نظرية شوال الفئران! ..
في التاريخ حكايات وعبر، وفي روايات الشعوب أحداثاً واقعية نستطيع تطبيقها على ما نعيشه اليوم: فالتاريخ لا يكذب والحكايات هي تراث مرتبط بالشعوب والأمم.
وما قصة الأب الذي جمع أولاده وطلب منهم إحضار حزمة قضبان حطب إلاّ واحدة من تلك الحكايات التي تحض على وحدة الصف
يحكي ان مهندس زراعي يعمل في إحدى قرى الصعيد في مصر، استقلّ القطار المعهود في طريقه إلى القاهرة ، وصدف أن جلس بجانبه فلاح مسنّ من أهالي القرية ، كانت الحياة قد تركت تغضّناتها على وجهه الأسمر ويديه المعروقتين . لاحظ المهندس أن بين قدمي الفلاح كيساً (شوالا) محكم الرباط من أعلاه وتصدر منه أصوات غريبة ، وخلال الطريق كان الفلاح ينحني ليقلّب الكيس ويخلط محتوياته كلّ ربع ساعة تقريبا ، ثم يعيد وضعه بين قدميه ، واستمرّ على هذا المنوال طيلة الطريق ..
استغرب المهندس الزراعي هذا التصرّف من الفلاح ، فسأله : ما قصة هذا الكيس؟!!..
أجاب الفلاح : أنا أقوم عادة باصطياد الجرذان والفئران من المزارع والحقول ، وأضعها في هذا الكيس ثم أبيعها وأوردها إلى المركز القومي للبحوث الزراعية بالقاهرة ، ليستخدمها في التجارب المخبرية التي يجريها ..
قال المهندس : ولماذا تقلّب هذا الكيس وتهزّه بين الفينة والأخرى ؟!! ..
نظر الفلاح إليه مبتسماً وقال وكأنه يكشف عن سرّ عميق : هذا الكيس فيه جرذان وفئران ، وهي من القوارض كما تعلم ، ولو تركت الكيس دون تقليب وهزّ لأكثر من ربع ساعة ستشعر تلك القوارض بالراحة والاستقرار، فتستكين الى الوضع الراهن وتتوقف عن التوتر الغريزي ، ولن يطول الوقت حتى يبدأ كلّ واحد منهم بقضم الشوال ومن ثم ثقبه والخروج منه ، لذلك أهزّه كل ربع ساعة كي أبعث خوفهم وأثير قلقهم وأبقيهم في توتر دائم واضطراب مستمر، فتنشغل بالعراك فيما بينها ، منساقة بغرائزها الرامية الى خفض التوتر كمحاولات بديلة ، وتنسى موضوع ثقب الشوال ، وهكذا حتى أصِل بها مركز البحوث في العاصمة ..
عقدت الدهشة لسان المهندس، وبدت عليه علامات الإعجاب بطريقة تفكيرهذا الفلاح «الأمّي» وحكمته وكيف اهتدى، دون أن يدري ، إلى نظرية (شوال الفئران) التي تتضمن توظيف أثر «التوتر الغريزي» في إدارة «الخلافات الصغيرة» ، وكيف نجح في «إشغال» تلك القوارض بعراك داخلي لتبديد طاقاتها وإلهائها عما يمكن أن يؤدي إلى خروجها من الاحتباس والاختناق داخل الكيس ..
وسرح المهندس بأفكاره بعيدا في سياسات الدول الكبرى والمستجيبين الصغار إلى حيلها وألاعيبها اتجاه مناطق (رخوة ) في العالم ، وكيف استطاعت توظيف «التوتر الغريزي» لدى البعض ليكون أداة تفقد الشعوب الشعور بالاستقرار والاطمئنان، وتسلب من الأوطان الأمن والأمان ، ويمكّن أصحاب المصالح (في الخارج والداخل ) وتجار الأزمات وأمراء الحروب من الاستمرار في «هز الكيس» كلما استقرّ ، باستخدام القوى الناعمة وتحت شعارات مغرية براقة كالحرية ، والعدالة وحقوق الإنسان ، والديموقراطية ، ومكافحة الارهاب ، دون أن تنسى ارتداء ثوب الوطنية المزيف في بعض الأحيان !!..
في غياب الوعي الجمعي ، تنساق الشعوب إلى إغراءات تلك الشعارات فتسير خلف المتلاعبين بغرائزها ، وينسى الجميع أن النجاة والخلاص هما في « قضم الكيس وثقبه » .. كيسٌ يتشكل نسيجه من النعرات الدينية والخلافات المذهبية والمنازعات الطائفية والخصومات العرقية .. كيسٌ يحكم رباطه الجهل والتخلف والموروث المتكلس والأمراض الاجتماعية المزمنة والفساد والمصالح الفردية الضيقة .. كيسٌ تُوجه فيه الطاقات المجتمعية إلى وجهات تتعطّل فيها القدرات الذاتية ، وتشلّ فيه المحاولات المخلصة والشريفة لمعالجة مواطن الخلل وبواعثها الداخلية ..
همس المهندس لنفسه : إنها نظرية «الشوال والفئران» التي تستحق أن تدرّس في الجامعات والمعاهد العليا وأقسام السياسة والإعلام وتوجيه الرأي العام ، فمتى يتغلب العقلاء على «التوتر الغريزي» ويتنبهون إلى حيل (الفلاح الدولي) الذي يهز «كيس » مصالحه لتظل الدول والشعوب مشغولة بنفسها عن الاستعداد لصد المخاطر التي تهدد أمنها ومستقبلها ومصالحها الوطنية ؟؟..
هكذا هي سياسة وفلسفة الغرب تجاه الوطن العربي وشعوبه فكلما استراحت شعوبنا من مصائبهم أطلقوا الدسائس والفتن وأكثرها دينية وقاموا بتحريك الكيس ، وأطلقوا الشعارات الكاذبة في محاربة الإرهاب ..... كي يبقوا متحكمين ومسيطرين على الساحة السياسة والاقتصادية
ونسوا او تناسوا أنهم هم من صنع الإرهاب وصدره ..
فكلما حرك الغرب الكيس نتقاتل ونتعارك فيما بيننا وننسى أننا ضمن كيس واحد
هل وعينا حكمة هذا الإنسان البسيط في عالمنا المعاصر؟
منقول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق