"سلخ الإسلام وتقطيعه"
أ. د. زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
نعم، سلخ الإسلام كالذبيحة وتقطيعه، بل وتفتيته لجعله مقبولا ومباحا في الغرب! وخاصة: أن يتم عمل الجزارين الشائن هذا بأيدي المسلمين، أي ان يقوموا بذبح دينهم بأيديهم.. تلك هي المطالب الرئيسية التي يفرضها من يديرون اللعبة السياسية القذرة، وكل من يتواطأ معهم، سواء أكانوا فاتيكانيين وسياسيين أو غيرهم. فالكتابات واللقاءات أو حتى الندوات التي تفترش أخبارها الساحة الإعلامية العالمية الأوروبية يتزايد إيقاعها حتى الغثيان من القرف والأكاذيب.
أن يتم فرض مثل هذه الخيانة الفاضحة على المسلمين، فذلك يعني أن يُفرض عليهم كل الطريق السلبي الذي سلكته الرسالتان التوحيديتان السابقتان: اليهودية والمسيحية. كما يعني خاصة أن يُفرض على المسلمين تلك المحنة الشديدة الدامية المسيرة، التي سلكتها المسيحية، بما فيها من نسج وترقيع، مع تناسي أنه من بين الرسالات التوحيدية الثلاث الحالية، الإسلام وحده هو المنزّل، ونص القرآن الكريم هو الوحيد الذي لم تطوله أيادي التحريف منذ أن أنزله المولى عز وجل حتى يومنا هذا.
وهل لي تكرار أن محاولة اقتلاع الإسلام تتم بوحشية منذ 11/9، وهي أحد قرارات مجمع الفاتيكان الثاني، وذلك بإصدار قرار تنصير العالم، في نفس الوقت الذي قام فيه المجمع بتبرأة اليهود من دم المسيح، رغم وضوح النصوص الحالية التي تؤكد قتلهم للسيد المسيح، وخاصة تحديد "أن اليهود ليسوا بحاجة الى التبشير"!!
وهو ما يعني تحديدا: حرب شرسة ضد الإسلام وحده.
كما أن باباوات ما بعد المجمع الفاتيكاني الثاني متورطون بدناءة في هذه المذبحة الدائرة.
ولا أذكر منهم سوى الأخير: فأثناء زيارته الخاطفة لمصر يوم 28ـ29 إبريل 2017، التقى برجوليو على انفراد بالقيادات الثلاث السياسية والدينية، ونفث فيهم سمومه وفر عائدا. ويوم 3 مايو، أثناء أول قداس يعقده مع أتباعه، قال وهو يقص عليهم موجز رحلته في القاهرة، أنه قد اقترح على هؤلاء المسؤولين الثلاثة تنفيذ "العلمانية الصحية"، أي فصل الدين عن الدولة. وهو ما يعني المجزرة التي تدور حاليا في تزايد مقزز، بأيدي بعض المسلمين وبعض الكنسيين العملاء.
نشأة المسيحية البشرية الصنع
نشأت اول جماعة مسيحية وتكونت في الصراعات والتنازلات وتحريف الوصايا اليهودية التي انبثقت منها. وتم اختلاق كلمة "مسيحي" سنة 50، وكلمة المسيحية ظهرت في أواخر القرن الأول. وتطورت بين الصراعات واللعنات المتبادلة الهرطقات في أوج الإمبراطورية الرومانية. وتم محاربتها ولم يُسمح للمسيحيين بممارسة عقيدتهم إلا بفضل مرسوم ميلانو الصادر في إبريل 312، وتم فرضها لأسباب سياسية على كل الإمبراطورية بفضل قرار تيودوز الأول سنة 391. وتم تكوين العقائد وفقا للأغراض السياسية بالنهل من عدة حضارات قديمة أو سائدة آنذاك، مع العمل على إبادة كافة النصوص التي تكشف مراحل هذا التكوين الآدمي الصنع أو يمكنها إثبات النقل والتزوير والمتناقضات.
وكانت المشكلة الأساسية التي واجهت آباء الكنيسة هي كيفية إقحام يسوع وفقا لوجهة نظرهم، ثم إقحام الروح القدس في ثالوث غير مفهوم التكوين، بينما تزايد عدد المدارس والمذاهب التي تتناحر حول طبيعة يسوع، وإرادته، وأفعاله وأقواله، ولا نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر سوى الأريوسية والنسطورية اللتان قامتا بتمزيق المسيحية في مرحلة تكوينها! والثلاث وسبعون هرطقة الثابت تاريخها وتفاصيلها، والتي اعترت المسيحية الحالية، تكشف ما فيه الكفاية حول التكوين البشري لها، وأنها أبعد ما تكون عن ديانة منزلة من عند الله. وكل ذلك لا يمنع أن يسوع قد تم تأليهه في مجمع نيقية الأول سنة 325، وأن الثالوث قد تم اختراعه وفرضه في مجمع القسطنطينية سنة 381. وهو ما يوضح أنه حتى القرن الرابع لم يكن للمسيحيين إله أو لم يكونوا على دراية بمن سيعبدون !!
قرون من الأكاذيب باسم المسيحية توالت وتم فرضها وتطويرها دائما خلال الصراعات والجرائم والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش. ثم يتم اكتشاف أن أصحاب الأناجيل ليست تلك الأسماء التي هي معروفة بها. ولا يوجد أي نص أصلي لها على الإطلاق، والنصوص المنقولة الموجودة تختلف عن بعضها البعض. والأدهى من ذلك أن مجمع الفاتيكان الثاني أوضح "أنها تحتوي على القديم والبالي، وإن مؤلفوها أشخاص أخرى غير التي هي معروفة بها، لكن الروح القدس قد ألهمهم"!
لقد انبثقت الكنيسة من كهنوت الديانات الوثنية، وبعض بقايا اليهودية، إضافة إلى نتيجة تدرجها وفقا للنمط الروماني. وهي وسيلة فعالة للسيطرة على الأتباع بصورة أفضل. إن كهنوت الكنيسة الرومية أصله غرور رجال يطمعون في الصعود والعلو للسيطرة على أمثالهم. والغريب أن يسوع كان دائم الثورة على لؤم وتجاوزات الكهنة في عصره، ولا أقول شيئا عن بذخ الثياب الكهنوتية الحالية وزركشتها الداعية للسخرية لبعدها عن بساطة زي يسوع أو جلبابه.. إن مؤسسي المسيحية كانوا يحلمون بحكم بلا شراكة أو منافس، فاختلقوا الكلمات اللازمة. ولم يدرك أحدا أن الأمر لا يعني أكثر من صراع على السلطة مثل الآخرين..
الكتاب المقدس
على حد قول العالم اللاهوتي العالمي بارت إيهرمان والعديد غيره: "إن الكتاب المقدس لا يحتوي فحسب على أخطاء وعدم دقة، وإنما يتضمن أيضا ما يطلق عليه العالم بأسره اليوم كلمة "الأكاذيب"، وإن معظم إصحاحات العهد الجديد كلها عبارة عن تزوير وتحريف".. وهو ما يضاف إليه حقيقة ان قلة من المسيحيين سيفهمون معني التناقض التالي: لو كان على يسوع أن يعود بالسرعة التي تنبأ بها، لما كانت الكنيسة بحاجة الى كتابة "العهد الجديد"! وهذه الجملة لا تزال موجودة في النص: "الحق أقول لكم من بين الموجودين هاهنا لن يذوقوا الموت قبل أن يروا ملكوت الله قد تحقق بقوة"! كما ان الاثني عشر جملة الأخيرة الواردة في انجيل متّى، التي تتحدث عن الثالوث لتبشير العالم باسمه، فالثالوث تم اختراعه وفرضه في أواخر القرن الرابع، فكيف يوجد في نص يقولون انه كُتب في القرن الأول إن لم يكن يشهد بصوت جهوري على التحريف، الذي تغص به هذه النصوص.
إن الحرب التي قادتها الكنيسة ضد العلماء ولا تزال، معروفة ومثبتة في التاريخ، ولا أذكر منها إلا ميشيل سرڤيه في القرن السادس عشر، وكان ينكر بدعة الثالوث وينتقد تكوين المسيحية بالإثباتات. فتم حرقه حيا بمعرفة الكنيستين، الكاثوليكية والبروتستنتية، رغم كونهما في حرب عاتية، لكنها اتحدتا لحماية عقيدة منقولة يصعب هضمها! كما ان الحروب الضارية تعتري مسيرة هذا الاختراع البائس المسمى مسيحية.
إن الإرهاب الحق يفترش الكتاب المقدس بأسره، خاصة العهد القديم الغارق في دماء القتلى وأشلائهم. أما العهد الجديد فيحتوي على نصوص لا يمكن للفاتيكان إنكارها. إذ نطالع في إنجيل لوقا الذي يقول على لسان يسوع: "أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي" (19: 27). ولم لم يتخلف مرقس عن تلك الأدلة الكاشفة إذ يضع على لسان يسوع: "لا تظنوا إني جئت لألقي سلاما على الأرض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا" (10: 94).. وقد أحصي فولتير، الفيلسوف الفرنسي الشهير، عدد خمسة عشر مليونا عدد ضحايا محاكم التفتيش من القرن الحادي عشر حتى عصره، وذلك في أوروبا وحدها. لذلك كان عصر التنوير ضرورة تفرض نفسها لتزيح الصمت عن كل هذه الجرائم وفضحها.
عصر التنوير
في محاولة للإطاحة بعصور الظلمات التي فرضتها الكنيسة منذ بداية تكوينها، ونشر المعارف التي تحاربها، تضافرت جهود الفلاسفة والمثقفين لنشر نور العلم الذي كانت تحاربه وتعتم عليه. فبدأت محاربة الخرافات وعدم التسامح ومبالغة سوء استغلال السلطة الكنسية، ومحاكم التفتيش، والمحارق، ومطاردة العلماء، ومنع الأتباع من قراءة الأناجيل، والحروب الداخلية وفي الشرق الأوسط وفي الأمريكيتين، وتطول القائمة الوحشية الدامية حين يتعدى الرقم الأربعين مليونا من الضحايا الذين راحوا ضحية الظلمات الكنسية.. ان الصفحات السوداء للكنيسة محفورة بعمق في التاريخ.
والظلمات هي موقف مناهض للمعرفة في كافة المجالات وتضع حاجزا وموانع متعددة لعدم نشر المعرفة. وهو ما لم يعرفه الإسلام على الإطلاق. فلم يكن من المباح معارضة الكنيسة وعقائدها الرسمية، إذ كانت تفرضها بالحديد والنار والصراعات الدفينة أو المعلنة، من أجل الاستحواذ على السلطة الدينية والمدنية. بل لقد أصدر البابا جريجوار السابع، في القرن الحادي عشر، خطابا رسوليا يحدد فيه علو السلطة الباباوية على كافة الملوك والرؤساء. بل والأدهى من ذلك ان الحاجة الى ضرورة استتباب السلطة الكنسية أدت بالكنسيين الى تزوير أجزاء من العهد الجديد..
كما أدى سوء استخدام السلطة الكنسية إلى النقد والتعرض لها مواجهةً. وقد سمح بكشف كل هذه الفضائح والمخالفات وجود محاضر الجلسات وقرارات المجامع ووثائق المعارك الدفينة او المعلنة، وعمليات التزوير وأخطاء الترجمة عمدا.. كلها وثائق موجودة رغم كل ما تم التخلص منه في القرون الأولى. وقد تطور هذا النقد الفاضح بفضل تأثير عصر التنوير الذي كشف عن انحرافات الكنيسة وجرائمها، التي تزايدت خاصة بعد مجمع الفاتيكان الثاني وتبرئة اليهود من دم المسيح. وهو ما أدى الى فقدان مصداقيتها والى الفراغ الروحي الساحق الذي يعيشه الغرب حاليا وتجاهد الكنيسة قلفطته بعملية التبشير الجديد، او بأيام الشبيبة العالمي، المدفوعة الأجر لمن يساهم فيها..
إن التحدث عن الظلمات بالنسبة للإسلام، الذي كانت أول كلمة اُنزلت لتبليغ رسالته: "اقرأ، اقرأ باسم ربك الذي خلق" (96: 1)، والذي يعتبر من يكتم العلم ظالم جاحد، فذلك يكشف لا عن جهل مدقع فحسب وإنما عن تعنت غير أمين لمحاربته.
فالإسلام لا يتضمن إحباطا أو خيبة أمل كالمسيحية ولا يعرف العدمية. كما لا توجد عدة إسلامات، كما يزعم الغرب الصليبي المتعصب، وإنما هو إسلام واحد. فكل هذه المؤامرات التي تحاك بجبروت لذبحه وتقطيعه غير مجدية، لأنه الدين الوحيد المنزّل من عند الله الذي سيظل محفوظا الى أبد الدهر.. كما أنه يكشف الهلع الحقيقي الذي تعيشه الكنيسة من مجرد المقارنة بين دين ثابت أنه من صناعة البشر، ودين ثابت أنه منزّل من عند الله ولم يتبدل فيه حرفا واحدا..
إن الإسلام دين من نور، لا يفرض نفسه على أحد، لكنه يطالب، من ضمن ما يطالب به، أن يتبع اليهود والنصارى ما أنزله الله لهم وأضاعوه.. ألم يحن الوقت، بدلا من محاولة سحق الإسلام، الكف عن كل تلك الحروب والمؤامرات المقززة لاقتلاع الإسلام والمسلمين، والرجوع الى الحق واتباع النصوص التي أنزلها الله وأخفيتموها ؟
بدلا من محاربة الإسلام بتلك الوحشية العمياء، اقرأوا القرآن بأمانة، لا لتصفيته، وإنما لتدركوا إلى أي درجة هذا النص المنزّل من عند الله، هو إرشاد إلهي حقيقي لكل البشر، إرشاد للحياة الدنيا وللآخرة. أي أنه لا يمكن تقسيمه. نعم، لا يمكن سلخ الإسلام وتقطيعه.
زينب عبد العزيز
21 أغسطس 2017
نعم، سلخ الإسلام كالذبيحة وتقطيعه، بل وتفتيته لجعله مقبولا ومباحا في الغرب! وخاصة: أن يتم عمل الجزارين الشائن هذا بأيدي المسلمين، أي ان يقوموا بذبح دينهم بأيديهم.. تلك هي المطالب الرئيسية التي يفرضها من يديرون اللعبة السياسية القذرة، وكل من يتواطأ معهم، سواء أكانوا فاتيكانيين وسياسيين أو غيرهم. فالكتابات واللقاءات أو حتى الندوات التي تفترش أخبارها الساحة الإعلامية العالمية الأوروبية يتزايد إيقاعها حتى الغثيان من القرف والأكاذيب.
أن يتم فرض مثل هذه الخيانة الفاضحة على المسلمين، فذلك يعني أن يُفرض عليهم كل الطريق السلبي الذي سلكته الرسالتان التوحيديتان السابقتان: اليهودية والمسيحية. كما يعني خاصة أن يُفرض على المسلمين تلك المحنة الشديدة الدامية المسيرة، التي سلكتها المسيحية، بما فيها من نسج وترقيع، مع تناسي أنه من بين الرسالات التوحيدية الثلاث الحالية، الإسلام وحده هو المنزّل، ونص القرآن الكريم هو الوحيد الذي لم تطوله أيادي التحريف منذ أن أنزله المولى عز وجل حتى يومنا هذا.
وهل لي تكرار أن محاولة اقتلاع الإسلام تتم بوحشية منذ 11/9، وهي أحد قرارات مجمع الفاتيكان الثاني، وذلك بإصدار قرار تنصير العالم، في نفس الوقت الذي قام فيه المجمع بتبرأة اليهود من دم المسيح، رغم وضوح النصوص الحالية التي تؤكد قتلهم للسيد المسيح، وخاصة تحديد "أن اليهود ليسوا بحاجة الى التبشير"!!
وهو ما يعني تحديدا: حرب شرسة ضد الإسلام وحده.
كما أن باباوات ما بعد المجمع الفاتيكاني الثاني متورطون بدناءة في هذه المذبحة الدائرة.
ولا أذكر منهم سوى الأخير: فأثناء زيارته الخاطفة لمصر يوم 28ـ29 إبريل 2017، التقى برجوليو على انفراد بالقيادات الثلاث السياسية والدينية، ونفث فيهم سمومه وفر عائدا. ويوم 3 مايو، أثناء أول قداس يعقده مع أتباعه، قال وهو يقص عليهم موجز رحلته في القاهرة، أنه قد اقترح على هؤلاء المسؤولين الثلاثة تنفيذ "العلمانية الصحية"، أي فصل الدين عن الدولة. وهو ما يعني المجزرة التي تدور حاليا في تزايد مقزز، بأيدي بعض المسلمين وبعض الكنسيين العملاء.
نشأة المسيحية البشرية الصنع
نشأت اول جماعة مسيحية وتكونت في الصراعات والتنازلات وتحريف الوصايا اليهودية التي انبثقت منها. وتم اختلاق كلمة "مسيحي" سنة 50، وكلمة المسيحية ظهرت في أواخر القرن الأول. وتطورت بين الصراعات واللعنات المتبادلة الهرطقات في أوج الإمبراطورية الرومانية. وتم محاربتها ولم يُسمح للمسيحيين بممارسة عقيدتهم إلا بفضل مرسوم ميلانو الصادر في إبريل 312، وتم فرضها لأسباب سياسية على كل الإمبراطورية بفضل قرار تيودوز الأول سنة 391. وتم تكوين العقائد وفقا للأغراض السياسية بالنهل من عدة حضارات قديمة أو سائدة آنذاك، مع العمل على إبادة كافة النصوص التي تكشف مراحل هذا التكوين الآدمي الصنع أو يمكنها إثبات النقل والتزوير والمتناقضات.
وكانت المشكلة الأساسية التي واجهت آباء الكنيسة هي كيفية إقحام يسوع وفقا لوجهة نظرهم، ثم إقحام الروح القدس في ثالوث غير مفهوم التكوين، بينما تزايد عدد المدارس والمذاهب التي تتناحر حول طبيعة يسوع، وإرادته، وأفعاله وأقواله، ولا نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر سوى الأريوسية والنسطورية اللتان قامتا بتمزيق المسيحية في مرحلة تكوينها! والثلاث وسبعون هرطقة الثابت تاريخها وتفاصيلها، والتي اعترت المسيحية الحالية، تكشف ما فيه الكفاية حول التكوين البشري لها، وأنها أبعد ما تكون عن ديانة منزلة من عند الله. وكل ذلك لا يمنع أن يسوع قد تم تأليهه في مجمع نيقية الأول سنة 325، وأن الثالوث قد تم اختراعه وفرضه في مجمع القسطنطينية سنة 381. وهو ما يوضح أنه حتى القرن الرابع لم يكن للمسيحيين إله أو لم يكونوا على دراية بمن سيعبدون !!
قرون من الأكاذيب باسم المسيحية توالت وتم فرضها وتطويرها دائما خلال الصراعات والجرائم والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش. ثم يتم اكتشاف أن أصحاب الأناجيل ليست تلك الأسماء التي هي معروفة بها. ولا يوجد أي نص أصلي لها على الإطلاق، والنصوص المنقولة الموجودة تختلف عن بعضها البعض. والأدهى من ذلك أن مجمع الفاتيكان الثاني أوضح "أنها تحتوي على القديم والبالي، وإن مؤلفوها أشخاص أخرى غير التي هي معروفة بها، لكن الروح القدس قد ألهمهم"!
لقد انبثقت الكنيسة من كهنوت الديانات الوثنية، وبعض بقايا اليهودية، إضافة إلى نتيجة تدرجها وفقا للنمط الروماني. وهي وسيلة فعالة للسيطرة على الأتباع بصورة أفضل. إن كهنوت الكنيسة الرومية أصله غرور رجال يطمعون في الصعود والعلو للسيطرة على أمثالهم. والغريب أن يسوع كان دائم الثورة على لؤم وتجاوزات الكهنة في عصره، ولا أقول شيئا عن بذخ الثياب الكهنوتية الحالية وزركشتها الداعية للسخرية لبعدها عن بساطة زي يسوع أو جلبابه.. إن مؤسسي المسيحية كانوا يحلمون بحكم بلا شراكة أو منافس، فاختلقوا الكلمات اللازمة. ولم يدرك أحدا أن الأمر لا يعني أكثر من صراع على السلطة مثل الآخرين..
الكتاب المقدس
على حد قول العالم اللاهوتي العالمي بارت إيهرمان والعديد غيره: "إن الكتاب المقدس لا يحتوي فحسب على أخطاء وعدم دقة، وإنما يتضمن أيضا ما يطلق عليه العالم بأسره اليوم كلمة "الأكاذيب"، وإن معظم إصحاحات العهد الجديد كلها عبارة عن تزوير وتحريف".. وهو ما يضاف إليه حقيقة ان قلة من المسيحيين سيفهمون معني التناقض التالي: لو كان على يسوع أن يعود بالسرعة التي تنبأ بها، لما كانت الكنيسة بحاجة الى كتابة "العهد الجديد"! وهذه الجملة لا تزال موجودة في النص: "الحق أقول لكم من بين الموجودين هاهنا لن يذوقوا الموت قبل أن يروا ملكوت الله قد تحقق بقوة"! كما ان الاثني عشر جملة الأخيرة الواردة في انجيل متّى، التي تتحدث عن الثالوث لتبشير العالم باسمه، فالثالوث تم اختراعه وفرضه في أواخر القرن الرابع، فكيف يوجد في نص يقولون انه كُتب في القرن الأول إن لم يكن يشهد بصوت جهوري على التحريف، الذي تغص به هذه النصوص.
إن الحرب التي قادتها الكنيسة ضد العلماء ولا تزال، معروفة ومثبتة في التاريخ، ولا أذكر منها إلا ميشيل سرڤيه في القرن السادس عشر، وكان ينكر بدعة الثالوث وينتقد تكوين المسيحية بالإثباتات. فتم حرقه حيا بمعرفة الكنيستين، الكاثوليكية والبروتستنتية، رغم كونهما في حرب عاتية، لكنها اتحدتا لحماية عقيدة منقولة يصعب هضمها! كما ان الحروب الضارية تعتري مسيرة هذا الاختراع البائس المسمى مسيحية.
إن الإرهاب الحق يفترش الكتاب المقدس بأسره، خاصة العهد القديم الغارق في دماء القتلى وأشلائهم. أما العهد الجديد فيحتوي على نصوص لا يمكن للفاتيكان إنكارها. إذ نطالع في إنجيل لوقا الذي يقول على لسان يسوع: "أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي" (19: 27). ولم لم يتخلف مرقس عن تلك الأدلة الكاشفة إذ يضع على لسان يسوع: "لا تظنوا إني جئت لألقي سلاما على الأرض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا" (10: 94).. وقد أحصي فولتير، الفيلسوف الفرنسي الشهير، عدد خمسة عشر مليونا عدد ضحايا محاكم التفتيش من القرن الحادي عشر حتى عصره، وذلك في أوروبا وحدها. لذلك كان عصر التنوير ضرورة تفرض نفسها لتزيح الصمت عن كل هذه الجرائم وفضحها.
عصر التنوير
في محاولة للإطاحة بعصور الظلمات التي فرضتها الكنيسة منذ بداية تكوينها، ونشر المعارف التي تحاربها، تضافرت جهود الفلاسفة والمثقفين لنشر نور العلم الذي كانت تحاربه وتعتم عليه. فبدأت محاربة الخرافات وعدم التسامح ومبالغة سوء استغلال السلطة الكنسية، ومحاكم التفتيش، والمحارق، ومطاردة العلماء، ومنع الأتباع من قراءة الأناجيل، والحروب الداخلية وفي الشرق الأوسط وفي الأمريكيتين، وتطول القائمة الوحشية الدامية حين يتعدى الرقم الأربعين مليونا من الضحايا الذين راحوا ضحية الظلمات الكنسية.. ان الصفحات السوداء للكنيسة محفورة بعمق في التاريخ.
والظلمات هي موقف مناهض للمعرفة في كافة المجالات وتضع حاجزا وموانع متعددة لعدم نشر المعرفة. وهو ما لم يعرفه الإسلام على الإطلاق. فلم يكن من المباح معارضة الكنيسة وعقائدها الرسمية، إذ كانت تفرضها بالحديد والنار والصراعات الدفينة أو المعلنة، من أجل الاستحواذ على السلطة الدينية والمدنية. بل لقد أصدر البابا جريجوار السابع، في القرن الحادي عشر، خطابا رسوليا يحدد فيه علو السلطة الباباوية على كافة الملوك والرؤساء. بل والأدهى من ذلك ان الحاجة الى ضرورة استتباب السلطة الكنسية أدت بالكنسيين الى تزوير أجزاء من العهد الجديد..
كما أدى سوء استخدام السلطة الكنسية إلى النقد والتعرض لها مواجهةً. وقد سمح بكشف كل هذه الفضائح والمخالفات وجود محاضر الجلسات وقرارات المجامع ووثائق المعارك الدفينة او المعلنة، وعمليات التزوير وأخطاء الترجمة عمدا.. كلها وثائق موجودة رغم كل ما تم التخلص منه في القرون الأولى. وقد تطور هذا النقد الفاضح بفضل تأثير عصر التنوير الذي كشف عن انحرافات الكنيسة وجرائمها، التي تزايدت خاصة بعد مجمع الفاتيكان الثاني وتبرئة اليهود من دم المسيح. وهو ما أدى الى فقدان مصداقيتها والى الفراغ الروحي الساحق الذي يعيشه الغرب حاليا وتجاهد الكنيسة قلفطته بعملية التبشير الجديد، او بأيام الشبيبة العالمي، المدفوعة الأجر لمن يساهم فيها..
إن التحدث عن الظلمات بالنسبة للإسلام، الذي كانت أول كلمة اُنزلت لتبليغ رسالته: "اقرأ، اقرأ باسم ربك الذي خلق" (96: 1)، والذي يعتبر من يكتم العلم ظالم جاحد، فذلك يكشف لا عن جهل مدقع فحسب وإنما عن تعنت غير أمين لمحاربته.
فالإسلام لا يتضمن إحباطا أو خيبة أمل كالمسيحية ولا يعرف العدمية. كما لا توجد عدة إسلامات، كما يزعم الغرب الصليبي المتعصب، وإنما هو إسلام واحد. فكل هذه المؤامرات التي تحاك بجبروت لذبحه وتقطيعه غير مجدية، لأنه الدين الوحيد المنزّل من عند الله الذي سيظل محفوظا الى أبد الدهر.. كما أنه يكشف الهلع الحقيقي الذي تعيشه الكنيسة من مجرد المقارنة بين دين ثابت أنه من صناعة البشر، ودين ثابت أنه منزّل من عند الله ولم يتبدل فيه حرفا واحدا..
إن الإسلام دين من نور، لا يفرض نفسه على أحد، لكنه يطالب، من ضمن ما يطالب به، أن يتبع اليهود والنصارى ما أنزله الله لهم وأضاعوه.. ألم يحن الوقت، بدلا من محاولة سحق الإسلام، الكف عن كل تلك الحروب والمؤامرات المقززة لاقتلاع الإسلام والمسلمين، والرجوع الى الحق واتباع النصوص التي أنزلها الله وأخفيتموها ؟
بدلا من محاربة الإسلام بتلك الوحشية العمياء، اقرأوا القرآن بأمانة، لا لتصفيته، وإنما لتدركوا إلى أي درجة هذا النص المنزّل من عند الله، هو إرشاد إلهي حقيقي لكل البشر، إرشاد للحياة الدنيا وللآخرة. أي أنه لا يمكن تقسيمه. نعم، لا يمكن سلخ الإسلام وتقطيعه.
زينب عبد العزيز
21 أغسطس 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق