير دقيق، وفيه مخادعة وهو منهج المستكبرين -رغم حسن الظن بالأخ-، وسأكتفي بالرد من ثلاثة أوجه:
1/ إن هدف الجهاد النهائي عمارة الأرض وليس خرابها، وإن مثل هذا الطرح الذي يربط بين أعظم جوانب الإسلام وذروة سنامه -الجهاد- وبين الخراب والهدم وسحق وإتلاف البشر الذي تجسد في غزة وأهلها، طرح يدعو للبعد عن الدين وليس الإقبال عليه، ولعل أول وأكثر من سيرفض تكراره بهذا الشكل وتلك الإدارة ضمن تصورات مغلوطة سبقته، هو أهل غزة المجاهدون والمرابطون والمضحون، وليس في هذا ردة عن الدين بل هو إدراك للخلل والتصور العليل.
2/ إن هدم غزة لم يمس الحجر والشجر فحسب، بل توحش في إتلاف البشر بشكل فريد لم تعهده فلسطين المجاهدة منذ أن احتلها الإنجليز ثم الصهاينة قبل قرن، حيث لم تشهد فلسطين وعموم دول المنطقة توحشا مثل هذا التوحش الا على أيدي المشروع الطائفي.
أقول إن الحديث والتفسير البدائي غير الدقيق ولا العميق الذي يتحدث به القائد الكريم معترفا بأن غزة قد هدمت ومبررا ذلك كثمن للمقاومة هو حديث غير شفاف ولا هو نزيه!
غزة وأهلها هدمت بالفعل بقرار أمريكي وبأيدي صهيونية، ولكن هدمها جاء كنتيجة وثمرة للارتباط العضوي والحلف الفولاذي بين المقاومة الفلسطينية وبين المشروع الإيراني، والذي ليس له علاقة بالأقصى ولا يعنيه أصلا الشعب الفلسطيني ودماؤه النازفة، بل هو نموذج لاستباحة الدماء والتوحش في كل محيط فلسطين الأمر الذي رفع سقف اجرام الصهاينة.
ومنذ سنوات طويلة وأنا أتحدث وأكتب محذرا من نهايات فاجعة وفشل ذريع للمشروع الفلسطيني وتلويث للمشروع الإسلامي بسبب الارتباط بالمشروع الإيراني، وقد نبهت مبكرا لما طرحه الاخ صالح العاروري -نحسبه شهيدا ولا نزكي على الله أحدا- تحت عنوان مشروع وحدة الساحات والذي تبنته قيادة حركة حماس وبنى عليه خطوات هامة ذراعها العسكري القسام، وبات خطاب الضيف وحلم السنوار!
أقول، لم يخل القرن المنصرم في جميع عقوده من قتال وجهاد المحتلين، ولم تكن نتائجه هدم كل مدن فلسطين!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق