لا زال أصداء الانتخابات الأمريكية، واختلاف الأنظار اليها، وتعلق قلوبٍ من الناس بها؛ لا زالت محل تعليق وتوجيه وتذكير نابع من حقائق العقيدة وحقائق الواقع على السواء..
مقدمة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أما بعد..
فمن أعظم نعم الله عز وجل على عبده المؤمن بعد نعمة الإسلام أن يرزقه فهما صحيحا وقصدا صحيحا. وما انحرف من انحرف عن الحق إلا بانحراف في الفهم أو انحراف في القصد. ويقصد بالفهم الصحيح أمران:
الأول: فهم وبصيرة صحيحة لهذا الدين عقائده وأحكامه وقواعده ومنطلقاته.
الثاني: فهم للواقع الذي يراد إنزال أحكام الدين عليه واستبانة تامة للحال، ومن ذلك أحوال المجرمين وكيدهم ومكرهم.
قواعد لفهم الواقع الأمريكي
وانطلاقا من هذين الفهمين نستطيع أن نقرأ ما يدور في دولة الكفر أمريكا من صراع بين أئمة الكفر على السلطة وذلك من خلال الأمور التالية:
الأمر الأول: لله تدبير الأمور
إن من مسلمات العقيدة التي لا يتم إيمان العبد إلا بها؛ يقينُه بأن الله عز وجل رب السموات والأرض وما بينهما، وهو المالك لهما ومن فيهما، وهو القيوم لهما والمدبر لكل حركة وسكنة فيهما، وأن شيئا لا يحصل في ملكه سبحانه إلا بعلمه وإذنه وإرادته وخلقه؛ حسب ما يقتضيه علمه وحكمته. وأنه سبحانه القاهر فوق عباده، ونواصيهم بيده، وأنه سبحانه لطيف بعباده الموحِّدين يبتليهم ليطهرهم ويميز صفوفهم وهو شديد العقاب على أعدائه من الكفرة والمنافقين يملي لهم ويمكر بهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب أليم.
ومن تلك الأحداث التي يدبرها الله عز وجل بعلمه وحكمته وإرادته؛ تلكم الصراعات التي تدور في دولة الكفر، أمريكا، بين أئمة الكفر على السلطة. نسأل الله عز وجل أن يجعل بأسهم بينهم شديدا، وأن يدمرهم ويفتت دولتهم ويذيق بعضهم بأس بعض، وأن يجعل العاقبة لعباده المتقين؛ كما وعد بذلك في كتابه الكريم.
الأمر الثاني: طبيعة السياسة الأمريكية
إن من الجهل بسبيل المجرمين أن يظن بأن أئمة الكفر يمكن أن يتعاطفوا مع المسلمين أو يُضمروا لهم الخير والعدل. ولقد أخبرَنا الله عز وجل في كتابه الكريم في أكثر من آية عن أعدائنا من الكفار والمنافقين وشدة عداوتهم وحقدهم على المسلمين. ويكفينا من ذلك قوله سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [آل عمران: 118]. هذا قول الله ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [النساء: 166] ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا﴾ [النساء: 87] وتاريخ الصراع بين الحق والباطل شاهد على ذلك أيضا.
وبناء على هذه المسلمة يخطئ من يظن أن تغيير إمام من أئمة الكفر في دول الكفر سيكون أفضل وأرحم بالمسلمين من غيره. إنها لنظرة ساذجة ينقصها تدبر كتاب الله عز وجل وتدبر وقائع التاريخ. لقد تفاءل بعض المسلمين من مجيئ “جو بايدن” على رأس الهرم في أمريكا بعد سلفه “ترامب”، وظنوا أنه سيكشف الغمة عن المسلمين؛ وما علموا أن عداوة السلف والخلف من أئمة الكفر واحدة ولكن قد تختلف وسائل هذا العداء وأساليبه من كافر أحمق إلى كافر ماكر، وعليه فإن “ترامب” وخلَفه “بايدون” إن هما إلا كما يقال “وجهان لعملة واحدة”.
وقد كفاني مؤنة شرح هذا الوصف أحد المحللين السياسيين الواعين حيث قال:
“إن ترامب وبايدن وجهان لعملة واحدة. وربّما الفرق الوحيد يكمن في المقاربة الإجرائية لتنفيذ السياسة الخارجية لأمريكا، وفقًا لتصورات التيار الفكري الحاكم والمقتضيات البراغماتيّة لكل مرحلة، حيث كانت الآليات مختلفة تاريخيّا بين منظور الجمهوريين والديمقراطيين، إذ جنح التيار الأول غالبا إلى منطق “القوة الأمريكية”، بكل ما تعنيه من تدخلات عسكرية وحروب استباقيّة وسياسات خشنة، مثل ما حصل في أفغانستان والعراق نموذجًا، بينما يميل الفريق الثاني إلى “القوة الناعمة” تحت عناوين التفاوض “إيران” والدبلوماسية “كامب ديفيد وأوسلو” وحتى المساومة والاحتواء والمظلة الأممية، لتسويق صورة أمريكا”.
ويضيف:
“إذن سياسة أمريكا الخارجية تجاه العالم لن تتغير فعليّا، لكن ربَّما يكون الديمقراطيون أكثر نعومة شكليّا في علاقة أمريكا بالعرب والمسلمين، لكن سياستهم قد تكون أخطر عمليّا وفق تقدير الخبراء، لأنها تُنفَّذ في هدوء، بينما سياسات الجمهوريين مكشوفة وأحيانا غبية وحمقى في استفزاز ضمير الأمة واستنفار قواها الحية، وحتى إحراج المجتمع الدولي، ما يجعلها قابلة للمواجهة أو المقاومة على الأقل.
وإذن كل تلك المؤشرات تؤكد أنه لا فرق بين العجوزيْن، الراحل “دونالد ترامب”، والوافد “جو بايدن”، فيما يتعلق بعدائهم للإسلام والمسلمين وتحيّز الكامل لتعزيز موقع الكيان الصهيوني، واستغلال ثروات العالم في كل مكان لأجل مصالح أمريكا وحدها، وبكل الطرق مهما كانت مرفوضة…
لأن الذي يشترك في رسم تلك السياسة الموجهة نحو الخارج، حسب المختصين، عدة مؤسسات دستورية من السلطتين التنفيذية والتشريعية، عن طريق البيت الأبيض مع وزارات الخارجية والدفاع والمخابرات والكونغرس.
لكن المؤكد كذلك أن لجماعات المصالح، وفي مقدمتها المركَّب العسكري والجماعات النفطية الصناعية، دور مؤثر جدا في صنع القرار الخارجي.
أما مرتكزات سياستها الخارجية فمن أهمها:
الدين
إذ تمثل المعتقدات الدينية أساس البنية الفكرية والقيمية التي ساهمت في تشكيل التصور الأمريكي في بناء السياسة الخارجية تجاه العالم، وخاصة الإسلامي منه، حيث يعتبر قادة أمريكا أنّ حماية إسرائيل ضد المسلمين التزامٌ دينيٌّ يجد أساسه في العلاقة اللاهوتية بين البروتستانتية الأصوليّة واليهودية، والتي أفضت إلى تشكُّل الحركة الصهيو ـ مسيحية.
لذا، فإنّ منْ أهمّ ما ورد في أول خطاب “جُو بايدن” بعد انتخابه رئيسا قوله:
“قال لي جدي، وقالت لي جدتي لما كنت صغيرا: يا جُو أنشر الإيمان، يا جو أنشر الدين”.
والمقصود طبعا هو الصهيو ـ مسيحية.
بينما ثاني مبادئ السياسة الأمريكية الخارجية هو: المال
حيث تتجه السياسة الخارجية دوما نحو الخيارات التي تخدم أصحاب رؤوس الأموال ومصالحها القوميّة.
وثالث هذه المبادئ: القوة
إذ هي مكون أساسي في بناء الأمة الأمريكي.
فالسياسة الأمريكية لا تخضع لتعاقب الرؤساء بل ترتبط بالمصالح القومية للأمة الأمريكية. وهي مقدسة عند الجميع.
وهذا ما يجعل سياستها في المنطقة العربية تتسم بالاستمرارية والثبات ولا تتأثر بتغير الزعماء؛ إذن فالسياسة الأمريكية هي محصلة تفاعل وتداخل بين عدة مراكز قوى مؤسساتية، في إطار مجموعة مبادئ أساسية محدِّدة البوصلة، ما يعني أنها لن تكون أبدا منبثقة من إرادة شخص ولا حتى مؤسسة فردية.
الأمر الثالث: وهْم التغيير
وبناء على ما سبق فلا يتوقع تغير ملموس في السياسة الأمريكية تجاه بلدان المسلمين في عهد “بايدن” إلا أن يكون شيئا رمزيا يخدعون به الشعوب ليرمموا بها الانهيارات الأخلاقية والسياسية والاقتصادية التي تمت في العهد “الترامبي”؛ وأنى لهم ذلك..؟
ولذلك يخطئ ويهم من يظن أن سياسة “بايدن” تجاه ما يسمى بـ “حقوق الإنسان” في البلدان الإسلامية ستتحسن؛ إلا أن تكون في حق العلمانيين والليبراليين. ويخطئ من يظن أنهم سيحاسِبون الظلمة من حكام المسلمين على ظلمهم، إذ كيف يحاسب الظالمون الظالمين..؟! كل ذلك وهْم؛ لأن السياسة الأمريكية محكومة بمصالحها؛ فمن يوفر لها مصالح أكثر فهذا الصديق الذي يغطون على جرائمه؛ ولذا سنرى ـ والله أعلم ـ الحكام المستبدين في بلاد المسلمين سيقفون مع”بايدن” نفس الموقف الذي وقفوه مع “ترامب” في مزيد من الخضوع والتبعية والذلة، وابتزازهم بالأموال، ومزيد من مظاهر التغريب والفساد ومسخ الهوية الإسلامية.. وهذا هو ما يريده الغرب الكافر ولا سيما أمريكا وعلى رأسها الطاغوت الجديد “بايدن”.
الأمر الرابع: علامات اقتراب نهايتهم
إن أملنا في ربنا عز وجل أن يجعل في هذا الصراع بين أئمة الكفر على السلطة إيذانا بقرب نهايتهم الذي انعقدت أسبابه، وأن يكون قد اقترب أجل انهيارهم؛ وهذا ما يتفق وسنن الله عز وجل في الظالمين وانهيار الدول؛ حيث بلغ الظلم الذي يمارسه الغرب وعلى رأسه أمريكا الطاغية ذروته، واجتمع فيهم ما تفرق في الأمم السابقة التي أرسل إليهم الرسل؛ فكذّبوا وأعرضوا فأهلكهم الله بكفرهم وتكبّرهم وجرائمهم.
ومما يجعلنا نجزم بقرب نهايتهم، إن شاء الله ـ تحقيقا لا تعليقا ـ المظاهر التالية:
1- كفرهم بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر. وسيطرة المادية الإلحادية عليهم، وغرورهم بأنفسهم وتأليههم للإنسان وقدراته.
2- انهيار اقتصادهم القائم على الرأسمالية الربوية المتوحشة، وظهور عجزهم المالي؛ إذ وصل الدَيْن القومي إلى أكثر من عشرين ترليون دولار. فضلا عن هزيمتهم في المنافسة الاقتصادية مع الصين، وانتشار البطالة والفقر، وتنامي الإنفاق العسكري، وأزمة الرهن العقاري.
3- انهيارهم الأخلاقي المخزي الذي لم يكن في الأمم السابقة على كفرها وظلمها، والفاحشة المعلنة، والتعري الفاضح، وتقنين فاحشة اللواط “الزواج المثلي”، وغيرها من القاذورات والأوساخ والنجاسات والتفكك الأسري.
4- العنصرية التي شطرت مجتمعاتهم إلى قسمين متصارعين متعاديين. وهذه أسباب انشطارهم بإذن الله.
5- ظلمهم الصارخ القائم على الكيل بمكيالين والذي به دمّروا بلاد المسلمين ومقدَّراتهم، ومزّقوا أجساد الرجال والنساء والأطفال، وأصبحت بيوتهم المتهدِمة قبورهم إلى هذه الساعة.. وأرض أفغانستان والعراق وسوريا والصومال وغيرها شاهدة على ذلك.
6- تلك الأمراض والأعاصير والحرائق العظيمة التي سلطها الله عليهم فتتابعت عليهم؛ مما نتج عنه الخسارة العظيمة في الأرواح والأموال وأبدلهم الله من بعد أمنهم خوفاً ورعباً.
خاتمة
يذهب عجوز أمريكي ويأتي آخر، يأتي صهيوني ماكر بعد آخر وقح.. قد تتغير الجلود، لكن تبقى المشاريع.
نذكّر إخواننا المسلمين في كل مكان أنه قد تمت المذابح في مصر في عهد الديمقراطيين الغربيين وفيهم “بايدن” نائبا للرئيس، مشجعين آذِنين بهذا بل آمرين بها ومنسِّقين من أجل حصولها ومدافعين عن من قام بها..! وتمت مذابح سوريا وتهجير أهلها في عهدهم، ورفضوا منع طاغية سوريا من ذبح شعبها الكريم.. وجاء “ترامب” يضع لمسات بطريق رعاة البقر فالتفت الناس اليه ولم يلتفتوا الى جرائم من قبله..!!
لهذا يخشى كثير من عقلاء المسلمين من الديمقراطيين ومكرهم ونعومتهم وجرائمهم، كما يتخوفون من الجمهوريين وغشمهم وحروبهم؛ فالإثنان عملة واحدة ولكن قدَر الله غالب، وقد يأتيهم ربنا تعالى من القواعد فيخر عليهم السقف من فوقهم، ويأتيهم بالعذاب من حي لا يشعرون.. وتتغير الأوضاع تغييرا كاملا فقد حازوا أسباب التدمير كما مر بيانه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق