الأربعاء، 24 يوليو 2024

لماذا كامالا هاريس؟!

لماذا كامالا هاريس؟!




 الديمقراطية في تعريفها الأساس “طوباوية” غير ممكنة التحقيق وهي (حكم الشعب بنفسه لنفسه)، فهذا لم يحصل أبدا، ديمقراطية أثينا التي استبعدت الأجانب والنساء والعبيد وفق قيم اجتماعية في النظرة إلى المرأة والعبيد ليس هنا مجال شرحها، ولم تكن النظام المفضل لدى طلاب سقراط لأن هذا النظام يجلب الغوغاء عندما تسود الغوغائية والرعاع البلاد، وحسب ويكيبديا، فإن الأثينيين كانوا نحو 300 ألفا ولم يكن التصويت يحق إلا لنحو 30 ألفا أو 50 ألفا، أي رسميا نحو 20% من السكان، ومع هذا كان هنالك إحساس بالظلم رغم أن الانتخابات مباشرة وهي أقرب إلى الديمقراطية كفكرة نظريا، فانقطعت واستعيدت، واستمرت إلى 440 ق.م حيث دخلت إسبرطة لتقضي على الديمقراطية، فنظام إسبرطة عسكري يعتمد الإخضاع والإذلال للعدو، وهو شبيه بالنظام العسكري الأمريكي الذي لا يظهر بوضوح إنما يراه من يقع تحت الاحتلال، وهو يتماهى مع المشاعر البدائية التي تجدها عند الجماعات المتطرفة المتخلفة التي تشبع عندهم غريزة حب السيادة، فيشعرون باللذة التي لا تلبث أن تتحول إلى أمراض نفسية إما بالارتداد نحو يقظة الضمير أو الاستمرار في الجريمة.

ولعل من المبالغة وصف الديمقراطية الرومانية بالمباشرة ما خلا الرومانية القديمة إلى أن أتى لاحقا الأباطرة مثل يوليوس قيصر ثم سلطة مجلس الشيوخ (القناصل في الجمهورية) ومن أشهرهم أنطونيوس ماركوس وكان من مساعدي يوليوس قيصر وفابيوس الذي انتُخب قنصلا خمس مرات أيضا كديكتاتور مرتين، وفق معلومات ويكيبديا.

النظام الديمقراطي في العصر الحديث

ليس غير سويسرا تتبع نظام الديمقراطية المباشرة في استفتاء الشعب.

في الولايات المتحدة كنموذج يبدو اليوم في وضوح الديمقراطية بحسناتها ومساوئها، وليس ممثلا لها بمحافظتها كبريطانيا، فإن الأحزاب من تقرر الشخصيات التي تحكم البلاد، والشعب يختار من بين المعروض الى أن وصلنا اليوم إلى ترامب وبايدن، وكأن الولايات المتحدة عقيمة ليس فيها غيرهما، وبعد تراجع بايدن سنجد احتمال أن تكون كامالا هاريس المرشحة التي ستواجه ترامب، والأرجح في تقديري أنها ستفوز في الانتخابات، ليس لأنها أفضل من ترامب فهو رجل ميزته أنه من أصحاب المصالح ممن يمكنهم الظهور، وإلا فهما ليسا مختلفين من حيث الثقافة العامة أو النظرة إلى العالم والجغرافيا.

المجتمع في أمريكا ظهر مدنا تأتلف على أشخاص يديرون أمرها، ثم تكونت الدولة الكونفدرالية ثم الفدرالية، لكن هذه المجتمعات بدأت تدريبها عمليا القوى النافذة ورؤوس الأموال والذين يؤثرون في اختيار من يرعى مصالحهم.

وعندما ظهرت الأحزاب فهي أحزاب برامج ومدنية لها برامجها في التنمية وترعاها طبقة من أصحاب المصالح سمّاها كارل ماركس (الرأسمالية)، والنظام كله آليات دائمة التحديث لحماية الرأسمالية ومصالحها وضبط الأفعال عند الجمهور ليكون رأس المال آمنا، والتنمية والسوق فاعلا، وتثبيط أي شعور بالغبن أو إحباط فاعليته التي تؤدي إلى ثورة أو فوضى معيقة للأمن الذي لا يمكن لأي مدنية أن تنمو بفقدانه، وكل ما نراه هو ترجيح المصالح وإدارة التوجهات لتحقيق أفضل حالات الاقتصاد للولايات المتحدة التي يثبت اقتصادها سلطة الدولار الذي تثبته القوة العسكرية وإمكانية الردع للمخالف لها، وإن بدأت روسيا اليوم تتعامل بالروبل إلا أن القاصمة إن اتفقت الصين ودول أخرى على التعامل بغير الدولار، وربما الدول النفطية الأقدر على إنجاح هذا التحدي إن استخدمت عملة ترتكز على النفط في الوقت المناسب، وهو ليس إلى ما لا نهاية مع التقدم التقني والعلمي، وهذا قد يبدو غريبا إلا أنه بالتأكيد يعتمد على مدى فاعلية روسيا في حربها على أوكرانيا التي تتردد في حسمها، لأن الغرب لن يتردد في دخول حرب عالمية من أجل ألا تفوز روسيا.

الديمقراطية بالخلاصة اليوم اختيار وليس انتخابا، وهي لا تمثل الشعب وإنما الأحزاب، لهذا نرى الاضطراب في دول العالم الثالث ما بين بركان يغلي وبركان متفجر، أو خامد لا تعلم متى يطلق حممه، كل هذه الفوضى من نظام عالمي ينقصه العدالة وليس العدل فقط. 

لماذا كامالا هاريس؟

ترامب شخص يغلب عليه الغرور مع السطحية، وهذا أمر خطر عند العقلاء، ولا شك أن أصحاب المصالح عقلاء في اتجاه مصالحهم، فهم يريدون أن تمضي مصالحهم مع واجهة مطيعة، وفي هذا الوقت والتوتر العالمي، لا يحتمل النظام الأمريكي المفاجآت، لأن معاناته كثيرة، وهم لا يخافون أن يبدأ ترامب حربا، بل قد يخافون ألّا يبدأها، فالرجل من خلال سيرته ينمي المال ويستدره باستغلال نقاط الضعف والخوف عند الآخرين، فيستثيرها ويتعامل بطريقة إسبرطة مع من يظن أنهم أدنى منه وأنهم يملكون ما لا يستحقون، وليسوا إلا سوقا لبضائعه، وهذا خطر جدا إن صدر قرار من هذه الدول بعكس الاتجاه، لكنه يحترم القوة عند إيران وروسيا، اللتين يبدو أنهما لا تدركان ذلك، وإنما تختبران ردود الفعل وتثبطانها، وهي فرصة للدولة الأمريكية العميقة أن تزيد معاملات معادلة النجاح في إخضاع الدولتين.

كامالا هاريس كانت تُمتحن في فترة توليها نيابة بايدن، والأرجح أنها كانت تنسجم مع إرشادات الخطوط العريضة لأصحاب المصالح، لذا لم نجد أي تردد في ترشيحها مباشرة، فهي مناسبة أكثر من الجميع، وحتى لو فاز بايدن فإنه كان سيترك الرئاسة متنحيا لها، غير أنه بلغ حدّا لم يعد به منافسا منطقيا يحقق المنطق الديمقراطي عند فوزه، فكانت الحركة الأخيرة التي ستبقي المصلحة، وترامب لن يفوز أبدا بمنهجه القديم المستخف بالآخرين، وزمن الاعتراف بالقدرات ضروري بعد طوفان الأقصى، الذي ما زال فعلا ليس له رد فعل في الدول المحيطة بغزة، غير أن منطق فوزه إن بقي بايدن هو الأرجح بعد حادث إطلاق النار وتعاطف السطحية الغالبة التي تقدس لمسات الإثارة في مشاهد واقع الحياة.

ومع هذا فهنالك سياسات كثيرة سيعاد النظر فيها بما يسترجع من توجه الى الجمهوريين وترامب لأهمية ذلك في المرحلة الحرجة المقبلة، لكن هذا سيفرض تغييرا منهجيا في الحزب الديمقراطي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق