الأحد، 15 أغسطس 2021

1432 - 2011 عام انتفاضة الشعوب !!

 

1432 - 2011 عام انتفاضة الشعوب !!

عَبْداللَّه بن محمد زُقَيْل


استوحيتُ عنوانَ مقالي من تسمية الأعوام بأكبر حوداثها في التاريخ القديم والحديث ، وهو أمر معروف وشائع عند العرب ، ولو رجعنا إلى بعضها على سبيل المثال لا الحصر فمن ذلك : عام الفيل ، عام الحزن ، عام الرمادة ... إلخ .

بل إلى وقت قريب في الجزيرة العربية كانوا يسمون الأعوام بأعظم الحوادث ، و أيضايؤرخون ولادة المواليد بحوادث حصلت حيث لا شهادات ميلاد تدونُ وقتَ وتاريخَ ومكانَ الولادةِ ، فيقولون مثلا : ولد في عام الجراد .

عام 1432هـ - 2011 هو عام انتفاضة الشعوب ضد بعض الأنظمة المستبدة والظالمة ، فكان منها ما لم يكن في الحسبان فأسقطت أنظمةً عرفت أنها من أجرم الأنظمة بوليسية في العالم .
سقوط الأنظمة سمةٌ بارزةٌ في عام 1432هـ - 2011 ، وقد رأيتُ صورةً معبرةً للزعماء الأربعة بن علي ، ويقف بجانبه علي عبد الله صالح ، وبجانبه معمر القذافي ، وأخيرا حسني مبارك ، وكُتب رقم (1) على بن علي ، ورقم (4) على علي عبد الله صالح ، ورقم (3) على القذافي ، ورقم (2) على حسني مبارك ، وهي صورة معبرة جدا تبين تسلسل سقوطهم ومستواحة من عام 1432هـ، ولا شك أن نظام بشار الأسد الدموي الذي أسرف في القتل والتشريد بالشعب السوري ستكون نهايته مثل نهاية تلك الأنظمة ، وليس نظام بشار الأسد إلا نسخة كربونية من أبيه الهالك حافظ الذي نفذ مجزرة حماة عام 1982م ، وكما قال الشاعر :

إِذا ماتَ منهم سَيِّدٌ سُرِقَ ابْنُه 

                       ومن عِضَةٍ ما يَنْبُتَنَّ شَكيرُها

يريد أن الابن يشبه الأب .
وكما قيل : العصا من العُصَيَّةِ ، والحيةُ لا تلد إلا حيةً .
في شهر رمضان 1432هـ وفي العشر الأواخر منه فرح المسلمون بسقوط طاغية ليبيا معمر القذافي ، وانتصار الثوار ، وهو فرح نتمثل له قول الله " قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ " [ يونس : 58 ] .

لقد جثمت هذه الأنظمة ردحا من الزمن على صدور شعوبهم فأذاقوهم الويل والعذاب ، والذل والهوان ، ونهبوا خيراتهم ، وسلبوا حرياتهم ، وكدّسوا أرصدتهم المالية ، وسيطروا على مفاصل الاقتصاد فكانت دُولَةً بَيْنَ أفراد أسرهم ، وحولوا بلادهم إلى سجون كبيرة ، لكن الله لم يهملهم بل أمهلهم لعلهم يعودون فما كان منهم إلا أن زادوا عتوا وتجبرا " لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً " [ الفرقان : 21 ] ، حتى بلغ السيل الزبى بشعوبهم فرددوا : "الموت بكرامة ، ولا الحياة بذل " ، فثاروا ضد تلك الأنظمة المستبدة فبدأت شراراتها الأولى من تونس ، فخرج زعيمها بن علي صاغرا ذليلا فارا لا يلوي إلى مُلكه ولا أمواله التي حشا بها هو وزوجته كل زاوية من زوايا قصره وبجميع أنواع العملات كما أظهرت الكاميرات ، ثم انتقلت تلك الشرارة إلى أرض الكنانة التي كان يصرح المسؤولون فيها أن وضعهم يختلف عن وضع تونس ! ، واستبعدوا انتقالها من تونس إلى مصر ، بل صرح وزير خارجيتها السابق أحمد أبو الغيط عندما سئل عن انتقال الثورة إلى مصر أجاب : " كلام فارغ " ! ، وأتاهم اللهُ من حيث لم يحتسبوا ، فانتفض الشعب حتى سقط النظام ، وكانت العاقبة محاكمة زعيمها واثنين من أولاده مع باقي معاونيه محاكمةً بُثت للعالم أجمع ، وينتظر الشعب نتيجة المحاكمة ، والثالث معمر القذافي الذي اختفى بعد دخول الثوار لمدينة طرابلس ، وهو من قال كلمته المشهورة : " شبر شبر.. بيت بيت.. دار دار.. زنقا زنقا.. فرد فرد.. إلى الأمام إلى الأمام .. ثورة ثورة.. " وسبحان مغير الأحوال ، فأصبح طريدا مطلوبا بعد دخول الثوار لطرابلس ، وأضحت هذه الكلمات تنطبق في حقه !

نقل الإمام ابنُ كثير في "البداية والنهاية" عند أحداث سنة تسعين ومئة للهجرة قصة معبرة ليحيى بن خالد بن برمك تحكي حال أولئك الزعماء الذين أسقطوا عام 1432هـ جاء فيها : " وقال له بعض بنيه وهم في السجن والقيود : يا أبت ! بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال. فقال : يا بني ! دعوة مظلوم سرت بليل ونحن عنها غافلون ولم يغفل الله عنها . ثم أنشأ يقول :

رب قوم قد غدوا في نعمة * * * زمناً والدهر ريان غدق
سكت الدهر زماناً عنهم * * * ثم أبكاهم دماً حين نطق


وختاما
 أرجو من أحد المؤرخين البارزين في العالم الإسلامي أن يقوم بتأريخ انتفاضة الشعوب في عام 1432هـ - 2011 كطريقة الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" لتكون حقبة تاريخية توثق تلك الأحداث يوما بيوم ، وساعة بساعة ، أضف إلى ذلك تصبح مرجعا للأجيال القادمة لمعرفة أحداثها .
عبد الله بن محمد زقيل
zugailamm@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق