الاثنين، 5 أغسطس 2019

التحالف الثلاثي لاستعادة النهضة الإسلامية

التحالف الثلاثي لاستعادة النهضة الإسلامية

ولأن الفكرة مزعجة لدوائر الغرب لاقت هجوما على شبكات التواصل الاجتماعي من المستعربين ولجان الذباب الإلكتروني السعودي والإماراتي رغم أن مهاتير لم يتحدث عن دول الخليج،
عامر عبد المنعم

مبادرة جديدة أطلقها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد لتأسيس تحالف بين تركيا وماليزيا وباكستان، لاستعادة النهضة الإسلامية، أعادت إلى الأذهان فكرة الرابطة الإسلامية التي عمل الاستعمار الغربي على تغييبها ومحاربتها ليظل العالم الإسلامي ممزقا ومتفرقا.
برر مهاتير اقتصار الفكرة في البداية على هذه الدول الثلاث لما تتمتع به من حرية تداول السلطة واختيار الشعب لحكامه، ومالم يقله إن الدول الثلاث تسعى للاستقلال الحقيقي عن الهيمنة الغربية وتحاول شق طريقها بعيدا عن الإملاءات والتبعية.
أعلن مهاتير الفكرة في مؤتمر صحفي في أنقرة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لمواجهة التحديات العديدة التي تواجه الدول الإسلامية وقال: "عبر توحيد عقولنا وقدراتنا، يمكننا النهوض بالحضارة الإسلامية العظيمة، التي كانت موجودة يومًا ما، وذلك بالعمل المشترك بين ماليزيا وتركيا، وبالتعاون مع باكستان".
ولأن الفكرة مزعجة لدوائر الغرب لاقت هجوما على شبكات التواصل الاجتماعي من المستعربين ولجان الذباب الإلكتروني السعودي والإماراتي رغم أن مهاتير لم يتحدث عن دول الخليج، ولم يستبعد أحدا بل ترك الباب مفتوحا، وقال إن المبادرة "ستعزز الوحدة والتنمية في جميع أنحاء العالم الإسلامي".
من الواضح أن مهاتير استفاد من تعثر المبادرة السابقة التي طرحها رئيس الوزراء التركي الأسبق نجم الدين أربكان عام 1997 باسم مجموعة الثمانية (تركيا، باكستان، ماليزيا، إيران، إندونيسيا، مصر، نيجيريا وبنغلاديش)، وكان التوسع في ضم دول إسلامية تضم أكبر عدد من السكان لتضخيم حجم السوق ولمضاعفة قوتها الاقتصادية سبب فشلها، لأنه لم يضع في الحسابات الخلافات السياسية وعدم استقلال هذه الدول، وتبعية بعض حكوماتها للدول الاستعمارية.
الصعود التركي
الطريق مفتوح أمام التحالف الجديد، وإذا أحسن التنفيذ ستكون فرصة لإعادة الاعتبار للمسلمين في العالم، فهذه النواة ستكون جاذبة لغيرها من دول المسلمين التي تبدو الآن من كثرة الضربات مثل " حمر مستنفرة فرت من قسورة" والانهيار شامل، حتى الدول الغنية ضربها الفقر والخذلان.
لقد قطع أردوغان شوطا في استقلال القرار التركي ونجح في استثمار التناقضات الدولية في إعادة تقديم تركيا كدولة قوية تبحث عن مصلحتها بعيدا عن الاملاءات والتدخلات الأمريكية والاوربية، وحقق طفرات مهمة في مجال الانتاج والتصنيع، خاصة الصناعات الدفاعية، وهذا مؤشر مهم في قياس قوة الدول.
تركيا الآن كقاطرة قوية، لديها كل الأسباب لاستعادة دورها التاريخي، وتشجع سياسة حزب العدالة والتنمية الشعور الإسلامي العام بالأمة الواحدة، وتقوية الروابط بين المسلمين أيا كانت ألوانهم وأعراقهم ولغاتهم، كما أن حالة العالم الإسلامي المتدهورة تجعل الشعوب متحمسة للوحدة الإسلامية مع تلاشي النزعات القومية.
لا يمكن إغفال دور ماليزيا في شرق آسيا، فهذه المنطقة التي تمثل ثقلا إسلاميا مهما يحظى بقدر من الحرية بسبب الصراع الأمريكي الصيني، يجعلها واعدة، ومؤهلة للتقارب مع العالم الإسلامي وفتح ممرات تعاون تعيد الحياة للعلاقات مع المسلمين في باقي الكرة الأرضية.
أزمة العرب
انتقادات المرجفين للتحالف الجديد وأنه تجاهل للدول العربية نوع من المكايدة، والتشويش الذي لا فائدة منه؛ فتخلف العالم العربي وسقوط معظم حكامه في القبضة الإسرائيلية، ومحاربة بعضهم للإسلام تجعلهم غير مؤهلين لخدمة الأمة، وإن كان أنحرافهم يطيل فترة الاستنزاف، ولكن هذا لا يعيق الدول الإسلامية الأخرى عن حمل الراية والعمل لانقاذ المسلمين ووقف الانهيار واستعادة زمام المبادرة.
أي كيان يجمع المسلمين يمثل إضافة للأمة ويزيد من قوة المسلمين، فالعالم اليوم لا يعرف الدول الصغيرة أو الدول التي تتحرك بمفردها مهما كانت قدرتها البشرية والاقتصادية، كما أن التكتلات والتحالفات الدولية رغم خلافاتها وصراعاتها كلها تتفق على معاداة المسلمين ولا تسمح بغير احتوائهم وابتلاعهم.
انتقال مركز القوة للمسلمين من العالم العربي إلى خارجه نتيجة طبيعية لتدمير القلب الصلب، الذي كان عصيا على خصوم الأمة عدة قرون، بعد أن دمروا معظمه، فقد احتلوا العراق وفككوه، واحتلوا الشام وهجروا أهله، ولم يبق إلا مصر التي يجثمون على صدرها بكل ثقلهم لأن إفلاتها من قبضتهم سيغير خريطة العالم.
 احتدام الصراع الدولي
التطورات السياسية في العالم اليوم مواتية لنجاح أي جهد يجمع الدول الإسلامية لتعظيم قدراتها للحفاظ على وجودها، فحالة التصدع في النظام الدولي تفتح الطريق أمام محاولات الخلاص من القبضة الغربية وحجز مكان يليق بالمسلمين في النظام الدولي القادم.
لقد تعددت مراكز القوى العالمية، ولم يعد هناك قوى عظمى تسيطر على شعوب الأرض، وإنما دول قوية لديها أسلحة نووية لكنها لا تستطيع الدخول في حروب مفتوحة لإخضاع العالم، وانتهت الهيمنة المطلقة لأمريكا وتفكك الغرب وانتهت فكرة التفوق العسكري الكاسح.
وما يحدث في الخليج العربي ومضيق باب المندب أكبر دليل على العجز الأمريكي وانكشاف حدود القوة الأمريكية، فدولة مثل إيران لديها برنامج صاروخي تستطيع أن تفرض واقعا جديدا في منطقة كانت حتى وقت قريب خاضعة للنفوذ الغربي.
هذا الصعود للقوى الجديدة وتدهور القوى الاستعمارية القديمة يشير إلى أن النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية لم يعد صالحا، وأن تغييرا سيحدث، لتأسيس نظام دولي جديد، وهذا المتغير يجعل من الواجب على زعماء المسلمين أن يفكروا بعقولهم لاستعادة قوة المسلمين وإحياء الحضارة الإسلامية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق