الخميس، 12 أغسطس 2021

أمريكا وخونة الأفغان

 أمريكا وخونة الأفغان



الشيخ عبد الله بن فيصل الأهدل

في الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين عز الدنيا والآخرة

بايدن يعد عملاءه من خونة الأفغان بتوطينهم في بلدان أخرى

حملت لنا الأخبار ما أعلنه الرئيس الأمريكي جو بایدن من وصول أول دفعة من المترجمين الأفغان الذين تعاونوا مع القوات الأمريكية خلال فترة احتلالها لأفغانستان..

وأشار بایدن إلى وصول ۲۰۰ مترجم فقط من بين عشرات الآلاف من أولئك العملاء المتوقع إجلاؤهم خشية سيطرة حركة طالبان على البلاد..

وقال – وهو كاذب- في بيانٍ نشره البيت الأبيض: اليوم يمثل محطة مهمة في وقت نواصل الوفاء بوعدنا لآلاف المواطنين الأفغان، الذين عملوا جنبا إلى جنب مع القوات الأمريكية ودبلوماسينا في السنوات العشرين الماضية في أفغانستان…

وأضاف: أريد أن أشكر هؤلاء الأفغان الشجعان لوقوفهم بجانب الولايات المتحدة، واليوم أنا فخور بالقول لهم: مرحبا بكم في الوطن.

وقد تقدم هؤلاء العملاء الأفغان بطلبات إجلاء بموجب برنامج تأشيرات الهجرة الخاصة، الذي تشرف عليه وزارة الخارجية.. .

ويقدر البعض أن العدد الإجمالي للأشخاص الذين سيتم إجلاؤهم بموجب “عملية ملجأ الحلفاء” سيصل إلى 100 ألف بعد احتساب أفراد العائلات..

وهذا العدد لا يشمل المترجمين الفوريين فحسب، بل يشمل أيضا أولئك الذين يقدمون دعما استخباراتيا وكمسؤولين في حكومة كابول ويشغلون وظائف حساسة أخرى لحساب الولايات المتحدة الأمريكية والقوات المتحالفة معها..

وهذه الدفعة الأولى من الوافدين هم الذين اجتازوا التدقيق الأمني الصارم للمخابرات الأمريكية وغيرها من أجهزتهم.

وقد نقل أفراد هذه المجموعة إلى قاعدة “فورت لي” العسكرية في ولاية فرجينيا، حيث سيخضعون للمزيد من التدقيقات والفحوص الطبية ونحوها..

تظاهر آلاف العملاء في كابول رعبا وطلبا للحماية

وما زال الآلاف الأخرين ينتظرون انتهاء الفحوص الأمنية المشددة والتصريح لهم لمغادرة أفغانستان، وقد نظم عامة هؤلاء تظاهرات احتجاجية في كابول خلال الأسابيع الأخيرة لإظهار محنتهم وشدة رعبهم من قرب سيطرة طالبان الكاملة…

وقد أفادت الأخبار أن العديد من هؤلاء الأفغان الذين عملوا مع القوات الأمريكية قد تم تعقبهم وقتلهم على أيدي قوات طالبان..

ومن المتوقع أن تنقل الولايات المتحدة بعضهم إلى دول أخرى في انتظار التدقيقات الأمنية والموافقة النهائية لهجرتهم.. وقال السناتور تیم کین – قبل أيام-: إن الكويت وقطر من البلدان التي ستستخدم، وإن مسؤولين أمريكيين يناقشون احتمال استخدام كوسوفو وكازاخستان للغرض نفسه..

نواب كويتيين يرفضون استضافة الكويت للمترجمين الافغان

وفي سياق ما قاله کين فقد أفادت الأخبار بحراك كويتي داخلي لرفض استقبال أولئك على أرض الكويت؛ فقد عبر عدد من النواب الكويتيين عن رفضهم لاستضافة الكويت للمترجمين الأفغان الذين عملوا مع الجيش الأمريكي وبدأت عملية إجلائهم من وطنهم خشية انتقام محتمل من حركة طالبان ..

وقال النائب أحمد مطیع العازمي – وهو أحد الرافضين لهذه الاستضافة التي لم يتم البت فيها رسما من قبل السلطات الكويتية حتى الآن -: الكويت غير قادرة على احتضان هؤلاء المطلوبين لجهات أخرى وبهذه الأعداد الكبيرة..

وأضاف أن استضافة هؤلاء المترجمين تأتي بمثابة “تهديد صريح للأمن القومي والاستراتيجي للكويت”.

وقال: إنه يجب على رئيس الوزراء رفض الطلب الأمريكي بهذا الخصوص، مضيفا أن الكويت خط أحمر..

وكان النائب مرزوق الخليفة قد تقدم بسؤال لوزير الخارجية الشيخ أحمد الناصر بهذا الشأن طالب فيه بتوضيح حقيقة هذا الأمر الذي تداولته صحف أمريكية، وعدد المترجمين الذين سيدخلون الكويت في حال تمت المفاوضات والموافقة، والجهة المسؤولة عن مصروفهم.

وحذر النائب بدر الحميدي من موافقة الحكومة على استضافة هؤلاء المترجمين قائلا: تداولت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي أن الولايات المتحدة تضغط لتسكين عدد كبير من الأشخاص بعد انسحابهم من أفغانستان للعمل في الكويت…

إن صحت هذه المعلومة فهذا سيشكل خللا في التركيبة السكانية، ولذلك نحذر الحكومة من اتخاذ مثل هذه القرارات..

وبرر نواب كويتيون آخرون رفضهم بعدة اعتبارات منها: الحفاظ على الأمن القومي والاستراتيجي، وخشية الخلل في التركيبة السكانية..

وهذا يعني خشية هؤلاء النواب من توطين أمريكا لعملائها في الكويت لا لمجرد الاستضافة أو التوطين المؤقت.. .

وقد أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح أن موضوع نقل المترجمين الأفغان تم طرحه خلال اجتماعاته في الكويت.

وكان مسؤولون أمريكيون قد أكدوا قبل أيام:

استعداد الجيش الأمريكي لإيواء ما يصل إلى 35 ألف مترجم أفغاني وأفراد عائلاتهم في قاعدتين أمريكيتين في الكويت وقطر؛ لحمايتهم من انتقام محتمل من مقاتلي طالبان الذين يحققون تقدما في جميع أنحاء أفغانستان – وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”

ولاء الكافرين مُؤذِن بخسران الدنيا والآخرة

ونقول وبالله التوفيق: إن المنافقين الخونة في كل زمان ومكان يجازفون بخسران الدنيا والآخرة.. أما خسران الأخرة فبعذاب أليم أو بخلودهم في الدرك الأسفل من النار ..

وأما خسران الدنيا فمفارقة الأوطان، ولأن أهل الإيمان يبغضوهم ويعادونهم، ومن الجانب الأخر فإن أهل الكفر لا يثقون بهم لمجرد خياناتهم المبدأية؛ بل يطلبون منهم المزيد والمزيد لإثبات صدق ولائهم لهم..

وهذا ما يحدث هذه الأيام – مع الثلة الأفغانية الذين تولوا الغزاة الأمريكان المعتدين على أفغانستان وشعبها؛ فقد بادروا إلى الثقة بقوة الأمريكان، واندحار قوات طالبان، وتمكن الأمريكان وعملائهم من حكم أفغانستان فقدموا أنفسهم الرخيصة لخدمة الكفرة الغزاة.. .

وكان الكثير من هؤلاء يعملون مترجمين للغزاة، وهذا يعني أنهم من الطبقة التي حصلت على قدر من التعليم، وليسوا من طبقة السذج الذين يمكن خداعهم بسهولة.. والمقصود أنهم اختاروا واستحسنوا تولي الكفار ومعاداة شعوبهم من أجل فتات من الدنيا .. .

وها هي أمريكا تظهر الحفاوة بعملائها وسعة الصدر لاحتوائهم نظريا، والواقع العملي خلاف ذلك تماما، وأبرز دليل على ذلك تظاهراتهم في كابول غضبا على أمريكا، وأيضا السعي الأمريكي الواضح للتخلص منهم بإيواءهم في بلدان أخرى كالكويت وقطر ليكونوا منبوذين مغضوب عليهم – كما رأينا من النواب الكويتيين وغيرهم-..

والتدقيق الأمني يعني تدمير هؤلاء العملاء تدميرا ممنهجا لمعرفة مدى إخلاصهم في موالاتهم؛ فأجهزة المخابرات الأمريكية لا تريد – بالتأكيد – أية مشاكل محتملة قد يلامون عليها ويتهمون بضعف تدقیقهم، ولذلك لا نتوقع مرور كثير من هؤلاء في هذا الامتحان العصيب..

التَوَلِّي التام للكافرين كفر مُخرج من الملة

وأخطر ما يواجهه هؤلاء الخونة هو ما ينتظرهم من عذاب في الآخرة – إن ماتوا بغير توبة نصوح-؛ فإ ن من يتولى الكفار يكون منهم كما قال الله عز وجل:{وَمَن یَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ}[(المائدة:51)]

وقال تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَتَّخِذُوا۟ عَدُوِّی وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِیَاۤءَ تُلۡقُونَ إِلَیۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ)إلى قوله:( وَمَن یَتَوَلَّهُمۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ)(الممتحنة:1-9)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “فَإنَّ المُؤمنينَ أَوْليَاءُ اِلله وَبَعْضُهُمْ أَوْليَاءُ بَعْضٍ، والكُفَّارُ أَعْدَاءُ اللهِ وأَعْدَاءُ المُؤمِنِينَ. وَقَدْ أَوْجَبَ المُوَالاةَ بَينَ المُؤْمِنينَ وَبَيَّن أنَّ ذَلِكَ مِنْ لَوَازِم الإيمَانِ، ونَهَى عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ مَنْتفٍ فيِ حَقِّ المُؤْمِنِينَ، وَبَيَّنَ حَالَ المُنَافِقِينَ فِي مُوَالَاةِ الكَافِرينَ…”.

ثم ذكر جملة من الآيات الدالة على ذلك؛ منها الأيات المذكورة، وقال: “فَذَمَّ مَنْ يَتَولَّى الكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ قَبْلَنا وَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي الإيمَانَ…”. اه 1

والتَولِّي التام يستوجب الكفر؛ يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي عند تفسيره لقوله تعالى: (وَمَن یَتَوَلَّهُمۡ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ)[الممتحنة/۹] : “وذلك الظلم يكون بحسب التولِّي، فإن كان تولِّياً تاماً كان ذلك كفرا مخرجا عن دائرة الإسلام، وتحت ذلك من المراتب ما هو غليظ وما هو دونه”. اه

والتدقيق الأمني الأمريكي المقصود منه إثبات التولِّي التام، ومن حاز تلك المرتبة عندهم فهو الفائز بجوائزهم وحفاوتهم..

وأما من ثبت عليه عندهم أنَّ تولِّيه مدخول فإنه لن ينال رضاهم، وهو معرض للاستبعاد والشقاء الدنيوي..

وعن مثل هذا النوع الثاني يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “ومن المعلوم أن العبد وإن أقر بالآخرة فهو يطلب حسن عاقبة الدنيا؛ فقد يطلب ما لا بد منه من دفع الضرر وجلب المنفعة، وقد يطلب من زيادة النفع ودفع الضرر ما يظن أنه مباح، فإذا اعتقد أن الدين الحق قد ينافي ذلك؛ لزم من ذلك إعراض القلب عن الرغبة في كمال الدين الحق، وفي حال السابقين والمقربين؛ بل قد يعرض عن حال المقتصدين أصحاب اليمين فيدخل مع الظالمين؛ بل قد يكفر ويصير من المرتدين المنافقين أو المعلنين بالكفر، وإن لم يكن هذا في أصل الدين كان في كثير من أصوله وفروعه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيا. ». وذلك إذا اعتقد أن الدين لا يحصل إلا بفساد دنياه، ولذلك فإنه يفرح بحصول الضرر له ويرجو ثواب ضياع ما لا بد له من المنفعة.

وهذه الفتنة التي صدت أكثر بنى أدم عن تحقيق الدين، وأصلها الجهل بحقيقة الدين وبحقيقة النعيم الذي هو مطلوب النفوس في كل وقت…”. اه 2

فمن جهل حقيقة الدين وحقيقة النعيم باع نفسه لعدوه فأهلكها ظنا منه أنه يبحث عن منفعة ونجاة نفسه ومن يعول، ولهذا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «…  والقرآنُ حُجَّةٌ لك أو عليك، كلُّ الناسِ يغدو فبائعٌ نفسَه فمُعتِقُها أو مُوبِقُها ». 3

نسأل الله عز وجل أن يوفقنا ليكون القرآن حجة لنا لا حجة علينا..

الهوامش:

  1. مجموع الفتاوى(192،190/82).
  2. قاعدة في المحبة (ص 140).
  3. رواه مسلم (۲۲۳) من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.

اقرأ أيضاً:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق