صراعات ووضع أمني متردٍّ وأزمات تعاني منها العديد من بلدان القارة الإفريقية سمحت بانتشار التنظيمات المتطرفة وتنظيم "داعش" الإرهابي فيها، وأحد أهم العوامل التي أفضت إلى هذا الواقع المرير هو الصراع الليبي الذي بدأ بعد سقوط نظام حكم العقيد معمر القذافي عام 2011، فحالة الانقسام وتواصل انتشار المرتزقة والتدخل الخارجي بالسياسة الداخلية قد تكون تهديداً لاستقرار البلاد ولأهم استحقاق ينتظره الليبيون وهو الانتخابات المزمع إجراؤها في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
أكثر ما يُثير المخاوف، ما سيترتب من نتائج على خلفية حادثة اغتيال الرئيس إدريس ديبي في تشاد، بعد هجوم شنته جبهة "التغيير والاتفاق في تشاد" المتمردة التي تنشط في ليبيا. إن حالة عدم الاستقرار في تشاد بعد وفاة ديبي قد تصب في مصلحة الجماعات الراديكالية التي تتحين الفرصة لتعزيز مواقع مسلحيها في البلاد أثناء وجود حكومة مركزية ضعيفة.
تحدثت مصادر عن تكثيف خلايا "داعش" النائمة نشاطها في الجنوب الليبي
كما كشف تقرير ميداني نشرته وكالة أنباء "فرانس برس" عن ضبط كميات كبيرة من مادة الحشيش المخدرة كانت متجهة إلى ليبيا وتقدر قيمتها بـ37 مليون دولار. التقرير نقل عن المكتب المركزي الوطني للشرطة الدولية "إنتربول" أن عملية الضبط أتت في سياق نشاطات شهري مارس/آذار وإبريل/نيسان الماضيين وتمت في مستودعات في النيجر شهدت مصادرة 17 طناً من الحشيش لتمثل أكبر عملية في تاريخ غرب أفريقيا. وأضاف المكتب أن الفترة الحالية تشهد زيادة ملحوظة في نشاط مهربي المخدرات الذين يستخدمون ليبيا كنقطة عبور.
في سياق مواز، تحدثت مصادر عن تكثيف خلايا "داعش" النائمة نشاطها في الجنوب الليبي، وتعزيز وجوها واتصالاتها بالجماعات الإرهابية المجاورة والمبايعة لها كجماعة "بوكو حرام" في نيجيريا، لاستخدام مقاتليها في مخططاتها الإجرامية في ليبيا.
وما يؤكد هذا الأمر هو خطف مسلحي بوكو حرام مئات القصر مساء الجمعة في منطقة كانكرا شمال غرب نيجيريا لحساب "داعش" في عملية إرهابية غادرة. إذ أكدت "بوكو حرام" في مقطع مصور أنها تحتجز 520 تلميذاً. وبحسب مراقبين، فمن المتوقع تهيئتهم وإرسالهم الى ليبيا وتشاد للقتال هناك تحت راية تنظيم الدولة.
ولعل تقاطع جميع هذه الجماعات المسلحة مع بعضها ومع "داعش" في هذه التجارة اللا أخلاقية، يجعلهم موحدين نوعاً ما ضد أي نوع من أنواع الاستقرار في البلاد، لأن مصلحتهم تبقى في ظل استمرار الفوضى والنزاع. إن الحدود المُستباحة والأزمات المتعاقبة، وعدم وجود قوة تستطيع المجابهة، كلها تشكل أرضية خصبة لعمل الجماعات المتطرفة واستمراريتها.
ضربت غزة من الطيران الصهيونى فإختفى محمود عباس والسلطة الفلسطينية
وجاءت مساعدات إعمار غزة فظهر محمود عباس والسلطة من جديد !!!
د.صلاح الدوبى
جنيف – سويسرا
التنسيق الأمني تحت قيادة محمود عباس “خنجر فى ظهر الشعب الفلسطينى”
على رغم تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسيين والمسجد الأقصى، بقي التنسيق الأمني الثابت الوحيد في قاموس السلطة الفلسطينية، حتى في ظلّ اشتداد سخونة الوضع في القدس المحتلة وتزايد هجمات المستوطنين.
ومع أن رئيس السلطة، محمود عباس، أعلن وقف العمل بكلّ الاتفاقات مع الإسرائيليين العام الماضي، إلا أنه سرعان ما أعاد العمل بها، لتستمرّ الاتصالات بين أجهزة أمن السلطة وأمن العدو كالمعتاد من تحت الطاولة، ومن ثمّ فوقها
عاد التنسيق الأمني مجدّداً إلى الواجهة، خصوصاً مع ملاحقة العدو منفذ عملية حاجز زعترة الأسير منتصر شلبي، إذ أكدت زوجته أن عناصر من أمن السلطة الفلسطينية حقّقوا معها ميدانياً واستجوبوها داخل بيتها في بلدة ترمسعيا شمال رام الله، قبل اقتحام جيش الاحتلال البيت لاحقاً. وتَركّز استجواب السلطة على تساؤلات تتعلّق بمركبة «جيب» تمتلكها العائلة، وعن ربّ العائلة ــ منفّذ عملية زعترة ــ الذي كان مطارَداً ومختفياً منذ لحظة تنفيذ العملية جنوب نابلس. وعلمت «الأخبار»، في وقت سابق، أن أشخاصاً داخل حارة جابر في بلدة عقربا جنوب نابلس أبلغوا مركز شرطة يتبع السلطة بوجود «مركبة غريبة مركونة منذ أيام في الحي»، لتصل الشرطة إلى المكان وتَعثُر على المركبة التي قادها المقاوم شلبي وعليها آثار رصاص، وهي المركبة نفسها التي استعلَم عنها أمن السلطة من زوجة منتصر، ليغادر الأمن مكان المركبة، ثمّ يقتحم جيش العدو المكان، لكنه كان متأخّراً قليلاً، إذ أحرق شبان فلسطينيون المركبة.
أن «التنسيق الأمني مستمرّ والدلائل ملحوظة، كإخلاء السلطة مراكز المدن والنقاط والحواجز في مناطق (أ) قبل اقتحام جيش العدو بوقت قصير، إضافة إلى استمرار اقتحامات مستوطنين في بعض المناطق التي فيها مراكز شرطية فلسطينية».
ما يُعرف بـ«التنسيق الأمني العسكري» لا يقتصر على الاتصالات المباشرة بين أجهزة أمن لتبليغ البعض عن تحرّكات الآخر، أو عن مهمّات أمنية في الحيّز الجغرافي المعقّد في الضفة والمقسّم إلى: أ، ب، ج، بل يمتدّ ليصل إلى مهمّات تنفّذها السلطة وترفع بها تقارير دورية إلى أمن العدو، من مثل: مراقبة الوضع المالي للشخصيات المقرّبة من فصائل المقاومة، ضبط أسلحة وخلايا للمقاومين والإبلاغ عنها بعد اعتقال أصحابها. كما يؤكد أسرى محرَّرون أنهم وجدوا معلومات كاملة لدى مخابرات العدو تطابق معلومات وقضايا حقّقت السلطة فيها معهم.
الأسوأ أن سيطرة أجهزة السلطة على مفاصل الوزارات والمؤسّسات الحكومية في الضفة أدّت إلى تفريخ شخصيات أمنية كثيرة تعمل لحسابها، على رغم أن تلك الشخصيات غير موظّفة في الأجهزة الأمنية نفسها. ويُطلَق على الواحد من هؤلاء لقب «مندوب»، وهو ينقل معلومات كاملة عمّا يراه ويلحظه في محيطه مقابل مبلغ زهيد قد يصل إلى 300 شيكل (أقل من 100 دولار أميركي) في أفضل الأحوال، إضافة إلى بطاقات شحن هاتفية من الجهاز الأمني الذي يعمل له. هكذا، يخدم «المندوبون» عمل السلطة في كلّ المهمات الأمنية، بما فيها مهمّات ملاحقة المقاومين ومَن يحوز السلاح والمركبات الغريبة وغيرها.
أمّا المشهد الأكثر وضوحاً، ولا يزال يتكرّر، فهو قمع الفلسطينيين مباشرة ومنعهم من المواجهة. وفي الأحداث الأخيرة، سُجّلت اعتداءات واعتقالات نفّذها أمن السلطة بحق شبان على خلفية إلقائهم الحجارة صوب جنود الاحتلال على نقاط التماس أو مشاركتهم في تظاهرات مع المقاومة.
وهذه الطريقة، وفق مراقبين، لا تستعملها أجهزة السلطة دائماً، بل عندما يكون هناك قرار سياسي بعدم المواجهة، إذ في أحيان أخرى، تسمح رام الله بالمواجهات على نقاط التماس جميعها. وآخر تلك الحوادث سجّله الصحافي نضال النتشة في منطقة باب الزاوية في الخليل قبل أيام، إذ يوثق فيديو قوة من «الأمن الوطني» تعتدي بالضرب على شابين بعد اعتقالهما من منطقة المواجهات، ويصرخ أحد الشبّان مستنكراً: «ليش تضربني، بِعْتِ الأقصى أنا؟». وقبل أشهر، تنكّرت قوة من الجهاز نفسه بمركبة مدنية وحاولت على طريقة المستعربين اختطاف شبان من المواجهات في باب الزاوية، لكنها أخفقت، ولم يصدر أمن السلطة آنذاك بياناً توضيحياً. وفي وقت لاحق، تعرّض الصحافي النتشة للتهديد. في المقابل، بات الناس أكثر وعياً وإدراكاً لمفهوم التنسيق وخطورته، إذ تتعالى الأصوات أكثر من ذي قبل خلال المسيرات الشعبية: «التنسيق ليش ليش… وإحنا تحت رصاص الجيش»، «شعبي بده R.P.G… مش تنسيق و C.I.A». وكما يبدو، أخطر ما في التنسيق إدراك السلطة استحالة التخلّص منه أو عدم رغبتها في ذلك، لأنه حوّل دورها إلى شركة خدمات أمنية، بل بات هو أساس وجودها، فعندما لا تلتزم به كاملاً، يصير وجودها في مهبّ الريح. إزاء ذلك، علمت «الأخبار»، من مصادر أمنية، أن أمن السلطة حالياً، وفي ذروة موجة المواجهات على نقاط التماس في الضفة، قرّر غض النظر عن المواجهات الشعبية وإلقاء الحجارة، للتماهي ولو مؤقّتاً مع الموقف الشعبي من اقتحام الأقصى والمشهد في القدس.
البداية بعد وفاة عرفات
بعد وفاة عرفات، استعاد التعاون الأمني في عهد عباس قوته، إذ ظل عباس معارضاً بشكل مطلق للعمل المسلح ضد الاحتلال، كما دافع بشراسة عن التعاون الأمني مع إسرائيل بوصفه “مصلحة وطنية” فلسطينية، بغضِّ النظر عن السلوك الإسرائيلي إزاء الفلسطينيين.
وفي عهد عباس، تم حل الجناح المسلح لحركة “فتح” التي تزعمها “كتائب شهداء الأقصى” عام 2007، والعفو عن العشرات من مقاتليهاضمن اتفاق مع إسرائيل عرف باتفاق العفو، بعد كانت هذه الكتائب قد تشكلت خلال الانتفاضة بأمر من عرفات. ولم يسمح عباس لحركته “فتح” بلعب أي دور فعلي للإسهام في تبني المقاومة في مواجهة المشروع الاستيطاني وتحدي السياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، كما عمدت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة إلى التصدي لكافة أشكال المقاومة وحتى الشعبية السلمية منها، وأحبطتها بالكامل.
الجنرال الأمريكي، كيث دايتون
في عام 2005، عمدت الولايات المتحدة ولأول مرة إلى لعب دور فاعل في تنظيم ومأسسة التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، حيث شكَّلت واشنطن مجلساً لتنسيق التعاون الأمني بين السلطة وإسرائيل، بقيادة الجنرال الأمريكي، كيث دايتون، الذي تولى شخصياً مهمة الإشراف على إعداد وتدريب أجهزة السلطة الأمنية لتحسين قدرتها على إحباط العمليات المسلحة للمقاومة.
ولم يعمل دايتون على مأسسة التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة وجعله أكثر جدوى فحسب، بل حرص على أن تسهم دورات التدريب التي أشرف عليها في فرض عقيدة أمنية جديدة على المؤسسة الأمنية في السلطة، بحيث يفضي تشرب منتسبي الأجهزة الأمنية الفلسطينية تلك العقيدة إلى “صناعة الفلسطيني الجديد”، الذي يرى في إحباط العمل المقاوم ضد الاحتلال مصلحة وطنية له.
وبفعل خطة تايتون، ضربت السلطة الفلسطينية حتى يومنا أجنحة المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية بالكامل، والتي سمّتها “العصابات المسلحة”، كما فككت التشكيلات العسكرية لها، وقد أشار الجنرال الأمريكي دايتون إلى أن الآلاف من أبناء القوى الأمنية الفلسطينية الذين تدربوا بتمويل أمريكي في الأردن، قادوا الحملات الأمنية في مدن الضفة، واعتقلوا المئات من أبناء حماس والجهاد وفصائل المقاومة، وتم ذلك على مستوى تنسيقي واسع المدى بينهم وبين الإسرائيليين.
ولكن في غزة، باءت خطط دايتون بالفشل بعد سيطرة حركة حماس على القطاع كاملاً في يوليو/تموز 2007، وتبع ذلك شن 3 حروب مدمرة عليها، لكن ذلك دفع إلى توفير بيئة مناسبة لتعزيز التعاون الأمني، حيث وجدت إسرائيل الفرصة لابتزاز قيادة السلطة وإجبارها على إبداء أكبر قدر من التعاون الأمني في الضفة، بحجة أن التعاون في مواجهة حركات المقاومة ضرورة لضمان بقاء حكم فتح وعدم السماح لحماس بتكرار “نجاحاتها” في الضفة.
عباس يرى مستقبله مرتبطاً بإسرائيل والولايات المتحدة، ونظريته القديمة هي أن الشعب الفلسطيني يمكن أن يحصل على بعض من الأمان إذا بقي فقيراً وغير قادر عسكرياً، ومخترقاً أمنياً، ومن محبي السلام، مقابل تخفيف البطش الإسرائيلي”.
التنسيق الأمني ليس مصطلحاً من كلمتين، بل علاقات فلسطينية – إسرائيلية أمنية وسياسية ومدنية واقتصادية متشابكة، ورزمة من الامتيازات الفردية والمؤسساتية التي تجذرت منذ اتفاقية أوسلو 1993، بحيث لم يعد الفكاك منها يتطلب مجرد قرار من رأس القيادة، لأن جبلاً من جليد التعقيدات والمصالح المتشابكة لطبقة فلسطينية كاملة يختفي تحت سطح هذا المصطلح.
ومن المعروف أن هناك أنواعاً للتنسيق، فمنها التنسيق المدني والعسكري والأمني، حيث بقي الأخير غامضاً، ولا يجد من يُقدم تفسيراً واضحاً لماهيته، فيما يتهرب قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية من إعطاء أي تفسير لحقيقة هذا التنسيق وما يترتب عليه. وتمتنع المؤسسات السياسية السيادية من نشر ملحقات اتفاقية أوسلو التي تناولت التنسيق الأمني على صفحاتها الإلكترونية.
أبرز البنود الأمنية التي وقعت عليها منظمة التحرير الفلسطينية ضمن اتفاق أوسلو:
تلتزم منظمة التحرير بحق دولة إسرائيل في العيش بسلام وأمن والوصول إلى حل لكل القضايا الأساسية المتعلقة بالأوضاع الدائمة من خلال المفاوضات، وأن إعلان المبادئ هذا يبدأ حقبة خالية من “العنف”.
تدين منظمة التحرير تدين استخدام “الإرهاب” وأعمال العنف الأخرى، وستقوم بتعديل بنود الميثاق الوطني للتماشى مع هذا التغيير، كما سوف تأخذ على عاتقها إلزام كل عناصر أفراد منظمة التحرير بها ومنع انتهاك هذه الحالة وضبط المنتهكين.
إعلان منظمة التحرير موقفاً علنياً تدعو فيه الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الاشتراك في الخطوات المؤدية إلى تطبيع الحياة و”رفض العنف والإرهاب” والمساهمة في السلام والاستقرار والمشاركة بفاعلية في إعادة البناء والتنمية الاقتصادية والتعاون.
إنشاء قوة شرطة من أجل حفظ الأمن في الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية.
إسرائيل هي المسؤولة عن حفظ أمن منطقة الحكم الذاتي من أية عدوان خارجي (لا يوجد جيش فلسطيني للسلطة الفلسطينية).
بعد 3 سنين تبدأ “مفاوضات الوضع الدائم” يتم خلالها مفاوضات بين الجانبين بهدف التوصل لتسوية دائمة. وتشمل هذه المفاوضات القضايا المتبقية بما فيها الترتيبات الأمنية (كمية القوات والأسلحة المسموحة بها داخل أراض الحكم الذاتي، والتعاون والتنسيق بين شرطة السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي).
المتولي الشرطة الفلسطينية تدريجياً مسؤوليات النظام العام والأمن الداخلي، وستتم خلال 18 شهراً من تنصيب المجلس الفلسطيني. وستنتشر الشرطة الفلسطينية، وستتولى مهام النظام العام والأمن الداخلي للفلسطينيين بشكل مرحلي.
ستستمر إسرائيل في القيام بمسؤوليات الأمن الخارجي، إضافة إلى مسؤولية الأمن الشامل للإسرائيليين، وذلك؛ من أجل المحافظة على أمنهم الداخلي والنظام العام.
بدء العمل بترتيبات وآليات تنسيق أمنية متفق عليها، تتضمن تشكيل لجنة تنسيق وتعاون مشتركة من أجل الأمن المتبادل ستسمى “JSC”، بالإضافة إلى لجنة أمن إقليمي مشتركة تسمى “PSCs”، وإقامة مكاتب مشتركة للتنسيق في المناطق، تسمى “DCOs”، كما نص عليه في الملحق الأول من الاتفاقية.
سيأخذ الطرفان الإجراءات الضرورية لمنع “أعمال الإرهاب، الجريمة، والأعمال العدوانية” الموجهة ضد الطرف الآخر أو ضد أفراد واقعين تحت سلطة الطرف الآخر وضد ممتلكاتهم وسوف تؤخذ الإجراءات القانونية ضد مرتكبي هذه الأعمال.
باستثناء سلاح وعتاد وأجهزة الشرطة الفلسطينية في الملحق الأول وتلك الخاصة بالقوات العسكرية الإسرائيلية، لا يمكن لأي منظمة أو مجموعة أو أفراد في الضفة الغربية وقطاع غزة أن يصنع أو يبيع أو يحوز أو يملك أو يورد أو يحضر سلاح أو عتاد و متفجرات أو ملح البارود أو أي أجهزة مرتبطة بذلك.
وعليه، أصبحت السلطة الفلسطينية أكثر التزاماً بمحاربة “الإرهاب”، وجعلها الاتفاق مسؤولة عن اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد المقاومين الذين اعتبروا “إرهابيين” من خلال التعاون أمنياً مع إسرائيل. وقد وظَّفت إسرائيل التعاون الأمني لخدمة مصالحها وتقليص فرص المس بأهدافها في الأراضي المحتلة.
عباس يفاخر بتنسيقه مع المخابرات الأمريكية
أن “قرار وقف التنسيق الأمني موضوع على طاولة الرئيس الفلسطيني منذ 2015، وقد حصل على موافقة من مؤسسات منظمة التحرير كافة لتطبيقه، لكنه لا يريد صراحة أن يوقفه، وهو يتفاخر في اجتماعات القيادة بأنه متعاون أمنياً مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل مطمئنة لهذا الموقف”.
وخلال اجتماعه مع وزراء الخارجية العرب، أبرز الرئيس علاقته الوثيقة بالمخابرات الأمريكية (سي آي إيه)، وقال إنها راضية عن أداء الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مكافحة الإرهاب
ويعد التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل جزءاً من ترتيبات الوضع النهائي التي أعلنها اتفاق أوسلو لعام 1993، وما تلاه من اتفاقيات لاحقة كاتفاق طابا 1995، واتفاقية واشنطن في العام ذاته، واتفاقية واي ريفر 1998.
بموجب هذه الاتفاقيات مُنحت إسرائيل الحق كاملاً في ضبط الأمن بالمناطق المشتركة في الضفة الغربية بالتعاون مع أجهزة الأمن الفلسطينية، وتشكيل لجنة مشتركة للإشراف على عمليات الاقتحام أو اعتقال المشتبه بهم في التخطيط، أو تنفيذ عمليات تهدد الأمن الإسرائيلي.
اعتقال المقاومين وحديث عن امتيازات مالية إسرائيلية للقادة الأمنيين
يأخذ التنسيق الأمني عدة أشكال، من بينها تسيير دوريات مشتركة فلسطينية وإسرائيلية؛ لضمان أمن المناطق الفلسطينية، وملاحقة سلاح المقاومة، واعتقال المشتبه بهم في التخطيط، أو تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، واستهداف البنى التحتية لأي نشاط يشكل تهديداً للأمن الإسرائيلي، وإعادة المستوطنين الإسرائيليين الذين يدخلون القرى والضواحي الفلسطينية.
وقد أعلن نداف أرغمان، رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك”، إحباط أكثر من 560 هجوماً كبيراً، من بينها 10 عمليات فدائية، و4 عمليات خطف، وأكثر من 300 عملية إطلاق نار خلال 2019.
إن “تهديدات عباس بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل لم تعُد مُجدية، في ظل تحكُّم أطراف ذات مواقع قيادية بالأجهزة الأمنية يتبعون لماجد فرج، يتواصلون مباشرة مع نظرائهم الإسرائيليين؛ للإبلاغ عن أي نشاط قد يشكل تهديداً لأمن إسرائيل مقابل حصولهم على امتيازات مالية، وتوفر إسرائيل للضباط وعناصر قيادية في “فتح” حماية أمنية؛ خشية تصفية الفصائل لهم”.
وإسرائيل قد تحاصر الضفة
أن “إسرائيل وضعت عدة سيناريوهات تحسُّباً لأي خطوة فلسطينية مفاجئة، من بينها تطويق الضفة الغربية بألوية عسكرية، وتفكيك مؤسسات السلطة الفلسطينية، وإعادة تفعيل سياسة روابط القرى”.
بلغة الأرقام تصل قيمة الدعم المالي الأمريكي لأجهزة الأمن الفلسطينية إلى 100 مليون دولار سنوياً، رغم فرض الإدارة الأمريكية حصاراً مالياً على السلطة منذ 2017، تركز على تمويل البرامج التشغيلية المخصصة لقطاع البنى التحتية في فلسطين والأونروا وموازنة السلطة، إلا أن الدعم الأمريكي لأجهزة الأمن لم يتوقف.
أن “أي وقف للتنسيق الأمني مع إسرائيل يتطلب حث المجلس التشريعي على إقرار حزمة من القوانين، من بينها تفعيل عقوبة الإعدام؛ لإدانة من يُتهم بالتواصل مع الجانب الإسرائيلي، من أجل رفع الحرج عن رئيس السلطة، الذي يخشى من تبعات القرار”.
عرفات تحايل عليه وأبو مازن مصر على الإلتزام به
مرَّ التنسيق الأمني بمرحلتين: الأولى مع اندلاع انتفاضة الأقصى أواخر 2000، حيث تراجع مستوى التنسيق الأمني، ومن أبرز ملامحه توفير الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات غطاء للفصائل المسلحة بتنفيذ عمليات ضد الأهداف الإسرائيلية دون اعتقالهم وملاحقتهم.
أما المرحلة الثانية فجاءت متزامنة مع تولي عباس رئاسة السلطة في 2005، وبدء الانقسام بين “حماس” و “فتح”، وتميزت هذه المرحلة بتعميق أواصر التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة، وبروز دور المخابرات الأمريكية (CIA)، بإشرافها المباشر على تدريب عناصر المخابرات الفلسطينية على مكافحة مخاطر التهديد الأمني، وتوفير أجهزة التنصت والمعدات العسكرية لملاحقة فصائل المقاومة في الضفة الغربية.
إسرائيل تضع شرطين مقابل تقوية عباس
يبدو أن ما سُميت إجراءات “حسن النوايا” الإسرائيلية تجاه السلطة الفلسطينية، لتقوية مكانة الأخيرة في ظل حالة الضعف التي تعيشها على أثر معركة “القدس” وتبعاتها، لن تكون مجانية، بل مقابل خطوات من السلطة أيضاً، كما تشترط إسرائيل.
فقد كشف مصدر سياسي عن شرطين إسرائيليين تم إرسالهما عبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال زيارته للقدس المحتلة ورام الله، يوم الثلاثاء 25 مايو/أيار، مقابل تقوية مكانة السلطة في رام الله على حساب حركة “حماس” التي زادت شعبيتها، إثر الحرب الأخيرة التي خاضتها ضد إسرائيل، إضافة إلى الدفع قدماً بالمشاريع العمرانية والتنموية في الضفة الغربية.
الشرط الأول: وقف خطوات السلطة “الأحادية”
ويتمثل الشرط الأول بوقف السلطة أي خطوة أحادية الجانب في المحافل الدبلوماسية العالمية أو المحاكم الدولية، خاصة تلك الخطوات المرتبطة بالسلطة مباشرة.
وبشأن هذا الشرط، أفاد المصدر بأن تل أبيب وواشنطن متفهمتان “حاجة السلطة للحديث عن هذه الخطوات من قبيل الاستهلاك الإعلامي الداخلي، لكن بشرط ألا يُبنى ذلك على خطوات جدية في المحافل الدولية ضد إسرائيل”.
وبحسب المصدر، فإن الولايات المتحدة الأمريكية قد وعدت إسرائيل بالعمل على تذليل قلقها من أي خطوات من هذا القبيل، بل وتقييد أي خطوات في المحاكم الدولية ضد تل أبيب.
وبناء على الرسالة الإسرائيلية التي حملها الوزير الأمريكي من المستوى السياسي الإسرائيلي إلى رام الله، فإن تل أبيب تعتبر أن بنود اتفاق أوسلو تحرّم على السلطة الفلسطينية التوجه إلى المحاكم الدولية أو إلى المحافل السياسية ضد إسرائيل.
ووفق الرسالة أيضاً، فإن تل أبيب دعت السلطة إلى عدم الاستمرار في تسمية نفسها دولة فلسطين في معاملاتها الداخلية، لأنه لم يحدث حل سياسي بعد، معتبرة أن هذا مخالف للاتفاقيات بين الجانبين.
وأشارت إسرائيل إلى أنه بناء على اتفاق أوسلو المبرم عام 1993 فإن التسمية هي “السلطة الفلسطينية”، لكن الرئيس الراحل ياسر عرفات قد أضاف فور نشوء السلطة قبل ربع قرن كلمة “الوطنية” لتصبح “السلطة الوطنية الفلسطينية”.
وتدعي إسرائيل أن إضافة هذه الكلمة كانت مخالفة لاتفاق أوسلو، بغية الزعم بأن “الفلسطينيين هم أول من لم يلتزم باتفاق أوسلو وليس إسرائيل”.
الشرط الثاني: استمرار التنسيق الأمني
أما الشرط الإسرائيلي الثاني، فهو استمرار التنسيق الأمني بأعلى مستوياته، مع تفعيل اللقاءات الدورية بين قيادات المؤسسة الأمنية الفلسطينية ونظرائهم الإسرائيليين، وعدم الاكتفاء بالتنسيق عبر الاتصالات اليومية الاعتيادية.
ووفق هذا الشرط، فإن إسرائيل تدّعي أن وقف أو تخفيض التنسيق الأمني كرد فعل من السلطة في أي وقت سيفاقم الخطر على السلطة واستقرارها، تحت عنوان أن هذا التنسيق عالي المستوى يضمن المصلحة المشتركة للطرفين.
شواهد على قبول الشروط
وبينما لم تصدر أي معطيات حول رد فلسطيني حيال هذه الشروط الإسرائيلية، إلا أن المصدر المقيم في أراضي 48 كشف عن بعض الشواهد التي تظهر الالتزام ببعضها على الأقل ما يخص التنسيق الأمني.
وأوضح أن توسيع انتشار الأمن الفلسطيني في المربع الأمني بمنطقة البالوع برام الله باللباس المدني وليس العسكري في بعض النقاط، لم يكن بدافع التمويه الأمني الفلسطيني، وإنما بطلب إسرائيلي، خاصة فيما يخص النقاط المشرفة على حاجز بيت إيل الإسرائيلي.
وقد تم هذا الانتشار بالتنسيق مع الأمن الإسرائيلي؛ وذلك ضمن جهود لعدم تكرار عمليات إطلاق النار نحو الأهداف الإسرائيلية في المنطقة، ومنعاً لجر الأمور نحو أي حالة لـ “عسكرة” الهبة الفلسطينية.
يذكر أن إسرائيل تربط الأمور الحياتية والمدنية اليومية للفلسطينيين بالتنسيق الأمني أيضاً، حيث إن كثيراً من الأمور المدنية يتم تنسيقها مع الجانب الإسرائيلي تحت عنوان “التنسيق الأمني”.
السلطة الفلسطينية تصعّد حملة الاعتقالات السياسية بالضفة الغربية ضد الفلسطينيين رماة الحجارة
يكبر الضمير وتزداد بصيرته فيصبح "فرقاناً" بسبب اليقظة والحساسية الداخلية (إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً) (الأنفال: من الآية 29) ، أو يصبح "إحساناً" تعبد الله كأنك تراه
د.سلمان العودة
قالوا
الإنسان الصالح ليس صاحب العقل الكبير فقط ، بل ينبغي أن يكون كذلك صاحب قلب سليم وضمير يقظان وقدرة على كبح نفسه وامتلاك رغبته.
في هذه اللحظة المثيرة، وعلى بعد عشر سنوات وستة أشهر من ميلاد الربيع العربي، تبدو كل الأنظمة التي ناصبت هذا الربيع العداء، وحاربته بكل أنواع الأسلحة، وقد استتبّ لها الأمر، ودانت لها الأمور، وخصوصًا مع تنامي حالات الانسحاب الهادر، والصامت لمن اعتبروا أنفسهم "أصدقاء الربيع" واحدًا تلو الآخر.
المشهد يقول بوضوح الآن إن كل الأطراف التي كانت تباهي بالقرب من الربيع العربي وثوراته، وتتغنّى به، وتكتب فيه الملاحم والمعلقات، ضجّت منه، وقرّرت أن تسرع الخطى، في الاتجاه المضاد، وتبحث عن مصالحها في تلك المساحات المشتركة بينها وبين الحكومات التي قامت على أنقاض هذا الربيع، إذعانًا لمعطيات الأمر الواقع التي تنطق بأن الربيع العربي لم يبق منه إلا حطام تحته ذكريات مشتعلة. معلوم أنه كان ربيع شعوب عربية، تبحث عن الخلاص من الاستسلام للطغيان، والإذعان للسلام على الطريقة الأميركية، ولم يكن ربيع حكومات ضد حكومات، مهما افترى المفترون وصنع الكاذبون من أكاذيب تطعن في نقاء الفكرة وعفويتها، واستجابتها البسيطة لأحلام وأوجاع جماهير قرّرت أن تنتفض ضد الخمول والجمود والانهيار الفادح في قيمة الفرد/المواطن العربي. بل إن جزءًا من أسباب نجاح هذا الربيع في لحظاته الأولى أنه لم يكن تابعًا لأحد، ولا مستسلمًا لوصاية من طرف، هنا أو هناك، إذ لم يكن يصح لانتفاضة من أجل انتزاع الحرية من أنظمة مستبدة، أن تسلم نفسها وقرارها وحريتها لأنظمة أخرى قد تكون أقل استبدادًا.. بل إن الانهيارات السريعة التي أصابت ثورات الربيع وقعت حين تعجلت هذه الثورات الارتباط بحكومات وأنظمة، حتى وإن كانت هذه الحكومات على تناقضات وخلافات مع النظم التي ثارت ضدها الشعوب. في ذلك تأتي سيرورة الثورة السورية حالة صارخة، إذ حين اندلعت كانت مثل طفلة جميلة يتسابق الجميع على رعايتها واحتضانها، بل إن بعض الذين يتربصون بالثورة في مصر وتونس واليمن كانوا الأكثر ادعاءً للمحبة والمودة تجاه الثورة السورية، إلى الحد الذي كانوا يتحدثون فيه عن تجهيز الجيوش للتدخل العسكري لإنقاذ الثورة وشعبها السوري من بين براثن بشار الأسد. مبكرًا جدًا قلت إنه من السذاجة أن نصدق أن أحدًا يحارب الربيع في منطقة، ويدافع عنه في منطقة أخرى،لأن هذا ضد المنطق وضد طبيعة تكوين السلطة العربية، وأذكر في هذا الصدد أن بعض الأصدقاء العرب المتعاطفين مع ثورات الشعوب اختلفوا معي، لدرجة الغضب، حين سخرت من الإعلان عن تنسيق سعودي تركي للتدخل العسكري ضد بشار الأسد، في إطار مشروع أميركي في عهد أوباما، وقد سجلت وقتها إن قليلين جداً من اللاعبين في المأساة السورية يحبون الربيع العربي، فيما جلّهم كاره له، وإن استخدمه ورقةً في اللعبة الإقليمية أحياناً.. وهكذا، تتحول الثورات إلى مجرد ورقة في لعبة البوكر السياسي في المنطقة، بعناصرها الطائفية، والمذهبية، لتتحقق بوضوح نظرية الأواني المستطرقة. خذ في الشام، واترك في اليمن، والعكس أيضاً صحيح، فيما ينشط اللاعبون في تقديم كمياتٍ إضافيةٍ من مظاهر التعاطف مع الضحايا، مساحات لجوء، وحسابات تبرع، ليهنأ السفاحون بالاستمرار. اليوم، ها هو بشار الأسد بعد كل هذه المذابح والجرائم يحتفل بانتصاره (الديمقراطي جدًا) وفوزه بالرئاسة لفترة جديدة، وهذا خليفة حفتر يلقي خطبة في استعراض عسكري يتحدى به العالم بأسره، ويخرج لسانه لكل الذين أعلنوا أنهم رعاة الاستقرار في ليبيا، وداعمو نظامها السياسي صاحب الشرعية الوليدة..وها هو عبد الفتاح السيسي يتأهب قضاؤه وبرلمانه لتعديل دستوري يتيح له الترشح مرات بلا عدد، في الوقت الذي تستعد فيه العواصم التي صادقت الربيع العربي لمد البساط الأحمر لاستقباله. اليوم، تبدو مقولات معلبة مثل "الجريمة لا تفيد" محض نكتة تفجر شلالات من الضحك، في ظل واقع تبحث فيه الدول والحكومات عن مصالحها، وتسعى إليها بكل الطرق، حتى بالتصالح مع ما كان قبل أسابيع قليلة قبحًا. والحال كذلك، من العبث أن يحاول أحد تقييم أداء حكومة أو سلطة بمعايير الثورية، ومن المنطقي أن تضع الحكومات مصالحها المرحلية فوق كل اعتبار. من حق أي أحد أن يقرر أن يتصالح مع من يشاء في الوقت الذي يحدده، حتى لو تصالح مع القبح نفسه، غير أن ذلك كله لن يجعل من القبح جمالًا، أو يفرضه على أحد.. أو يقتلع الحلم والمعنى والمبدأ من أعماق الذاكرة.. أو يجعلنا نعتذر عن ربيع كان الكل يطلب القرب منه.
هو السلطان محمد الثاني (833-886 هـ/1429-1481 م)، ويعتبر السلطان العثماني السابع في سلسلة آل عثمان ويلقب بـ"الفاتح"، و"أبي الخيرات"، حكم ما يقارب 30 عاما كانت خيرا وعزة للمسلمين، تولى حكم الدولة العثمانية بعد وفاة والده في 16 محرم 855 هجري الموافق 18 فبراير/شباط 1451 ميلادي، وكان عمره آنذاك 22 سنة.
امتاز السلطان محمد الفاتح بشخصية فذة جمعت بين القوة والعدل، كما أنه فاق أقرانه منذ حداثته في كثير من العلوم التي كان يتلقاها في مدرسة الأمراء، خاصة معرفته لكثير من لغات عصره، وميله الشديد لدراسة كتب التاريخ، مما ساعده في ما بعد على إبراز شخصيته في الإدارة وميادين القتال، حتى أنه اشتهر أخيرا في التاريخ بلقب "محمد الفاتح" لفتحه القسطنطينية.
انتهج محمد الفاتح المنهج الذي سار عليه والده وأجداده في الفتوحات، وبرز بعد توليه السلطة في الدولة العثمانية بقيامه بإعادة تنظيم إدارات الدولة المختلفة، واهتم كثيرا بالأمور المالية، فعمل على تحديد موارد الدولة، وطرق الصرف منها بشكل يمنع الإسراف والبذخ، وكذلك ركز على تطوير كتائب الجيش، فأعاد تنظيمها، ووضع سجلات خاصة بالجند وزاد مرتباتهم وأمدهم بأحدث الأسلحة المتوافرة في ذلك العصر.
وعمل على تطوير إدارة الأقاليم، وأقر بعض الولاة السابقين في أقاليمهم، وعزل من ظهر منه تقصير أو إهمال، وطور البلاط السلطاني، وأمدهم بالخبرات الإدارية والعسكرية الجيدة، مما ساهم في استقرار الدولة والتقدم إلى الأمام.
وبعد أن قطع أشواطا مثمرة في الإصلاح الداخلي تطلع إلى المناطق المسيحية في أوروبا لفتحها ونشر الإسلام فيها، وقد ساعدته عوامل عدة في تحقيق أهدافه، منها: الضعف الذي وصلت إليه الإمبراطورية البيزنطية بسبب المنازعات مع الدول الأوروبية الأخرى، وكذلك بسبب الخلافات الداخلية التي عمت جميع مناطقها ومدنها.
ولم يكتف السلطان محمد بذلك، بل عمل بجد من أجل أن يتوج انتصاراته بفتح القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية البيزنطية والمعقل الإستراتيجي المهم للتحركات الصليبية ضد العالم الإسلامي لفترة طويلة من الزمن والتي طالما اعتزت بها الإمبراطورية البيزنطية بصورة خاصة، والمسيحية بصورة عامة، وجعلها عاصمة للدولة العثمانية، وتحقيق ما عجز عن تحقيقه أسلافه من قادة الجيوش الإسلامية.
أولا: مكانة القسطنطينية في التاريخ
تعد القسطنطينية من أهم المدن العالمية، وقد أسست في عام 330 ميلادي على يد الإمبراطور البيزنطي قسطنطين الأول، وكان لها موقع عالمي فريد، حتى قيل عنها "لو كانت الدنيا مملكة واحدة لكانت القسطنطينية أصلح المدن لتكون عاصمة لها"، ومنذ تأسيسها اتخذها البيزنطيون عاصمة لهم، وهي من أكبر المدن في العالم وأهمها.
عندما دخل المسلمون في جهاد مع الدولة البيزنطية كانت لهذه المدينة مكانتها الخاصة في ذلك الصراع، ولذلك فقد بشر الرسول -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بفتحها في عدة مواقف، من ذلك ما حدث أثناء غزوة الخندق، ولهذا فقد تنافس خلفاء المسلمين وقادتهم على فتحها عبر العصور المختلفة طمعا في أن يتحقق فيهم حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- "لتفتحن القسطنطينية على يد رجل، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش!".
لذلك، فقد امتدت إليها يد القوات المسلمة المجاهدة منذ أيام معاوية بن أبي سفيان في أولى الحملات الإسلامية عليها سنة 44 هجرية ولم تنجح هذه الحملة، وقد تكررت حملات أخرى في عهده حظيت بنفس النتيجة.
كما قامت الدولة الأموية بمحاولة أخرى لفتح القسطنطينية، وتعد هذه الحملة أقوى الحملات الأموية عليها، وهي تلك الحملة التي تمت في أيام سليمان بن عبد الملك سنة 98 هجرية.
واستمرت المحاولات لفتح القسطنطينية، حيث شهد العصر العباسي الأول حملات جهادية مكثفة ضد الدولة البيزنطية، ولكنها لم تتمكن من الوصول إلى القسطنطينية نفسها وتهديدها، مع أنها هزتها وأثرت على الأحداث داخلها، خاصة تلك الحملة التي تمت في أيام هارون الرشيد سنة 190 هجرية.
وفي مطلع القرن الثامن الهجري (الـ14 الميلادي) تجددت المحاولات الإسلامية لفتح القسطنطينية، وكانت البداية حين جرت محاولة لفتحها في أيام السلطان بايزيد "الصاعقة" الذي تمكنت قواته من محاصرتها بقوة سنة (796هجرية/1393 ميلادية)، وفي الوقت نفسه وصلت جيوش المغول يقودها تيمورلنك إلى داخل الأراضي العثمانية، حيث هزمت القوات العثمانية وأسر بايزيد "الصاعقة" ثم مات بعد ذلك في الأسر سنة (1402 ميلادية)، ثم تلت ذلك مرحلة تفكك الدولة العثمانية، وقد تناولنا هاتين المرحلتين في مقالات سابقة.
وما إن استقرت الأحوال في الدولة حتى عادت روح الجهاد من جديد، ففي أيام السلطان مراد الثاني -الذي تولى الحكم في الفترة (824-863 هجرية/ 1421-1451 ميلادية)- جرت عدة محاولات لفتح القسطنطينية، وتمكنت جيوش العثمانيين في أيامه من محاصرتها أكثر من مرة، وكان الإمبراطور البيزنطي أثناء تلك المحاولات يعمل على إيقاع الفتنة في صفوف العثمانيين بدعم الخارجين على السلطان، وبهذه الطريقة نجح في إشغاله عن هدفه الذي حرص عليه، فلم يتمكن العثمانيون من تحقيق ما كانوا يطمحون إليه إلا في زمن ابنه محمد الفاتح في ما بعد.
ثانيا: الإعداد المبكر لفتح القسطنطينية
لقد ساهمت تربية العلماء على تنشئة محمد الفاتح على حب الإسلام، والإيمان، والعمل بالقرآن، وسنة سيد الأنام، ولذلك نشأ على حب الالتزام بالشريعة الإسلامية، واتصف بالتقى والورع وحب العلم والعلماء وتشجيع نشر العلوم.
ويعود تدينه الرفيع للتربية الإسلامية الرشيدة التي تلقاها منذ الصغر بتوجيهات من والده، وجهود الشخصيات العلمية القوية التي أشرفت على تربيته، وصفاء أولئك الأساتذة الكبار ممن أشرفوا على رعايته، وعزوفهم عن الدنيا وابتعادهم عن الغرور ومجاهدتهم لأنفسهم.
لقد تأثر محمد الفاتح بالعلماء الربانيين منذ طفولته، ومن أخصهم العالم الرباني أحمد بن إسماعيل الكوراني المشهود له بالفضيلة التامة، وكان مدرسه في عهد السلطان مراد الثاني والد الفاتح، وفي ذلك الوقت كان محمد الثاني "الفاتح" أميرا في بلدة مغنيسيا، وقد أرسل إليه والده عددا من المعلمين، ولم يمتثل أمرهم، ولم يقرأ شيئا حتى أنه لم يختم القرآن الكريم، فطلب السلطان المذكور رجلا له مهابة وحدّة، فذكروا له المولى "الكوراني" فجعله معلما لولده.
هذه التربية الإسلامية الصادقة وهؤلاء المربون الأفاضل ممن كان منهم بالأخص هذا العالم الفاضل ممن يمزق الأمر السلطاني إذا وجد فيه مخالفة للشرع، أو لا ينحني للسلطان ويخاطبه باسمه، ويصافحه ولا يقبّل يده، بل السلطان يقبّل يده من الطبيعي أن يتخرج من بين جنباتها أناس عظماء كمحمد الفاتح، وأن يكون مسلما مؤمنا ملتزما بحدود الشريعة، مقيدا بالأوامر والنواهي، معظما لها، ومدافعا عن إجراءات تطبيقها على نفسه أولا، ثم على رعيته، تقيا صالحا يطلب الدعاء من العلماء العاملين الصالحين.
وبرز دور الشيخ آق شمس الدين في تكوين شخصية محمد الفاتح، وبث فيه منذ صغره أمرين هما:
*مضاعفة حركة الجهاد العثمانية.
*الإيحاء دوما لمحمد منذ صغره بأنه الأمير المقصود بالحديث النبوي "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش!"، لذلك كان الفاتح يطمع أن ينطبق عليه حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المذكور.
ثالثا: التخطيط للفتح
بذل السلطان محمد الثاني جهوده المختلفة للتخطيط والترتيب لفتح القسطنطينية، وبذل في ذلك جهودا كبيرة في تقوية الجيش العثماني بالقوى البشرية حتى وصل تعداده إلى قرابة ربع مليون مجاهد، وهذا عدد كبير مقارنة بجيوش الدول في تلك الفترة، كما عني عناية خاصة بتدريب تلك الجموع على فنون القتال المختلفة، وبمختلف أنواع الأسلحة التي تؤهلهم للعملية الجهادية المنتظرة، كما اعتنى الفاتح بإعدادهم إعدادا معنويا قويا، وغرس روح الجهاد فيهم، وتذكيرهم بثناء الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الجيش الذي يفتح القسطنطينية، وعسى أن يكونوا هم الجيش المقصود بذلك، مما أعطاهم قوة معنوية وشجاعة منقطعة النظير، كما كان لانتشار العلماء بين الجنود أثر كبير في تقوية عزائم الجنود، وربطهم بالجهاد الحقيقي وفق أوامر الله.
وقد اعتنى السلطان بإقامة قلعة "روملي حصار" في الجانب الأوروبي على مضيق البوسفور في أضيق نقطة منه مقابل القلعة التي أسست في عهد السلطان بايزيد في البر الآسيوي، وقد حاول الإمبراطور البيزنطي ثني السلطان الفاتح عن بناء القلعة مقابل التزامات مالية تعهد بها إلا أن الفاتح أصر على البناء، لما يعلمه من أهمية عسكرية لهذا الموقع حتى اكتملت قلعة عالية ومحصنة، وصل ارتفاعها إلى 82 مترا، وأصبحت القلعتان متقابلتين ولا يفصل بينهما سوى 660 مترا، تتحكمان في عبور السفن من شرقي البوسفور إلى غربيه، وتستطيع نيران مدافعهما منع أي سفينة من الوصول إلى القسطنطينية من المناطق التي تقع شرقها مثل مملكة طرابزون وغيرها من الأماكن التي تستطيع دعم المدينة عند الحاجة.
أ/ اهتمام السلطان بجمع الأسلحة اللازمة:
اعتنى السلطان عناية خاصة بجمع الأسلحة اللازمة لفتح القسطنطينية، ومن أهمها المدافع التي أخذت اهتماما خاصا منه، حيث أحضر مهندسا مجريا يدعى "أوربان" كان بارعا في صناعة المدافع، فأحسن استقباله، ووفر له جميع الإمكانيات المالية والبشرية، وقد تمكن هذا المهندس من تصميم وتنفيذ العديد من المدافع الضخمة، كان على رأسها المدفع السلطاني المشهور الذي ذكر أن وزنه كان يصل إلى مئات الأطنان، وأنه يحتاج إلى مئات الثيران القوية لتحريكه، وقد أشرف السلطان بنفسه على صناعة هذه المدافع وتجريبها.
ب/ الاهتمام بالأسطول:
يضاف إلى هذا الاستعداد ما بذله الفاتح من عناية خاصة بالأسطول العثماني، حيث عمل على تقويته وتزويده بالسفن المختلفة، ليكون مؤهلا للقيام بدوره في الهجوم على القسطنطينية، تلك المدينة البحرية التي لا يكمل حصارها دون وجود قوة بحرية تقوم بهذه المهمة، وقد ذكر أن السفن التي أعدت لهذا الأمر بلغت أكثر من 400 سفينة.
وسنتناول في مقالات لاحقة بداية الهجوم على القسطنطينية، وما تخلله من مراحل حتى الوصول إلى الفتح العظيم.