السبت، 14 أغسطس 2021

معركة اليرموك الخالدة!

معركة اليرموك الخالدة! 

 قبل يومين في 13 أغسطس 636 م ، كان النصر الإسلامي الحاسم .. معركة اليرموك الخالدة!

هذه بعض أجواء اليرموك

ا.محمد ألهامي

يوم اليرموك، نظر رجل من المسلمين فرأى حشود الروم الهائلة الممتدة فقال: ما أكثر الروم وما أقل المسلمين!

فسمعه خالد بن الوليد فقال له: بل ما أقل الروم وما أكثر المسلمين.. إنما تكثر الجنود بالنصر، وتقل بالهزيمة.

كلمة ذهبية في أحوال النفس والجماعات.. ما تُغني الجموع الكثيرة إذا كانت تنهزم مرة تلو الأخرى (وهي حالة الروم يومئذ)، وكيف تقوى الجموع القليلة طالما تنتقل من نصر إلى نصر.

كان بعض جنود الروم في اليرموك مربوطين إلى بعضهم بالسلاسل، فقد استشعرت القيادة أنهم قد لا يثبتون لهجوم المسلمين، فكان هذا مما ساهم في ارتباك انسحابهم ووقوع بعضهم فوق بعض!

وقبل اليرموك، في موقعة مرج الصفر لاحظ الروم أن فرسان الروم لا تثبت أمام فرسان المسلمين، فوضعوا حول كل فارس حامل سهم وحامل رمح، ففهم خالد بن الوليد تلك الثغرة فضغط بفرسانه على جوانب الجيش فاضطر فرسانهم لصد هجومه فانفصلوا عن حملة القوس والرماح فكرَّ عليهم بفرسانه فهزمهم!

لماذا أقول هذا الآن..

أقوله لأن خبر براءة مبارك النهائي أضفى على الشباب مسحة يأس وحزن وأسف، وصار بعضهم يذكر بعضا بما قالوه من قبل:

"لو مبارك خد براءة هنزل التحرير ملط" (مثلا)!
"لو أمن الدولة رجع هفجر نفسي"
"الموت أهون من أن يعود نظام مبارك"
.. إلخ


نعم، في كل اللحظات كان ميزان القوة المادية لصالح السلطة، لكن النظام وهو يعاني الارتباك والتردد والضعف كان ينهزم أمام الثوار الذين زادتهم انتصاراتهم قوة إلى قوتهم!

أما بعد تلك الهزائم، فقد انقلب الحال.. وصار الضابط لا يتردد في أن يهاجم جمعا بمسدسه، بينما كان قبل ذلك يفر أمامهم برشاشه، وربما كان الجمع نفس الجمع والضابط نفس الضابط!

سُئل أبو مسلم الخراساني: من أقوى الناس؟ فقال: كل قوم في إقبال دولتهم..

كلمة ذهبية أخرى تفسر لك حركة الناس والتاريخ..

لعله لهذا لم يسمح النبي أبدا أبدا أن تتكرر عليه هزيمة، ما إن وقعت في أحد حتى استعد لها في حمراء الأسد في اليوم التالي، بل وأمر ألا يخرج معهم إلا من كان معهم بالأمس!

ثم هو لم يرض أن تبتلع نفوس المسلمين الهزيمة، فصار ينادي عليهم للرد على أبي سفيان: لا سواء.. قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار!

ولهذا لم يسمح أبدا أن يتغلغل اليأس إلى القلوب، ففي الخندق حيث الأيام الرهيبة التي وصفها القرآن بالزلزال الشديد بشرهم بفتح فارس والروم واليمن!


ولهذا حين تزلزل جيش المسلمين في حنين، سارع النبي إلى الوقوف بمكان ظاهر ينادي في الناس، ويأمر العباس -لجهورية صوته- أن ينادي، ويذكرهم بمواقف الانتصارات القديمة: يا أصحاب الشجرة (أي شجرة بيعة الرضوان، حين بايعوا على الموت)، يا أصحاب سورة البقرة.. هلموا هذا رسول الله.. ونادى النبي قائلا:


أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبد المطلب

فصار المسلمون -كما يصفهم الرواة- يعودون إلى النبي كما تعود البقرة حنينا لأولادها، حتى أن الواحد منهم إذا لم يطاوعه فرسه على الرجوع ألقى بنفسه من عليه وتركه وعاد إلى النبي.

وهو فقه تعلمه منه الصحابة فلم يكد يتكرر عليهم هزيمة إلا وكان النصر التالي في خلال أيام.. فقد هُزِمت جيوش لأبي بكر في الردة -كجيش شرحبيل وعكرمة في اليمامة- فأتبعها بخالد بن الوليد فانتصر عليهم وقضى على ردتهم.. وأخفق جيش خالد بن سعيد بن العاص مرتين أو ثلاثا في حرب الروم فأخرج له أربعة جيوش بقيادة أبي عبيدة وشرحبيل ويزيد بن أبي سفيان وعمرو بن العاص.

وهُزِم المسلمون في معركة الجسر أمام الفرس بقيادة أبي عبيد بن مسعود الثقفي (15 شعبان 13 هـ) فلم تمض عشرون يوما إلا وانتصروا في البويب (13 رمضان 13 هـ).

والأمر يطول استقصاؤه، ويقصر المجال عنه.. وانظر ماذا فعل النبي بمن غدروا بأصحابه فقتلوهم!

القصد هو القول بأن النبي، وخلفاؤه، بل وكل ناجح في التاريخ يعرف جيدا أثر الهزيمة على جيشه.. فيبذل كل شيء لئلا تقع، فإن وقعت بذل كل شيء ليمحو أثرها من النفوس!

وقد وصف الله عباده المؤمنين بهذا الوصف العجيب الرهيب (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون)

نحن ابتعدنا عن هذا المثال كثيرا كثيرا..

نحن لدينا قادة يعشقون الحياة في ثوب المحنة، يستلذون العذاب والتضحية، لا يرون في الهزيمة وتكرار الهزيمة إلا ابتلاء وتكرار الابتلاء.. ثم إن لديهم يقينا عجيبا بأنه ابتلاء حب من الله لا عقوبة منه! لا تدري.. هل اطلعوا الغيب أم اتخذوا عند الرحمن عهدا؟!

ثم إنهم، فوق كل هذا، لا يتحركون ولا يعملون عملا فعالا، بل إنهم يوقفون عمل العاملين، يخشون على أنفسهم منهم!! ولا حول ولا قوة إلا بالله!

لأجل هذا كله نقول:


لا ينبغي أن تفلت منا لحظة الثورة، التي أراها لم تنته بعد.. فإن إفلاتها عظيم المأساة شديد التكلفة عميق الأثر!

ولا ينبغي أن ننشر اليأس لأنفسنا بأنفسنا.. ولا يعني هذا توزيع المخدرات بطبيعة الحال، فالسماء لا تمطر نصرا بغير عمل.. ولكن رب كلمة يأس ثبطت عاملا، ورب كلمة عزم ثبتت عاملا وثبطت ظالما!

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون..



مجد امة




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق