الأربعاء، 25 نوفمبر 2020

السر في هاكونا ماتاتا

السر في هاكونا ماتاتا

أسعد طه

(1)

"يجب أن تكون ناضجًا بما يكفي لفهم مخاوفك والتغلب عليها". موفاسا

كنت متعبًا جدًّا، لكن لا رغبة لي في مغادرة جلسة العائلة والصعود إلى غرفتي للنوم، أريدهم حولي، أنعم بدفئهم إثر عودة من سفر طويل.

أدرك فارس ما يدور بخلدي، ووجد الحل، من قال: إنَّ أصغر الأبناء لا يجيدون إلا المشاغبة؟!

قام فجأة وأتي بفراش النوم وبسطه على الأرض، ودعاني للنوم وحدي، بعد أن قام بتشغيل فيلم في جهاز الفيديو، أصابتنا الدهشة، ثم انطلقنا جميعًا في ضحكٍ جنوني، عندما أدركنا الأمر.

"الملك الأسد" من أحب أفلام الكرتون إلى قلبي، أُنتج عام 1994، وحينها أصر أولادي اللندنيون على مشاهدته، خفت أن يكون به ما لا نحب، اشتريته وجلست معهم أول مرة نشاهده معًا، وسرعان ما أسرني هذا الفيلم الجميل بما يحمله من قيم إيجابية رائعة، وبت أحب مشاهدته من حين لآخر، مرة بحجة أنه ممتع، ومرات بسبب دروسه التي لا تعد، فأنا ممتن لأبطاله، وخصوصًا "تيمون"، حيوان النمس الشقي اللذيذ، ألا يكفي أنه علمني أن أفهم مخاوفي وأتغلب عليها.

(2)

"لديك أمور سيئة، ولا يمكنك فعل أي شيء حيالها". تيمون

تسير في أمان الله، لا بك ولا عليك، فإذا بمصيبة تسقط عليك من السماء هكذا، تتوقف حياتك، تبحث عن حل، تغرق في التفكير، تُقلِّبها يمينًا ويسارًا، تستدعي الحكمة، تسأل الأصدقاء، لكن لا جدوى، ما من مخرج، تحزن، تشتكي، يصيبك الاكتئاب، فلا يزداد الأمر إلا سوءًا.

لكنَّك مصرٌّ، ثمَّة حلٌّ يجب أن أجده.. تُحدِّث نفسك، تقضي الأيام والليالي وأنت تفكر، لا تريد أن تُقِرَّ بأن ما وقع قد وقع، وأنَّك قد استنفدت كل الوسائل الممكنة للخروج منه، وأن لا جدوى مطلقًا في البقاء في هذا المربع إلى ما لا نهاية، وأنه لا يمكنك فعل أي شيء حيال ذلك.

حتى إنك تتجاهل دور الزمن، لا تريد الاعتراف بأنه ربما يكون جزءًا من العلاج، بل أحيانًا هو العلاج، لا تريد أن تدعه يفعل فعله، يصلح ما فسد، يصل ما انقطع، يعمل على التئام الجرح، بينما تتحلَّى بالصبر، مطمئنًّا أن الله يعلم.

(3)

"عندما يدير العالم ظهره لك، أَدِرْ ظهرك له". تيمون

الأمر ليس بسيطًا، لكنَّه ليس مستحيلًا، والوصفة تقول: لا تُعِرْ اهتمامًا لمن لم يُعِرْك اهتمامه، وقدَّر ظروفك، وتفهَّمَ سقطتك، دعْك منه، دعك من الناس كلهم، دعك من الظروف والأحوال، دعك من هذا العالم.

تقدم خطوة، اعترف بضعفك، لا تحمل عبء مواراته خلف ظهرك ليل نهار، لا داعي لأن تبذل جهدًا لتخبئه عن العالم، وكأنه عار، دلني على مخلوق ليس به ضعف، نحن فقط مختلفون في نقاط ضعفنا، كما نحن مختلفون في نقاط قوتنا.

صحيح أن العالم لا يكترث إلا للقوي، لكن من هو القوي؟ بظني هو الذي يعمل بدأب، حتى وإن كان لا يزال ضعيفًا، حتى وإن لم يحقق انتصارًا مبهرًا، ففي هذه اللحظة، تلك التي تواصل فيها العمل دون كلل، سيدرك العالم أنك بتَّ تعرف الطريق جيدًا، وأنك في صعود بعد سقوط.

لا تبحث عن نصر سريع يعوِّضك عن خسارة فادحة، ثم ليس من الضروري أن تحقق نصرك بالضربة القاضية، حققه بالضربات المتتالية، المهم أن تدع صداع العالم جانبًا، وأن تتحلى بأعصاب قوية، وإرادة فولاذية.

خطرت لي فكرة.. لماذا لا تأتي معي ونهرب؟!

نعم نهرب إلى الأمام، دع الموجة تأخذ وقتها في الانحسار، لا تُضيِّع وقتك في مراقبتها وهي تعلو ثم تنحسر، ولا تشغل نفسك بتعداد خسائرها، تعال معي نترك كل شيء ونتقدم بجسارة إلى الأمام، مثل كل محارب شجاع، مثل المجنون الذي لا يعبأ بالخطر.

ماذا بربك سنخسر أكثر؟!

لا تُضِعْ ولو لحظة من عمرك في الحسرة، الحسرة تكبر بدموعك وألمك، ونصرك يبتعد، دع ظنونك وشكوكك ومخاوفك من نظرات الناس وتشفِّيهم، دع ذلك كله وتقدم، أنصت لتيمون وهو ينصحك بأن تضحك في وجه الخطر، وتذكَّر أن كل يوم يمضي عليك في نضالك الشريف هو درس لك في حد ذاته، وسوف تلاحظ أنك غدًا وأنت مستمر في نضالك غير مستسلم، أصبحت شخصًا مختلفًا، تكبُر ومشكلتك تصغر.

(4)

"من المهم أن توجه نظرك إلى وجهتك، بدلًا من النظر إلى المكان الذي كنت فيه". تيمون

هذا النمس الجميل يخبرنا بأننا في لحظات كهذه علينا أن نضع ماضينا خلفنا، لا ننظر إليه إلا للتعلم منه.

وكأنه يقول: شرط النصر ألا تتعب. بالأحرى ستصاب بالتعب، لكن لا تجهر به كثيرًا، ولا تعتبره حجَّة وعذرًا لأن تتوقف، اعترف به، لكن امضِ، فقط امضِ ولا تنظرْ للوراء.

بالله عليك أي التعبَيْن أكثر ألمًا؟

تعبك وأنت تحاول التقدم للأمام وتجاوز العقبات التي تمر بها، على صعوبتها وشقائها، أم تعبك وأنت تقضي ما تبقى لك من عمر، وأنت على هذا الحال من الحزن والحسرة، وقد يئست واستسلمت؟

إياك أن تكثر من استخدام هذا التعبير الشيطاني: "لا أستطيع".. الذي نستخدمه كلما ضعفنا وفترت همتنا.

الحقيقة بالنسبة لي وبتجربتي في سنوات عمري الطويلة: إذا أردت فأنت تستطيع. كل شيء مرهون بالإرادة وبالهمَّة، وإذا كان هناك أمر مستحيل فعلًا فعليك بالممكن منه.

(4)

"هاكونا ماتاتا". تيمون

اللامبالاة سلاح ذو حدين، يقتلك إذا تعاملت به في شأن مستقبلك، في شأن اهتماماتك، في شأن خطط حياتك، في شأن الغد.

يُنقذك إذا تعاملت به بحذر في شأن مشاكل الحياة والناس، فأدرت لها ظهرك، إن لم يكن بوسعك حلها.

يا أخي، "هاكونا ماتاتا"، لا تهتم مهما حصل، لا تخف، لا تقلق، لا مشكلة. استخدم أي التعابير أحببت ترجمة لهذه الأغنية الرائعة التي غنيت في الفيلم الأصلي بلغة سواحلية، وترجمت لاحقًا بلهجة مصرية:

"هاكونا ماتاتا..

حكمةْ نغمْها لذيذْ..

إرمي الماضي اللي يغيظْ..

إنساهْ والمستقبل إدِّيه كل التركيز

دا هو البهريز".

شكرًا لتيمون، وإن أردنا أن نعود لعالم الكبار سنشكر طاغور أيضًا، شاعر الهند العظيم الذي قال: "إنّ أبلغ درس يتعلمه الإنسان من الحياة، هو أنه ليس هناك ألم لا يستطيع المرء أن يتخلص منه بعد فترة معقولة من الزمن، أو أن يصادقه ويتعايش معه، أو يحيله إلى أنس وسعادة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق