الدينى و السياسى فى التعامل الغربى مع القرآن
رؤية شاملة
الدكتورة زينب عبد العزيز
أستاذة الحضارة الفرنسية
إن قراءة الغرب المسيحى للقرآن الكريم واحدة لم تتغيّر. و تعامله مع القرآن ، سواء من خلال الرؤية التاريخية أو الرؤية الواقعية، يتّبع منهجية عدائية الموقف وإن تنوعت الأساليب وفقا للعصور. و الحديث عن تعامل الغرب مع القرآن يحتّم علينا تحديد أىّ فئة نعنى. فالغرب يضم ملايين المسلمين من جهة ، ومن جهة أخرى ليس كل المسيحيين معادون للقرآن أو للإسلام و المسلمين. لذلك سنحدد دائما قائلين : الغرب المسيحى أو المسيحى المتعصب، إلخ
و من ناحية أخرى ، فإن تناول القرآن الكريم يعنى حتماً و ضمناً تناول الإسلام والمسلمين، فهو الكتاب المنزّل الذى يتبعونه.
1 – الجانب الدينى :
أ – نظرة عامة :
حينما بدأ سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام دعوته فى القرن السابع الميلادى ، كانت المسيحية الكنسية تتخبط فى حروبها الداخلية و الخارجية الناجمة عن أكبر عملية تحريف تمت فى التاريخ، وهى : تأليه السيد المسيح فى مجمع نيقية الأول سنة 325 م ، ثم اختلاق بدعة الثالوث بتأليه الروح القدس فى مجمع القسطنطينية عام 381 و مساواة الله بالإبن بالروح القدس، ثم جعل السيدة مريم " أم الله " فى مجمع إفسوس عام 431 – الأمر الذى أدى إلى خلافات عقائدية جذرية لاتزال قائمة فيما بينهم، وذلك إلى جانب العديد من الخلافات التى لا شأن لنا بها هنا. و فى نفس ذلك الوقت ، كانت هناك مناطق بأسرها لم تُفرض عليها المسيحية بعد كإنجلترا وبلاد ساكس و جرمانيا و بافريا و شمال إسبانيا وغيرها.
و أقول " أكبر عملية تحريف تمت التاريخ " لأننا جميعا دفعنا ولا زلنا ندفع ثمن هذا التحريف ، سواء من إعترضوا عليه من المسيحيين ، أو من رفضوه بناء على تعاليم دينهم الذى أتى كاشفا و مصوبا لهذا التحريف أو حتى أتباع الديانات الأخرى بمحاولة تنصيرهم.
وفى القرن الثامن كانت المسيحية تتصارع لكبح جماح الانشقاقات التى تعانى منها نتيجة لتحريف رسالة التوحيد وغيرها، بينما كانت راية الإسلام ترفرف على مساحات شاسعة تربط آسيا بالمحيط الأطلنطى. و يقول فيليب سيناك (Ph. Sénac) فى كتابه المعنون : صورة الآخر أنه : " حتى القرن الثالث عشر كانت معظم الوثائق المكتوبة عن الإسلام والمسلمين و التى حددت صورته فى نظر الغرب، بأقلام رجال كنسيين – وهى كتابات مغرضة يدفعهم وضعهم اللاهوتى إلى نقد و تحريف ديانة ليست ديانتهم " ، ( صفحة 10 ) . ثم يوضح المؤلف كيف كانت الكتابة آنذاك حكراً على هؤلاء الكنسيين ، وكيف تصدت الكنيسة فى بادىء الأمر للإسلام على أنه إنشقاق من الإنشقاقات أو هرطقة من الهرطقات التى عليها القيام بقمعها أو إقتلاعها لأنها تخالف ما فرضته من تعاليم.
و قد امتد تشويه الإسلام على أيدى العديد من علماء ذلك الغرب فى مختلف المجالات الدينية و الثقافية والأدبية والعلمية، بدءاً بتشويه معانى القرآن الكريم فى الترجمات التى قاموا بها منذ القرن الثانى عشر، أيام حرب الإسترداد. و يكفى أن نطالع ما كتبه المستشرق الفرنسى رجيس بلاشير R. Blachère فى كتابه المعنون : القرآن الصادر سنة 1969 حين قال : " لقد طلب بطرس المبجل ، رئيس دير كلونى (
ب – سبب هذا العداء :
و يرجع هذا العداء المتواصل ضد القرآن إلى أنه يمثل الدليل الإلهى الثابت تاريخيا ضد التحريف الذى قامت به الأيادى العابثة فى رسالة التوحيد ، فما أكثر الآيات التى تدين هذه الأفعال ، ومنها: " لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة " (37 / المائدة) ، و " لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح بن مريم " (17 / المائدة) ، و " يحرفون الكلم من بعد مواضعه " ..الآية (13 / المائدة) و " يسمعون كلام الله ثم يحرفونه " الآية .. (41 / المائدة) – ولا نقول شيئا عن الآيات التى تتنبأ و تحذر مما يدور حاليا ...
و المعروف علميا عن كل صاحب جريمة، إن أول ما يهتم به هو طمس معالم الأدلة التى تكشف عن فعلته أو تُثبت إدانته .. وهذا هو السبب الحقيقى لذلك العداء المستحكم ، الذى لم يترك مجالا إلا واستغله لتشويه القرآن ومقاصده ، أو لتشويه صورة الإسلام و المسلمين .
وقد كان يوحنا الدمشقى ، المتوفى سنة 749 م ، أول من تولّى هذه المهمة بشراسة ، ففى كتابه المعنون : نبع المعرفة ضمّنه فصلا عن القرآن و الإسلام والمسلمين تحت باب الهرطقة ، وتبعه نيسفور، (758 – 829 ) بطريارك القسطنطينية ، فى نفس خط الذم الجارح و التسفيه. و تواصلت المسيرة التى لم تتوقف حتى يومنا هذا.. ففى القرون الوسطى أنشأوا المعاهد لدراسة اللغات الشرقية ودراسة القرآن الكريم ، لا لفهمه وإنما لدراسة كيفية الهجوم عليه أو إستخدام بعض آياته لتمرير عمليات التنصير وتسهيلها. وهاهم حديثا يُنشئون المعاهد لتخريج الأئمة بغية تكوين جيل يفرض ما أطلقوا عليه "الإسلام الغربى" و "الإسلام الفرنسى" وغيرها من المسميات والمجالات التى لا تهدف إلا إلى تفريغ القرآن من مضمونه العقائدى و الجهادى والإجتماعى وقصره، إن أمكن، على مجرد الحركات الشعائرية !
كما بدأوا الحروب الصليبية التى أعلنها البابا أوربان الثانى فى مجمع كليرمونت سنة 1095 ، و إن كان قد سبق الإعداد لها وممارستها على نطاق أضيق قبل ذلك بكثير. ولقد أعلنها باسم الرب ، و طالب "جنود المسيح " – كما أطلق عليهم ، بحياكة علامة الصليب على صدور ثيابهم و على ظهورهم وعتادهم.. وفى واقع الأمر لم تندلع هذه الحروب ضد المسلمين والمد الإسلامى فحسب ، و انما امتدت أيضا ضد الشعوب التى لم يتم تنصيرها بعد و ضد الشعوب المنشقة كالأريوسيين و الكاتار، لإبادتها .. و امتدت هذه الحروب شرقا وغربا لنشر مسيحيتها بالسيف و المذابح و بمحاكم التفتيش – وما أكثر المراجع التى تتناول هذا التاريخ الدامى الذى وصم الحضارة الغربية المتعصبة.
ولا شك فى أن المجامع و رجال الإكليروس هم الذين كانوا يغذّون مثل هذا التعصب ، ولا يسع المجال هنا لنقل كل قراراتهم و يكفى أن نطالع ، على سبيل المثال ، القرار رقم 25 من مجمع فيينا المسكونى ، المنعقد فيما بين 1311 و 1312م ، برئاسة البابا كليمانت الخامس ، الذى أمر بقيام حملة صليبية جديدة . و يقول القرار :
" من المهين للإسم الإلهى ومن العار للعقيدة المسيحية ، أن يحدث فى بعض مناطق العالم الخاضعة لأمراء مسيحيين ، و يسكن فيها مسلمين مع المسيحيين ، أحيانا منفصلين وأحيانا أخرى مختلطين معهم ، أن يقوم شيوخهم بالدعاء و الإعلان عن اسم محمد فى مساجدهم (ويكتبونه "ماأوميه" تحريفا) ، حيث يجتمع المسلمون ليعبدوا محمد الغدّار ( le perfide) ، وذلك كل يوم وفى ساعات محددة، فى مكان مرتفع ، و يرتلون علانية بعض العبارات تكريما له. وهو ما يسمعه كل المسيحيين و المسلمين ، والأدهى من ذلك أن يتم هذا أيضا فى مكان آخر قد دُفن فيه أحد المسلمين الذى يبجله المسلمون كقديس و يعبدونه. وهناك عدد كبير من القادمين من نفس هذه المناطق و غيرها يجتمعون علانية، وهو ما يحط من شأن عقيدتنا و يولد فضيحة كبرى فى قلوب الأتباع. وبما أن هذه الأشياء التى لا تروق للجلالة الإلهية لا يمكن أن نتحملها ، فإننا نمنع بصرامة وبموافقة هذا المجمع المقدس ، أن تتم مثل هذه الأشياء داخل الأراضى المسيحية ، وبما أن الكاثوليك الحقيقيين هم المدافعون الأمناء عن العقيدة المسيحية ، فإننا نفرض بكل إلحاح ، مستشهدين بالحكم الإلهى، على جميع الأمراء و على كل واحد منهم ، الذين يقيم تحت سلطتهم هؤلاء المسلمين و يمارسون هذه الأشياء ، أن يقتلعوها تماما من أراضيهم و أن يحرصوا على استبعاد العار الذى يجلبه لهم و لباقى أتباع المسيح ما ذكرناه بعاليه، و أن يتمعنوا فى المكافأة التى سيحصلون عليها فى نعيم الآخرة. إننا نمنع بصرامة أى أحد تابع لسلطتهم أن يغامر بعد ذلك أو أن يجرؤ على ذكر أو الإعلان عما قلناه سابقا : أى ذكر الإسم الدنس لمحمد (le nom sacrilège) ، أو أن يذهبوا إلى الحج المذكور. إن الذين سيجرؤون على التصرف بعكس هذا سيتم تأديبهم ، باسم التحية الواجبة لله ، بطريقة بحيث أن الآخرين سيبتعدون عن القيام بنفس الخطأ من هول الرعب المنعكس عليهم" (المجامع المسكونية، ج/ 2 ، صفحة 787 ) .
ومن الواضح أن النيّة معلنة لا منذ مطلع القرن الرابع عشر فحسب وإنما قبله بكثير على منع الآذان ومنع أداء فريضة الحج لمنع انتشار الإسلام أو إقتلاعه. وياله من تسامح غفلنا عنه طويلا حتى استشرى بجنون لا حد له!!
و يوجد فى هامش ذلك القرار اسم المرجع المتضمن لوسائل التعذيب التى ستؤدى الى الرعب المهول الكفيل بمنع المسلمين من الصلاة ، أو من أداء فريضة الحج. وتلك هى "السماحة" التى شبّ عليها الكنسيون تجاه القرآن و الإسلام..
ج – المجمع الفاتيكانى المسكونى الثانى (1965 ) :
يمثل هذا المجمع نقطة فارقة فى تاريخ المسيحية ، فهو أول مجمع هجومى فى التاريخ بالمعنى الواضح للكلمة ، وأول مجمع يخرج خروجا سافرا عن تعاليمه و نصوصه الدينية من أجل الأغراض السياسية أو بسبب ضغوطها.. وقد أصدر هذا المجمع ثلاثة أنواع من الوثائق التنظيمية الدينية ، والإجتماعية ، و السياسية التاريخية. ومن أهم هذه القرارات إجمال فيما يعنى هذا البحث :
1- تبرأة اليهود من دم المسيح ، رغم مخالفة ذلك للعقيدة والنصوص الشديدة الوضوح.
2 - إقتلاع اليسار فى عقد الثمانينيات (من القرن العشرين). حتى لا تبقى اية أنظمة بديلة
للرأسمالية الإستعمارية ، وذلك بالتواطؤ بين الفاتيكان والمخابرات المركزية الأمريكية
وجورباتشوف... وما أكثر ما كتب عن تفاصيل اختلاق حزب " تضامن" فى بولندا،
واختلاق "العام المريمى" لتأجيج مناخ دينى مفتعل ، أوعن المبالغ التى اُهدرت لتنفيذ
هذه المخططات .
3- إقتلاع الإسلام حتى تبدأ الألفية الثالثة وقد تم تنصير العالم.
4 - توصيل الإنجيل لكافة البشر.. وهى الصيغة المضغمة التى تم إعلانها آنذاك ، ثم قام
البابا يوحنا بولس الثانى عام 1982 بتوضيحها فى خطاب رسمى معلنا ضرورة
تنصير العالم ، موضحا أن ذلك لا رجعة فيه ..(لأنه قرار مجمع مسكونى) !
5 - توحيد كافة الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما ، وإنشاء لجنة خاصة بذلك ، رغم
الخلافات العقائدية الجذرية بينها. وعندما لم يتم المطلوب، راح يوحنا بولس الثانى
يحثهم قائلا : " إن هذه هى الوسيلة الوحيدة للتصدى للمد اإسلامى " (وارد فى كتاب :
الجغرافيا السياسية للفاتيكان )
6 - فرض عملية التبشير على كافة المسيحيين ، الكنسيين منهم و المدنيين ، وهى أول مرة
فى التاريخ تقوم فيها الكنيسة بإصدار قرارات مكتوبة ومعلنة خاصة بالمدنيين الذين لا
يندرجون رسميا فى الهيكل الكنسى.
7 - استخدام الكنائس المحلية فى عمليات التبشير ، الأمر الذى يضع الأقليات المسيحية ، فى
البلدان التى يعيشون فيها، فى موقف عدم الأمانة أو الخيانة..
8 - فرض بدعة " الحوار" كوسيلة للتبشير و كسب الوقت حتى يتم التنصير بلا مقاومة ..
9 - إنشاء لجنة للحوار برئاسة الكاردينال آرنزى
10 - إنشاء لجنة خاصة بتنصير العالم برئاسة الكاردينال يوسف طومكو. وقد قام أعضاء
اللجنتين بإصدار وثيقة مشتركة فى 20/6/1991 بعنوان : "حوار و بشارة " تتضمن
التوجيهات اللازمة لعملية التنصير الدائرة منذ ذلك الوقت فى تصعيد متواصل.
وإضافة إلى إعلان البابا ، فى سنة 1982 م ، عن ضرورة تنصير العالم ، فقد أصدر خطابا رسوليا بعنوان : عشية الألف الثالثة ، فى عام 1995 ، يعد بمثابة خطة خمسية لتنصير العالم قبا حلول مطلع الألفية الثالثة. وقد وصفته آنذاك صحيفة لو موند ديبلوماتيك الفرنسية قائلة : أنه يسير على الإسلام بوابور ظلط لدكه تماما ! وذلك إضافة إلى إقامة المؤتمرات العالمية الكبرى للتنصير..
2 – الجانب السياسى :
و أول ما نبدأ به هنا هو تحديد أن الربط بين المجالين ، الدينى و السياسى ، مفروغ منه لا على أنهما يمثلان أساس هذا البحث فحسب ، و إنما لتضافرهما الشديد فى سياق الأحداث الراهنة . وقد رأينا أن الهدف الدينى الثابت والواضح للغرب المسيحى هو : تنصير العالم، وإن كان الترتيب قد أُعد ليتم ذلك عشية الألفية الثالثة، وأنه قرار لا رجعة فيه. وهو ما يمثل جزء لا يتجزأ من نظام العولمة ، الرامى إلى جعل العالم خاضع لنظام دينى و سياسى وإقتصادى و فكرى و إجتماعى واحد ، أو ما يطلقون عليه " قرية واحدة " ، حتى تسهل قيادته بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية و الكنيسة الفاتيكانية. و بالتالى ، العمل على إقتلاع الحضارات الأخرى بعقائدها – وخاصة الإسلام ، الذى أتى شاهداً على عمليات التحريف التى تمت فى رسالة التوحيد ، ومصوباً لها. و من أهم هذه الوسائل المستخدمة حاليا، المجالات التالية :
أ – مجلس الكنائس العالمى :
عندما فشل الغرب المتعصب فى تنصير العالم عشية الألف الثالثة ، قام مجلس الكنائس العالمى ، فى يناير 2001 ، بإسناد مهمة إقتلاع الإسلام إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، مع تسمية هذا العقد (2001 – 2010 ) "عقد إقتلاع الشر" . وما هى إلا بضعة أشهر حتى اختلقت الإدارة الأمريكية مسرحية "الحادى عشر من سبتمبر" لتتلفع بشرعية دولية قبل تنفيذ مشاريعها الإستعمارية التنصيرية.
ومجلس الكنائس العالمى منظمة تضم 347 كنيسة مختلفة ، منتشرة فى 120 بلد و تمثل كافة الإتجاهات المسيحية باختلافاتها العقائدية. إلا أن الكنيسة الكاثوليكية الفاتيكانية ليست عضوا بالمجلس (لأغراض تنظيمية سياسية ...) ، لكنها تتعاون معه بفاعلية مكثفة...
وقد قام مجلس الكنائس العالمى ، الذى يعمل بجهود مشتركة مع لجنة تنصير العالم ولجان أخرى، بعقد أكبر مؤتمر عالمى للتبشير، من 9 إلى 16 مايو 2005 باليونان ، لتوحيد عمليات تنصير العالم بين مختلف الكنائس ، و خاصة الكنيسة الإنجيلية و العَنْصَرية و الكاثوليكية الرومية. وعلى الرغم من توجيه عمليات التبشير فى ثلاثة مجالات أساسية : بلدان الكتلة الشرقة السابقة ، والدول المسيحية التى تفشى فيها الإلحاد ، و الدول الإسلامية وباقى الديانات الأخرى ، فإن التركيز على القرآن و الإسلام يحتل الصدارة فى جدول الأعمال. و تتوالى مؤتمرات التبشير المحلية و العالمية بإصرار ودأب، مثلما تتوالى المغالطات والأكاذيب و التعامل بوجهين ..
ومن أهم القرارات التى أسفر عنها ذلك المؤتمر الذى يتوسط "عقد إقتلاع الشر"، البنود التالية :
* – تفادى أية صراعات أو منافسة بين الكنائس المختلفة أثناء عمليات التبشير.
* – الإصرار على أن " رسالة الله" التى تفرضها الكنائس موجهة لكافة البشر.
* – أنه يقع على الكنيسة توجيه الناس إلى التوبة ليدخلوا حياة جديدة بيسوع المسيح .
* – إن الكنيسة بأسرها مطالبة بتوصيل الإنجيل للعالم أجمع .
* – أنه لابد من غرس كنائس المسيح فى الثقافات المحلية لتسهيل تنمية الإيمان المسيحى .
* – دراسة كيفية التغلب على الوجود المتزايد للديانات الأخرى ، و خاصة الإسلام، فى كل
من أوروبا وأمريكا الشمالية فهو يمثل تحديا حقيقيا لنشاطات المبشرين..
وقد يفسر هذا القرار الأخير الجوانب الخلفية لأحداث الشغب فى فرنسا (اكتوبر/نوفمبر 2005) وردود فعل الحكومة الفرنسية القمعية بحيث أعلن مسؤلون فى منظمات إجتماعية وعدد من المحامين والقضاة : أنها تتبع " سياسة المذبح العاجلة" بالضغط على الإستجوابات الجماعية وأحكامها غير المنطقية بالسجن أو بالطرد (جريدة لو موند فى 24 / 11 / 2005 )
ب – التحالف الأمريكى :
لم يعد خافيا على أحد أن التحالف العسكرى ، الذى قادته الإدارة الأمريكية مع المحافظين الجدد ، ينطلق بجنون لاستغلال منابع الطاقة و المواد الأولية ، مستخدمين كافة وسائل التدخل فى الشئون الداخلية للعالم الإسلامى و العربى ، لتغيير أنظمتها بالتوسع الإستعمارى و العسكرى ، ضاربين عرض الحائط بالقانون الدولى.
ويَخفى أو يُغطى هذا التحالف طموحاته الإستعمارية-الإقتصادية-الدينية بتسميم وسائل الإعلام والمؤسسات الدولية بأكاذيب مفتعلة ليس بقادر على إثباتها. ونكتفى هنا بذكر تصريح لورنس ويلكرسن، نائب وزير الخارجية الأسبق ، كولن باول ، من أن : " كلا من ديك تشينى و و زير الدفاع رامسفيلد قد تمكنا باستعمال سلسلة من الأكاذيب و التلفيق أن يجرّا البلاد كلها نحو أتون الحرب " . كما يقوم هذا التحالف بخلق جماعات إرهابية، واختلاق الحجج ، ونشر نظرية "المؤامرة الإسلامية " للسيطرة على العالم ، إعتمادا على تأجيج نار صراع الحضارات للإستحواذ زورا و عدوانا على سلطاتٍ تؤدى إلى تنفيذ قرارات المجمع المسكونى الفاتيكانى الثانى (1965) وتدمير العالم الإسلامى و العربى. فمن المعروف عن الغرب المسيحى المتعصب أن قرارات المجامع المسكونية مُلزمة لكافة الملوك والرؤاساء المسيحيين.. لذلك نرى هذا التضافر الرهيب بين الموقف السياسى والموقف الدينى فى الغرب المسيحى بهذه الصورة الهستيرية.
وما يدور فى أفغانستان و العراق على مرأى و مسمع من الجميع لم يعد بحاجةٍ إلى شرحٍ أو توضيح. فقد تحولت أفغانستان منذ احتلالها إلى أكبر مستودع لمزارع نبات الأفيون فى العالم بينما تقوم بتحليله وتسويقه كبرى الشركات الأمريكية وعصابات غسيل الأموال.. أما حُجة احتلال العراق فهى من السذاجة التافهة بحيث لاتحتاج إلى مزيد من الكلمات لتوضيح تلفيقها . وقد تابع العالم أول بأول تقريبا كيفية تسلل المبشرين مع جنود المارينز ، و كيفية حشر الأناجيل مع العتاد الحربى والمؤن الغذائية، وكيفية وقف الدراسة إلى أن يتم تغيير المناهج. بل لقد تابعت الصحافة العالمية و المحلية تعليقات كل من بيلى وفرانكلين جراهام اللذان أعلنا : " إن الإسلام دين شيطانى ولا بد من تنصير كافة المسلمين" (لوس أنجلوس بوست فى 4/4/2003).
كما أعلنت وكالة الأسوشييتد برس فى 25/4/2003 : " أن الولايات المتحدة لن تسمح بقيام نظام يوجهه رجال الدين فى العراق على غرار ما يحدث فى إيران " . وهو ما يوضح ترابط السياسى والدينى فى هذه الحرب السافرة التى يقودونها ضد الإسلام.
وقد تم فى نفس ذلك الوقت تقريبا فرض عملية تجفيف الإسلام من المنبع (كما يقولون) فى العالم ، وتحجيم المعاهد الدينية، وإغلاق كتاتيب تحفيظ القرآن ، وتحديد إنشاء المساجد، والأمر بتقليل طباعة القرآن الكريم تقليلا تدريجيا، بحيث تتوقف طباعته تماما بعد فترة معينة، وتغيير نصه بحذف بعض الآيات أو بإصدار نص جديد مثال "الفرقان الحق" الذى اختلقوه وأغرقوا به العديد من المناطق.. ولا نقول شيئا عن تدنى أخلاقيات المحطات التليفزيونية والإذاعية المعادية للقرآن و للإسلام.. وغنىّ عن القول أن "المنبع" الذى يقصدونه فى الإسلام هو القرآن الكريم ومختلف وسائل حفظه، بعد أن فشلوا فى الوصول إلى مآربهم عن طريق تحريف ترجماته أو عن طريق بتر معطياته لمحاربته بها كزعم اضطهاده للمرأة ، وما إلى ذلك. وها هى أحداث الشغب التى اندلعت فى ضواحى باريس فى أكتوبر/ نوفمبر 2005 تتحول إلى مناسبة لسب أحد نصوص القرآن الخاص بتعد الزوجات :
فقد أعلنت هيلين كارير دانكوس ، الأمين الدائم للأكاديمية الفرنسية "أن تعدد الزوجات هو أحد أسباب أعمال الشغب فى ضواحى باريس والأمر شديد الوضوح : كثير من الأفارقة مزواجون ، وفى المسكن الواحد توجد ثلاث أو أربع زوجات و 25 طفلا. أنهم مكدسون بحيث لم تعد هذه المساكن المكتظة تسمّى مساكن وإنما شىء آخر". وفى يوم 15/11/ 2005 ، صرح وزير العمل الفرنسى لجريدة الفايننشيال تايمز البريطانية قائلا : "أن تعدد الزوجات هو أحد الأسباب المحتملة لأحداث الشغب التى اندلعت طوال ثلاثة اسابيع فى ضواحى باريس" وقد علقت الجريدة فى موقعها الإلكتروتى بأن هذا التصريح الذى يمكنه أن يشعل المناقشات حول أزمة الضواحى قد يهين المسلمين والمنظمات المعادية للعنصرية.. وكان قد سبق لوزير الداخلية الفرنسى ، نيكولا ساركوزى ، استغلال قضية الحجاب فى فرنسا وتوظيفها لإدخال منظومة صراع الحضارات فى الصراعات السياسية الفرنسية ثم راح يلوح بقدوم الإرهاب ..
ومن الملاحظ من متابعة الصحافة الفرنسية فى الفترة التى سبقت أحداث الشغب تلك ، أنها ظلت تردد وتحذر شبه يوميا عن قرب وقوع هجمات إرهابية – وكأنها بذلك تعد الرأى العام الفرنسى والعالمى لربط هذه الإحداث بالقرآن الذى يسمح بتعدد الزوجات ، و بالتالى ربطها بالإسلام و المسلمين الذين تسعى للتخلص من وجودهم.
و هو مثال آخر على تحالف الدينى والسياسى فى هذه الحرب الصليبية التى يقودها الغرب المتعصب. كما أن ما فعلوه بأرض العراق وحضارته دليل آخر لا نزال نعيش أحداثه المريرة. ففى 15/1/2005 نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالا إفتتاحيا يتناول التدمير المتعمد لتراث الحضارة البابلية على أيدى قوات الإحتلال، نورد منه ما يلى :
"إن الدمار الذى سببه إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية على حطام مدينة بابل التاريخية، أحد أهم واشهر المناطق الأثرية فى العالم، يعتبر أحد الأعمال البربرية الثقافية الأكثر دناوة فى ذاكرة التاريخ الحديث، إذ أنه عمل لا تبرره أية ضرورة عسكرية وكان من الممكن تجنبه تماما ، فلم تكن هناك حاجة لبناء المعسكر فى المدينة حيث كانت توجد حدائق بابل المعلقة، وهى إحدى عجائب الدنيا السبع فى العالم القديم. ويقول د. جون كورتيز، كاتب المقال ،أن السلطات الأمريكية كانت على علم تام بتحذيرات علماء الأثار بالأهمية الأثرية العالمية لهذه المنطقة، ورغمها فقد تجاهلت القوات الأمريكية هذه التحذيرات تماما" ولم يقتصر الدمار الذى لحق بالموقع على هدم بعض الصروح الأثرية النادرة مثل بوابة الإله عشتروت ، بل إمتد إلى ما يقرب من ثلاثمائة ألف متر مربع من المنطقة الأثرية، تم تسويتها بالأرض و دفنها فى الردم المأخوذ من مناطق أخرى لإنشاء مهبط لطائرات الهيلوكوبتر ومواقف لسيارات النقل الثقيل ، لم تكن هناك أية ضرورة لوضعها فوق ذلك الكنز الأثرى. إن هذا العمل الإجرامى أثريا وحضاريا و دينيا يعنى أن مواقع أثرية لم يسبق التنقيب فيها قد تم تدميرها إلى الأبد.. أو،كما يقولون بلغتهم الشهيرة التى سبق وأعلنوها : قد " دكوها إلى ما قبل العصر الحجرى" ..
وتدمير التراث الإنسانى والحضارى للعراق لم يكن عفوياً أو عن غير قصد ، بل لقد تم الترتيب له قبل العدوان بأسابيع معدودة عندما قاموا بتغيير قانون الآثار لتسهيل خروجها. فما أعلنه الأستاذ سعد إسكندر ، مدير المحفوظات الوطنية ، يؤكد أن هناك ما يزيد على واحد وخمسين ألف قطعة أثرية عراقية مفقودة ، إضافة إلى سرقة و نهب أكثر من 60 % من تاريخ العراق المكتوب ، وهذه النسبة تمثل ملايين المخطوطات والسجلات والوثائق الملكية منذ العهد العثمانى. وهو ما يعنى : إقتلاع متعمّد للتراث .
ويقول المثل العامى : " العيب من أهل العيب ما يبقاش عيب " !.. فهؤلاء الطغاة قد نشأوا ودأبوا على إقتلاع الآخر سواء جغرافيا أوحضاريا أو دينيا. فما فعلوه بالسكان الأصليين للأمريكاتين واستراليا وزنوج إفريقيا ، أوتعذيبهم و إبادتهم لملايين البشر، لا يمكن محوه من ذاكرة التاريخ .. وهو نفس ما قامت به الأيادى العابثة التى كونت الكنيسة الأولى ، وقيامها باقتلاع كل من يخالفها من أفراد أو شعوب ، وإبادة كل ما يكشف عمّا نقلته من العبادات القديمة وأدخلته فى مسيحيتها. وهو ما يفسّر ذلك الإنتقام الأصمّ الذى يفرضونه على أرض بابل القديمة ، على واحدة من أقدم حضارات العالم التى نهلوا منها ما نهلوه.. وهو ما يحاولون فرضه على القرآن الكريم وعلى الإسلام و المسلمين. ويكفى أن نطالع الإصدارات الغربية الحديثة بأقلام بعض الأمناء لنرى أهوال ما قام و يقوم به هؤلاء "المتحضرون" ..
ج – الكنائس الإنجيلية ولعبة الإدارة الأمريكية فى العالم العربى :
ينتمى العديد من القادة العسكريين و السياسيين فى الولايات المتحدة ، وخاصة آل بوش ، إلى جماعة إنجيلية سرية تدعى "الأسرة" . وهذه المنظمة تقود اليوم هدفا مزدوجا ضد المسلمين و ضد الكاثوليك – وذلك ما لم يكن يوحنا بولس الثانى يتوقعة حينما تحالف معهم لاقتلاع اليسار، و من قبل اليساركان قد تحالف لمحو لاهوت التحرر فى أمريكا اللاتينية ( لكن أحداً لا يتعظ من التاريخ أو يَذكر أن أمريكا دائبة التخلص من عملائها بنفس الجبروت الذى تتخلص به ممن تجعلهم أعدائها ) .
وتمثل هذه المنظمة الإطار الأساس للسياسة الأمريكية و تدفع بنفوذها فى العالم من خلال جيش من المبشرين ، بحيث أصبح التطرف الدينى يمثل أحد أهم العناصر فى الجغرافيا-السياسية الأمريكية فى الشرق الأوسط . وبينما لا تكف بعض الأوساط ووسائل الإعلام عن إتهام الإسلام بكل أنواع الإتهامات والتلافيق، فإن المعلقين يتلفعون بالصمت حول مسؤلية الكنائس البروتستانتية التى تساهم فى إحتدام الموقف ضد الإسلام ، مثلما يتلفعون بصمت القبورحول كل أفعال الصهاينة فى أرض فلسطين . فمن المعروف ان أعضاء هذه الكنيسة هم أكثر المساندين لإسرائيل حماسا، ويرفضون أية تنازلات فى الأرض للفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين.
و الإنجيليون الذين يسيرون فى خطى المسيحية الصهيونية ، هم جماعة من الأصوليين البروتستانت ، كانت قد تكونت فى أواخر القرن التاسع عشر، أى فى نفس الوقت الذى تم فيه الإعداد لإقامة دولة لليهود. وهم جماعة تزعم أن إقامة دولة اسرائيلية يعد تحقيقا للنبوءة الإنجيلية و لعودة المسيح ليحكم العالم الف عام فى سلام ! وهم لا يساندون اليهود معنويا فحسب وانما بأموالهم التى تساعد على هجرة اليهود من مختلف البلاد إلى "إسرائيل".
وهذا التيار الإنجيلى الذى يضم أكثر من سبعين مليونا من الأتباع فى الولايات المتحدة ، يعتمد على مئات الآلاف من المبشرين الذين تم تعيينهم لتصديرهم إلى البلدان الإسلامية والعربية وغيرها ، و يؤثر بشدة على السياسة الأمريكية فى العالم العربى. ويقول شارل سان برو (Ch.St. Prot ) مدير مرصد الدراسات الجغرافية-السياسية فى فرنسا ، فى مقال له عن هذه الكنائس : " ان الكراهية التى تكنها هذه الجماعات للإسلام واحتقارهم حتى للعرب المسيحيين ، يجعل منهم أداة مميّزة للسياسة الأمريكية الرامية إلى تحطيم العالم العربى لإعادة تنظيم الشرق الأوسط الكبير بحيث يكون خاضعا لواشنطن وحلفائها الصهاينة " . ويتم تدخل الكنائس الإنجيلية فى العالم الإسلامى و العربى حاليا على ثلاثة مستويات :
1 - الدعاية المعادية للإسلام ، والتى تملك كل الإمكانيات لاتهامه بكل مصائب الدنيا ،
و ربط الإسلام بالإرهاب و " محور الشر" و الشيطنة.
2 - إستخدام الأقليات المسيحية العربية لخلق الفرقة وتعبأتهم ضد المسلمين إعتمادا على
وعود و مكافآت مالية و مناصب و عقود عمل ، ومنح تأشيرات الشنجن لكل من يزعم
أنه "مسيحى مضطهد" ! وهى محاولة مقنّعة لإحلال عمالة مسيحية بدلا من المسلمة
التى يسعون إلى إعادة تهجيرها لبلدانها..
3 - عمليات تنصير المسلمين التى تمثل أوضح نشاطات الإنجيليين إعتمادا على جماعات
منظمة فى شبكاتٍ ، وعلى توصيل رسالة إنجيلية تعتمد على نصوص القرآن. وهو ما
تقوم به جمعية "إدارات العالم العربى" التبشيرية الإنجيلية العالمية التى تتلخص
مهمتها فى : " الإعلان عن النبأ السعيد لمنقذٍ من أجل مسلمى العالم العربى " . و هم
يعتمدون زوراً على أن القرآن يفرض علينا الإيمان بالتوراة و بالإنجيل ، متناسين أو
متجاهلين أن النص القرآنى يقصد ما أنزله الله من توراة و إنجيل ، وليس التورا التى
إنتهوا من صياغتها فى القرن الثامن الميلادى، أو الإنجيل (العهد الجديد) الذى ثبت
بالقطع أنه تم تكوين مجمل كتبه فى أواخر القرن الثانى الميلادى ، ثم قام القديس
جيروم بتكوين وصياغة نصه فى القرن الرابع ، وفرضوه فى مجمع ترانت ، المنعقد
فيما بين 1545 و 1563، على " إن الله هو المؤلف" ، ثم عدّلوا القرار قائلين: ان الله
استعان بالروح القدس ليلهم الحواريين !
والعملية التبشيرية التى تقودها الولايات المتحدة تساندها العديد من المحطات الإذاعية والتليفزيونية وخاصة أعضاء الكونجرس و المخابرات المركزية الأمريكية. كما يتم إدراج الدعاية التبشيرية فى مشاريع برامج التنمية الإلكترونية GIPI ( برنامج : سياسة المبادرة الشاملة للإنترنت ) وبرنامج MEPI (مبادرة الشراكة فى الشرق الأوسط ) ، وقد تم إقامتهما فى معظم بلدان العالم العربى والإسلامى، بعد أن أقر البابا يوحنا بولس الثانى مبدأ إسنخدام المجال الإلكترونى فى التبشير.
وهذا التبشير الذى تموله و تحميه الإدارة الأمريكية كل مرماه سياسى و يهدف إلى خلق بؤَرْ خلاف فى قلب البلدان العربية لإضعافها وتسهيل السيطرة عليها. كما تهدف إلى إشعال صراع الحضارات المزعوم بصورة مفتعلة لتندرج فى المشروع الذى تمت صياغته منذ 11 سبتمبر 2001 لإتهام الإسلام بالشيطنة . أى انها تندرج باختصار فى إطار سياسة الإدارة الأمريكية الهادفة إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط الكبير وفرض هيمنتها عليه لصالح الكيان الصهيونى.
و يقول الكاتب جان بودريار) (J. Baudrillard فى كتابه المعنون " قوى الجحيم " الصادر فى أواخر أكتوبر 2002 ، : " ان ما يدور حاليا هو أكثر من عنف ، أنه إحتدام العنف ، أنه عنف يتزايد كالعدوى فى سلسلة من ردود الأفعال التى تهزم كل الحصانات وكل إمكانات المقاومة (...) لأن الإسلام هو النقيض الحيوى للقيم الغربية ، و لذلك فهو يمثل العدو رقم واحد (...) ، وفيما يتعلق بالتعصّب الدينى المسيحى فإن كل الأشكال المخالفة له تعد هرطقة ، وبذلك فيتعيّن عليها إما أن تدخل النظام العالمى الجديد ، طواعية أو قهراً ، أو عليها أن تختفى. إن مهمة الغرب الآن هى أن يتم إخضاع الثقافات المختلفة بشتى الوسائل إلى القانون الوحشى المسمى التساوى (...) فالهدف هو التقليل من المناطق المنشقة وإستبعاد كل المساحات المعترضة، سواء أكانت مساحات جغرافية أم مساحات فى المجال العقائدى ".
و يؤكد سيرج لاتوش (Serge Latouche) فى كتابه حول " تغريب العالم" قائلا : "إن سيطرة الغرب لم تتمثل فقط فى فرض الإستعمار، و إنما فى التبشير و السيطرة على السوق و الاستيلاء على المواد الخام و البحث عن أراض جديدة و الحصول على أيادى عاملة رخيصة ، و إقتلاع الهوية التراثية الدينية، والقيام بالغرس الثقافى الخاص بالغزاة ، مستعينين بشتى وسائل الإعلام وغيره (...). إن عملية تغريب العالم هى أولا وأخيرا عبارة عن حرب صليبية .. والحروب الصليبية هى أكثر العمليات جنوناً فى كل ما قام به البشر .. أن عملية تغريب العالم كانت ولا تزال عملية تنصير ، ومعظم عمليات التنمية فى العالم الثالث تتم مباشرة أو بصورة غير مباشرة تحت علامة الصليب ".
3 – "محور السلام" :
إنعقد فى بروكسل ،العاصمة البلجيكية، طوال يومى 17 و 18 نوفمبر 2005، مؤتمر بعنوان : "محور السلام " ( Axix for peace ) أعد له الإعلامى الفرنسى تييرى ميسان (Thierry Meyssan) ، الذى كان أول من فضح الإدارة الأمريكية فى إفتعال و إشعال حرب العراق، بنشر كتابين ، الأول عن "الخديعة الكبرى" و الآخر بعنوان "البنتاجيت" على غرار فضيحة الووترجيت الشهيرة ، حيث راح يثبت تورطها بالوثائق الرسمية المنشورة ، والتى تم سحب العديد منها من التداول بعد ذلك . وهو أيضا رئيس شبكة فولتير، الجريدة الإلكترونية اليومية التى تصدر بعدة لغات منها العربية.
وقد حضر هذا المؤتمر ، وهو الأول من نوعه ، مائة وخمسون شخصية عالمية من المعارضين للنظام العالمى الجديد الراهن ، قادمين من مائة سبع وثلاثين دولة ، وهم سياسيون و دبلوماسيون وعسكريون وقادة للرأى فى بلدانهم ، لمناقشة كيفية التصدى لهاذا العدوان الصارخ بعمل محاولات فعّالة للدفاع عن السلام . وفى نهاية اليوم الثانى تمت صياغة البيان الختامى الذى أدانوا فيه التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة والخطر الذى تمثله ضد السلام العالمى. كما ناشدوا أعضاء مجلس الأمن الذين يشاركونهم الرأى فى تفعيل إحترام سيادة الدول وهو ما يمثل أساس القانون الدولى.
وقد تناول المؤتمر من ضمن ما تناول، موضوع الإرهاب الإسلامى فى إحدى حلقاته النقاشية . وقام الوزير الألمانى السابق أندرياس فون بولو (A. von Bülow) بتشريح أحداث 11 سبتمبر 2001 موضحا كيف تم تنفيذها من داخل الولايات المتحدة بهدف إضفاء شرعية دولية على العمليات العسكرية التى تقودها فى العالم الإسلامى والعربى.
وتحدث وبستر تاربلى (W. Tarpley) الصحفى بالولايات المتحدة ،عن أشكال التدخل العنصرى وخاصة استغلال التهديد بعبارة " الإرهاب" قائلا : " لا يمكن فهم السياسة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية إذا قللنا من المدى الحقيقى لأحداث 11 سبتمبر. إن إعتداءات 11 سبتمبر كانت أحداثاً مدبرة داخليا. و الحرب على الإرهاب قائمة على أسطورة تحولت إلى ديانة رسمية للدولة منذ تلك الأحداث. والوسيلة الوحيدة للصراع ضد المحافظين الجدد هى هدم هذه الأسطورة". وقد صدر مؤخرا لتاربلى تحليلا للأساليب المستخدمة لاستمرار توابع أحداث 11/9 ..
كما قام فيليب بيرج (Ph. Berg ) ، المدعى العام السابق لمقاطعة بنسيلفانيا ، بشرح كيف يرفض عدد كبير من المواطنين تصديق الصيغة الرسمية لهذه الأحداث ، ويمثل بيرج عائلات الضحايا التى رفضت قبض تعويضات عن موت أبنائها مقابل الصمت، وتقدموا بشكوة ضد أعضاء مجلس أركان الحرب و البيت الأبيض لمسؤليتهما المباشرة فى هذه الأحداث الإرهبية التى تقودها.
وتحدث دافيد شايلر (D. Shayler ) ، العميل السابق بالمخابرات البريطانية ، موضحا كيفية تدخل هذا الجهاز فى توظيف مصطلح " ألإرهاب الإسلامى " . وعندما حاول الإعتراض على ذلك زجّوا به فى السجن !. غير أنه يؤكد تواطؤ المخابرات المركزية الأمريكية و جهاز المخابرات البريطانية فى تنظيم هذا الإرهاب بصورة مختلقة.
وقد تناولت المداخلات الأخرى توضيح كيف يعتمد ذلك الإرهاب "الأصيل " على مختلف أشكال التدخل العسكرى والدينى والسياسى والثقافى على الأكاذيب والترويع ، وعلى كيفية شراء الأصوات والضمائر والحكومات وقادة الرأى، وخاصة كيف يسيطر على وسائل الإعلام التى يقوم بمنعها من الكشف عن الحقائق أو التحدث عنها ، وعدم المساس بالسياسة الإسرائيلية ، التى لا حدود لها إلا أطماعها !
* * *
لقد جاهر الغرب المسيحى بالعداوة لدين الإسلام ، وجاهرت الحكومة الصهيونية-الصليبية فى أمريكا على لسان مبشريها وأتباعها وإعلامها ، للمطالبة بتغيير العقيدة الإسلامية وإبطال الجهاد بعد بتره من كافة معانيه الإنسانية وقصره ظلما على الجزئية الحربية، على الرغم من أن الجهاد الحربى فى الإسلام مقنن شرعا ويمنع المسلم من بدء العدوان. كما طالب التعصب الغربى بالتدخل فى مناهج التعليم ومناهج العلوم الشرعية ، بناء على توصية مجلس الأمن القومى الأمريكى ، ومنع وصول المتدينين إلى المناصب العليا فى التربية والتعليم وغيرها من المجالات ، وعزل بعض الدعاة والخطباء ، والتضييق على الحلقات الدراسية القرآنية ، و وقف العمل الخيرى الإسلامى ومصادرة أموال هذه الجمعيات، إضافة إلى ما تناولناه فى سياق البحث. وكل ذلك إعتمادا على التلبيس والمغالطة لترويج وتبرير هذا الإقتلاع على أنه جزء من الإصلاح الشامل المطلوب من أجل الديمقراطية! والواقع المعاش يؤكد للجميع أن معنى الديمقراطية فى السياسة الأمريكية بات يعنى : الإستعمار و التنصير.
وهذا الموقف الغربى المعتدى يُعد تدخلا فجاً فى الشؤن الداخلية والدينية وقلباً للمفاهيم وإعتداءً صارخاً على ثوابت الأمة ، وخاصة على القرآن الكريم الذى يعد دعامتها الأساسية.
إن قبول القيام بهذا التغيير هو بمثابة إعتراف ضمني باتهامات الغرب المتعصب ، وإقرار بأن ديننا ومناهجنا يولدون الإرهاب ! والإستجابة لهذه المطالب هو استسلام وتواطؤ لتمكين المتعصبين من مآربهم ، وقد شجعهم على ذلك ما لمسوه من المسؤلين من تهاون فى الدفاع عن ديننا. وهذا التنازل لا حدود له إلا الإقتلاع التام للإسلام و المسلمين كما يبغون..
ولقد أوضحنا فى مطلع هذا البحث و فى النقطة الثالثة منه ، أن الغرب المسيحى ليس بكله معاد للإسلام ، وأن هناك بؤَرٌ من نورٍ فى غياهب ذلك الغرب . و قد آن لنا أن نوجد جسور ترابط وأن نمد أيدينا لنتعاون مع هذه النقاط المضيئة الرافضة للإرهاب الأمريكى وتدخلاته،لقول الحق بلا هجوم أو تجريح. وأهم ما يجب التركيز عليه ، بخلاف التعريف بمعطيات القرآن الكريم الحقيقية – وليس ما يقدمه لهم المستشرقون ، هو :
* أنه لا انفصال فى القرآن أو فى الإسلام بين الدين والدنيا ، وأن هدفه عمارة الأرض وليس دكها أو إبادة بعض شعوبها كما يفعلون.
* عدم قبول مقولتهم المزعومة من أنه "لا نقاش فى العقيدة " ، فالخلاف الأساس بيننا هو ما قاموا به من تحريف ، أى أنه خلاف فى العقيدة . فلا حصر ولا عدد للدراسات الجادة الأمينة التى تثبت حاليا أن المسيح ، كما تقدمه الكنيسة ، لا سند تاريخى له، إضافة إلى كشفهم ما تم أخذه من الديانات الوثنية قبل بترها من الوجود. كما قاموا بإثبات أن الأناجيل المعتمدة قد تم تجميعها إجمالا فى النصف الثانى من القرن الثانى الميلادى ، وأنها ليست منزّلة كما يزعمون. وقد رأينا كيف قام القديس جيروم بتوليفها فى القرن الرابع. وهو ما أثبته القرآن الكريم بالإشارة إلى شتى التفاصيل من تغييرٍ وتبديلٍ و تحريف.
* عدم قبول أن هذه النصوص تتساوى مع القرآن الكريم ، خاصة بعد ما كان البابا يوحنا
بولس الثانى قد أعلنه من أن بها " البالى و الخطأ " ، وقد وعد بتغيير سبعين آية مراضاة لليهود بعد تبرأتهم من "مقتل الرب"! وذلك فى أحد النصوص الرسمية الصادرة عن مجمع الفاتيكان الثانى والتى احتفلوا الشهر الماضى بمرور أربعين عاما على إصدارها.
* العمل على كشف وَهْم أسطورة سفر الرؤيا التى يتذرعون بها لتنصير العالم ليأتى المسيح عليه السلام ، فما عسى الفاتيكان والكنائس الإنجيلية وغيرها فاعلين " بدولةإسرائيل" التى أنشأوها ظلما وعدواناً ، هل سيقومون بتنصير اليهود أم أنها حجج تسرى على البعض ويُعفى منها البعض الآخر ؟!
* بما أن الأناجيل المعتمدة غير منزّلة ولم تكتبها الأسماء التى هى معروفة بها ، أى أنها نصوص غير أصلية ومحرّفة ، بدليل ما قاله القديس جيروم الذى أعاد صياغتها وعدّل وبدّل وغيّر فيها وفقا لطلب البابا داماز( المتوفى سنة 384 م) ، وذلك فى المقدمة التى كتبها لها وأهداها لنفس ذلك البابا. فلا يحق للغرب المسيحى المتعصب الإعتماد على أسطورة من أساطيرها لتبرير إقامة دولة للكيان الصهيونى المحتل لأرض فلسطين ، كما لا يحق له التذرع بها لتنصير العالم ، خاصة وأن المسيح عليه الصلاة والسلام قد قال : " لم اُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " (متى 15 : 24 ). و كان قد قال لحوارييه : "إلى طريق أمم لا تمضوا و إلى مدينة للسامريين لا تدخلوا . بل إذهبوا بالحرىّ إلى خراف بيت إسرائيل الضالة " ( متى 10 : 5 و6 ) وذلك يعنى قطعا أن عمليات التنصير التى تقودها الكنيسة ضد المسلمين تنافى تعاليم السيد المسيح وتناقضها تماما ، وأنه كان يتعيّن عليها أن تهدى اليهود الذين حادوا عن رسالة التوحد ، لا أن تخرج عن تعاليم دينها وتبرأتهم لأغراض سياسية ، و أولها الإعتراف بالكيان الصهيونى المحتل لفلسطين..
* إن إستنادهم إلى نهاية إنجيل متى و الآية المكتوب فيها : " فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس " (28 : 19 ) هو إستناد باطل لأن عقيدة الثالوث قد تمت صياغتها فى القرن الرابع وتسببت فيما تسببت فيه من إنقسامات ومجازر، فكيف يمكن أن توجد فى إنجيل من المفترض أنه مكتوب فيما بين سنة 70 و90م – كما يقولون، إن لم تكن قد كُتبت بأثر رجعى ؟!
إن الإسلام لا يفرض نفسه على أحد ، و القرآن الكريم ينص بوضوح قائلا :
" فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر " (29 / الكهف ) ، " لا إكراه فى الدين" ( 256البقرة).
ليكفّ الغرب المسيحى إذن عن أطماعٍ وأنانيةٍ عمياء فى محاولاتٍ دائبة لإقتلاع القرآن الكريم لفرض دينٍ هو أول من يعلم كيف تم توليفه عبر المجامع على مر الصور ، وليكفّ الغرب المتعصب عن فرض نظام هو أول من يعلم كيف تم نسجه بالأكاذيب والعنصرية، وليكرس كل تلك الجهود الكاسحة إلى ما تحتاجه البشرية من تضافر كل الإمكانيات والطاقات الإنسانية من أجل الحد من مآسى الجوع والفقر والجهل ومشاكل البيئة ، وهى مشاكل قد تسبب هو فى الكثير منها – إن لم يكن فيها كلها !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق