انقلبت الأوضاع في مصر.. ليس سياسيا فقط، بل عقديا وأخلاقيا، وفي واقع الأرض ومجرى الحياة، انقلبت أوضاع القلة والكثرة، وصارت الأغلبية مستضعَفة والأقلية في استكبار وعلو مُشين وخطِر.
الخبر
“غيّرت دار الإفتاء المصرية تعريفها للزواج ثلاث مرات، خلال إصدارها فتوى متعلقة بزواج المسلمة من غير المسلم، المسألة التي ثار جدل في مصر حولها مؤخرا.
وفي أول منشور أصدرته دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها في فيسبوك، حرمت “زواج المسلمة من غير المسلم” ، وبررت ذلك بالقول إن “الأصل في الزواج أنه أمر لاهوتيّ وسرّ مقدس..”. وأثار استخدام دار الإفتاء لكلمات “لاهوتي” و”سر مقدس” استغراب عدد من المعلقين على صفحتها بفيسبوك. (1)
ثم أعادت دار الإفتاء نشر الفتوى عبر حسابها على تويتر، بالقول إن الأصل في الزواج أنه أمر “إلهي وسر مقدس”.
ثم أجرت تعديلا على منشورها في فيسبوك، لتقتصر بذكر أن الأصل في الزواج أنه “أمر إلهي”.
وتأتي فتوى دار الإفتاء المصرية في سياق التعقيب على جدل ثار جراء حكم أصدرته الأستاذة الأزهرية آمنة نصير، حللت فيه زواج المسلمة من غير المسلم، معللة ـ بجهلها وجرأتها على الله ـ أنه “لا يوجد نص صريح يحرم زواج المسلمة من غير المسلم”. (2)
التعليق
إنها المهزلة والانتكاسة..
لم يكن الانتكاس فقط في اقتطاع أرض المسلمين لبناء مئات بل آلاف الكنائس في سِني الانقلاب العجاف؛ لتغيير هوية البلاد ومظهرها الإسلامي لتصبح نصرانية صليبية، أو على الأقل متعددة الهويات كما يدعي الشيوعيون..!! وهي كنائس لا يحتاجها النصارى في مصر فهي تكفي لنصارى العالم..!
ولم يكن في الانتكاس في هدم المساجد بحجة توسيع الطرق أو إصلاحها، أو بغير حجة أصلا..!
لم يكن الانتكاس والمفارقة في البشاشة في الذهاب لكنائس وتقوية أهلها وطمأنتهم أنهم في خندق السلطة وأن السلطة في خندقهم خادمة لهم!! حتى قال قساوسة النصارى ـ الخونة للبلاد ولإرادة الشعب المسلم الكريم والمتعاونون مع الغرب والمتلاقون مع المستبدين واللصوص والمخربين والفاسدين ـ قال هؤلاء القساوسة أنهم ليسوا بحاجة لنزول المسيح؛ لأن الله ـ على زعمهم ـ أرسل اليهم الطاغية السفاح القزم، الذي حارب لهم الإسلام وقتل المسلمين وأهان دينهم وتتبع عقيدتهم وسجن شرفاءهم وهتك عرض نسائهم.. هكذا هي رسالة المسيح أو من ينوب عنه في تصورهم المريض ضد دين التوحيد الذي جاء به محمد والمسيح كلاهما..!!
ولم يكن الانتكاس فقط فيما رأى الناس في وجوه الطغاة من الإشمئزاز والمنكر إذا كان الحديث عن الإسلام واللقاء مع رموزه الإسمية ولو خائنة..!
لم يكن الانتكاس في مساحة الأرض فقط؛ بل كان كذلك في القلوب والعقول، وتمادى الى محاولة قلب الدين نفسه.
بادٍ لكل متابع وناظر أن من يكتب الفتاوى هم ضباط أمن. حتى من يخرج الى الفضائيات هم أقرب لضباطٍ محاربين للدين أقرب منهم من مفتين في دين الله تعالى.. وهذا بلاء وانتكاس، قد تتساءل عنه كيف يقبل الشيوخ والعلماء بهذا؟ لكنه القهر والخيانة، كلاهما.
ثم تمادى الانتكاس الى أن يكتب النصارى فتاوى المسلمين. وفي خطأ من الضابط المجرم الذي يكتب الفتاوى للمسلمين تكلم بخلفيته بطريقة تلقائية فكانت رموز النصارى من “اللاهوت” و”السر المقدس”. وليس في دين الله أسرار.
منذ قريب كان المفتي الرسمي بنفسه يحرض أوروبا ضد أبناء المسلمين ليتزامن معهم في حملة أوروبا العدائية ضد الإسلام وأهله. وخرس الخائن حين أهين الإسلام ووُجِه السباب الى رسول الله، صلى الله عليه وسلم. ثم إذ به يظهر تافها بلا قيمة إذ تدور الأمور في مؤسسته بمعرفة النصارى..! فلم يجد عنده من المروءة الشخصية، فضلا عن بقايا من الدين؛ أن يرفض أو يتنحى أو يبتعد ويعيش بما تبقى له من دين..! ولا يتحمل وزر أمة تُضلل عن قصد، ووزر دين يهان بانتظام! بل بقي يرعى العار، ويحمل مزابل الأراذل وروثهم، وامتلأت دار الإفتاء بهذا وتتابع خلفه أشباح مأجورة تبحث عن الرتب والحافز والعلاوة!! ولو كان الثمن دين محمد، صلى الله عليه وسلم.
[للمزيد: مفتي مصر إذ يسعر الحرب على الإسلام]
كيف ينظرون الى أنفسهم، وكيف يتحملون رؤية وجوههم في المرآة، وكيف يلقون أبناءهم، وكيف يمسي عليهم ليل وهم آمنون، وكيف يشرق نهار وهم غافلون..؟ وكيف سيلقون الله..؟!
لم يقف الأمر الى هذا الحد، بل وقد أعلن المجرمون أن إشراك النصارى في تطوير مناهج الأزهر والتربية الدينية، واشتراط موافقة الكنيسة على المناهج الدينية لأبناء المسلمين.
خاتمة
إننا نشير هنا الى الأمر الأهم، وهو أن المشرف على إدراج وإشراف وتمكين هؤلاء الضباط من جهلة وفجرة ونصارى، ليشرفوا على توجيه الناس في أمور “الدين” هو الأجهزة التي تحكم البلاد، والأجهزة الأمنية على وجه الخصوص.
وهنا التساؤل الذي يجب أن يوقف الناس أمام الحقيقة؛ لماذا تكره هذه الأجهزة، وأفرادُها ومسؤولوها، دينَ الله الى هذه الدرجة؟! وأي عقيدة تشبّعوا بها؟ وكيف يُشربون أعضاءهم الجدد هذا الحقد والنفاق والعداء..؟
ولماذا نجد مسحة النصرانية عليهم ورضاهم عنها وتقاربهم مع أهلها..؟ ونجد تقديمهم للملاحدة في كتابة الدستور وفي تولي وزارة الثقافة والرقابة الفنية، ولماذا يولّون الإباحيين الإشراف على الإنتاج الفني..؟ ولماذا يتصالحون مع فكرة الصهيونية ومصالح الكيان الصهيوني..؟
ولماذا يحترمون كل قانون دوليا أو محليا يخص أحد البلاد؛ إلا قانون رب العالمين؛ منه يتأففون، وحين يسمعون شأنه يزمجرون ويرغون ويزبدون؟!!
إن هذه الأجهزة بعيدة عن الإسلام ومعرفته، ولو عرفته فلكي تحاربه.
إن الأجهزة التي تنتمي الى الإسلام تتعرف عليه وتبحث عن مراد الله ورسوله؛ لكن هذه الأجهزة التي تحكم بلادنا وحياتنا لها عقيدة مختلفة وكوّنت صورة ذهنية عن الإسلام وحددت موقفا نفسيا منه، وبل وحددت المهمة المطلوبة منها تجاهه؛ حربا بلا هوادة.
منابعُ هذا الموقف مأخوذة من الغرب يقينا. من خلال الدورات المشبوهة التي يتلقاها هؤلاء للترقية، وتساعدهم بيئات مترفة تربّت على هذه الموقف من قبل ـ ولهذا ينتقون أفراد هذه الأجهزة من هذه البيئات والطبقات ـ واليوم يساعدهم إعلام ونخبة ساقطة.. والأدهى يساعدهم في هذا علماء! حقَّ فيهم قول ربك ﴿آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ [الأعراف: 175-176].
قد تكون الحقيقة صادمة؛ لكن في انكشاف الأمور خير.. ولو بعد حين.
هوامش:
- حجبت الدار هذه الفتوى لاحقا عندما اشتد نكير الناس وافتضح الأمر، وبقيت دلالته.
- موقع “عربي 21”: دار الإفتاء المصرية تغير تعريفها للزواج ثلاث مرات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق