الإخوانجي مصطفى الفقي يوبخ الدولجي مصطفى الفقي
وائل قنديلليس لي في المقال الذي تراه أمامك سوى العنوان، والمقدمة، وأسئلة موجزة في نهايته، فيما أترك كل المساحة المتبقية للدكتور مصطفى الفقي، السكرتير المشلوح لحسني مبارك، سابقًا، لكي يدلي بشهادته عن الدكتور مصطفى الفقي، رجل عبد الفتاح السيسي المعيّن رئيسًا لمكتبة الاسكندرية، حاليًا.
أعرض عليك هذه الشهادة لمناسبة حديث تلفزيوني أول أمس، ظهر فيه الفقي مفزوعًا من سقوط ترامب ونجاح بايدن، مبررًا فزعه، مثل مصطفى بكري أو أحمد موسى، بأن بايدن سوف يزعج مصر بموضوع إقصاء الإسلام السياسي من المعادلة السياسية، حيث يرى الفقي أن اعتبار جماعة الإخوان جزءً من المعارضة السياسية هو الهراء بعينه، وبناءً عليه، بالطبع، لابد من المضي قدمًا في حرب الإبادة ضدهم.
الآن أترك الدكتور مصطفى الفقي، القديم، لكي يرد على الهراء (نعم بحرف الهاء) الذي تناوله الدكتور مصطفى الفقي، الجديد أو المجدد أو المعدل، حسب مواصفات اليمين المتطرف:
الإخوان المسلمون: بقلم مصطفى الفقي، صحيفة المصري اليوم بتاريخ 24 مارس/ آذار 2011.
لم أكن قد تجاوزت الخامسة من عمري بشهور قليلة، عندما وقفت أرقب التجمعات الانتخابية في قرية "المغازى باشا" بمركز "المحمودية" في محافظة "البحيرة"، لقد كانت الانتخابات البرلمانية لعام 1950 التي عاد بها "حزب الوفد" إلى الحكم وكان التنافس شديداً بين الأستاذ "أحمد السكري" نائب المرشد العام لجماعة "الإخوان المسلمين" حينذاك و"د.محمد المغازي" ابن "المغازي باشا" الذي كان يمتلك أكثر من أربعة عشر ألف فدان زراعية- وأمُتّ له بصلة قرابة فهو خال أبي وأمي معاً- في ذلك اليوم بدأت أعرف كلمة انتخابات وصناديق اقتراع وعمليات تصويت ونتائج يجرى إعلانها، حيث كانت المنافسة حادة بين مرشح جماعة "الإخوان المسلمين" ومرشح "حزب الوفد".
وبرغم تعاطفنا العائلي مع مرشح "الوفد" فإنني بدأت أتساءل عن جماعة "الإخوان المسلمين" بعد ذلك، وظللت أتابع نشاطها على مر السنين حيث إن عمي- أطال الله في عمره- عالم أزهري كان شيخاً "لمعهد دمنهور" الديني، وجاءه من الجماعة رفاق يطلبون انضمامه إليهم في نهاية خمسينيات القرن الماضي فازداد شغفي بالجماعة، خصوصاً بعد إعدام نخبة من قياداتهم إثر محاولة اغتيال الرئيس الراحل "جمال عبدالناصر" بميدان المنشية بالإسكندرية في نوفمبر 1954، ومازالت أصداء طلقات الرصاص تتداعى إلى مسامعي من جهاز الراديو ونحن نتابع ذلك الخطاب. وما زلت أتذكر المقولة الشهيرة للشهيد "عبدالقادر عودة" عندما جرى إعدامه وقدمه مكسورة حيث قال قولته الشهيرة (اللهم اجعل دمي وبالاً عليهم واجعل بأسهم بينهم شديدا) وهو شقيق أستاذي الجليل "د. عبدالملك عودة" ووالد العالم الفذ الدكتور "خالد" الأستاذ بجامعة أسيوط الذى استمعت منه مؤخراً إلى أفضل محاضرة عن تقسيم "السودان" وتأثيره على مسألة مياه النيل وقد كان ذلك بدعوة من "المجلس المصرى للشؤون الخارجية"، فجماعة "الإخوان المسلمين" لا تبدو بعيدة عن اهتمامي طوال حياتي ولقد شهدت وأنا شاب جامعي أخبار محاكمة "سيد قطب" ثم إعدامه، وأيقنت أن الدماء التي جرى سفكها مع حكومات ما بعد 1952 ستولد مزيداً من العنف الذى لن ينتهي بسهولة إلى أن جاء الرئيس الراحل "أنور السادات"، وحاول أن يفتح حواراً متصلاً مع الجماعة، ولعل أبرز عبارة فيه قد جاءت عندما قال "السادات" لمرشد الإخوان الراحل "عمر التلمساني" (اسحب شكواك يا عمر) بعد أن أعلن المرشد أنه سوف يشكو أمره وأمر جماعته إلى الله سبحانه وتعالى، وأنا لا أنكر بهذه المناسبة أن نظام الرئيس السابق "مبارك" قد ضيّق على الجماعة بشكل متواصل، فبدا الأمر كأنه عجيبٌ، فأبواب البرلمان مفتوحة لبعضهم وأبواب السجون مفتوحة لمعظمهم! ويهمني هنا أن أسجل الحقائق الآتية:
أولاً: عندما كنت سكرتيراً لرئيس الجمهورية لشؤون المعلومات والمتابعة في ثمانينيات القرن الماضي تصورت وهماً أنني أستطيع أن أبنى جسوراً بين الرئيس والقوى السياسية المختلفة واستقبلت في مكتبي الصغير بمبنى سكرتارية الرئيس في "منشية البكري" رموزاً من ألوان الطيف السياسي وما زلت أتذكر الأخوين العزيزين الأستاذ "سيف الإسلام حسن البنا" والدكتور "عصام العريان" ولقاءاتي بهما وحواراتي معهما ورسائل الجماعة التي نقلتها إلى الرئيس في تلك الفترة، وما زلت أتذكر أيضاً أن الأستاذ "سيف الإسلام البنا" طالبني وقتها بأن أنقل رغبة الجماعة في أن تتخلى الدولة عن ملكية دور السينما ومعاصر "النبيذ" في "جناكليس" ومصانع "البيرة" أيضاً، وتصورت وقتها أنني أستطيع أن أخلق جسوراً بين الرئيس الجديد نسبياً وجماعة "الإخوان المسلمين" بتاريخها الطويل ولكن النظرة الأمنية التي كان يعاني منها النظام قد أحاطت تلك المحاولة بالتشكيك والتسفيه والرفض.
ثانياً: اتصل بي ذات يوم عام 2006 الصديق العزيز الأستاذ "سيف الإسلام البنا" محتجاً على رفض السماح له بالسفر إلى "الأردن" للمشاركة في مئوية والده الإمام الشهيد "حسن البنا"، وحاولت يومها مع جهاز "أمن الدولة" ولكنني لم أفلح، وسافر غيره من أعضاء الجماعة إلا هو خشية استغلاله كرمز للتشهير بما يجري تجاه الجماعة في "مصر"، كما طلب مني التدخل في شأنٍ يختص بقريبة له جرى منعها من السفر للحصول على الدكتوراه من الخارج، ولكنني نجحت هذه المرة وتحقق لذلك الرجل الفاضل ما أراد.
ثالثاً: عندما توليت رئاسة لجنة "العلاقات الخارجية" في "مجلس الشعب" لعدة سنوات- ومن قبيل الموضوعية والتجرد والعدالة- كنت أعطي زملائي من "جماعة الإخوان" فرصة إبداء الرأي بشكل كامل وقدمتهم للوفود الأجنبية ليشرحوا ظروف معاناتهم دون مواربة أو تحفظ، وهم شهود على ذلك ويمكن الرجوع إليهم فيما أقول، ولقد انتقدني بعض زملائي واعتبروا ذلك رد فعل لمن يرى على رأسه بطحة "انتخابات دمنهور"، ولم يكن الأمر كذلك فقد أزال تقرير "محكمة النقض" آثار تلك "البطحة" قانونياً ولكن آثارها السياسية ظلت تلاحقني واعتذرت عنها علناً عدة مرات رغم أنه لم يكن لي خيار فيها، ومع ذلك يصر بعض خصومي على تجاوز حدود النقد إلى التجريح الذي أستطيع أن أرد عليه ولكنني أترفع عن ذلك.
رابعاً: لقد أسعدني فضيلة الأستاذ "محمد مهدى عاكف" مرشد الإخوان السابق باتصالات متفرقة عبر السنوات الأخيرة يعلق فيها على بعض مقالاتي ويختلف مع بعض آرائي ولكنه يقدر وجهة نظري حتى في غضون أيام الثورة الرائعة التي بدأت في 25 يناير 2011، كما أسعدتني دعوة المرشد العام "د.محمد بديع" لحضور بعض احتفالات الجماعة ولقاءاتها الفكرية لأنهم يدركون أنني أقول دائماً– قبل الثورة وبعدها– إنني مختلف معهم فكرياً ولكنني شديد الالتزام بحقهم في أن يكونوا جزءاً من العمل الوطني والسياسي في البلاد لأنهم مصريون قبل أي شيء.
خامساً: حرصت على العزاء في رحيل المرشد العام الأسبق المستشار "مأمون الهضيبي" لأنني أتذكر أنه كان ذات يوم في اجتماع عام- ضمن مجموعة من السياسيين وقبل أن يكون مرشداً- وعندما تقدمت منه وذكر له اسمي انتفض واقفاً وقال هذا رجل صادق أحترمه، واعتبرت ذلك نيشانًا على صدري وبرهاناً على أمانتي في عملي، كذلك فإنه والد لصديق عزيز هو الأستاذ الدكتور "خالد الهضيبي" بطب عين شمس وهو من أعتز به أنا وأسرتي على الدوام.
هذه قراءة عاجلة لرؤيتي لهذه الجماعة التي تدخل عامها الثالث والثمانين بخبراتها التنظيمية وصراعاتها السياسية وقدراتها الفكرية وتندمج لأول مرة في الحياة السياسية بشكلٍ كامل وعلني. وإذا كنت أخشى من ظهور بعض ملامح الدولة الدينية إلا أنني أستمع باهتمامٍ إلى حديثهم عن الدولة المدنية وقيام حزبهم الجديد "الحرية والعدالة" لكي يكون جناحاً سياسياً بحتاً لتلك الجماعة الدينية ذات التاريخ الدعوي الطويل... إنني أتطلع إلى المستقبل وأتمنى لهم ذات يوم أن يقتربوا من النموذج التركي بكل ما له وما عليه، فالإسلام لهم ولنا ولكن الحكم رهينٌ بصندوق الانتخاب، فالإرادة الوطنية هي الفيصل أولاً وأخيراً.
انتهى المقال وبقيت أسئلة، سأختار منها سؤالًا واحدًا: هل لدى الدكتور مصطفى الفقي مرآة في منزله؟ وهل ينظر إلى وجهه في هذه المرآة؟ وإن نظر، ترى ماذا يقول للشخص الماثل أمامه في المرآة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق